أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - جهاد في عالم الضياع















المزيد.....

جهاد في عالم الضياع


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 22:08
المحور: سيرة ذاتية
    


خرجتُ من بيتي منذ أكثر من عشرين عاماًٍ مرتديا قفازا شتويا ومعطفا مصنوعا من الجوخ وجوز جوارب مصنوع من خيوط الصوف وعلى عيوني نظارة طبية من أرخص أنواع المعادن التي لا تصدأ أبدا وبيدي اليمنى كتابا وبيدي اليسرى شمسية تحميني من شدة هطول المطر, ومشيت قرابة ساعة من الزمن من بيتي حتى وصلت إلى المكتبة لأبتاعَ منها بعض الكتب, ومنذ ذلك اليوم انقطعتُ عن العالم المحيط بي لا أحد يعرُف شيئا عني ولا أنا أعرف شيئا عن ذاك العالم الذي هجرني وهجرته ولا أعرفُ من طاب من الناسِ أو مات وأنا ي الحقيقة لا أعرف شيئا لا عن نفسي ولا عن الناس حتى صرتُ غريبا بين أهلي وناسي والبعض من الناس يحاول حتى اليوم أن يستردني أو أن يجدَ سببا مقنعا لغيابي إلا أنني أنا نفسي شخصيا لا أفهم أي شيء عني وفعلا قصة غيابي أصبحت طويلة جدا ومرعبة ومخيفة, أين ذهبتُ لا أدري,وإلى أي مدى سأبقى متغيبا؟ لا أعلم شيئا وأنا بحاجة إلى محللين ومستكشفين يحللوا لي سبب غيابي ويكتشفوا أين أنا اليوم من العالم وأين العالمُ مني... وحتى الآن لم أرجع إلى البيت ولم يرجع بيتي كما كان ي السابق وكلُ شيءٍ قد تغير,الناس تغيرت والشوارع تغيرت والقلوب تغيرت وكل شيء من جمادٍ ومن كائناتٍ حية تغيرت,ترى أين ذهبت؟ هل سافرت؟ هل دهستني سيارة مسرعة؟ ومع من خرجت؟ومن هو آخر متصلٍ بي على الهاتف؟ومن آخر شخصٍ لرآني في الشارع.. لقد انطويتُ على نفسي وانطوت نسي عليّ ولا أحد يعرف بالضبط ما الذي قد حدث لي...وفتش عني أصحابي لبضعة أيام وحين طال البحثُ عني طويلا ناموا من شدة التعب واعتبروني ضمن عداد المقودين وعادوا في الليل يلعبون النرد والشطرنج وكأني ما شاركتهم في اللعب ولا جثوتُ يوما على ركبتي من شدة التعب والتفكير وتقرير مصير اللعبة.. لقد تحطمت الذكريات ونسيني الناسُ بسرعة البرق,وأمي وأخواتي بكين عليّ ساعة من الزمن ثم نسينني وكأنني لم أكن يوما فردا من أفراد العائلة وبعد أقل من شهرٍ على غيابي لم يذكر أحد من عائلتنا اسمي على مائدة الإفطار أو الغداء أو العشاء وكأنني لم أتقاسم لقمة الخبز مع إخواني وكأني ما آثرتُ عليهم نفسي ي أي يومٍ من الأيام وهكذا اختفيت وأثرتُ ضجة كبيرة في بداية الأمر إلا أن الموقف بعد ذلك أصبح باردا جدا ..أما أقربائي فقد تباحثوا في أمري في إحدى الغزوات والدعايات البرلمانية وفي إحدى المناسبات العائلية لمدة نصف ساعةٍ ومن ثم نسوا الموضوع بالكامل وكأنني لم أعش بينهم,.ولا أحد يعرفُ بالضبط عني أي شيء أو إن كنت حيا أو ميتا,وقال عني رجلٌ مهووس بحكايا الجن والعفاريت بأن جنية تزوجتني واختطفتني معها إلى عالمها الآخر...وقال عني أحد رعاة الغنم بأنه رآني وقد غادرت الأرض واستحال جسمي إلى غمامة شتوية وقد انتشر النور في نفس المكان الذي اختفيت فيه... وقيل عني أنني في غياهب السجون وقيل عني بأنني أعيش في جزيرة شبه معزولة وقيل عني بأنني مختبئ بين الحارات والأزقة وقيل عني بأنني انتحرت سياسيا,وقيل بأنني أصبحت وكيلا للطغاة أصادر العشب والماء وأحرقُ جوازات السفر وكل ما يقال عني حتى الآن يعتبر مجرد إشاعات ليس لها دليلا من الصحة وإن الحكاية من أولها إلى آخرها مجرد محض صدفة وافتراء..,أنا ما زالتُ على قيد الحياة ولكنني مدفون حيا وفعلا أنا مقود وانتهى الأمر ولا أريد من أي أحدٍ أن يبحث عني أو يفتش عني بين الزحام وبين حبات المطر,لقد اعتدتُ على وضعي ولا أريدُ أن أعود إلى عالمي الحقيقي لكي لا تتكرر المآسي من جديد ولكي لا أدخل قصة حبٍ جديدة أستشهدُ فيها مرة ثانية...أنا اختفيت عن هذا الوجود بملء إرادتي وأنا اخترت لنفسي أن أعيش مفقودا في نظر كل الناس وأي إنسان عاقل يعيش في بيئة مثل البيئة التي أعيش فيها لا بد أن يهاجر أو أن يختار الضياع فيخرج من بيته دون أن يفكر بالرجوع إليه..وهذا أفضل شيء فعلته في حياتي وهو أنني ضائع تائه لا أدري كيف أكمل قصة ضياعي ولا أعرفُ كيف أعود من حيث أتيت...وكثيرٌ هم الناس الذين اختفوا لأسبابٍ مجهولة لا يعرفها أحد وكثيرون هم الذين ضاعوا وتاهوا في زحمة هذا الكون الفسيح..أنا لست أول الغائبين ولستُ آخرهم وسيضيع من بعدي الكثير من الشباب حتى الوطن نفسه فمن المحتمل أن تصحو يوما من النوم ولا تجد لك وطنا فتعيش لاجئا سياسيا في إحدى دول الضياع التي تحيط بالمنطقة من كل حدبٍ وصوب...أنا ضائع مثل بعض الناس ولكن أمتاز عنهم بأنني ضعتُ في بقعة جغرافية صغيرة ورغم استمرار عمليات البحث عني في كل مكان إلا أن كل تلك الجهود باءت بالفشل... لم يتعرف عليّ أحد ولا حتى أهلي أو أصدقاء الطفولة...وأصبحتُ منذ ذلك التاريخ إلى هذا اليوم ضائعا وتائها وهائما أهيم على وجهي لا أعرفُ لي أهلا أو بلداً أو موطنا...أنا ضعت وانتهى أمري نهائيا ومديرية الأمن العام ملت كثيرا من كثرة البحث عني وهنالك جهات رسمية أعلنت عن جائزة ثمينة لمن يعثرُ عليّ حيا أو ميتا ومع ذلك لم يجدنِ أحدٌ من الناس وقصة الضياع التي أكتبها ليست حلما وليست قصيدة شعرية أو نثرية أنا أتكلم بجد عن إنسان ضائعٍ وتائهٍ مثلي لا يعرفُ شيئا عن الدنيا منذ زمنٍ بعيد هجرت الدنيا وهجرت أسعار السوق فلا أعرف بحق كم هو سعر الغرام الواحد من الذهب أو الفضة و حتى أسعار الخضروات لا أعرفُ عنها أي شيء وكل شيء بالنسبة لي ضائعٌ مثلي أنا...أنا ضائعٌ ي عالمٍ هو أصلاً ضائعٌ مثلي وكلنا ندور ونتوه ي نس المتاهة...أنا إنسان لا أستحق كل هذا الكم من الاهتمام به وعلى الحكومة أن لا تبالغ كثيرا في اهتمامها بشخص ضائع مثلي ولذلك عليهم أن ينسوا أمري كليةً وأن يبحثوا عن عملٍ آخر غير البحث عني والأجدر بهم أن يبحثوا عن أموال البلد أين ضاعت وأين ذهبت وفي أي دولةٍ هي الآن..أنا بالنسبة لدائرة الأحوال المدنية أصبحت ميتا بالفعل رغم أنه حتى اليوم لم يعثر أي أحدٍ على جثتي والشيء الوحيد الذي يدلُ عليّ هو روحي النقية والطاهرة والعفيفة والمتزنة التي تسافر بين السراب وبين المدى وبين المد وبين الجزر فتستطيعون أن تشتموا رائحة كبدي بين الكتب وتستطيعوا أن تستكشفوا رائحة عطري على ملابس محبوبتي.

