أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - ألم الحرمان















المزيد.....

ألم الحرمان


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 11:27
المحور: كتابات ساخرة
    


أول مرة وعيت فيها على هذه الدنيا المجنونة حلمتُ بأن يكون عندي(مسدس ابلاستيكي) كان أطفال الحارة يلعبون فيه أيام العيد وكنت أشاهد الأطفال وهم يلعبون وأحسدهم على ذلك وفي مرة من ذات المرات تمكنتُ من جمع مبلغٍ من المال لشراء(فرد-مسدس) ابلاستيكي لألعب فيه مع الأولاد في الحارة كما يلعبون ولكنني فوجئت يومها مفاجأة كبيرة وهي أن الأولاد قد كبروا بعد عامين من إنطلاقة حلمي على اللعب بمسدس ابلاستيكي وضحكوا عليَّ وهو بيدي وقالوا لي: شو بعدك إصغير ابتلعب بالمسدس؟ قلت: أه..لا..شو؟..وفي الحقيقة اندهشت فعلا من أجوبتهم وبقيت أبحث في الحارة على أطفال من جيلي لكي يشاركوني اللعب ولكن كلهم رفضوا لأنهم كبروا واعتبروا أنفسهم قد تطوروا أكثر مني وبأنهم أصبحوا رجالا وأنا ما زلت في طور الطفولة وبقي المسدس معي محشوا بطلقةٍ جاهزة في بيت النار طوال يوم العيد دون أن أجد رفيقا يتبادل معي إطلاق النارفي يوم العيد وحين ذهبت إلى النوم أطلقت الرصاصة على مؤخرة أبي ونمتُ حزينا وعليكم أن تعرفوا لماذا أطلقت الرصاصة على مؤخرة أبي, وتكونت لدي عقدة النقص منذ ذلك اليوم وأدركتُ في وقتها بأنني لا أستطيع مواكبة أو ملاحقة الزمن, ودائما أحصل على كل شيء أحلمُ به ولكن بعد فوات الأوان كما يقول(أوسكار وايلد).

وهذه الظاهرة ما زالت تتكرر معي على كافة الأصعدة والميادين فكل شيء أحصلُ عليه متأخرا أو كل شيء أحلم بالحصول عليه أجمع له المال اللازم ولكن كنت وما زلت حين أنزل إلى السوق أجد البضاعة التي أبحثُ عنها قد اختفت من السوق بفعل فاعل أو ظهر غيرها موديلات أفضل وأقوى وأحسن من سابقتها وهذا الجرح الذي أعاني منه قد يشاركني فيه بعض الناس, نحن الفئة المحرومة من ملاحقة العصرنة.

أصبحت الحياة أكثر تعقيدا من قدراتنا وأصبحت الحياة بما فيها من تطورات تكنولوجية أكبر بكثير من قدراتنا ومن أن نقدر على ملاحقتها ففي كل يوم يظهر نوع جديد من الأجهزة الخلوية للاتصالات وحين نحلم باقتناء واحدٍ منها نجمع بعض النقود لذلك وحين تصبح قدراتنا الشرائية جاهزة يكون قد ظهر نوعٌ آخر أكثر تعقيدا من سابقه, وهكذا من الممكن لنا أن نقيس كل ذلك على كافة المنتجات الإلكترونية وغير الإلكترونية,وأذكر حين ظهر أول جيلٍ من الخلويات النقالة(التلفونات)سنة1996م كان سعر الواحد منها ب1000دولار أمريكي أي ب 700دينار أردني في الوقت الحالي ولكن في ذلك الزمان أعتقدُ بأنه كان- الدولار-ما زال يساوي دينارا أردنيا أي كان ي ذلك الوقت ال1000 دولار ب1000دينارٍ أردني أو ب900دينار, وأذكر أنني ذهبت مع أحد الأصدقاء واشترى هو هذا الجهاز ومن يومها وأنا أحلم بشراء واحد مثله وبقيت أنتظر ذلك حتى ينزل سعره وفعلا هبط سعره في خلال 2أو 3 سنين من 1000دولار إلى 7 دولار ولكنني مع كل هذا لم أجده في السوق وحين عثرتُ عليه اشتريته ب3 دنانير أردني وبقي معي بدون خط أكثر من 5 سنوات في خزانة ملابسي سعيد بأنني حصلت عليه وكنت دائما أخرجه من الخزانة للنظر إليه وللعب به وأنا مبسوط جدا عليه رغم أنه بدون خط وكان ذلك في بداية سنة 2001م وهذا الموبايل له اسم شعبي مضحك وهو(الصُرمايه-الحفاية-الشبشب) لأن حجمه كان كبيرا وطويلا مثل حجم الحفاية التي ننتعلها بأقدامنا.

وحين وصلت الهواتف الأرضية إلى كافة منازل قريتنا حلمت لو كان في بيتنا تلفون أرضي أعاكس من خلاله بنات القرية كما يفعل ذلك المراهقون من أبناء الحارة وظل هذا حلمٌ يراودني وحين تمكنت من توصيل خط أرضي لمنزلي سنة 2005م ذهبتُ إلى مركز البريد في وسط المدينة لكي أمارس المراهقة بعمر ال 34سنة وفي الحقيقة لم أجد إلا زوجتي فعاكستُ زوجتي بمكالمة لكي أشبع طفولتي وحلم المراهقة...إن الحياة بمجملها أصبحت تبتعد عنا كثيرا وتتطور بسرعة ولا يظهر أي مخترع جديد من المخترعات إلا ويظهر من بعده اختراع آخر أكثر منه قوة وقدرة على معالجة البيانات فهذا الكمبيوتر سعته 40 جيجا وذاك سعته 80 وحين نحلم باقتناء (أبو ال80) يكون قد ظهر جهازٌ آخر ونحن نقف كما يقال(مثل الهبايل) نسمع بكل شيء ولكن غير قادرين على الاقتناء تاركين لعابنا ينزف من شفاهنا لنتذوق رائحة الفرح, إن الحياة بمجملها قد شذت كثيرا عن قدراتنا في كل شيء وأصبح كل شيء بالنسبة لنا معقدٌ جدا لا نحن قادرون على الوصول إلى هذا ولا على ذاك وكأننا نطارد بالفراشات أو بسربٍ من العصافير نركض ونلهث خلف هذا وخلف ذاك دون أن نقدر على ألامساك بأي منها.

قبل إثنتى عشر عاما كان حلمي أن يكون في بيتي جهاز كمبيوتر (بنتوم2) وبعد 10 عشر سنوات من انطلاقة الحلم تمكنت من جمع مبلغٍ من المال يمكنني من شراءه بمساعدة من الصديق(محمد الحلو) أو الذي كان صديقي..ولكن ظهرت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي وهو جهاز(بنتوم3) ومن المضحك أن الأصدقاء كانوا يضحكون عليّ وأنا أسأل في السوق عن جهاز بنتوم2 أو 3 ويقولون لي:شو بعدك داير ورى جهاز بنتوم2؟ طبعا ويضحكون عليّ كما ضحك عليّ الأطفال حين كنت طفلا واشتريت مسدسا ابلاستيكيا للعب فيه وكأن المشهد والناس حولي لم يتغير منذ الطفولة وحين جمعت مبلغا من المال لشرائه كان هذا الجهاز قد نَفَقَ من السوق وظهر بنتوم4 وهكذا دواليك حتى غزت أجهزة الاب توب الأسواق وصرت أحلم بلا ب توب ولكن حدثت مفاجأة أخرى حيث تطور هذا الجهاز نفسه ولم أعد قادرا على اقتناءه, وقس على ذلك في أجهزة الخلويات(الموبايلات) كلها بالنسبة لي وللناس حلما لا يمكن تحقيقه ولا يمكن أن نلحق لا بالموضات ولا بالتطورات.

والمشكلة أيضا أن كل شيء يظهر بسرعة ويموت بسرعة إذا ظهر جهاز موبايل جديد سرعان ما يظهر جهاز آخر أكثر منه كفاءة وحين ظهر جهاز(نوكيا-الدب) حلمت بواحد وكان سعره ب300دينار أردني وأقسمت يمينا أن أشتريه حين يصبح سعره ب20دينارا أردنيا حتى لو كان مخلعا وفعلا قضيت على اليأس واشتريته بعشرين دينارٍ أردني(مش مفتوح ولا مصلح ولم يفك عنه أي برغي) وضحك أولاد عمي عليّ كثيرا وقالوا لي:شو جايب خلوي(موبايل) الدُب؟يا زلمه إنت وين والناس وين,هسع ظهر جهاز نوكيا(الدمعه) وبعده ظهر جهاز نوكيا(الهمر) وضحكوا وشبعوا ضحكا كما ضحك عليّ الأطفال حين اشتريت (مسدس ابلاستيكي) حين قالوا لي يومها:احنا اكبرنا على اللعب,وصدقوني كان بنفسي أن أقول لهم:أنا لم أشبع.. وكأن الزمان هو الزمان والمكان هو المكان لم يتغير أي شيء عليّ أبدا إننا على الأغلب لا نستطيع شراء وملاحقة الموضة لأنه كلما توفرت لدينا النقود نجده قد اختفى من الأسواق وذاب كما يذوب الملحُ في الماء,وهذه الظاهرة نجدها في كافة الميادين حتى على صعيد الألبسة والسيارات وما شابه ذلك, إن الحياة تركض بسرعة والناس يركضون خلفها كما يركضون خلف حصانٍ يعدو بسرعة الريح. صحيح أن الناس متقدمون عليّ تكنولوجيا ولكن أنا متقدمٌ عليهم حضاريا بألفي عام هذا إذا كانت الحضارة تعني مجموعة القيم الروحية والإنسانية والفكرية وليست مجموعة موبايلات وأجهزة كمبيوتر,وأرجو أن تقولوا لي من هو المتأخر حضاريا أنا أم هم؟ أنا الذي يعيش بعقلية عام 2013م أم أولئك الذين يعيشون بعقلية القرون الوسطى؟.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصدقاء المزيفون
- رحلة العذاب
- الإنسان مخلوقٌ فوضوي
- مساعدة الفقراء تؤجل الثورة
- كيف يختار الله الرسل والحكام وكبار رجال الأعمال
- العبور من ديانة إلى ديانةٍ أخرى
- سنه حلوه يا ثقافه
- الخلوة أحيانا ضرورية
- الدين بين فشل المنطق ونجاح الإغراء
- أنا مراقب جدا
- بطاقة معايدة
- إنهاء الصراع بين الدولة والدين
- الإسلام ليس وحده الذي يعرف الحلال والحرام والخير والشر
- الثورة لا تحدث إلا في الدول المتخلفة
- الفرق بين المسلم والملحد
- خمسة مبادئ أمريكية ثورية
- الحمير تعرف أصحابها
- أمي
- الثورة الحقيقية
- الانتحار


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - ألم الحرمان