أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - مدمن على البكاء














المزيد.....

مدمن على البكاء


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3922 - 2012 / 11 / 25 - 17:38
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


الناسُ تدمن على الحشيش وعلى المخدرات وعلى الخمر وعلى التدخين وأنا لستُ مدمنا إلا على البكاء ..بكيت كل الناس,بكيت على الأهل والأصحاب والأصدقاء وحين يغمرني الحزن لا أجد من يبكيني ولو بدمعةٍ واحدةٍ,بكيت على حائط الأصدقاء وعلى حائط أصدقاء الأصدقاء وعلى الحائط الكبير في حارتنا وحين أسندتُ ظهري إلى حائط منزلي لم أجد من يستذكرني ولو بكلمةٍ واحدة,بكيت الجميع الكبير منهم والصغير وبكيت على الأزهار اليانعة وعلى الطيور الطائرة التي لم تسلم من دموعي كما أنها لم تسلم من لساني ذلك أن رثيتها ورثيتُ الجميع وحين اشتدَ بي الألم لم أجد إنسانا واحدا يقف على منظري المحزن دقيقة صمتٍ واحدة, وبكيت على الأحزاب وعلى الجمعيات وعلى المؤسسات وبكيت على الأحياء كما بكيت على الأموات فكلهم عندي سواء وحين شعرتُ بأن قدماي لم تعد تحملني من كثرة ما أحملُ من همومٍ وأوجاع ارتميتُ على الأرض دون أن يساعدني أحدٌ بالنهوض, وبكيت على أيام الطفولة المبكرة وبكيت على باب الدار وبكيت وأنا جالس خلف الباب وبكيت وراء الدار وبكيت فوق السطوح وتحت السقوف وبكيت على الماضي وعلى الحاضر وعلى المستقبل وحين شعرتُ أنني في الرمق الأخير أخذتُ نفسا عميقا ونمتُ على ظهري مفتوح اليدين ,وبكيت على الكتب وبللت المناشف والمناديل وخصوصا منديل أمي الذي أهدتني إياهُ في ليلة عرسي,بكيت على الشباب من ذكورٍ وإناث وبكيت على المدارس وعلى الجامعات وعلى رياض الأطفال, بكيت على الشوارع وفي الحارات وفي الأزقة وفي النوادي وفي الملاهي وفي المستشفيات ولم أدخل أي مكان في حياتي لأرفه عن نفسي إلا وبكيت فيه بدل أن أفرح فقد بكيت في الملاهي وفي النوادي وفي الأعياد الرسمية كالدينية والوطنية وخصوصا في عيد الاستقلال فما زلتُ أستذكرُ دموعي في عيد الاستقلال وتأسفتُ جدا على خروج الاستعمار من وطني وتمنيته لو يعود إلينا اليوم قبل الغد لعلنا نصبح مثل كل البشر,ولم أدخل مكانا لأنبسط من خلاله إلا وخرجتُ منه والدموع تملأ لي وجهي, وبكيت في السجون وبكيت في المقرات الانتخابية وفي بيوت اللصوص, وبكيت في المهرجانات الغنائية وبكيت على المكاتب الحزبية وقمت بتوزيع صوري على الملايين من البشر فلم تسقط من أي أحد دمعة واحدة عليّ ولم يرق لي قلب آنسة أو قلب شيخ كبير ولم تستحمل دموعي أي امرأة أو أي إنسان على هذا الوجود.

بكيت على نفسي وبكيت على أمي وبكيت على أخي وبكيت حتى ملأت الشوارع من دموعي وبكيتُ حتى تبللت أكمام قميصي,بكيتُ حتى فتحت السماءُ لي أبوابها بعد أن جثوتُ على رُكبي في قاع جهنم الحمراء وبكيتُ حتى انتشرت أخباري في الأرض وفي السماء فلم يبقى مخلوقٌ إلا وسمع عني ولم يبقى لسانٌ إلا وتحدث عني ولم يبقى مقهورٌ في الأرض إلا وعرف عني الكثير من الأخبار المثيرة للدهشة وللغرابة فأنا ذلك العربي القروي الذي شغلته هموم الفيلسوف الأثيني والمفكر الفرنسي كما شغلته قصائد العشاق ورسائل الأشواق والحنين وأنا ذلك العربي الملطخ بالجهل وبالوساخة,وبكيتُ هنا وبكيتُ هناك وحتى أولئك الذين يقفون ضدي بكيت من أجلهم من أجل أن يلحقهم الخلاص من عذاباتهم المريرة ومن أجل أن يتخلصوا من الجثث المنتشرة في الشوارع, وبكيت من قبل أن يطلع الشعرُ في وجهي وبقيتُ أبكى حتى طلع الشعرُ من وجهي وحتى شابَ وخالطه البياض,وأخيرا وليس آخرا صرتُ أبكي بدون سبب لأنني أدمنتُ البكاء,فأنا الآن أبكي لأنني فقط أريد البكاء,ودائما ما أحاول تجميل صورتي وأنا أبكي بابتسامة عريضة أو خفيفة, فحتى وأنا أبكي يبدو منظري للوهلة الأولى أنني أضحك وكثيرون هم الذين ينظرون لي وأنا أبكي وهم يعتقدون بأنني أضحك وحتى اللحظة لا يصدق هؤلاء الناس أنني ابكي بل كلهم يعتقدون بأنني أضحك,وأنا كثير الكذب في ضحكي وفي ابتسامتي, فأنا أبتسم معناه أنني أبكي,وأنا أضحك معناه أنني حزين,فماذا تنتظرون مني بعد الضحكة الطويلة؟.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العامل الحرامي والعامل الأمين
- النوم هو الحل
- الثورة البيضاء
- نقابة المعلمين الأردنية والخسارة الكبرى
- المظاهرات في الأردن
- موعود بحياة سعيدة
- المرأة العربية معاقة وليست ملكة
- التأصيل العمري
- اخترنا لكم:شريعة الراعي بلغة الخروف
- مقابلة للوظيفة
- رجل محافظ
- البقاء للأوسخ
- اتركوني أغرق
- مكان خيالي
- الحساسون والعقلانيون
- خربشات على جدار الصمت
- اقلب الصورة
- مكالمه تلفونيه
- تفسير عالم ألماني لحلمه
- مشكلتي مع جهاد علاونه


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - مدمن على البكاء