وكذلك دائرة الأراضي والمساحة فتشت عني بين مخططات الأراضي والمساحة ولكنها لم تعثر عليّ نهائيا لأنني تائهة في الفضاآت الكونية في عالمٍ مغمور بالدهشة...ومديرية الصحة ووزارة الصحة بحثت هي أيضا عني ولم تعثر لي على أثرٍ أو على (جينٍ وراثي) يدل على وجودي...أنا الآن إنسان محطم وضائع إلى الأبد ولا أملك(بوصلة) أستطيع من خلالها العودة بالتاريخ للوراء لكشف الحقيقي من المزيف...تهت جدا ورضعت من أثداء الحيوانات وعشت حياتي عاريا تماما مثل (طرزان)و(ماوكلي) و(حي بن يقظان) أنا الآن أدخل في عامي الواحد والأربعين وما زلتُ أبحثُ عن أمي لتطعمني بيديها الكريمتين ولم أعثر على نفسي لأني تائه بين الشك واليقين,صحيح أن الشك مريب ومخيف ولكن الاعتقاد باليقين هو الآخر أمر سخيف كما قال المتشككون...أنا لستُ متأكدا حتى الآن من العنوان الذي خرجتُ منه كل ما أذكره في يوم قصة ضياعي هو أنني كنت أمسك بكتب التاريخ والأساطير اليونانية والبابلية والسومرية والفرعونية ومنذ تلك اللحظة لم يهدأ لي خاطرٌ أو بال وكل ما أذكره أنني دخلت من فتحة باب ضيقة وبعد ذلك لم أعد أرى شيئا أمامي غير الضباب والشك والضياع ولست أعرف كيف أعود وكل الذين بحثوا عني يئسوا مني وكل الذين بكوا على ضياعي قد تناسوني في غضون يومين أو ثلاثة أيام..بكوا على ضياعي مدة قليلة من الزمن ثم أصبحت بعد ذلك منسيا لم يذكر أحدٌ من جيراني اللعب الصغيرة التي كنت ألعب فيها ولم يتذكر أحد ملابسي الرثة والممزقة من كثرة اللعب في الشارع على الإسفلت...لقد ذبت كما يذوب الملح في الماء ولم يعد أحد يراني أو حتى يتذكر أسمي أو عنواني...أين أنا الآن إني لا أدري.

وبعد طول غياب أصبحتُ رقما في شهادة الميلاد ومجرد صورة معلقة على الحائط قل أن يستذكرها أحد.. واسم يدقُ في عالم النسيان وروحٌ ترفرفُ هنا وهناك وورقة مطويةٌ في كتاب ودمعة على وسادة من القطن الطبيعي وقلبٌ ينزفُ حبرا ويداً ترتجفُ كلما أمسكت بقلمٍ أو بكتاب.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم الذي كنت خائفا منه
- الكل مشهور
- ألم الحرمان
- الأصدقاء المزيفون
- رحلة العذاب
- الإنسان مخلوقٌ فوضوي
- مساعدة الفقراء تؤجل الثورة
- كيف يختار الله الرسل والحكام وكبار رجال الأعمال
- العبور من ديانة إلى ديانةٍ أخرى
- سنه حلوه يا ثقافه
- الخلوة أحيانا ضرورية
- الدين بين فشل المنطق ونجاح الإغراء
- أنا مراقب جدا
- بطاقة معايدة
- إنهاء الصراع بين الدولة والدين
- الإسلام ليس وحده الذي يعرف الحلال والحرام والخير والشر
- الثورة لا تحدث إلا في الدول المتخلفة
- الفرق بين المسلم والملحد
- خمسة مبادئ أمريكية ثورية
- الحمير تعرف أصحابها


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - جهاد في عالم الضياع