أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - بماذا يؤمنون إذن ...؟ 1/2















المزيد.....

بماذا يؤمنون إذن ...؟ 1/2


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 19:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بماذا يؤمنون إذن ...؟ 1/2
المتابع لأطروحات وخطاب الإسلام السياسي يستنتج كثيراً من الحقائق التي قد تكون غائبة عن تصورات الكثيرين الذين يرون في هذه التنظيمات السياسية المختفية وراء الدين تنظيمات تحمل طابعاً وطنياً وإنسانياً ايضاً ، حيث ان إدعاءها بالتمسك بالدين يفرض عليها ذلك كما يتصور البعض المخدوع بشعارات هذه التنظيمات والغير مطلع على أسرارها التي تحاكي اسرار اية منظمة تُضهِر ما لا تضمر. إن المتابع لأطروحات وخفايا هذه المنظمات السيادينية ( السياسية الدينية ) يستطيع إثبات كثير من الأمور الجوهرية التي لا تؤمن بها برامجها الداخلية وقناعاتها الفكرية ، إلا انها لا تفصح بها امام الملأ الذي يعطي لمثل هذه الأمور اهمية إيجابية خاصة تختلف ونظرة هذه الجماعات لها ، وبالتالي تبيح لنفسها سلوك وسائل التضليل والكذب والتمويه لإخفاء نواياها الشريرة تجاه البلد والمجتمع على حد سواء.
نحاول هنا التطرق إلى بعض هذه السلوكيات الشاذة لمنظمات وأحزاب الإسلام السياسي بغية وضع المواطن الذي لا يزال يرى فيها بعض الواجهات الإيجابية ، خاصة تلك التي تُسوِّق بها الدين كواحد من حبائل أكاذيبها ووسيلة لتمرير إطروحاتها على البسطاء من الناس .
ألإسلام السياسي ينطلق من أطروحة الأمة الإسلامية التي تشكل ، من وجهة نظره ، الأساس لحياة ووجود المجتمع الإسلامي الذي لا يرى في الوطن إلا جزءً من هذه الأمة ، تتحدد اهميته إستناداً إلى التقييم الذي يضعه برنامج هذه الأحزاب لهذا الموقع الجغرافي او ذاك من هذه الأمة. وبعبارة اخرى فإن فكر الإسلام السياسي لا يؤمن بالوطن ، وبالتالي لا يؤمن بالمواطنة ضمن هذا الوطن . أي ان العراق مثلاً بالنسبة لفكر الإسلام السياسي وملايينه الثلاثين ما هو إلا جزءً من امة إسلامية تشمل البقاع والأمصار التي ينتشر عليها مليارد وثلثمائة مليون إنسان . وعلى هذا الأساس فإن هذا البلد الجزء يجب ان يخضع بكل ما يمتلكه من طاقات بشرية وإمكانيات مادية براً وبحراً وجواً إلى جميع هذه الأمة وليس لأهله الحق في ان ينفردوا به وينتموا إليه حينما يجري تأكيد الإنتماء وتقنينه ضمن نطاق جغرافي معين. إن عدم الإعتراف بالوطن هذا في فكر الإسلام السياسي يشكل مبدأً اساسياً في برنامجه السياسي والذي لا يفصح عنه بصراحة ووضوح امام الجماهير ، وطالما يستعمل الأكاذيب واللف والدوران حينما يضطر احياناً إلى التطرق إلى هذا الموضوع . إنه فِكرٌ لا وطن له ، فكر ينطلق من الأمة ككل دون الإهتمام لجزئيات هذه الأمة إلا بقدر التقييم الذي يضعه هذا الفكر لهذا الجزء من الأمة او ذاك . وعلى هذا الأساس فإن تاريخ هذا الجزء وكل ما يتعلق بوجوده قديماً وحديثاً يرتبط بشكل اساسي بتاريخ ووجود هذه الأمة .