أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - ميس إيجيبت الفصل السابع















المزيد.....

ميس إيجيبت الفصل السابع


سهير المصادفة

الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 09:31
المحور: الادب والفن
    


يلتحف الملك بأغنيات صدئة ويتكيء على عصا يرعى فيها السوس ، ويهيل السواد من حالق على ما يحكم من خرائب.

تاج العريان

==============================================

دخل عليه " عبد الرحمن " بصخبه المعتاد:
- يعنى إيه يا تاج ، هو كل واحد يبطل عضوه شغل ينام فى السرير كده على طول؟!

- والله الباشا عنده حق ، انت فعلاً وسخ . وبالمناسبة ممنوع تكلمه تانى .

- خسارة وادى متعة تانية راحت منى ، عارف يا " تاج" لو ده بابا كنت حطيت جنبه تسجيل صغير وفضل يحكى ، لازم الباشا يحكى يا " تاج" ده عارف حاجات مهمة جداً ده جزء من تاريخ مصر يا راجل.

- مالك بالتاريخ يا بتاع المجانين انت ، اتنيل وقول لى أخبار " لوسى" إيه ؟

- اسمح لى أشوف أخبار ريجيم " نسل هانم " وتكون انت قمت من السريروتقعد معايا محترم فى المكتب ، ماشى يا "تاج ".

خرج يتبعه سباب " تاج العريان " ، تسلل إلى غرفة أبيه، قال للممرضة إنها صاحبة أجمل ساقين، فخرجت تصنع له قهوة سادة بيدها ،اقترب من وجه "الباشا " وهمس فى أذنه .. وبعد يا باشا وبعد.. بعد أن أفرجتم عن الأصوليين المسلمين ورحتم تشجعون الإتجاهات الدينية المتعصبة ، وترسمون علامات الصلاة وسط جباهكم لتساعدوا أمريكا فى حربها الضروس على عدوها الأول – المعسكر الشيوعى- هل فكرتم أنتم وأمريكا فى مصير هذا الوحش الذى أخرجتموه من القفص؟الوحش يرتع الآن فى الشوارع يا " باشا " يأكل الأخضر واليابس ، لا يفرق بين أمريكى أوهندى. هل رأيت يا "باشا " كيف دخلت الطائرات فى البرجين كما تدخل السكاكين الفضية فى تورتة عرس ناعمة ؟! تكلم تكلم يا "باشا " كيف يتم حبس هذا الوحش مرة ثانية ؟! حذار أن تموت قبل أن تجيب عن هذا السؤال يا " باشا".

تسلل إلى غرفـة المكتب وهو يحمـل فنجان قهوته ويغمز للممرضة بألا تقول لـ " تاج العريان " إنه كان فى حجرة "الباشا ".

- " عبد الرحمن " هل من الممكن أن أرى حلم يقظة مثلاً ثم اكتشف انه قد حدث بالفعل ؟

- انت عجزت يا "تاج" ، أنا خايف يكون عندك بوادر" زهايمر ".

- يا أخى خدنى على قد عقلى وجاوب .

- هل تعرف ماجاء فى التلمود يا " تاج" : " الأحلام التى لا نفسرها أشبه بالرسائل التى لا نقرأها " احك لى حلمك وسأحاول تفسيره .. هه.

صمت " تاج " وهو يهز رأسه بعجز ، فأخذ "عبد الرحمن " نفساً طويلاً من سيجارته :

- على كل حال لقد عرفت البشرية نوعين .. ما يعرف بالأحلام، وما يعرف بالرؤى ولقد سود المفكرون والفلاسفة والأطباء حتى الآن ملايين الصفحات فيهما، ولكننى أحب كلام " إريك فروم " عن الأحلام يقول :" خلال النوم يتراجع ملكوت الضرورة ويخلى مكانه لملكوت الحرية وتغدو كينونة ال" أنا " مرجعية الأفكار والمشاعر الوحيدة" أما الرؤى فأشهرها كما تعلم ، رؤية سيدنا يوسف " إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين" ورؤية ملك يوسف " وقال الملك إنى أرى سبع بقرات سمان . يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتونى فى رءياى إن كنتم للرءيا تعبرون ".

لم يعد شىء يدهش " تاج" فيما يستطيعه صديقه ، ظل فقط يتساءل من أين له بالوقت ليحفظ تلك الأسفار ويطلع على التاريخ والسياسة والعلوم ، وما تعثر شخص فى آية قرآنية أو نص فى حضرته إلا وسارع إلى نجدته.

حكى له أن " لوسى " وقعت فى الحب وهى على حدود الخمسين وأن المرأة إذا أحبت حباً حقيقياً فى هذه السن تكون اشبه بلبؤة هائجة إذا ما فكر أحد فى اختطاف فريستها منها ، كان همها الأول والأخير الاحتفاظ بـــــ" أيمن بركات " وهو فى الثانية والخمسين صاحب أجنس سيارات ، وبالطبع انتهى منها وكان فى سبيله إلى تركها ولكنه رأى فى هذه اللحظة " نفرت جاد" وجن بها ، فظل الثلاثة يدورون فى مثلث الرعب التقليدى ، هو يطارد " نفرت " و" نفرت" تحتقره وتحتقر أمها وتقتص منهما بجمالها وبرودها وانسحابها ، " لوسى " تطارد " أيمن " "وأيمن " يحتقرها ويتمنى موتها لاعتقاده أنها لو لم تكن أم " نفرت جاد" فلربما أحبته البنت. بالطبع جرب ان يطارد " نفرت " فى أماكن أخرى غير الكوافير ولكنها هشته كما تهش ذبابة قذرة .. جرب أن يغيظها بأمها التى كانت تركع تحت قدميه حتى لا يتركها فتمط " نفرت " شفتيها وتتركهما وهى تنظر إليهما بنظرة هى نفسها النظرة التى تلقيها على كلبين متناكحين أو متعاركين " لوسى " التى أدركت الأمر عيرته بأنها فى مثل سن ابنته وهو عيرها بأنها عجوز شمطاء برغم انها تصغره بسنتين ، أيمن كان على حافة انهيار غير محدد الملامح و "لوسى " على حافة انهيار تقاومه بنوبات إغماء طويلة ودموع لا تنتهى إلا عندما يزورها فتعتقد أنه لن يستطيع نسيانها ويعلم هو أن " نفرت " لم تترك له مكاناً ليراها فيه ولو بالصدفة إلا هذا .. تقول " لوسى " إن "أيمن بركات" قتل ابنتها ، وقد يكون هذا مجرد رغبة فى الانتقام منه ومن نفسها.

صاح وهو يبتسم بدهشة وكأنه يتابع "ماتش" كرة قدم:

- " تاج " أنا مش عارف " عمر الجوهرى" ممكن يلاقى القاتل إزاى ؟ ده كل الناس كانت عايزة تقتل البنت حتى أمها وعشيقها .

- بالضرب يا دكتور .. بالتعذيب .. "عمر " ها يحجز كل المشتبه فيهم ، واللى مش هايتحمل الضرب ها يعترف .

هـز " عبد الرحمن " رأسـه موافقـاً وكـأن الأمـر لا يعنيـه ، وقبل أن يغلق خلفه باب المكتب قال بصوت باك يائس وكأنه يقرأ من كتاب :

- ما ظنك برجل ضاجع امرأة قتلت ابنتها منذ يومين ؟ !

ثم صمت وابتلع ريقه ... بلاش دى.. ماظنك بامرأة تأوهت تحت رجل بعد مقتل ابنتها بيومين .

فتح" تاج" فاه ، أراد أن يضع فنجان قهوته على المكتب فارتجف فى يده واندلقت بقاياه على كم قميصه . نشر كفه أمامه .. تابع ارتعاش أصابعه وقاوم رغبة عارمة في أن يدخل على أبيه ليستفسر عن سبب نشيجه المشروخ .

" العريان " يبكى الآن ويصارع الموت بضراوة ، هذا المحارب الذي أزاح الكثير من الرصاص عن جسده ... حاك المؤامرات .. ظل يهش النساء عن وجهه بعد فضهن .. دانت له جباه الكثير من الرجال وامتطى طوال أيامه نصل سيف لامع وباتر عبر به مئات الذرى القاتلة والمدهشة. . لم يستغرق فى النوم قط لدرجة أن يحلم ..هل هو نفسه الذى يبكى الآن ؟!

باب حجرته مفتوح ، تجلس بالقرب منه " نسل شاه" تسقيه " الشوربة " بيدها حتى تأخذ ثوابه فى الآخرة، تربت على عظام كتفه ، تدعو له ..تشترى له ملابس جديدة برغم علمها أنـه ربما يموت اليوم أو غداً .. تريح رأسـه على أكبر عدد من الوسائد ، تبتسم فى وجهه وهى تردد :

- ما شاء الله وشك منور يا " باشا" فيدعو لها متهتهاّ، حتى إذا ما استدارت وتذكر هو شيئا يغيظه منها يصرخ كقرد يتقافز على الأغصان:

- إنت يا واد يا وسخ.

