أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )















المزيد.....



ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 21:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ان هذا الملف يتضمن الحركة السلفية في مصر وسورية ولبنان وتونس على ضوء التطورات التي حصلت مؤخرا والتي كان من اهمها قيام الرئيس مرسي بإصدار دستور مكمل يحصن قراراته من دعى الالغاء والطعن امام القضاء ، وهو ما يعني الشروع في بناء نظام دكتاتوري اخواني من جهة ، ومن جهة اعتداء على اختصاصات السلطة القضائية بحرمانها من ممارسة اختصاصاتها الاساسية ومن ضمنها مراقبة مشروعية القرارات المنافية للدستور والمبادئ العامة وللأصول والأعراف المجتمعية ، هذا دون نسيان قراره بمنع القضاء من حل المجلس التأسيسي الاخواني المكلف بتحضير دستور يركز لحكم الحاكم بأمر الله . ان وصول احزاب اخوانية متحالفة مع الحركات الدعوية والحركات السنية والجهادية السلفية في مصر وتونس وسورية على الابواب ، مع اتساع قاعدة حزب الله اللبناني والحركات الاسلامية المتحالفة معه ، يعطي انطباعا مسبوقا عن اي مستقبل ينتظر المنطقة خاصة وان اخوان هذه الدول اضافة الى حماس من خلال خالد مشعل لم يترددوا في مبايعة اردوغان الذي يحلم بإعادة بناء وإحياء الخلافة العثمانية المتلاشية ، وهو ما يفسره الترتيبات التي تحضر على قدم وساق في سورية بدعوى محاربة دكتاتورية البعث الطائفية ، ويفسره محاولة الاخوان المتحالفين مع السلفية النصية او الجهادية من قلب الاوضاع بدولة الامارات المتحدة وبالكويت ، وسيطرة النزعة الاخوانية القطرية المتحالفة مع الوهابية السعودية في اعادة بناء المشهد بما يغير لشرق اوسط جديد يدور في المظلة الامريكية .
ان هذه التيارات الدينية والأحزاب الدينية خاصة منها ( السنية ) تنظر الى الدولة العثمانية نظرة ولاء وتعاطف اختلفت درجته من تيار او تنظيم الى آخر . وقد جرّدت نظرة التعاطف هذه الدولة العثمانية من اطارها التاريخي ، واعتبرتها دولة اسلامية دون ان تبحث في القوى الاقطاعية التي تزعمت هذه الدولة واستخدمتها لاستثمار الفلاحين وجماهير الحرفيين في المدن من مسلمين وغيرهم . كما اغمضت هذه التيارات الدينية عيونها عن دور الاقطاعية الشرقية ، وتاليا الدولة العثمانية ، في كبح جماح التطور ، وعرقلة سير المجتمعات الاسلامية في طريق التطور الرأسمالي والثورة الصناعية ، اي الانتقال من نظام الاقطاع والحرف الى نظام ارقى اقتصاديا واجتماعيا وفكريا .
وبعد انتعاش التيارات الدينية في السبعينات ( الشبيبة الاسلامية المغربية برئاسة عبد الكريم مطيع وعبدالإله بنكيران والمجموعة ، وتنظيم الجهاد الاسلامي برئاسة عبد العزيز النعماني ) ارتفعت اصوات اكثر – وبجرأة لم تكن تتجاسر على اظهارها في السابق لتبييض صفحة الدولة العثمانية ووضعها خارج اطار التاريخ ، تاريخ العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية السائدة حولها . فالسلطة العثمانية في نظر تلك الاصوات هي امتدادا للسلطنة السجلوقية او بديل لها ، والعثمانية تندرج في المعاني التي اكتسبتها عملية تأسيس الدولة الاسلامية : الاموية الجبرية والعباسية والسجلوقية .
ان هذه التيارات التي ظهرت في الشرق وبالمغرب وتونس والجزائر تحاول الهروب من الاسباب الداخلية التي ادت الى تفكك الدولة العثمانية وتخلف مجتمعاتها ، الى الاسباب الخارجية ، التي اسهمت فيما بعد في عملية التخلف وترسيخه ، ويرى هؤلاء ان الدولة العثمانية هي آخر شكل للدولة الاسلامية تفككت نتيجة عملية التغلغل الاوربي البطيء . وهنا ايضا يغمض اصحاب التيارات الدينية القروسطوية عيونهم عن طبيعة الطبقة الرأسمالية ، ومن ثم الاستعمارية لذلك التغلغل الاوربي محاولين والى اليوم تفسير التاريخ وكأنه صراع بين الشرق والغرب .