ولتقريب ذلك بشكل اوضح فإن تاريخ العراق القديم مثلاً بكل ما يضمه من حضارات ومجتمعات وديانات يتلاشى امام التاريخ الإسلامي لهذا البلد ، ويقتصر تاريخه لآلاف السنين على تاريخ بداية الفتح الإسلامي للعراق. وكذا الحال مع مصر او سوريا او الباكستان او الجزائر او غيرها من اقطار المجتمعات الإسلامية اليوم . وعدم إيمانهم بالوطن يتبلور عنه عدم إيمانهم بالمواطنة. وهذا يعني ان لا قيمة لمن يعيشوا معهم على بقعة جغرافية واحدة اسمها الوطن طالما ان هؤلاء لا ينتمون إلى دينهم . وبعبارة اوضح ان المسلم الصومالي اقرب إلى مسلمي العراق من المسيحي العراقي او ان المسلم البنغالي اقرب إلى مسلمي اليمن من اليماني اليهودي . وهكذا تتوزع العلاقات بينهم لا على اساس الإنتماء إلى الوطن الواحد بكل ما يترتب على هذا الإنتماء من حقوق وواجبات ، بل على أساس الإنتماء إلى الدين الذي لا يعترف إلا بالأمة والمنتمين إلى هذه الأمة بغض النظر عن مواقع إنتماءهم . وحينما نناقش هذه الفكرة بوضوح سنجد ان الإنتماء الديني يعبر عن قناعات ذاتية لا علاقة لها بالمواطنة . والمثل الذي يقول بأن الدين لله والوطن للجميع يجسد مثل هذه القناعة التي تفصل بين الدين والوطن وتؤكد خصوصية التدين من عدمه بالنسبة لأي إنسان ، سيان اين يعيش هذا الإنسان وكيف يعيش . وعلى هذا الأساس فإن رفض الوطن والمواطنة في فكر الإسلام السياسي بحجة الإنتماء الديني لا تبرره التعاليم الدينية نفسها التي ترى في التدين او عدمه تصرفاً ذاتياً لا غير .
الإسلام السياسي لا يؤمن بالمساواة وإن تبجح بها .وهذه المساواة تتشعب إلى مفاصل كثيرة في حياة المجتمع نأخذ منها على سبيل المثال المساواة بين الناس جميعاً بغض النظر عن الجنس او اللون او الدين. فبالنسبة للمساواة بين الرجل والمرأة في فكر الإسلام السياسي نلاحظها من خلال اطروحاته التي ينشرها بين الناس مدعياً فيها إيمانه بالمساواة ومستشهداً ببعض النصوص الدينية التي تدعوا إلى ذلك فعلاً وإلى بعض الحقائق التاريخية التي تؤيد ذلك فعلاً . إلا ان هذه الأطروحات تذكر شيئاً وتنسى أشياءً كثيرة اخرى ، لا عن جهل بل بتعمد . فمن ناحية الوقائع التاريخية فإن دخول الإسلام ارض شبه الجزيرة العربية عام 610 م ادخل معه كثيراً من الإصلاحات الإجتماعية التي إرتقت بمستوى المرأة عما كان عليه قبل الإسلام . فمن ناحية العبادات فقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة وذكر المؤمنات في نفس السياق الذي ذكر به المؤمنين . ثم انصف الإسلام المرأة من ناحية حصولها على نصف حق الرجل من الإرث بعد ان كانت محرومة منه تماماً . كما جاء تحديد تعدد الزوجات بعد ان كان غير محدد بعدد معين . وهنا لابد من القول بأن الإسلام لم يستطع ان يتجاوز هذا الإرث لعصر ما قبل الإسلام نهائياً حينما لجأ لتبرير ملك اليمين الذي لم يرتبط بعدد محدود من النساء . كما جاء النص القرآني ليضع الزوجة موضع الشريك الذي يعيش بالإلفة والمودة مع شريكه الزوج . هذه نصوص شكلت قفزة نوعية حقاً في وضع المرأة الإجتماعي قياساً مما كان عليه في عصر قبل الإسلام الذي تنكر لهذا الوضع في هذه المواقع بالرغم من بروز المرأة في ذلك العصر كشاعرة مثل الخنساء وعاملة كخديجة وحتى مُقاتِلة كما في اليمن