أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - يستر الله..المسألة معكوسة!














المزيد.....

يستر الله..المسألة معكوسة!


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 3936 - 2012 / 12 / 9 - 10:26
المحور: كتابات ساخرة
    



كنت قد شهدت عمليات النهب التي حدثت في شهر السقوط نيسان 2003. وكنت في موقع استراتيجي في وسط بغداد، فشقتي تقابل مبنى وزارة العدل وتجاور مبنى وزارة البلديات والى يميني مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ووزارة الاعلام وخلفي المتحف العراقي والى يساري ديوان الرقابة المالية ومصرف ومركز صدام للفنون. وبوصفي شاهد عيان فان عمليات النهب والسلب بدأت بأفراد قليلين في الثامن (وليس التاسع) من نيسان 2003، ثم تزايد العدد تدريجيا حتى أصبحت جموعا. والتحليل السيكولوجي تفسّره «فتوى الشارع» وهو مصطلح طرحناه في حينه يقوم على معيار «الحلال والحرام» الذي يكون محكوما بـ«قانون» في الظروف العادية، فيما يكون محكوما بالضمير الأخلاقي للفرد في الظروف التي ينعدم فيها القانون. فالشخص الملتزم دينيا لا يرتكب الحرام (السرقة مثلا) حتى في حالة انعدام القانون، بمعنى انه لا يمتنع عن فعل السرقة خوفا من عقوبة يرتبّها عليه القانون، بل لأن ضميره الأخلاقي يمنعه عن فعل الحرام.
ولأن الناس يتوزعون على نقاط في بعد معيار «الحلال والحرام» بين طرفين: قوي متصلّب لم يقترب اصحابه من الحرام، وضعيف هش بدأ اصحابه عمليات النهب، فان المترددين كانوا في وضع محرج مع انفسهم: ينهبون ام لا ينهبون؟ وبما ان المنهوبات كانت مغرية، اكياس من الدنانير، شاهدتها بعيني يسحبونها من مصرف شارع حيفا،ودفاتر من الدولارات تنقل الفرد من الحضيض الى القمة، فان المترددين وجدوا لها تخريجا فيما اصطلحنا على تسميته «فتوى الشارع» بأن قلّبها الواحد منهم في رأسه على النحو الآتي: ما دام الناس كلهم يقومون بهذا العمل، فهذا يعني انه ليس حراما، فتكاثروا تدريجيا بالعدوى النفسية لفتوى الشارع التي من خصائصها انها تنتشر بشكل سريع في السلوك الجماعي، وتكون محمّلة بتبريرات صريحة او ضمنية تبدو لمن يصاب بها مقنعة تماما. فحين سألت احدهم: لماذا تأخذ هذه الأشياء؟ (وكانت كراسي جاء بها من جهة الاذاعة والتلفزيون) أجابني بأنها «حصته من النفط»، بمعنى ان ما يأخذه ليس الا تعويضا عن حق كان مغتصبا... ولسنين!
والمفارقة ان ما يحصل الآن من فساد مشابه، في فعله السيكولوجي لما حدث من عمليات النهب في شهر السقوط، مع اختلافين: إن ما يسرق الآن من ثروات البلد هي أضعاف ما نهب منه زمن السقوط (سبعة مليارت دولار سرقت من وزارة الكهرباء بحسب رئيس لجنة النزاهة البرلمانية)، وان الذين نهبوا كانوا لصوصا وفقراء،فيما بين الفسدة الآن مسؤولون بالدولة، وكلا الحالتين تقومان على فتوى نفسية محملة بتبريرات تبيح أخذ الملكية العامة وتضعف الشعور او تلغيه بان هذا الفعل حرام، مع أن نسبة الذين نهبوا والذين سرقوا، قلةّ قياسا بالمجتمع... لكن من خاصية فتوى الشارع أنها تميل الى التعميم والتضخيم، وخطرها، أن السكوت عنها يجعلها تنتشر كما لو كانت وباء.
وتحضرنا هنا حكاية لطيفة تنطبق على أحلام العراقيين كيف سيعيشون برفاهية بعد سقوط النظام، وبين الحال الذي صاروا عليه، خلاصتها أن الشاعر النجفي الشعبي عبد الحسين ابو شبع كان يعمل حارس نقطة كهربائية.وحدث ان دخلت جاموسة داخل النقطة،واحتار بأمرها، فأن آذاها فان عشيرة «البوعامر» سيأخذون فصلها «امرأة»، فحاول ان يخرجها بهدوء لكنها عبثت بالنقطة وقطّعت اسلاكها. وجاءت اللجنة التحقيقية فحملّت الشاعر أبو شبع كل الخسائر فقال ساخرا:
«ياجماعة هالسنة فد هوسه
هم نقيصة وهم نطح جاموسه!
كنّا نترجه الزيادة والمنح
تالي راتبنه على الأول رجح
يستر الله... المسألة معكوسه!»
وتأكدوا ان حالنا ما صار عكس احلامنا، الا لأن فتوى الشارع كانت قد عطلّت الضمير الأخلاقي عند الذين نهبوا مؤسسات الدولة زمن السقوط، وعند الذين سرقوا ثروات الوطن في الزمن الديمقراطي! ولو أننا كنّا حاسبنا «الجاموسة» من البداية، لما صارت المسألة... معكوسة!



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة نفسية(74):نصائح للمعلمين والمعلمات..مع التحية
- نظرية عراقية
- ثقافة نفسية(73):رثاء الذات
- عفيفة اسكندر..الصورة الأخرى
- الانتحار..يأسا
- العرب ..ماضيون
- الجنسيون المثليون في العراق
- اشكاليات في الدين والسلطة.ثانيا:السلطة(4-4)
- اشكاليات في السلطة والدين.ثانيا:السلطة (3-4)
- اشكاليات في الدين والسلطة.ثانيا:السلطة (2-4)
- ثقافة نفسية(2):الرومانسية والعشق..حالات مرضية
- سيكولوجيا الحب (1):رسالة من امرأة مثقفة وجدت نصف الحب!
- المجتمع العدواني..والذهان
- اشكاليات في الدين والسلطة.ثانيا:السلطة (1-4)
- اشكاليات في الدين والسلطة (4-4)
- في سيكولوجيا الأزمة
- اشكاليات في الدين والسلطة (3-4)
- اشكاليات في الدين والسلطة (2-4)
- اشكاليات في الدين والسلطة (1-4)
- ثقافة نفسية(72):صراع الأدوار


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - يستر الله..المسألة معكوسة!