أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - -عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري














المزيد.....

-عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري


سهير المصادفة

الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 18:37
المحور: الادب والفن
    



لم أصل إلى نهاية ثمانينيات القرن العشرين إلا وأنا غارقةٌ تمامًا في فِتنة وزهو وفوقية "المتنبي"، وحواري "نجيب محفوظ" وشخوصه الجالسة على المقاهي أو المستندة على ما تبقى من أسوار قاهرة الصقلي، كنت لا أدرى ماذا أنا فاعلةٌ بنفسي المحتشدة بالكلمات حتى اصطدمت اصطدامًا صاعقًا ومدويًّا بشعراء جيل السبعينيات.. بدوا لي آنذاك أقوياء للغاية وأسطوريين يسيرون في الحياة الثقافية كما سِرب أسودٍ يزود بعضه عن بعضٍ، وربما هذا ما جعلهم الأكثر جدارة بين كلّ الأجيال السابقة أو اللاحقة عليهم لحمل كلمة جيل، حتى بات من المتعارف عليه أنه بمجرد نطقها يتبادر إلى ذهننا.. جيل السبعينيات.
كان ملمحٌ من ملامح طوباويتى قبل أن ألتقيهم فكرتي عن الشاعر وتحديدًا عن الشاعر.. رأيت في أحلام يقظتي "المتنبي" في بُردةٍ ذهبيةٍ مرَّصعةٍ بالماس، ورأيت "أبا نواس" في عباءةٍ فضيةٍ وإلى جوار حصانه الأدهم يعدو عددٌ من المماليك، ورأيت أمير الشعراء "أحمد شوقي" في بزةٍ باريسية وهو يتلو بيتَ شعرٍ على أحد الملوك، ثم رأيت "عبد المنعم رمضان" وكان بسيطًا كحصى الأرضِ الطيبة وراسخًا مثل حجارة الأهرامات ومشعثًا مثل فارسٍ لم يحظِ أبدًا باستراحة مُحارب.. أخذ بيدي عبر دواوينه ودون أن يدرى إلى آفاقٍ أرحب وعرفني إلى "الحلاج" و"النفرى" و"ابن عربي" وآخرين، وصار منذ اللحظة الأولى وأيضًا دون أن يدرى واحدٌ من الضمائر الكبرى التي ستحكم أدائي الثقافي العام ومشروعي الإبداعي، أتابع مقالاته التي لم يكتبها بقلمه الشعري الفاتن فقط بل أيضًا بسيفٍ مسلولٍ لا يخشى في الحق لومة لائم، وكنت عندما أصافحه بشكلٍ عابرٍ لا أجد ما أقول إلاّ: والنثرُ فضَّاح الشعراء أيها الشاعر الكبير.
صدر للشاعر الكبير بحق "عبد المنعم رمضان" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أحدث دواوينه بعنوان "الحنين العاري"، وكان علينا أن نذبح الذبائح منذ صدوره وحتى هذه اللحظة، لكن بعيدًا عن شجون المشهد الثقافي والأدبي وبعيدًا عن تبرير الصمت المواكب لصدور الديوان والذي قد يعزّى إلى صعوبة الكتابة عن ديوانٍ لشاعرٍ كبيرٍ ومحاصرة المفردات الجمالية لقصيده، بعيدًا عن هذا كله وأكثر سأحاول الاحتفاء هنا بـ"الحنين العاري"، والحنين العاري ينساب في هذا الديوان مترقرقًا حاملاً ذروات زبَدَه مثل شلالات كبرى لا نعرف لها منبعًا ولا نهتم أن نراها وهى ترتاح في مصبَّاتها، سيبدو الحنين كأنه عارٍ بالفعل أحيانًا:
كأنكِ الأرضُ التي يسيرُ فوقها الحمام
كأنكِ الظلام
كأنكِ الرياح
من الوراء هكذا إلى الأمام.
لكننا سرعان ما سنكتشف أننا قد خُدعنا وأن الحنين كان طوال الوقت متدثرًا بلآلئ شديدة الندرة والتفرد لم تُر من قبل، وبرؤى الشاعر المتفجرة تمردًا وثورةً وعلمًا وثقافةً ونضجًا في محاصرة المجاز ونزع تقليديته وإعادة وضع تعريفٍ جديدٍ له يخصُّ "عبد المنعم رمضان" وحده:
سوف أسحبُ الموسيقى
إلى الإسطبل
وأعلِّقها من أقدامها الخلفية
وبمشقةٍ أحبسها.
"الحنين العارى" ــ والذي بلغت صفحاته مائة وسبع وثمانين صفحة من القطع الكبير وبخط يد الشاعر نفسه ــ ليس عاريًا أبدًا وإنما يتدثر طوال صفحات الديوان بقاموسٍ لغوى ثرى وشديد العذوبة وجديد على آثار "عبد المنعم رمضان" الشعرية السابقة، وتكاد مفردات الديوان من فرط رقتها وشفافيتها تقترب ليس فقط إلى محاصرة العالم وكتابته بل إلى وضع هذا العالم في راحة كفِّ الشاعر، وأنا هنا أستند إلى عنوان رواية "جيوكندا بيلى" "الكون في راحة الكفّ"، فيصبح العالم في راحة كفّ الشاعر كرةً كريستالية تُسرُّ له بأسرارها فيهدهدها تارةً ويعنفها تارة أخرى ويستنطقها أطوارًا:
لم يكن كافيًّا
أن أرى حافَّة الأرضِ
ترتجُّ ثمَّ تفورُ
وتخرجُ منها المدينةُ عاريةً
وأصابعها العشرُ
مشبوكةٌ في السماء.
لا أدرى لماذا باغتتني قصيدة من قصائد الديوان بعنوان الديوان نفسه "الحنين العاري"! هل لأنني تمنيت أن يظلَّ العنوان واحدًا على الغلاف ليقترب من واقعه فيصير عنوانًا لقصيدٍ شعري جديدٍ وفادح الجمال كأنه إحدى معلقِّات القدامى؟! خصوصًا والشاعر الكبير نفسه مدركٌ هذا بالطبع إدراكًا لا يقبل التأويل، ففي أولى قصائده بعنوان "بعد السقوط" يستهل حنينه هكذا:
أتبعُ الحنينَ الذي يوقفني
قربَ الهاوية
الحنين الذي مثل كلِّ ليلةٍ
يمتدُّ
وهو بالفعل يمتدُّ أيها الشاعر الكبير طوال صفحات ديوانكَ الآسر الفاتن، يمتدُّ عاريًّا ومتدثرًا في الوقت نفسه بكلِّ ما خبرنا من جمال الشعر حتى هذه اللحظة، هذا الحنينُ ممتدٌّ وأنتَ تتبعه ونحن نتبعك بالطبع لأننا غاوون.



#سهير_المصادفة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى الكاتب المصرى
- طيب يا حلمى
- اليونانُ.. هنا تعيشُ الآلهة
- تاء التأنيث
- إلى محمد عفيفى مطر
- مانهاتن .. مدينة المرايا
- ميس إيجيبت الفصل الثاني عشر والأخير
- ميس إيجيبت الفصل الحادي عشر
- ميس إيجيبت الفصل العاشر
- ميس إيجيبت الفصل التاسع
- ميس إيجيبت الفصل الثامن
- ميس إيجيبت الفصل السابع
- ميس إيجيبت الفصل السادس
- ميس إيجيبت الفصل الخامس
- ميس إيجيبت الفصل الرابع
- ميس إيجيبت الفصل الثالث
- ميس إيجبت - الفصل الثاني
- ميس إيجيبت


المزيد.....




- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...
- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - -عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري