|
وضاع كفاح قرنين..يا مصر.
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 19:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كان القرن الثامن عشر يلفظ أخر أنفاسه تصارع نابليون وكليبر أمام شواطئ الاسكندرية كل منهما يبغي إحتلال مصر . في ذلك الزمن كان المماليك والاتراك والعرب قد وصلوا بالبلاد وسكانها الي قاع التخلف الحضارى بعد حكم جائر إستمر لالف سنة .. حكام تم جلبهم بواسطة نخاس من الخارج يحتقرون المصريين ويسمونهم بالغوغاء والعامة، يسيطرون بالخداع والخوف عليهم يطلقون مليشياتهم ورجال الدين المدربين علي إخضاع الجماهير وإخماد ثوراتها وإحتجاجاتها بينهم ، يسحقون أى صوت معارض، يذلون المخالفين في الدين او الشريعة ، يحولون النساء والغلمان الي موضوع جنسي أقرب للبهائم لا هدف منهن الا إمتاع وإشباع شهوات الغول التركي صاحب السلطة والمال . لقد كان النصيب الاكبر من عائد جهد المصرى يعود الي مملوكي يشاركه بنسبة أقل لصوص وعصابات العرب المتحلقين حول المدن والقرى تنهب، تسلب، وتروع الآمنين ، أما الشريك الثالث فلقد كان نصيبه الفتات ولكنه يحرص عليها حرصه علي الحياة نفسها مستعد لتقديم الفتاوى الجاهزة والمسلحة بالاحاديث النبوية والآيات القرآنية بتفسيرات تسمح بقبول أى نزوة يريدها الوالي والحكام، رجال دين ذلك الزمان من الارزقية كانوا يغلفون قصصهم بحواديت عن أعمال العفاريت والجن وكائنات تعذب في القبر وفي جهنم وتأثير السحر والحسد والاعمال السفلية علي السامعين الذين كانوا يتقبلون هذه الغيبيات بدرجات تختلف باختلاف مستوى الوعي والمكانة الاجتماعية والمالية وإن كانوا في الاغلب لا ينكرونها بل يدونونها في كتبهم علي أساس أنها حقائق الحياة . نابليون بونابرته عندما أصبح يعيش وجيشه مضطرا في مصر بعد أن تم حرق مراكبه في أبوقير بدأ في ترتيب البيت من الداخل فأنشأ ديوان القاهرة (مركزا للشورى وتبادل الرأى) ضم إلى عضويته مشايخ من الازهر، وبعض الاعيان كبداية لتطوير نظام حكم ذاتي ديموقراطي وحرص علي نظافة المدن ومقاومة الحشرات خصوصا الذباب والبعوض والقوارض وأزال البوابات من الحارات وأضاءها ليلا، إستبدل حراستها بالعسس ورجال الدرك ومنع دفن الموتي في أحواش المنازل و تعرف الشعب من خلال التعامل اليومي مع جنود الاحتلال علي معني العدل والمساواة المفتقدة تحت حكم الخلفاء العثمانيين وتاق لنظام يمنحه الحرية التي يتمتع بها الفرنسي في بلاده. المصرى علي الرغم من العسف الذى واجه به الفرنسيون ثورتي القاهرة او ردود أفعالهم بعد إغتيال كليبر، الا أنه كان يمكنه الاطلاع علي آخر منجزات العلوم في المجمع العلمي ( الذى أتت الحرائق علي محتوياته اثناء معارك ديسمبر 2011 في ميدان التحرير) ويقرأ كتبا مصورة جميلة تختلف عما إعتاد عليه من كتب دينية أو تاريخية صفراء ويفهم أن الخلافة الاسلامية كانت وبالا عليه إستمر لعشرات القرون ينهب فيها ويسرق جهده ويدمر تاريخه و يوقف تطوره ونموه . مع إفتتاح القرن التاسع عشر قام محمد علي بإنشاء دولة حديثة علي أرض مصر مقتديا بدول