في قبائل تُبَع وحِميَّر . إلا ان هذه القفزة النوعية ، وكأي منجز حضاري ، لابد وأن تخضع للتراكم الحضاري بمرور الزمن . وإن مصداقية إستمرارية صلاحيتها او لا يتبلور من خلال إنسجامها مع هذا التراكم الحضاري وتفاعلها معه . ومن هذا التراكم الحضاري الذي انجزته البشرية حتى الآن هو إعتماد المجتمعات الحديثة على الإنسان وطاقاته الفكرية والجسدية دون النظر إلى جنسه وكل ما يتعلق بهذا الجنس من خصائص فسيولوجية او اية خصائص اخرى تقف عائقاً دون هذه النظرة المتساوية إلى كل من الرجل والمرأة في اي مجتمع يريد ان يسير ضمن المسيرة الحضارية لعالم القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية . لقد ظل فقهاء الإسلام السياسي يرددون كلاماً اصبح بمرور الزمن مملاً حقاً ، كيف ان الإسلام انصف المرأة قياساً بالعصر الذي قبله ثم ينقلون هذا الإنصاف إلى مئات السنين التي تلت وحتى يومنا هذا وكأن الأرض توقفت عن الدوران وظلت على الوضع الذي هي عليه قبل اربعة عشر قرناً من الزمن . إن الإسلام السياسي حينما يتجاهل التطور الحضاري في طروحاته بالنسبة لمساواة المرأة بالرجل في المجتمعات الحديثة التي تتماشى وهذا التطور الحضاري ، معتمداً في ذلك على نصوص يمكن ان يضعها في حدود المنسوخة الحُكم ، كما جرى مع نصوص اخرى تعامل معها بعض الخلفاء الراشدين ، او انه ينطلق من بعض حججه التي تجعل ما كان في عصر الرسالة قانوناً نافذاً لا يمكن مخالفته ، فإنه لا يتوانى في نفس الوقت عن التوجه لتوظيف مكتسبات التطور الحضاري في كثير من مفاصل حياته اليومية التي تختلف تماماً عن حياة المسلمين في الحقبة الإسلامية الأولى . كما ان الإسلام السياسي الذي يتبجح بمناسبة وبدون مناسبة بنصوص إنصاف المرأة ويؤكد عليها ، حتى وإن تجاوزها الزمن ، فإنه يعمل في نفس الوقت على إستمرار إحتقاره للمرأة وتهميش دورها في المجتمع سواءً كان ذلك بنص ايضاً ، كما في حالة جواز ضرب النساء ، الذي يبرره فقهاؤه احياناً بأن لا يكون شديداً يترك آثاراً على الجسد ، متناسين انه إهانة لإنسانية المرأة . او انهم ، ومن شدة إحتقارهم للمرأة ينسجون ما يحلوا لهم من الأحاديث والقصص والروايات في نقص المرأة عقلاً وديناً ، في الوقت الذي تشير إليه نصوص اخرى بخلق الإنسان على احسن تقويم ، ولم تذكر هذه النصوص بأن المقصود بالإنسان الرجل فقط . أو انهم يجعلونها في عداد النجاسات والمحرمات فملامستها حرام والنظر إليها حرام ومرورها امام المصلي حرام يبطل الصلاة واختلاطها في المجتمع الرجولي في العمل او الدراسة حرام وكشف شعرها حرام ، ومنهم من أفتى بحرمة كل جسد المرأة الذي يجب ان تغطيه من قمة الرأس حتى اخمص القدم . وهكذا تستمر المحرمات التي اوجدوها لتنسجم مع شبقهم الجنسي الذي لا حدود بشرية له فجعلوا معظم فتاواهم في فقه المرأة تنطلق من غرائزهم الحيوانية التي لا يملكون القدرة بالسيظرة عليها فيحيلونها إلى تبرج المرأة وإغراءها للرجل وكأن هذا الرجل لا عقل له يضبط له مشاعره ويتحكم بتصرفاته ، في الوقت الذي نعلم فيه بأن الحيوانات تتحكم بغريزتها الجنسية فلا تمارسها إلا باوقات محددة من السنة .
ألإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية التي لم يكف من اللهج بها حتى إذا ما نال مبتغاه منها بوصوله إلى السلطة السياسية لفظها دون اي تردد . لقد اثبتت لنا التجارب القريبة في إيران او في مصر او في تونس بأن قوى الإسلام السياسي حينما تتحدث عن الديمقراطية فإنها تعني بذلك الولوج في العملية الإنتخابية بأي شكل من الأشكال حتى وإن رافقها التزوير او شراء الأصوات او التهديد والترغيب في الحصول على الأصوات الإنتخابية بغية الحصول إلى الموقع القوي في إدارة الدولة والمجتمع ليجري الإنقلاب بعد ذلك على كل هذه العملية الديمقراطية التي تصبح بين عشية وضحاها بدعة غربية لا علاقة للإسلام بها والذي يقدمه المتسلقون عليه كبديل للديمقراطية من خلال الشورى كتعبير عن الإرادة الشعبية في إختيار الحاكم بالرغم من معرفة فقهاء الإسلام السياسي بأن هذا المبدأ الذي يتحدثون عنه بهذه الصورة التي تقدمه كبديل للديمقراطية والذي يعكس إرادة الشعب بكل اطيافه وتوجهاته لم يجر تطبيقه باية حقبة من التاريخ الإسلامي . إن خطاب الإسلام السياسي حينما ينطلق من هذا الموقف الذي يجعل الدين سُلماً يتسلق عليه فيكذب على الملأ بقناعته بالديمقراطية التي يصورها وكأنها من صميم الدين الذي يعتقدون به هم ، في الوقت الذي يضمر فيه النوايا الخبيثة للتخلص من الديمقراطية باسرع وقت ممكن بعد إنفراده بالسلطة السياسية وقمع كل من يعتبره مخالفاً له في نهجه هذا . إن مصدر العداء هذا للديمقراطية ناتج عن النزعة الفردية الدكتاتورية التي تشبعت بها عروق فقهاء الإسلام السياسي . إذ اصبح كل حديث عن الديمقراطية الحقة يعني ليس فقط صناديق الإقتراع ، بل ايضاً حقوق الإنسان واحترام الرأي الآخر وضمان جميع حقوق الأقليات الدينية والقومية بحيث ذهب البعض إلى تفسير الديمقراطية ليس بكونها حكم الأكثرية ، بل تحقيق طموحات الأقلية ، بحيث لا يلعب العامل الحسابي اي دور في عدد هذه الأقلية مهما كان كبيراً او صغيراً .
واستناداً إلى ذلك فإن الإسلام السياسي لا يؤمن بحقوق الإنسان طالما ان هذا الإنسان لا ينتمي إليه وليس من صفوفه ، بالرغم من تبجحه ظاهراً بذلك ايضاً واستناده في تبجحه هذا على نصوص يعتبرها مقدسة إلا انه يلغي قدسيتها ، إستناداً إلى مبدأ الناسخ والمنسوخ الذي لفقه بعض الفقهاء للإلتفاف على النصوص ، حينما يتعلق الأمر بتحقيق أغراضه الفئوية والحزبية . إذ ان حقوق الإنسان تصبح بدعة امام مبدأ " وانتم الأعلون " أو فكرة " خير امة اخرجت للناس " الذي لا فسحة فيه للمساواة بين المسلم وغير المسلم في المجتمع ذي الغالبية الإسلامية . وحقوق الإنسان مشرعة في لوائح إكتسبت الشرعية الدولية ، إلا ان هذه الشرعية لا قيمة لها في نظر فقهاء الإسلام السياسي امام شرعيتهم التي يعتبرونها إلهية ، إلا انهم لم يشرحوا لنا كيف حصلوا على هذا التفويض الإلهي وكلنا يعلم بانقطاع الوحي منذ عدة قرون . وهم حينما يرفضون حقوق الآخرين يستندون في ذلك على تأويلاتهم للنصوص التي ينتقونها إنتقاءْ والتي تصب في مجرى تصوراتهم المتخلفة ، في حين يسعون إلى تطبيق مبدأ الناسخ والمنسوخ في النصوص التي لا تتلائم وتوجهاتهم والتي تخاطب الناس جميعاً ولم تخاطب المسلمين فقط . وحقوق الإنسان تستند إلى قوانين فرضتها مسيرة الحياة ونظمت بموجبها حقوق وواجبات الفرد في المجتمع . إلا ان هذه القوانين بالنسبة لفقهاء الإسلام السياسي قوانين وضعية مرفوضة لا تتماشى والمشيئة الإلهية التي يمثلونها هم لا غيرهم ، كما يزعمون ، فيحللون ويحرمون ما شاء لهم ذلك إنطلاقاً مما تفرزه ادمغتهم الضامرة وعقولهم المتحجرة التي لم تع من الحياة سوى اللعب بمشاعر البسطاء من الناس وجرهم إلى العداوات والإقتتال فيما بينهم غير ناسين ترديد التكبير امام كل دم يراق ، المهم ان يكون هذا الدم من مخالفيهم حتى وإن كانوا على نفس دينهم ، ولكن ليس على نفس ملتهم أو مذهبهم .
والإسلام السياسي لا يؤمن بالعلم ومنجزاته طالما لا يصب هذا العلم في مجرى تصوراتهم حول الكون والطبيعة ومفاصل الحياة المختلفة الأخرى . إلا انهم لا يتوانون عن إستجداء الإنجازات العلمية واللهاث وراءها ناشرين فلسفة الإستهلاك في مجتمعاتهم التي اوصدوا جميع طرق الإنتاج امامها ، إلا اللهم ما يتعلق بانتاج الفتاوى الهزلية والأحكام او الحدود البدائية التي يسمونها شرعية ، والهرطقات واللغو في التقليل من شأن وأهمية إنتاج الوعي الإجتماعي المتجانس مع الوعي العلمي والعلاقات الإجتماعية ذات الطابع الإنساني والتوجه الفكري المتنور . العلم ومنجزاته بالنسبة لفقهاء الإسلام السياسي لا يساوي شيئاً امام ما يحمله المسلم من إيمان وما يترسخ عنده من عقيدة تجعله في عليين دوماً . إن خطاب الإسلام السياسي حينما يصور للناس بأن المسلمين يمتلكون ما يَسمَون به على كل المنجزات العلمية وعلى كل الأمم التي جاءت بهذه المنجزات فإنه ينطلق من ممارسات شخصية خاصة بالفرد نفسه ليجعلها ظاهرة تنعكس على التقدم في الوقت الذي لا علاقة تربط بين هذه التصرفات الشخصية والعلم . وكمثال على ذلك يذكر هذا الخطاب تقدم المسلمين على باقي الأمم وكل إنجازاتها واختراعاتها واكتشافاتها لان المسلمين يلتقون مع ربهم خمس مرات في اليوم اثناء تأديتهم لفريضة الصلاة ، في الوقت الذي لا يتوفر فيه مثل هذا اللقاء لأية امة من الأمم . هل من هراء واستغباء لعقول البسطاء من الناس اكثر من ذلك ؟
والإسلام السياسي لا يؤمن بالإبداع الفني في جميع مجالات الفنون سواءً تعلق الأمر بالرسم او الموسيقى او المسرح او الغناء او الرقص او النحت او حتى الرياضة لدى بعض فقهاء هذا الإسلام . إذ ان كل ذلك رجس من عمل الشيطان في حساباتهم بالرغم من ان بعضهم يمارس هذا الرجس من حيث يدري او لا يدري . فبعضهم يمارس الرسم ليس للحيوانات فقط ، بل وللبشر ايضاً . وهنا نلاحظ الإزدواجية المقيتة لدى البعض الذي يقيم العروض المسرحية لبعض الأحداث الدينية فيغطي بها وجوه بعض الشخحصيات التي يعتبرها مقدسة ولا يجوز إظهار وجهها في الوقت الذي تنتشر في الأسواق او في محلات العبادة الصور الملونة والمزركشة بكل تفاصيلها لنفس هؤلاء القديسين الذين غطوا وجوههم في عروضهم المسرحية . وهكذا الأمر بالنسبة لمنع الغناء الذي يُسمح به في الموشحات التي ترافقها الموسيقى احياناً . وعلى هذا المنوال يخرج فقهاء الإسلام السياسي على الناس ليختلقوا الموانع في كل شيئ حتى جعلوا من الدين قيوداً تكبل الناس وليس تعاليماً اراد الدين من خلالها اليسر للناس وليس العسر .