والخطير في الامر ان بعض مؤرخي التيارات الاسلاموية القروسطوية المخبولين والمشعوذين ، أخذوا في الآونة الاخيرة يلقون ظلالا من الشكوك حول الحركة القومية التي حملوها جميع المصائب والتخلف التي حلّت بمصر وبالوطن العربي منذ سبعين سنة خلت ، وكأنهم هم وحدهم يحملون المخرج والجواب الشافي عن جميع المعضلات التي المّت بالأمة ، وجعلتها لا تبرح مكانتها الاولى منذ تشتت ارث الامبراطورية العثمانية . فلكي تعيش هذه الجماعات وتقتات من الازمة وتحولها لخدمة اهدافها الفاشية التي تجلت اليوم في حركة الاخوان بمصر وبتونس وستتجلى غدا بسورية ، كان لابد لهم من البحث عن شيء يجعلونها عدوا حتى يبروا تصرفاتهم الهوجاء . ان هذه الاحزاب التي تعيش اليوم خارج التاريخ لا تزال تنادي بأحياء الخلافة الاسلامية ملقية على عاتق ( الكفار الغربيين ومخترعاتهم العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية ) اسباب تخلفنا ، فالعوامل الخارجية في نظرهم وفي رأيهم ، هي سبب البلاء والمصيبة ، اما العوامل الداخلية فلا شأن لها بذلك . ان هذه الظاهرة تشبه حال الانسان الذي يرتكب الآثام والمعاصي ثم يزعم في الاخير ان الشيطان قد غواه وظلله وأخرجه عن الطريق المستقيم . واذا نحن راجعنا عدد الآثام التي يقوم بها الانسان في العالم ، فكم عدد الشياطين التي غوته وظللته وأخرجته عن الطريق المستقيم ؟
1 ) انبعاث السلفية الاسلامية القروسطوية والجاهلية : ان الاتساع والتنوع في اشكال انبعاث السلفية الاسلامية الرجعية الذي وسم وطبع الربع الاخير من القرن العشرين ، يمنعان اي تعميم متعجل لفرضيات في هذا المجال . فمثلما نكون ضالين تماما لو ماثلنا كاثوليكية العمال البولنديين بكاثوليكية الرجعية الفرانكية ، دون الاستنكاف مع ذلك عن تحليل السمات المشتركة للتاريخ الزراعي في اسبانيا وبولندة ، او السمات المشتركة في المحتوى السياسي والإيديولوجي لكاتوليكيتهما الخاصتين ، فان اقل حذر في التحليل يمنعنا من ان نضع في سلة واحدة ظواهر تختلف بمثل الاختلاف القائم بين صعود الحركات الاسلامية الدينية / او السياسية في مصر وفي سورية وتونس وتركيا وباكستان وتونس والمغرب واندونيسيا ..لخ او بين الدكتاتوريتين العسكريتين لكل من ضياء الحق في باكستان وللقذافي في ليبيا ، او بين استيلاء رجال الدين الشيعة الايرانيين على السلطة وحرب العصابات الافغانية .. لخ . وحتى الظواهر التي تبدوا متماثلة بشكل جلي ، كنمو حركة ( الاخوان المسلمين ) ذاتها في مصر وسورية وتونس وليبيا ، يكمن وراءها في الواقع تنوع المحتوى والدور السياسي التي تحدده اهدافها المباشرة . ذلك انه فضلا عن الاتفاقات ، وعلى الرغم من التشابه بل التطابق في الاشكال التنظيمية والتسميات ، فان الحركات الاسلامية تظل في جوهرها حركات سياسية رجعية وفاشية ، وبالتالي فهي تعبيرات عن مصالح اجتماعية سياسية نوعية ودنيوية للغاية .