تضحك الممرضة ويبتسم " تاج" عائداً إلى مكتبه وهو يحاول إيجاد علاقة بين جسد زوجته البدين وما ينعتها به أبوه ، تخفت الأصوات من حوله فجأة ، يرى نفسه صاعداً درج قسم شرطة الساحل، من حوله يهرع العساكر والضباط يتهامسون فيما بينهم .. العريان وصل .. يحمر وجهه وأذناه ولكنه يرد بهدوء على تحياتهم العسكرية ، حاول أن يثبت اسمه " تاج محمد " على ألسنتهم ولكنهم كانوا يلغون ببساطة اسمه واسم أبيه ويسمونه فيما بينهم " العريان " ظل طوال سنوات طفولته وشبابه يخجل من اسم جده الذى جاء بعد إحدى عشرة بنتاً وثلاثة أولاد ماتوا كلهم بعد أشهر من ولادتهم ، فسماه أبوه " العريان " حتى يعيش ، ولقد عاش وعاش بعده خمسة أولاد .

يحكى " محمد العريان " عن أبيه انه كان خادما ابن خدم، برغم ان " العريان" كان من الملاك الصغار المستورين فى الشرقية ، كان يكرهه لأنه عندما هلل لرجال الثورة وهو يفرد أمامه صورة الملك " فاروق " وهو يصعد إلى مركبه " المحروسة" مغادراً البلاد :

- شفت يا "بابا" طردوا الحرامى الخائن إزاى .
ربت "العريان " بهدوء على النجمة الساطعة على كتف ابنه وقال وهو يجز على أنيابه :

- عمرك شفت واحد بيسرق أملاكه .. دى أملاكه يا عويل.. الحرامى هاتكون انت -إن شاء الله .

ورفض" العريان " أرض الإصلاح الزراعى ، مدعياً أن أرضه تكفيه وأولاده الستة ، باع بعد سنوات من قيام الثورة خمسة أفدنة، اشترى بثمنها صحراء فى "الصالحية الجديدة" وظل يصارعها حتى فرح باخضرارها قبل موته .

لم تعد تؤلمه ذكرياته عن اسم جده ، لم يعد يخجل منه ، ذات مرة سمع أحد زملائه يتهكم على أحدهم .. يبدو أنه كان يهدده:

- سأقول " للباشا" .

- "الباشا" مين لامؤاخذة .." العريان " .

ابتسم وهو يتذكر ضيق صديقه " عبد الرحمن " من اسمه أيضاً ومحاولته تثبيت لقبه على ألسنة الناس " عبد الرحمن الكاشف" ولكنهم كانوا ينحون " الكاشف " ببساطة ويلصقون اسم أبيه به عنوة ويتهتهون الدكتور " عبد الرحمن عبد الرحيم" برغم ثقل نطقه .

يتأمل الآن كره " محمد العريان " لأبيه العريان الكبير ، وكرهه هو لـ" محمد العريان " .. إنه يتمنى موته كل يوم ويتساءل:

.. هل لهذا دعت الديانات السماوية والوصايا العشر والأسفار القديمة كلها إلى البر بالوالدين ؟ هل كانوا يعرفون صعوبة محبة الوالدين فى الكبر ؟ هل هى غريزة فى الإنسان أن يتخلص من أبيه ؟

فتح الملف الذى استولى عليه دون علم " عمر الجوهرى" ، ظلت تبحلق فى وجهه جميلات العالم .. ثمانية وخمسون متسابقة يصطففن فى عرض بملابسهن الوطنية التقليدية التى تمثل ثمانية وخمسين دولة ، ثم صورة بألبسة البحر البكينى ، ثم بملابس السهرة اللامعة ، ثم صور لهن فى بعض المصحات والخيام الناتجة عن كوارث طبيعية أو حروب ، مائلات على المرضى والمنكوبين بظهر جميل عار أو صدر بارز أو شعر طويل يخفى الوجوه المتألمة والمشوهة ، أو أسنان لامعة لابتسامة مشرقة تكسر حدة جنون القبح، ثم صورهن فى محاضرات يتبادلن بصوتهن الرقيق أو ذى البحة الآراء حول قضايا مثل السلام العالمى والمشكلات الاجتماعية والرفق بالإنسان والحيوان وتلوث البيئة ، أو يزقزقن فى بعض المظاهرات السلمية ضد احتلال بعض الدول لبعض الدول. تنهد " تاج " وهو يتأمل ابتسامة ملكة جمال جمهورية الدومينكان :

لماذا لم تجرب البشرية حكم هؤلاء الجميلات ؟!

