أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - كأنه يعيش














المزيد.....

كأنه يعيش


سهير المصادفة

الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 19:01
المحور: الادب والفن
    


كأنه يعيش
لـ "أشرف عامر"

د. سهير المصادفة

في الواقع إن الأبياتِ الشعريةَ التي بقيتْ من شعراءٍ كِبارٍ وتغلَّبتْ على عوامل التعرية الإبداعية وقفزتْ عابرةً حواجز الزمنِ جِدٌ قليلة، مما يجعلُ المرءُ من آنٍ لآخرٍ يُعيدُ وضعَ تعريفٍ جديدٍ لماهيةِ الشعرِ، ولكن الغريبَ أنَّ أغلبَ التعريفاتِ ــ ومهما اختلفتْ المدارس الأدبية ــ تكادُ تقتربُ من تعريفِ الشاعر الراحل "نجيب سرور" (الشعر مش بس شعر لو كان مقفى وفصيح.. الشعر لو هز قلبك وقلبي شعر بصحيح).
عندما وصلتُ إلى آخر صفحاتِ ديوان "كأنه يعيشُ" للشاعر "أشرف عامر"، اهتزَ القلبُ بالفعلِ حزنًا وطربًا ونزقًا ورفضًا وفرحًا وانفلاتًا وارتباكًا أثناء إعادةِ ترتيبِ الحواس وفقًا لاكتشافاتِ الشاعر المذهلة.
يكتبُ "أشرف عامر" قصائده القصيرة في هذا الديوان من منطقةٍ شعوريةٍ شديدة السهولة والامتناع في الوقتِ نفسه، فهو ببساطةٍ شديدةٍ يمتحُ من بئرٍ خاصةٍ به وحده.. بئرٌ منعزلةٌ وجدها هكذا دون جهدٍ ودون دراسةٍ مطولةٍ عن كيفية كتابةِ قصيدةٍ جميلةٍ وحديثةٍ، هذا علاوة على تناغم هذه البئر مع روح الشاعر النقية في مواجهة شراسةِ العالم:
أن تكون عبقريًّا
فإنّ هذا لا يغفر لكَ أن تعيشَ العمرَ كلَّه
مهمشًّا، وفى حالِك
ككلِّ الأغبياء الطيبين.
وسيشبه الديوان في مجمله نخلاتٍ شديدة الجمال وكأنها وُجدتْ هكذا وليس بمعجزة تشاركَ فيها الصبرُ والزمنُ لكتابةِ صمودها الباسق، وسيعتمدُ الشاعرُ في مسيرته نحو وضع نقطة النهاية على براءة النظرة ليكتشفَ ــ مع قرائه ــ إعادة ترتيب علاقته بالشخوص وبالأشياء وبالكون كله الذي يتورَّطُ في العيش فيه:
أهتمُ كذلك بجدرانِ البيتِ
لأنني أعلقُ عليها صورَ مَنْ أحببتُهم
ولأنها تسترني كل يوم
وأنا عائدٌ من المساءِ
وحيدًا.
نحنُ رويدًا رويدًا نعرفُ أن هذه البئر- التي يمتحُ منها قصائده دون افتعالٍ ودون صيحاتٍ صاخبة- لابد وأن تكون في أرضٍ مصريةٍ، ونعرفُ أيضًا أن هذه الروح -المشرفة بصبرٍ على حافة هذه البئر - هي روح مصرية قديمة ورثتْ خبرات أجداده الفراعين منذ آلاف السنين، وأنها- ربما ودون أن تدرى- تكتب وصيتها السلبية مثلما كتب الأسلاف وصيتهم السلبية في كتاب "الخروج إلى النهار"، ففي قصيدته "هكذا يكون القتل" يقولُ:
لن يرغمني أحدٌ
على أن أكون الذي لا أحب
لن أدخلَ حربًا
ليس لي فيها شبر أرض
ولن أرفع راية
لا ترفرف بروحي كلما نظرت إليها.
إنه يكتب وصية سلبية كما ينبغي أن يكتبها شاعرُ القرن الواحد والعشرين:
لن أرفع صوتي
لأنادىَ أحدًا
غافلني ومرّ منتشيًا،
كأنه رابح.
ولأن قصائد الديوان كُتبتْ كلها في عام 2008 ــ وصدر عن دار ميريت عام 2011 ــ فإن عين الشاعر المتمردة الثائرة والرافضة لواقعٍ تم تجريف كلّ تفاصيله تكادُ تصرخُ في وجه كلَِ مَنْ يمرُّ منتشيًا، فالانتشاء هنا يكون جريمة وخديعة لمجتمعٍ تنحازُ إليه الذاتُ الشاعرة، بل إن الشاعرَ الذي لا تُعدُ السخرية ملمحًا من ملامح تشكيل رؤيته للعالم يكادُ هنا يسخرُ حين يكتبُ.. كأنه رابحٌ. وكأنه يستشرفُ أن تقويضَ الواقع كله يؤدى بالضرورة إلى أن يكون الجميع خاسرين.. الظالم والمظلوم، القاتل والقتيل، السجّانُ والمسجون- وإن الربحَ من بؤس هذا المجتمع هو خطيئة لا تُغتفرُ.
كأنه يعيش أو كأنني أبى أو كأن ما يموتُ هو لا يموتُ أبدًا ديوانٌ يُقاربُ أن يكونَ الشِفرة الإبداعية للشاعر "أشرف عامر"، فهو بكل بساطةٍ يختارُ أباه الراحل كقناعٍ لبوحِه المتدفقِ، وليس أباه الواقعي فقط، وإنما أبوه الشعري أيضًا حين يحتفي بشاعرين كبيرين هما "محمود درويش" و"صلاح جاهين"، ومع انسياب أنفاس الأب الباقية والمهيمنة تنسابُ قصائد الديوان بسيطة ً حدَّ العمقِ، هامسةً حدَّ الصراخ، عاريةً من التبرجِّ والمجاز حدَّ الجمال، وهى لا تمنحُ نفسها بسهولةٍ للقارئ إذا تعامل معها بعمقٍ أقل من عمقها، تمامًا كما عبر عنها الفنان التشكيلي الرائع "محمد عبلة" حين واجهنا بلوحةٍ على غلاف الديوان لرجلٍ غير محددِّ الملامح أو العمر وهو غارقٌ في ظلاله ويقفُ متحفزًّا ومتأملاً أمام دَرَجٍ ممتدٍ إلى السماء ويبدو أن ارتقاء أولى درجاته محفوفٌ بمستحيلٍ ما.



#سهير_المصادفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يكاد الأدب أن يكون متمردًا
- -عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري
- إلى الكاتب المصرى
- طيب يا حلمى
- اليونانُ.. هنا تعيشُ الآلهة
- تاء التأنيث
- إلى محمد عفيفى مطر
- مانهاتن .. مدينة المرايا
- ميس إيجيبت الفصل الثاني عشر والأخير
- ميس إيجيبت الفصل الحادي عشر
- ميس إيجيبت الفصل العاشر
- ميس إيجيبت الفصل التاسع
- ميس إيجيبت الفصل الثامن
- ميس إيجيبت الفصل السابع
- ميس إيجيبت الفصل السادس
- ميس إيجيبت الفصل الخامس
- ميس إيجيبت الفصل الرابع
- ميس إيجيبت الفصل الثالث
- ميس إيجبت - الفصل الثاني
- ميس إيجيبت


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - كأنه يعيش