|
علاءُ الديب والمحارةُ المضيئة (1-2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 06:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمثل علاء الديب موقف يساريين في عالم صعب تتنامى فيه رأسماليةُ دولة شمولية. وهناك كثرةٌ من الأساليب التعبيرية لدى العديد من كتاب ما يُسمى بموجة الستينيات في مصر لكن جوهر هذه الأساليب متشابه. فالمناخُ الموضوعي لعصرِهم يطبعهم بطابعه، وهو مناخُ الأنا المحَاصرة، فإما أن تحللَ الواقعَ أو تتحللَ هي بذاتها. علاء الديب ليس مثقفاً مجرداً منفصلاً عن الواقع، فهو مناضلٌ ثقافي اجتماعي عمل خلال عقود على تطوير الأجيال الفكرية والأدبية ومناقشة أعمالها وتقديمها للجمهور، وقد تعرض بعد ثورة يناير إلى مضايقات إدارية في عمله الصحفي مما اضطره للاستقالة بعد كل تلك الخدمة الطويلة في الصحافة السياسية والثقافية! وكان يُفترض في الثورة أن تحتفي بالمناضلين عبر تلك العقود الشمولية الجافة! أسلوب علاء الديب قائم على التركيز على الذات، أي على الشخوص المركزية القليلة المتصارعة في محارة اجتماعية منفصلة عن شبكة الواقع وتضيءُ من خلالها من أجل أن لا تقدم أمثولة. في أولِ عملٍ روائي قصير بعنوان (القاهرة) المطبوع سنة 1964 تعيش الشخصية الرئيسية فتحي عالماً ضيقاً، ومدى الذكريات معدوم في كائنٍ سياسي مستلب مقموع توقف تاريخه الحقيقي وبقي جسده يمارس استمراريته البيولوجية، فلا يتوجه للحفر في الماضي نقداً وتطويراً للحاضر، فوعيه مركز على العيش اليومي المقطوع من طرفيه الماضي والمستقبل، معتمداً على الأسلوب الفني الكثيف في تصوير هذا الواقع اليومي الجزئي الملموس المكرر في غده: (زامَ صوتُها في الحمام، وتحركَ هو في الصالة. أسدٌ محبوسٌ سوف يجعل القديم جديداً، اليوم سوف يشعل هذا الجسد. الجسد، سوف يضربها. منتهى القسوة)، ص .15 فتحي وعقيلة كائنان غريبان عن بعضهما، التقطها من صالة، ويعيشان بشكل جسدي عابر، منقطعين عن سيرورات الحياة والوعي، مُركزين على اللحظة الراهنة الفاقدة للجذور، ولهذا لا تتكون مستقبلية لعلاقةٍ ميتة، رغم الطفل الذي ظهر بلا وعي في بطن المرأة، وما يربطُ فتحي بالحياة هو أخوهُ المشرفُ على الموت، وحين يموتُ أخوه أحمد تموت الحياةُ لدى فتحي الذي مات انتماؤه، وفقدَ صلاته بالحياة الموقف، ولكنه قتل عقيلة كذلك التي وعدها بالزواج بعد أن حملتْ وراحت تهتم به، إنها ذروةٌ غيرُ منطقية لحياة غير معقولة، ولكنها ترمزية مجردة، تعبر عن صلابة المحارة الفنية وعدم قبولها للانفتاح قليلاً؛ التقوقعُ هنا مكتمل، لتحول الشخصيتين الرئيسيتين إلى مُعبِّرينِ عن الجزئي، المنبتِ الصلات بالكلي، فيبدوان تكوينين جسديين غدت وظيفة التناسل فيهما مجانية. الروايةُ القصيرةُ(القاهرة) السابقةُ الذكر هي التجربة الأولى للكاتب علاء الديب وتشيرُ إلى طبيعة الرؤية الفنية، حيث جسم المحارة الصلب تأسَّس على الأسلوبية التجريبية الذاتية على غرار همنجواي وغالب هلسا وآخرين. وهي أسلوبيةٌ تعتمدُ على التجربة والتصوير الموضعي الشخصي المتصاعد، الذي يبتعدُ عن الروابط الخارجية والتخيلية الواسعة التحليلية وتعدد الأساليب وتصعيد الفنتازيا. ولكن في (زهر الليمون) الرواية الصادرة سنة 1987، تتوسع الصلاتُ وتتعمق وتظهر خيوطٌ في المحارة، وبينما كان فتحي بطل الرواية السابقة في المعهد الزراعي فإن عبدالخالق المسيري موظفٌ في قصر الثقافة، وقد انسحبَ من الفعل الاجتماعي إلى جزئيةٍ هامشيةٍ اغترابية، وينزلُ من السويس حيث يتوجه للقاهرة التي يكرهها، بل التي يخافها والتي تفضح انسحابه. وفيما فتحي في العالم الزراعي لا يحارب آفةً زراعية أو يطور محصولاً فعبد الخالق في العالم الثقافي لا يقومُ بأي دور كتابي، لكن عبدالخالق بخلافِ سابقه لم يعد تلك الشخصية القاحلة فلاتزالُ له علاقاتٌ حميمية نادرة، وذاتُهُ أوسع بالرموز. ورغم علاقته النفعية مع الرفيق السابق أحمد صالح صاحب ورشة الأعمال الفنية الذي يغذي مركزَ الثقافة بالسويس بالأدوات، لكن هناك علاقةٌ حميمة تجعل الماضي النضالي السابق مركزاً مقدساً غير قابل للتحليل ولا للإنكار بينهما. أحمد صالح مثل عبدالخالق غرقَ في الحِرفية وفوائدها بلا فن. كما أن نزول عبدالخالق المسيري للقاهرة يؤدي لحالات اصطدام مع موجات التفسخ الاجتماعي المتصاعدة، خاصة نماذج التسلق ففي الباص يجدُ زميلاً قديماً وقد غرق في البضائع وطفح أهله معه في المجاري العمومية السلعية، فيما يغدو(المناضل) المثرثر في الحانة عن تاريخه النضالي الذي لا يتوقف متعرياً بقسوة من هذا الهارب غير الخالق. يتسرب الليمون في الرواية القصيرة كدواءٍ سحري عند أب عبدالخالق العجوز الذي يعالج به كل داء، وقد زرعت جارتهم شجرة الليمون وكانت تظللهم بالعلاقة الحميمة لكن الشجرة ذبلت. شجرة الليمون رمزية أخاذة رهيفة في ثنايا الرواية وهذه ثيمة سوف يطورها المؤلفُ في أعماله اللاحقة لتدخل مع رصد الشخصيات المتحللة بغياب الانتماء والحضور.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عزيز السيد جاسم (3-3)
-
عزيزُ السيد جاسم (2-3)
-
عزيز السيد جاسم (1-3)
-
المشرقُ العربي الإسلامي في مهبِّ العاصفة
-
البناءُ التحتي القبلي العابرُ للتاريخ
-
معسكرانِ متخلفانِ
-
مرحلةُ دخولِ الأريافِ في الديمقراطية
-
انزلاقٌ نحو الفوضى
-
في انتظارِ غودو
-
المذهبيون السياسيون إلى الوراءِ دائماً
-
الإسلامُ التوحيدي والوطنيةُ
-
المحافظون أمريكيين وعربا
-
المذهبيون السياسيون والقومية
-
المذهبيون السياسيون والاستبداد
-
الفكرُ الغربي في حقبتهِ الحديثة
-
حقبتانِ من الدين
-
سلبياتُ التحديثيين والدينيين
-
دعْ الإنسانَ حراً
-
المنضمون إلى التقليديين
-
الطائفيون والهياكلُ السياسية
المزيد.....
-
لشخصين فقط.. طاهٍ تركي يقدم أشهى الأطباق على شرفة منزله
-
رئيس الأركان الإسرائيلي يوافق على -المفهوم الرئيسي- لخطة هجو
...
-
تصعيد ميداني واتهامات متبادلة بين الجيش الكونغولي وحركة -إم
...
-
دراسة: درجة احترار المحيطات أسوأ مما كان يعتقد
-
الجوع يضرب مسلمي الروهينغا ودعوات أممية لدعم عاجل
-
-أشبه بالجحيم-.. ارتفاع درجات الحرارة يزيد من معاناة أهالي غ
...
-
الصين تعلن إبعاد مدمرة أميركية قرب جزر سكاربورو
-
تصريح نتنياهو عن -إسرائيل الكبرى- يثير غضبا واسعا بين المغرد
...
-
مرضى غلوكوما في غزة مهددون بفقدان البصر بسبب انقطاع العلاج
-
استشهاد 24 فلسطينيا بينهم 5 أطفال في غارات إسرائيلية على غزة
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|