أوروبا التي كانت فد تطورت بشكل واسع عن ركود الامبراطورية العثمانية ، دولة لها حكومة، وزارات، دستور مدني، مجلس شورى القوانين، دولة بها جيش نظامي، اسطول، ميزانية تمول من الضرائب والمكوس وتوجه نحو تحسين وسائل وأساليب الرى، شق الطرق، إقامة الكبارى، السدود، تنظيم دورات الزراعة خاصة القطن، دولة تهتم بإرسال بعثات تعليمية لاوروبا ، تنشئ المصانع، ترسانة تزود الاسطول بمراكب تشيع الرهبة من إسم مصر في البحرين الابيض والاحمر . محمد علي رغم أنه كان أميا يجهل القراءة والكتابة الا أنه كان واعيا بأن الخطر الاساسي علي الامة ينبع من جمودها العقائدى والعودة الي سجون الفكر الديني الجامدة لذلك قاوم الوهابية علي المستوى العسكرى بحملة بدأها ابنه طوسن وأنهاها إبراهيم باشا (صاحب جامع القائد إبراهيم بالاسكندرية الذى تدور حوله معارك بين السلفيين والمصريين ) وعلي مستوى الخطاب الديني والقراءة المعاصرة للاسلام من رفاعة رافع الطهطاوى ثم الشيخان محمد عبده وجمال الدين الافغاني وكان لهم الفضل بالاضافة الي وزير المعارف زكي مبارك ( بعد ذلك) من إبعاد الكابوس الوهابي عن التعليم . لمدة قرنين (التاسع عشر والعشرين ) و المصريون يصارعون للخروج من آثار أسر تخلف أسلوب إدارة الخلفاء المسلمين للدولة ،الجهود التي بذلها التنويريون و الليبراليون و العلماء الذين سافروا الي بلاد الفرنجة فى مواجهة مع الأفكار الراكدة لزمن العصور الوسطى نجحت فى إحلال فكر وثقافة معاصرة لقد انتشرت الصحف ، المجلات ، الكتب العلمية والتنويرية، وإزدانت الشوارع بالتماثيل، وأنشئ متحف للآثار ودار للأوبرا عزفت فيها أكبر الفرق الموسيقية كلاسيكيات الموسيقى، فرقة للباليه، الرقص الغربى، أقيمت حفلات، ندوات ومدارس للبنين والبنات، وإرتدت الطبقة المتوسطة ملابس إفرنجية، وكانت مصر من أوائل الدول التى إمتلكت سكك حديدية ومترو وتليفونات وشركات للطيران والنقل البحرى، ونظم للضرائب والجمارك، ودستور وبرلمان ومتاجر تعرض بضائع معاصرة ودور للسينما ومسارح وبارات وكازينوهات وكباريهات، وطرق معبّدة ، مدن جديدة تخدمها شبكات صرف صحى ومياه نقية وكهرباء، لقد أصبحت مصر دولة عصرية رغم كونها محتلة بواسطة الانجليز، فلديها ملك محدود السلطات وحكومة تنفذ سياسة وبرلمان ودستور وتمثيل دبلوماسى وسيادة على أرضها وشعبها، يحميها جيش وشرطة وقانون وتقاليد المواطنة المبنية على الأخذ والعطاء. منذ سنتين تقريبا كتبت مقالا فى الحوار المتمدن بعنوان (( النداء الأخير قبل الاظلام الوهابى )) أشرت فيه الى ما ستواجهه مصر عندما يبتلع الناخبون الشرك الخداعى الذى وضعه لهم أساتذة الملاوعة طارق البشرى وعصابته من الاخوان المسلمين والسلفيين، الذين إختارهم المجلس العسكرى كى يقنن تسليم البلاد لتنظيم إرهابى محظور، والآن مع إحتفالات الكريسماس أعلن أن الإظلام الوهابي أوالشتاء السيبيرى لمصر وأهل مصر قد بدأ بتفعيل دستورا عليه علامات إستفهام وتعجب عديدة ترفضه الأغلبية وتم تزوير إرادة الشعب لإقراره. مع الدستور الجديد يصبح لرئيس الدولة سلطات