2 ) الاسلام والشأن العام : لم يكن في الواقع اقحام الاسلام في السياسة بسبب عدم فصله عنها ، اذ هو نفسه دين سياسي . هكذا فان مطلب فصل الدين عن الدولة هو مطلب يتخطى حدود العلمانية في البلاد الاسلامية ، وهو معاد للدين بشكل صريح . ان هذه الحقيقة الثابتة تساهم في تفسير كون اي من التيارات الكبرى للقومية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في ارض الاسلام ، باستثناء الكمالية في تركيا ، لم يعلن تأييده للعلمنة . ان هذه المهمة الديمقراطية التي تبدو بديهية في بلاد اخرى ، تبلغ جذريتها في البلاد الاسلامية ، وخاصة بلاد الشرق الاوسط والمغرب ، درجة ستجعل دكتاتورية الطبقات المستضعفة نفسها تواجه صعوبات في تحقيقها ، وهي بعيدة اصلا عن متناول الطبقات الاخرى . علاوة على ذلك ، لم يكن للطبقات البيروقراطية في المجتمعات الاسلامية ، اجمالا ، اي مصلحة تقريبا في محاربة دينها الخاص ، فالإسلام لم ينظر اليه في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ، في هذه المجتمعات ، بوصفه اللحمة الايديولوجية لبنية طبقية اركاييكية بائدة ، اقطاعية او شبه اقطاعية ، بل بالأحرى كعنصر اساسي في الهوية القومية الممتهنة من جانب المضطهد الاجنبي الاستعماري الدخيل . وليس من قبيل الصدفة اذا كانت تركيا المجتمع الاسلامي الوحيد الذي لم يخضع في القرن العشرين لنير الاحتلال الاجنبي . ان مصطفى كمال اتاتورك كان استثناء بين اقرانه ، فقد خاض نضاله الرئيسي ليس ضد الاستعمار او الامبريالية ، بل خاضه ضد السلطنة الفاشية الرجعية ، التي تشكل تركيبا بين السلطتين الزمنية والروحية ( الخلافة ) . وفي المقابل ، فان قوميا برجوازيا براديكالية جمال عبد الناصر ، كانت له المصلحة في رفع راية الاسلام في نضاله الرئيسي ضد الامبريالية ، لا سيما انه كان يجد في ذلك ، في الوقت ذاته ، وسيلة سهلة لحماية نفسه من اليسار الماركسي الشيوعي ومن اليمين ومن التيارات الاسلامية التي توظف في حربها ضده الاسلام بمفهومه الظلامي الرجعي القروسطوي وليس التنويري التقدمي المبني على العقل والتحليل .
3 ) القرآن دستورنا : ان الاسلام بوصفه احد عناصر ايديولوجية التيارات القومية – عنصر بين عناصر اخرى رغم انه اساسي – ليس هو موضوع اطروحتنا . ان هذا الاسلام قد مضى عهده ، كما مضى عهد التيارات التي تنتسب اليه . وبشكل اكثر عمومية ، سنميز بين الاسلام الذي يستخدم كوسيلة لتحديد وتأكيد هوية قومية او اجتماعية بل طائفية ، متصارعة مع هويات اخرى ، وبين الاسلام الذي ينظر اليه كهدف في ذاته ، هدف كلي وشامل ، برنامج وحيد مطلق الذي يشتغل عليه الاخوان في مصر وتونس وسورية ولبنان ، اي ( القرآن دستورنا ) . ففي هذا الصدد اعلن حسن البنّا مؤسس حركة ( الاخوان المسلمين ) في سنة 1928 " .. هذا الاسلام هو الذي يهمنا في اطار هذه الاطروحات : الاسلام المرفوع الى مرتبة المبدأ المطلق الذي يخضع له كل مطلب او نضال او اصلاح ، اسلام ( الاخوان المسلمين ) و ( جماعة اسلام ) ومختلف جمعيات العلماء ، وحركة آيات الله الايرانيين التي يشكل الحزب الجمهوري الاسلامي تعبيرها المنظم . ان القاسم المشترك بين هذه الحركات المختلفة هو السلفية الاسلامية ، اي الرغبة في العودة الى الاسلام الطموح الى يوتوبيا اسلامية لا يمكنها ، اصلا ، ان تقف عند حدود امة واحدة ، بل ينبغي ان تشمل مجمل الشعوب الاسلامية ، إن لم يكن العالم بأسره . بهذا الصدد والمعنى سبق ان اكد اول رئيس لإيران بعد زوال الشاه بني صدر عام 1979 " ان آية الله الخميني اممي ، فهو يقاوم ستالينيي ( ستالين ) الاسلام الذين يريدون بناء الاسلام في بلد واحد " . ويعبر عن هذه النزعة الاممية للتيارات الاخوانية والسلفية ، كون الحركات المذكورة تعمل على برامج تتخطى حدود بلادها الاصلية ، وتقيم فيما بينها علاقات وثيقة الى هذا الحد او ذاك ، فترفض بذلك جميعا القومية بالمعنى الحصري للكلمة ، وتعتبر ان التيارات القومية ، حتى تلك التي تشهر اسلامها ليست منافسة في العملية السياسية ، بل عدوة معادية وكافرة . ان هذه الجماعات حين تقاوم الاضطهاد الاجنبي او العدو القومي باسم الاسلام ، وليس دفاعا عن " الامة " . هكذا فالولايات المتحدة الامريكية ليست امبريالية في نظر الخميني بقدر ما هي شيطان اكبر . اما بشار الاسد فهو قبل كل شيء كافر وملحد وعلماني ، وليست اسرائيل بالنسبة لكل تلك الحركات اغتصابا صهيونيا للأراضي الفلسطينية بقدر ما هي اغتصاب يهودي لأرض اسلامية مقدسة .
