الثورة لا تحدث إلا في الدول المتخلفة

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3949 - 2012 / 12 / 22 - 19:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اليوم لا تتطلع روسيا للثورة على النظام الرأسمالي في الدول المتقدمة صناعيا واجتماعيا ولا حتى في أمريكا وغرب أوروبا لأن تلك الدول قد أخذت الحيطة والحذر من الفجوات التي من الممكن أن تطل الثورة برأسها منها كما يطل رأس الفأر من خزانة الطحين,وتعلمت الرأسمالية من انتقادات الشيوعية والرأسمالية للنظام الرأسمالي بعكس دول العالم الثالث المتخلفة التي كانت وما زالت تقتل كل من يتجرأ على نقدها دون أن تأخذ تلك الانتقادات على محمل الجد,وكانت النتيجة المتوقعة قد ألقت بظلالها على الدول العربية بشكلٍ سلبي ومقزز للنفس مما وضعها أخيرا في عنق الزجاجة, ويبقى الأمل في الثورات والتغيير فقط في منطقة الشرق الأوسط لأنها منطقة معزولة من الحياة الكريمة وفيها كثير من التجاوزات على حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والتلاعب بأماني الأمم وخلق فرص كثيرة لنمو الفقر والظلم والفساد بدل الازدهار مما يتيح ويزيد من احتمالية التدهور الصحي أكثر فأكثر لهذه الدول التي تشبه الإنسان المريض على فراش الموت, ولكن هنالك مشكلة ما تقف في طريق الروس وهي أن الجماعات الإسلامية هي من يستفيد من تلك الثورات بدعم من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أنه لا يوجد خادم مطيع للنظام الأمريكي إلا الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية على اختلاف صورها وأشكالها مما يقطع الطريق على يقظة الدب الروسي بعد أن يقوم من سباته الطويل في فصل الشتاء.

الثورات اليوم لا تحدث في الدول المصنعة والدول التي يتمتع مواطنوها بسقف عالٍ من الحرية ويبقى الأمل في الثورة معلقا على معظم دول العالم الثالث لأسباب متناقضة ومتنافرة بين الغرب والشرق فكل شيء سلبي في الشرق يقابله شيء أكثر إيجابية منه في الغرب,ولكن كما قلنا الإسلاميون هم أكثر طواعية للنظام الأمريكي من غيرهم وبل يخدم الإسلام السياسي الأمريكيين أكثر من غيرهم لفترة وجيزة من الزمن ثم تبدأ بعد ذلك صيحة جديدة وثورة جديدة حتى على الإسلاميين أنفسهم كما تبدو بوادرها الآن في مصر, لذلك كل الثورات التي ستحدث في العالم من المستحيل أن تبدأ أو تنطلق من الدول المتقدمة ذلك أن المواطن هنالك لا يحتاج إلى تغيير الوضع من خلال ثورة بيضاء سلمية أو حمراء دموية وليس للإنسان هنالك مأرب من استلام السلطة بالقوة,وبالنسبة للأمريكيين ليس مهما من يكون البديل عن الأنظمة المطالبة بالرحيل بقدر من هو الأكثر قدرة على خدمتها وفي الواقع الإسلاميون أكثر طواعية وخدمة للنظام الأمريكي من الرؤساء المخلوعين من جذورهم وهذا بمصلحة الأمريكان لقطع الطريق على التنين الصيني والدب الروسي الذي يستعد لصباح يومٍ جديد, كل تلك الأمور وعلى عكسها ونقيضها تحدث في دول العالم الثالث وما يسمى بالربيع العربي سوف تتبعه ثورات أخرى أكثر قيمة من ما يسمى بالربيع العربي ...منها : أن دول العالم الثالث فيها كثير من الفساد المالي والإداري وهذا أضعف بمليون مرة من الدول المتقدمة لذلك هذه الدول هي التي تحتاج للثورة من أجل محاربة الفقر وتوزيع الثورة بشكل عادل والثورات في الحقيقة لا تقوم من أجل ارتداء أو تغيير الملابس والأزياء وإنما ما يجعلها تشتعل هو الحاجة إلى توزيع الثروات بشكل عادل لذلك هذه الثورة لن تحدث إلا في دول الفساد والإفساد, وفي دول العالم الثالث هنالك الفقر والحرمان وكبت للحريات وهذه تحدث في الدول المتقدمة بصورة مصغرة أكثر من مليون مرة عن الصورة المتواجدة حاليا في دول العالم الثالث وهنا حاجة المثقفين للثورة في الدول المتخلفة أكثر من حاجة المثقفين للثورة في الدول المتقدمة صناعيا ولن تحدث أي ثورات من هذا النوع إلا في المواقع التي تعاني الظلم والاضطهاد والساخنة جدا إلى حد الغليان.

وهنالك ميزة أكبر من كل تلك الميزات وهي أن الدول المتقدمة بمجال الحرية وحقوق الإنسان ومقاومة جيوب الفقر لديها أساليب بارعة في إخفاء الثورات وإخفاء عيوبها دون المساس بالروح المعنوية للمهمشين بل إنها تمنع ذلك من خلال إعطاء كل ذي حقٍ حقه بحيث يتغاضى هنالك المواطن عن بعض التجاوزات وهذه من الأمور المستحيلة أن تحدث في العالم الثالث المتخلف جدا, فدول العالم الثالث لا تستطيع إخفاء الثورات مطلقا لأن حجمه كبير والفضيحة واضحة كعين الشمس, وهنالك أيضا في دول العالم الثالث ميزة أخرى أكثر أهمية وهي أن الفساد والتخلف أصبح يعترف فيه كطريقة حياة,ولا بد من التغيير ولكن استلام الإسلاميين للسلطة لن يغير من الوضع أي شيء وإنما سيؤخر الثورة الكبرى لمدة بسيطة من الزمن وسيزداد الاحتقان في الشوارع السياسية والثقافية.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل