أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - في انتظارِ غودو














المزيد.....

في انتظارِ غودو


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3949 - 2012 / 12 / 22 - 08:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عاش قسمٌ كبيرٌ من الأدب الغربي في التحللِ الذاتي وليس في تحليل الوجود، وبانقسام الغرب بداية بين المعسكرين الرأسمالي الخاص والرأسمالي العام الشرقي كان هذا على حسابِ الطبقات المنتجة وأدبها النقدي والتقدمي الذي تضاءل في الجانبين. لهذا نجدُ مسرحَ اللامعقول والعبث شكلين من هذا التحلل. ولدينا مثال هام هنا هو مسرحيةُ صمويل بيكيت (في انتظار غودو).
يشكل بيكيت بطليه الأولين الطالعين من الفراغِ التاريخي الاجتماعي؛ فلاديمير واسترجون، في عالمٍ مجرد، يدفعُ بهما في غيابِ تضاريسِ المكان والزمان حيث نرى:
(طريق ريفية. شجرة - مساءً).
ربما كانت الطريقُ الريفيةُ أقرب الى مثل هذا المكان، لكنها خيال من إنتاج المؤلف المدني للدخول في عالم التجريد الفلسفي.
والشخصيات تبدو أقرب الى هذا العالم الريفي الشعبي، حيث الشخوص العامية (المشردة).
فالشخصيتان الأوليان لا تاريخَ وراءهما سوى ومضات عابرة، وحتى اللقاء المنتظر بشخص غودو يقعُ بذات الفراغ.
تصوير مجرد يدور حول الانتظار ولا حيثيات للمنتظرين ولا للرجل الواعد باللقاء، ويغدو اللقاء بهذه الشخصية كشكل ديني، كحلٍ سحري للمشكلات الواقعية الحياتية.
التشرد هنا انفلاتٌ من تضاريس الحداثةِ الغربية، فالشخصيتان خرجتا من عالم الحياة الحديثة: العمل، والأسرة، والطبقة، والانتماء الوطني، والانتماء الطبقي، والحمولة الثقافية.
هذا الخروج إطاحةٌ بالوجود الحضاري الطويل الذي لم يعد له قيمة لهذا المتشرد، للامنتمي والذي وراءه حضارة مهيمنة على العالم.
مرحلةٌ سياسية تمثل ضياع المثقفين في العالم وهي بين فترات الحروب العالمية والصراعات الاجتماعية وبين شكلين من الرأسمالية الغربية والشرقية، فقدا قدرتيهما على الاقتراب من أرواح مثقفي الأنسنة المرهفي الحسِّ مثل بيكيت والمثاليين الذاتيين فلسفياً.
لهذا فإن السخرية من الثقافة الدينية هي الومضات العابرة السريعة في المسرحية وكذلك السخرية من ثقافة التحديث الأخيرة.
فقر وجوع الشخصيتين الأوليين فلاديمير واسترجون تعبيرٌ عن كونهما من خارج السادة كذلك، فهما خارج الحضارة وخارج الغنى، وبحثهما عن غودو هو النداء الغامض للوصول الى شيء ما غير محدد وغير ممكن في هذا الفراغ الاجتماعي الذي يعيشانه.
ومن هنا يغدو حضور الشخصين الآخرين: بوزو ولاكي تحديدا لهما، وتوضيحا لبعض اللوحة الاجتماعية التي يمثلانها وتحريكا دراميا لجمودهما.
فبينما هما مجردان كلياً لكنهما صديقان حميمان، تعاونا في زمن سابق، ففلاديمير أنقذ استرجون من الغرق وعملا معاً.
في حين أن علاقة بوزو ولاكي علاقة مضادة كلياً، فحين يظهر بوزو يظهر وهو يسحبُ لاكي بحبلٍ طويل، ويحملُ الأخيرُ له أغراضَه ويقوم بخدمته، بشكل أكثر من عبدٍ من عبيد الماضي.
بين علاقةِ التجريد وبين علاقةِ التخصيص تتشكلُ حيويةَ المسرحية، كما يتشكل تناقضُ الوجود الاجتماعي العام المجرد.
فبوزو هو الحضور الاستغلالي المهيمن على الحياة، أما غودو فهو رمز للخير أو للمساعدة، فهو يظل حلماً.
بهذا التشخيص العام المجرد يتكون التجسيد الفني والمعنوي الضئيل.
بين التجريد الواسع يظهرُ التجسيم المحدود، فمظاهرُ الأكل لا يمكن أن تزول من الفلسفة المجردة المسرحية، فها هو بوزو يأكل دجاجةً وهي شيء لا يمكنُ تجريده، فيما كان فلاديمير واسترجون يأكلان خيارة وجزراً، وهو تعبيرٌ عن الطبقات بشكل ساخر.
(بوزو الذي يلتهم دجاجته التهاماً، يرمي العظامَ بعد مصها)، ص 59، (استرجون يلاحظ عظام الدجاجة الملقاة على الأرض فيحملق فيها بنهم)، ص 61 من نسخة المسرح العالمي، عدد 270، الكويت.
علاقةُ العبودية الفظة التي يقيمها بوزو تجاه لاكي تستثيرُ بعضَ الأسئلة النقدية الخافتة عند الشخصيتين الأخريين، لكنها استثارة محدودة ودهشة غبية، بل تنقلب بعد قليل إلى مساندة لبوزو في استبداده وتلاعبه بالكائن المربوط من رقبته والمسحوب عبر الأرض!
هي علاقات كاريكاتيرية مسرحياً وفكرياً، نشطتْ المسرحية المجردة الرتيبة ولكن الإنسان المتحلل المقارب للحيوان المتقزم يصعُب أن ينشرَ إضاءة.
المسرحية الشهيرة هي من ذات عالم أدب التحلل حيث تقطيع الزمن والشخوص والمواقف، وعدم حدوث تراكمات وتحولات في الشخصيات والأفكار، وبالتالي فإن تحليلَ الحياة وكشف تياراتها ينعدم، وهو أدبٌ ينتشر عبر دكتاتوريتين في الغرب الرأسمالي من خلال تضخمِ الذاتية وعبر سيطرة المال على النشر، وفي الشرق عبر هيمنة الحكومات، التي تقضمُ عمليات تحليل الحياة والواقع عبر تسييد الأدلجة والتسطيح الثقافي.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المذهبيون السياسيون إلى الوراءِ دائماً
- الإسلامُ التوحيدي والوطنيةُ
- المحافظون أمريكيين وعربا
- المذهبيون السياسيون والقومية
- المذهبيون السياسيون والاستبداد
- الفكرُ الغربي في حقبتهِ الحديثة
- حقبتانِ من الدين
- سلبياتُ التحديثيين والدينيين
- دعْ الإنسانَ حراً
- المنضمون إلى التقليديين
- الطائفيون والهياكلُ السياسية
- مرحلةٌ جديدةُ للريفيين
- الأساسُ الفكري للانشقاق
- الوحدة الأوروبية نموذجا للخليج
- لعبةُ الكراسي الاجتماعية
- الطليعيون والتحول إلى الطائفية
- ثقافة النهضة والتوحيد
- الأمم الكبرى الشرقية والديمقراطية
- ما هوية الأمة؟
- روسيا الاتحادية وتحولاتها السياسية (2-2)


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - في انتظارِ غودو