4 ) الازدواجية في التعامل والعملية السياسية : هنا نقول انه ايا كان المد ( التقدمي او القومي او الديمقراطي ) الموضوعي لبعض النضالات التي تخوضها مختلف تيارات السلفية الاسلامية ، فهو لا يستطيع ان يحجب كون ايديولوجيتها وبرنامجها رجعيان قروسطويان وفاشيان في جوهرهما وبحكم تعريفهما ، اذ ما هو برنامج يهدف الى بناء دولة اسلامية تقلد نموذج دولة القرن السابع الميلادي ، إن لم يكن يوتوبيا رجعية بل غارقة في الرجعية ؟ وما هي ايديولوجية تستهدف إعادة انشاء نظام عمره ثلاثة عشر قرنا ، ان لم يكن ايديولوجية غارقة في الرجعية ؟ وبهذا المعنى يكون من الضلال بل من العبث ، نعت الحركات السلفية الاسلامية بأنها برجوازية ، مهما التقت بعض النضالات التي تخوضها هذه الحركات مع كل او جزء من برجوازية بلدها ( حزب اللاّعدالة واللاّتنمية قبل دخول اعضاءه كموظفين سامين الى الحكومة ) مثلما هو من الضلال نعتها بالثورية عندما يحدث لها ان تعارض تلك البرجوازية نفسها ( جماعة اللاّعدل واللاّاحسان ) .
ان الحركات السلفية الاسلامية هي عبارة عن حركات برجوازية صغيرة ( من حيث الوظائف والمهن المزاولة ) ، سواء بطبيعة برنامجها وإيديولوجيتها او بتركيبتها الاجتماعية ، وحتى الاصول الاجتماعية لمؤسسيها ، وهي لا تخفي كرهها وحقدها لممثلي الرأسمال الكبير كما لممثلي البروليتاريا ، وللدول الامبريالية كما للدول التي تنتمي اليها . انها تعارض قطبي المجتمع الصناعي الذي يهددها : البرجوازية والبروليتارية ، وهي تطابق ذاك القطاع من البرجوازية الصغيرة الذي يصفه " البيان الشيوعي " كالآتي : " ان الطبقات المتوسطة ، صغار الصناع ، تجار التجزئة ، الحرفيين ، الفلاحين ، تحارب البرجوازية لأنها تهدد وجودها كطبقات متوسطة ، فهي ليست ثورية ، ولكن محافظة ، وأكثر من ذلك انها رجعية : فهي تسعى الى ادارة عجلات التاريخ الى الوراء " .
ان الرجعية الاسلامية البرجوازية الصغيرة تجد ايديولوجيتها وإطاراتها المنظمة بين المثقفين التقليديين في المجتمعات الاسلامية ، ( العلماء ) الفقهاء وأشباههم ، وكذلك من المراتب الدنيا من المثقفين العضويين التقليديين الرجعيين التابعين للبرجوازية ، اولئك المنحدرين من صفوف البرجوازية الصغيرة والمحكوم عليهم ان يظلوا في المراتب الدنيا من المدرسين والمعلمين والأستاذة الصغار ، وصغار الموظفين بالأخص ، اضافة الى اصحاب المهن او الحرف غير القارة مثل بائعوا الدجاج بالتقسيط ، وبائعو المتلاشيات والسمائل . وفي فترات صعودها تجد السلفية الاسلامية اعدادا واسعة داخل الجامعات وسائر مراكز انتاج " المثقفين " المتعلمين او المتمدرسين ، حيث لا تزال هوية هؤلاء مشروطة بأصولهم الاجتماعية اكثر مما بمستقبلهم المرتقب وغير المضمون في غالب الاحيان .