واخيراً وليس آخراً فإن الإسلام السياسي لا يؤمن بالدولة المدنية بكل ما تعكسه هذه الدولة من اسس تتبنى حياة الإنسان بكل جوانبها المادية والمعنوية والروحية ويدعو إلى الدولة الدينية التي تمثل الدكتاتورية بالضرورة وبامتياز ايضاً . إذ ان فقهاء هذا الإسلام يختلقون كل ما يفكرون به هم من التنكر للآخر في دينه وحريته وسلوكه ليلصقوه بالدولة المدنية التي لا يمكن لها إلا ان تتبنى الديمقراطية التي لا تتآلف مع نهج الإسلام السياسي كما اشرنا اعلاه . وقد وجد فقهاء الإسلام السياسي ضالتهم في الوقوف بوجه الدولة المدنية حينما لجأوا إلى تجديد شعار بالي عتيق قضى عليه الزمن فاطلقوا صيحاتهم الهوجاء الكاذبة والمُلَفقة ضد العَلمانية التي هي من صميم الدولة المدنية الديمقراطية . إذ ان ما نسمعه اليوم من ترديد لشعار " العلمانية كفر وإلحاد " لا يبتعد بنا كثيراً عن تلك الشعارات الجوفاء التي أطلقتها فتاوى بعضهم لتشكل واحدة من محاولات إثارة الفتنة في المجتمع العراقي آنذاك وذلك من خلال التحريض على القتل . وفي النقاشات التي يشتد فيها الخناق على رقاب فقهاء الإسلام السياسي بشأن موقفهم من الدولة المدنية فإن اكثرهم يبادر إلى الإجابة بتأييد قيام الدولة المدنية بكل مؤسساتها ، إلا انهم يضيفون إلى ذلك كله عبارة " ولكن بمرجعية إسلامية " . ولنا ان نتصور ماهية هذه الدولة المدنية ضمن مواصفاتهم .
هذا وغيره الكثير الذي يتنكر له الإسلام السياسي ولا يؤمن به ويكذب على الملأ دوماً مدعياً عكس ذلك ، إلا ان وقائع التاريخ تفضح يومياً هذه الأكاذيب التي سرعان ما تكشف عنها تصرفات وسلوك وأخلاق المنتسبين لهذا التيار الذي لا همَّ له إلا التسلق على الدين لتحقيق مآربه السياسية . ربما سيخرج علينا البعض قائلاً إن كل ذلك لا يمثل الإسلام الحقيقي الذي يرفض مثل هذه التصرفات وهذا التلاعب بالدين . وجوابنا على ذلك هو التأييد لهذه المقولة التي تفرق بين التعاليم الدينية الحقة التي تسعى لخير الإنسان وتأويلات هذه التعاليم التي لا همَّ لها سوى تكبيل هذا الإنسان وعسرة حياته . إلا اننا نتساءل في نفس الوقت أين هم دعاة هذا الإسلام ؟ وكيف سيجدهم الإنسان المسلم البسيط حينما يختلط عليه الأمر بين الثلاث وسبعين فرقة من الفرق الإسلامية التي يدعي كل منها بأنها الفرقة الناجية ؟
إذا كان الإسلام السياسي لا يؤمن بهذه المفاصل المهمة في حياة الإنسان وغيرها الكثير ، فبماذا يؤمن هذا ألإسلام إذن ؟ هذا ما سنتطرق إليه في القسم الثاني من حديثنا هذا .
الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن في ذكراه الحادية عشرة
- مَن يضطهد شعباً لا يسعى لحرية شعب آخر
- التضامن العربي الكوردي على المحك
- الإسلام السياسي التجاري
- مطلب مشروع جداً
- القضاء والفقهاء
- المؤتمر الأول لهيأة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الديني ...
- النسبية في الإيمان
- سيظل نشيدالجماهير مدوياً ... رغم الكبت
- المواطن يسأل ... فهل من مجيب ؟
- شو صارت مزعطة ...
- تعددت جرائم قتل الوطن والسبب واحد
- الإصطفاف الجديد للقوى الوطنية والديمقراطية العراقية
- تدَني التدَيُن
- مفهوم الأخلاق عند الحكومة وعند الشعب
- الصهيونية والسلفية وجهان لعملة واحدة
- حتى يغيروا ما بأنفسهم !!!
- لله درك ايها الشيخ الصغير
- لنحمي القضاء العراقي من الإنفلات
- الشعب الذي لا يثور


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - بماذا يؤمنون إذن ...؟ 1/2