لم ينلها العسكريان الفاشيستيان السادات ومبارك، وتبدأ ديكتاتورية إثنية تتجمد معها آليات الدولة الحديثة ( التى كافح من أجلها أبناء أجيال متتالية من النساء والرجال الشرفاء ) وتحل محلها سلطة الرئيس المرؤوس لمرشد جماعة إرهابية تطبق أساليب حكم القرن الثامن عشر متجاهلة إنجازات قرنين تاليين، تسيطر على الشارع بواسطة ميليشيات مسلحة معتادة على الطاعة والولاء أقرب لتنظيمات المماليك المرتبطة بمالك ضامن عيشها وحياتها، وتسيطر على روح الشعب وعقله بواسطة دجالين يسمون أنفسهم برجال دين يستخدمون مفردات السحر والحسد والمعجزة والتفويض الربانى فى حشد الناس حول أهداف سوقية متلفعة بعباءة الدين، وتسيطر على الاقتصاد بواسطة عصبة من التجار وعن طريق الجباية المتصاعدة غير المحكومة التى ترفع أسعار السلع الى مستويات خارج طاقة أغلب السكان .. عجز فى إدارة الموارد ، إستدانة حتمية ، فشل فى تسديد فوائد القروض، توقف الانتاج ، إسراف وإغداق على فئات بعينها، وتقتير وحجب عن الأنشطة الحيوية التى تهم الشعب أو ترفع من فرص الانتاج، جماعة حاكمة فاشلة ليست بعيدة عن الشبهات. على الجانب الآخر تشكل تجمعات السلفيين( التى تحاكى عصابات العرب المتمركزة حول المدن والقرى منذ غزو ابن العاص ترهب سكانها، تسرقهم، تغير على ممتلكاتهم ثم تهرب عند المواجهة )، عنصرا هادما يتجلى بوجهه القبيح أمام المحكمة الدستورية ، مدينة الانتاج الاعلامى ، جوامع الاسكندرية وغيرها من المواجهات التى تستهدف الأقباط والنساء ورجال الفن ومثقفى الصحافة والإعلام والقانون. السلفيون يريدون العودة بمصر الى ما قبل القرن الثامن عشر والالتفاف حول خليفة أو أمير يصحبهم لنشر الاسلام فى فارس وبلاد الرومان ويهدى لكل منهم العشرات من بنات الأصفر، وهم يطمعون في تعديل لاحق للدستور ليصبح أكثر توافقا مع أهدافهم، وينصحهم أمراء القاعدة بأن يتعقبوا الليبراليين ،العلمانيين، النصارى المعارضين يقتلونهم ويعلقون جثثهم فى الميادين ليرهبوا عدو الله وعدوهم ويدمروا الدولة المدنية التى أنشأها ويديرها الكفار فجاءت على شاكلتهم. السلفيون يذبحون العجول فى الطريق العام ويشوون لحمها ويأكلونها ويتركون المكان وقد أصبح خرابة قذرة مثل عقولهم وثيابهم ولحاهم التى تمتلئ بالحشرات. الإظلام الوهابى بشعبتيه المتحصن الان بدستور العار لن يتوقف عن الإضرار بمصر فهم يحولون سيناء الى بؤرة تجمع للارهابيين، يقفزون منها الى الأقطار والمدن المجاورة، وهم ينزحون خيرات مصر وبترولها ويرسلونه لكتائبهم بغزة، ويتظاهرون مستعرضين للقوة حاملين السيوف والسنج والأعلام السوداء والخضراء مهددين كل من يعترض على عودة بلاده الى زمن الولاة العثمانيين. وهم يكدسون الأسلحة والذخائر ويستعدون لنسف الآثار ، التماثيل وهدم الأهرام، ووقف الابداع الفني والعروض الموسيقية والمسرح والسينما ويهددون الأقباط ويهاجمون منشآتهم، معيدين إياهم الى زمن الانحطاط المملوكى حينما كان على القبطى أن يميز نفسه بلبس الصليب ولا يسمح له بركوب الحصان ويدفع الجزية وهو صاغر. عندما تصبح