يتذكر الآن صراخ " عبد الرحمن " فى وجهه ... ماذا تظن نفسك يا" تاج" ! هه نحن مجرد بيادق عندهن ، انهن يلعبن شطرنج بنا طوال الوقت ، هن اللاعبات يا"تاج" هن أصحاب الحياة . بطونهن قادرة على مجيئنا أو الاعتراض على مجيئنا . والمصيبة أنهن فى المستقبل القريب سيكن قادرات على شراء أى حيوانات منوية من أى سوبر ماركت والاستغناء عن مجهوداتنا تماماً ، كل مجدنا اننا كذبنا طوال قرون حتى نستولى على حكمهن للحياة ، حدثناهن عن الشرف حتى لا تجرؤن على تعريتنا أو التحدث عن عجزنا وشكل أعضائنا ، نحن محدودو القدرة على الفعل إذا مارسنا مضاجعاتهن ،لانقوى على العمل والمتفوق منا هو العاجز عن المضاجعة كما ينبغى ، وكأن الطبيعة تقول لنا ان الطاقة المصروفة لنا يجب ان تذهب للمرأة كى تدير هى الحياة ، لقد كذبنا عليهن يا "تاج" وانتصرنا عليهن هل تعرف لماذا ؟ لأنهن الأرقى ، ادعينا طوال قرون أننا فحول وأننا يجب أن نتزوج الكثير منهن واخترعنا لهن بيوت الدعارة لأن امرأة واحدة لا تكفينا، بينما العكس صحيح لا يستطيع الفحل منا أن يكون كافياً لامرأة واحدة إلا إذا كان مخلصأً لها تماماً ، ومع ذلك حاربن لكى يكن مع زوج واحد ، لقد أوقعناهن فى شرك شرنا فظللن يدرن لقرون فى الحكايات الكاذبة والأغانى العقيمة التى ألفناها لهن وصدقن أنهن الأقل وأنهن مومسات أو قبيحات إذا ما خرجن عما سطرناه نحن بأيدينا.

تأمل من جديد الجبين المضىء والشفتين المكتزتين واليد اللدنة التى تحاول تثبيت تاج الماس اللامع وهى تنحنى بابتسامة تزيد من اخضرار العينين ، قرأ تحت الصورة " نادين الأشقر" اللبنانية التى تستعد لتمثيل لبنان فى مباراتين للجمال ..ملكة جمال لبنان فى أوائل 2003 وملكة جمال العالم فى يونيو من العام نفسه .

كتبت "نفرت جاد "أعلى الصورة : الطول هو نفسه 175 سم والوزن هو نفسه 60 كيلو جرام ، سنها عشرون عاماً وسنى ثمانية عشر عاماً ، و"نفرت أحلى".

يعلم جيداً أن " عمر الجوهرى " لن يجد قاتلها ، لقد أخذته معها وإلى الأبد ، ما الذى سيفعله هو الآن كلواء متقاعد ؟ هل سيجلس حتى ينتشر لحمه حوله مثل " نسل شاه " ؟ قرر أبوه عندما ترك الجيش برتبة لواء أن يقيم إمبراطوريته الخاصة وعمل بجدية رجل عسكرى حتى اصبح لا يمكنه الآن حصر ممتلكاته ، لطالما احتقر أبوه زملاءه الضباط المتقاعدين الذين خرجوا من كل فجاج الجيش والبوليس واحتلوا كل محافظات جمهورية مصر العربية كمحافظين وركبوا بعض وزارات الدولة وهيئة الرقابة على أقلام المبدعين وعلى حناجر المطربين وآلات الموسيقيين ربما لكي يضبطوا الإيقاع وعلى مسارح العرائس وغير العرائس والمياه والكهرباء وطردوا الكتاب والصحفيين من جرائدهم ومجلاتهم واحتلوا كراسيهم بعد أن أرسلوهم لأقسام الملابس الداخلية فى عمر أفندى وشيكوريل أو باتا للأحذية أو الأجهزة المركزية للاتصالات والمحاسبات ومهرجانات السينما وقصور الفنون التشكيلية والحدائق الثقافية وغير الثقافية والإذاعة وأعوانها.. سلط أفكاره الغاضبة من جديد على أبيه " محمد العريان" هامساً بازدراء.. كان يعرف أن عمله المستقل سيحقق له أكثر مما حققه زملاؤه ، ولو لم يمرض الآن لاحتل الكرسى الذى يريده حتى بعد تجاوزه الثمانين .

رفع رأسه فلقد لسعته نظرة عين مستهزئة تشاركه التطلع إلى آخر صور الملف ، حيث كانت "نفرت جاد" فوق صهوة فرسها .