5 ) عش السلفية والاخوانية الرجعية : يلاحظ هنا فانه في تلك البلدان التي استطاعت الرجعية السلفية الاسلامية فيها ان تؤسس حركة جماهيرية ، وحيث انها في طور الصعود في الوقت الراهن ، يتميز السكان العاملون بان نسبة كبيرة منهم تتألف من الطبقات المتوسطة بالمعنى المحدد في البيان الشيوعي : صناع صغار ، تجار تجزئة ، حرفيين وفلاحين ، اي البروليتارية الرثة التي تشوش على البروليتارية الاصلية . لكن رغم ذلك فان كل فورة للتيار السلفي الاسلامي لا تعبئ قسما واسعا الى هذا الحد او ذاك من الطبقات المتوسطة وحسب ، بل تعبئ ايضا اقساما من الطبقات الاخرى متحدرة لتوّها من الطبقات المتوسطة بفعل التراكم البدائي والإفقار الرأسماليين . هكذا فان اقساما من البروليتارية ، تلك المتبلثرة حديثا ، وبالأخص اقساما من البروليتاريا الدنيا ، تلك التي جرّدتها الرأسمالية من موقعها البرجوازي الصغير السابق ، هي قابلة بصورة خاصة لاستجابة التحريض السلفي والإنجرار وراءه . تلك هي القاعدة الاجتماعية للحركة السلفية الاسلاموية ، قاعدتها الجماهيرية . بيد ان تلك القاعدة ليست بمستجيبة للرجعية الدينية بشكل تلقائي ، مثلما هو حال البرجوازية بالنسبة لبرنامجها الخاص . فمهما تكن في الواقع قوة المشاعر الدينية للجماهير ، وحتى لو كان هذا الدين هو الاسلام ، فثمة قفزة نوعية بين المشاعر وبين الاستجابة للدين بوصفه يوتوبيا دنيوية . فلكي يتحول الدين من جديد ، بعد ان كان افيونا للشعوب ، الى مهيّج ، وذلك في عصر التأليه ، لا بد ألاّ يكون امام تلك الشعوب حقا اي خيار غير اللجوء الى الله ، اذ ان اقل ما يقال عن الاسلام هو ان راهنيته وحاليته ليست امرا بديهيا . ان الحركة الاخوانية والسلفية في الواقع تثير اشكالات اكثر مما تقدم حلولا : فعدا الاشكال في تحديث قانون مدني عمره ثلاثة عشر قرنا ، وهو بالرغم من كونه احدث من القانون الروماني بعدة قرون ، إلا انه نتاج مجتمع كان بوضوح اكثر تخلفا من المجتمع الروماني القديم ( كان نمط عيش العرب شبيها الى حد بعيد ينمط عيش العبريين ) ، وبتعبير آخر فان اكثر السلفيين الاسلاميين امانة للرسالة ، لا يمكنه الرد على المشكلات التي يطرحها المجتمع الحديث من خلال شعوذات التأويل وحدها ، إلا اذا اصبح التأويل اعتباطيا تماما ، وبالتالي مصدر خلافات لا نهاية لها بين المجتهدين . وهكذا نجد ان تفسيرات الاسلام هي بعدد المفسرين ، اما النواة المركزية للدين الاسلامي ، تلك التي يجمع عليها المسلمون ، فهي لا تشبع باي شيء حاجات البرجوازي الصغير المادية الملحة ، بغض النظر عن قدرتها على اشباع حاجاته الروحية . ان السلفية الاسلامية ليست في ذاتها ، بآي شكل من الاشكال البرنامج الاكثر توافقا مع طموحات الفئات الاجتماعية التي تؤثر في صفوفها .