نغمة تقسيم مصر غير مستهجنة وتعود المرأة لخدرها ويتوقف عطاء 20 مليون سيدة وشابة ويتم حل أوركسترا القاهرة السيمفونى والباليه وتصبح أجهزة الاعلام والصحافة تكية للاخوان المسلمين وتنتشر ميليشياتهم المسلحة تلقى الرعب فى الشوارع، ويصبح البرلمان صورى ورئيس الوزراء دمية فى يد الرئيس الديكتاتور الذى لا نائب له ولا راد لقرارته، عندما نتوقف عن الانتاج ونعتمد على الاستيراد ونتعلم الرياضة والعلوم الحديثة باللغة العربية ونسمح بتوطين الأغراب على أجزاء من أرض الوطن.. عندما تباع بناتنا لمشايخ الخليج يلهون بهن لأيام ويعدنهن بحملهن ، عندما يتزايد عددنا بمتوالية هندسية نحن والقوارض والحشرات مع ضيق الرقعة المتاحة للحياة، عندما لا نجد شربة مياه نظيفة وتغطى شوارعنا المجارى بسبب خصخصة المرافق العامة وتملأها التكاتك والميكروباصات المجنونة، عندما تنقطع الكهرباء والبث التليفزيونى والانترنت وتراقب المواقع ، وتملأ الشوارع عصابات الاعتراض والسرقة والتحرش تغتال الأشراف وتخطف النساء والأطفال والأجانب بصورة وبائية، عندما تخترق عصاباتهم الجيش والبوليس والقضاء والخارجية، فماذا يبقى من كفاح الأجداد والآباء من أجل دولة مدنية حديثة. كنت أصبو أن أرى يوما لا تحكمه جحافل الاظلام ولكن فى الغالب إبتعد هذا اليوم كثيرا ، فهل لديكم وطنا أمنا لكهل تجاوز السبعين يأبى أن يعيش فى القرن الثامن عشر بعد أن ضاع كفاح قرنين ..!!
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في مفهموم الجمال
-
محمد حسين يونس - كاتب وروائي مصري - في حوار مفتوح مع القارئا
...
-
يا شباب إسلامهم غيرإسلامنا
-
قوانين سيدى مرسي علية السلام .
-
هذه الخرابة تسمي مصر
-
بشرالقاع يتحدون العالم
-
الاستراتيجية الامريكية بلاء لبلادنا
-
تغير المفاهيم السائدة للاخلاق
-
الإنزلاق الي أسفل سافلين.
-
الحياة.. ليست عادلة.
-
تحرير العقل في زمن الثوابت.
-
آن الآوان للصمت و الانتظار.
-
صناعة المونسترmonster .
-
يا قوم الحرب علي الابواب 2
-
في معارضة الاخوان وكره أمريكا.
-
مال الفقراء السايب المسلوب.
-
لله يا محسنين.. لله.
-
جمهورية الاخوان الديكتاتورية العظمي .
-
الطابور الخامس و حصار مصر
-
الحرب الخامسة .. وا سيناء.
المزيد.....
-
غموض كبير يلفّ زواج جيف بيزوس ولورين سانشيز.. فهل انكشف أخير
...
-
مخزونات اليورانيوم المخصب.. إيران تعلن انفتاحها على نقله لكن
...
-
كان يُعتقد أنه قُتل.. ظهور قائد إيراني رفيع بمراسم التشييع ف
...
-
هل يمكن أن تعالج العقول الاصطناعي العقول البشرية؟
-
نقص حليب الأطفال يهدد حياة أطفال رضع في غزة
-
ترامب ينفي تقارير عن مساعدة إيران في برنامج نووي سلمي
-
ترامب يدفع لهدنة في غزة.. ما الشروط الجديدة لوقف إطلاق النار
...
-
إنجلترا تحت لهيب الصيف: موجة حر جديدة قد تحطم الأرقام القياس
...
-
تشييع قادة وعلماء بطهران وترامب ينفي دعم نووي إيراني سلمي
-
ناجون من جحيم غزة، باحثون فلسطينيون يحاولون إعادة بناء حياته
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|