همس ساهماً :

- "عارف" !

- كانت جميلة .

- انت فين ؟ انت كنت مسافر؟

- أنا فى البيت من أسبوع كنت مع عمو " عبد الرحمن " دلوقت وقال لى إنه قلقان عليك جداً ، قلت أطمئن عليك.

عادت ملامح " عارف " إلى ليونتها ، ولكن " تاج" مازالت تلسعه نظرة الاستهزاء التى لاحت لأقل من ثانية على وجه ابنه ، ستكبر هذه النظرة مع الوقت وستتحول إلى رغبة عارمة فى التخلص منه كما يريد هو الآن أن يموت " محمد العريان" فى التو واللحظة.

- يعنى " عبد الرحمن " لسه ماشى دلوقتى .

- يا بابا عمو لسه هنا ده حتى اتغدى مع " ماما " و"سلمى" النهارده.

قفز " تاج العريان " متذكراً نشيج أبيه وجلس " عارف " على مكتبه يتفحص ملف " نفرت جاد " من أول صورة .

فى أثناء مروره بالردهة الخافتة الإضاءة المؤدية إلى غرفته ، قرر أن يتوقف ليستمع إلى صوت " عبد الرحمن " الهادىء ومخارج ألفاظه الواضحة التى يتكىء عليها...

نعم عليك أن تعيش يا " باشا " عليك أن تلتحق بأحد مرافق التجميد المتخصصة ،ولكننى مع الأسف قرأت أنهم لا يقبلون إلا المتوفين قانونياً ، عندما يتوقف القلب يبدأ الفريق المختص بإمداد المخ بما يكفيه من الأكسجين والدم للحفاظ على أقل وظائف ممكنة حتى ينقل الشخص إلى مرفق الدعم ، ويحاط الجسم بالثلج ويحقن بالهيبارين لمنع التجلط خلال الرحلة ، لا تجزع يا "باشا " فالأمر لا يتمثل في وضع الجسم في وعاء ضخم مليء بسائل النتروجين ، لأن الماء في الخلايا قد يتجمد ، فإذا تجمد الماء يتمدد وتتحطم الخلايا ، وإنما يبدأ الفريق الطبي بإزالة الماء من الخلايا ويضع بدلا منه خليطاً كيميائيا قائماً على الجليسرول ، وهو نوع من موانع التجمد ، والهدف منع الأعضاء والنسيج من تكوين بلورات ثلج عند درجات الحرارة بالغة الانخفاض وهذه العملية تضع الخلايا في وضع تعليق الإحياء ثم يبدأ تبريد الجسم حتى 135 درجة مئوية تحت الصفر . ثم يوضع الجسم في حاوية توضع في خزان معدني مليء بسائل النتروجين ،عند درجة 196 مئوية تحت الصفر، ويتم حفظ الجسم ، لن تتكلف عملية التجميد المؤقت هذه سوى 400 ألف دولار ، وإذا كنت تريد التوفير يا"باشا" فاجعلهم يقومون بعملية حفظ مخك فقط على أمل أن تتطور تقنية الاستنساخ لإعادة بناء بقية جسمك ، ولن تدفع إلا 200 ألف دولار . أؤكد لك يا " باشا " أنه تم حفظ العشرات في مرافق التجميد حتى الآن . نعم . لم يتم إعادة أى واحد منهم إلى الحياة بعد ، لأنه توجد مشكلة صغيرة جداً تتمثل في أن عملية التدفئة إذا لم تتم بالسرعة الصحيحة بالضبط فإن الخلايا قد تتحول إلى ثلج وتتحطم ، ولكنني .. لماذا أثق من أنك ستعود يا " باشا " ؟ تمسكك بالحياة سينجح العملية . على كل حال علماء التجميد يتوقعون أن العودة للحياة من التجميد المؤقت سوف تحدث عام 2040تقريبا وهو زمن ليس بالبعيد يا " باشا" ، نعم عليك أن تعيش يا باشا"، فأنت لم تجب عن مئات الأسئلة التي طرحت عليك طوال نصف القرن ، وأنت لم تحقق بعد نصف ما وعدت ، وأنت حتى لست تدرى ما فعلت .

= يتبع =



#سهير_المصادفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميس إيجيبت الفصل السادس
- ميس إيجيبت الفصل الخامس
- ميس إيجيبت الفصل الرابع
- ميس إيجيبت الفصل الثالث
- ميس إيجبت - الفصل الثاني
- ميس إيجيبت


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - ميس إيجيبت الفصل السابع