6 ) استثناء للبيان الشيوعي : مما يجب ملاحظته ان القاعدة الاجتماعية الموصوفة اعلاه تتميز بتقلبها السياسي . ان الاستشهاد الذي اوردناه من " البيان الشيوعي " لا يصف موقفا دائما للطبقات المتوسطة ، بل يصف فقط المحتوى الفعلي لنضالها ضد البرجوازية ، عندما يحصل هذا النضال ، اي عندما ترتد الطبقات المتوسط ضد البرجوازية ، ذلك ان الطبقات المتوسطة ، قبل ان تحارب البرجوازية ، كانت حليفة لها في نضالها ضد الاقطاع ، وقد ساهمت في دفع التاريخ الى الامام ، قبل ان تسعى الى رد مجراه . فالطبقات المتوسطة هي قبل كل شيء القاعدة الاجتماعية للثورة الديمقراطية والنضال القومي ، وفي المجتمعات المتخلفة والتابعة ، كالمجتمعات الاسلامية ، تحتفظ الطبقات المتوسطة بهذا الدور بقدر ما تبقي المهمات الديمقراطية والقومية على جدول الاعمال كاملة الى هذا الحد او ذاك . وتشكل تلك الطبقات السند الاكثر حماسا لأي قيادة برجوازية ( وكم بالأحرى اذا كانت برجوازية صغيرة ) تسجل هذه المهمات على رايتها . ان الطبقات المتوسطة هي القاعدة الاجتماعية بامتياز للبونابارتية البرجوازية الصاعدة ، فلا بد اذن ان تكون القيادات البرجوازية او البرجوازية الصغيرة التي تضطلع بالمهمات الديمقراطية والقومية ، قد بلغت حدودها الخاصة بها في تحقيق هذه المهمات ، وتفقد مصداقيتها فتنفصل عنها اقسام واسعة من الطبقات المتوسطة وتبحث لنفسها عن سبل اخرى .
هذا ويبدو من البديهي انه طالما ان الازدهار الرأسمالي يفتح امامها سبل الصعود الاجتماعي ، وطالما انها تتحسن ظروفها المعيشية ، فان الطبقات المتوسطة لا تعترض على النظام القائم . فهي حتى لو فقدت اهتمامها بالسياسة وحماسها ، تستمر بلعب دور الاغلبية الصامتة للنظام البرجوازي . ولكن ما ان يطأ عليها التطور الرأسمالي للمجتمع بكل ثقله ، ثقل المنافسة المحلية او الخارجية ، والتضخم والديون ، تصبح الطبقات المتوسطة احتياطا خطيرا من القوى المعارضة للنظام القائم ، فالتا من اي سيطرة برجوازية ، ويزيد من خطورته ان عنف البرجوازي الصغير اليائس وهيجانه لا مثيل لهما .
7 ) الرجعية او الثورة :مما لا جدال حوله في هذا الخصوص ان قدر الخيار الرجعي يبقى غير محتم على البرجوازي الصغير الذي يسحقه المجتمع الرأسمالي ، وفقد بسببه اوهامه حول القيادة القومية الديمقراطية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة . ذلك ان خيارا آخرا يظل قائما ، نظريا على الاقل ، اذ ان الطبقات المتوسطة تجد نفسها امام هذا الاختيار : الرجعية او الثورية ، فهي تستطيع فعلا الانضمام الى النضال الثوري ضد البرجوازية المتعفنة الوسخة المدمرة للاقتصاد والسياسية ولكل ما هو اصيل لصيق بالطبقات الدنيا داخل المجتمع .
اذا كانت الطبقات الوسطى ثورية ، فذلك لانتقالها الوشيك الى البروليتارية ، فهي تدافع عندئذ عن مصالحها المستقبلية ، وليس عن مصالحها الحالية ، ومن ثم فهي تتخلى عن وجهة نظرها الخاصة لتتبنى وجهة نظر البروليتارية . بيد انه في المجتمعات المتخلفة والتابعة ليس من الضروري ان تتخلى الطبقات المتوسطة عن وجهة نظرها الخاصة لتضع نفسها تحت قيادة البروليتارية ، بل على العكس فان هذه الاخيرة تتوصل الى جر الطبقات المتوسطة الى نضالها ، بتبنيها طموحات هذه الطبقات ، ولا سيما المهمات الديمقراطية والقومية . ولكن كي تتمكن البروليتارية من كسب ثقة الطبقات المتوسطة لا بد اولا ان تحوز على قيادة موثوقا بها تكون قد اثبتت جدارتها السياسية والنضالية . اما اذا كانت القيادة ذات الاغلبية في صفوف البروليتارية قد فقدت مصداقيتها في مجال النضال السياسي والقومي الديمقراطي ( مع احتفاظها بموقع الاغلبية بفضل دورها النقابي او لغياب البدائل ) ، واذا كانت تبدي تخاذلا سياسيا تجاه النظام القائم ، او اذا كانت ، في اسوأ حال ، تساند النظام القائم ، عندئذ لن يكون امام الطبقات المتوسطة ، فعلا ، اي خيار آخر سوى الاصغاء للرجعية البرجوازية الصغيرة ، حتى ولو كانت بمثل غموض الرجعية الاسلامية ، وربما التحرك استجابة لنداءاتها الملحة .
8 ) الاحباط من الوضع القائم : في جميع البلاد التي احرزت السلفية والاخوانية فيها تقدما ملحوظا ، ولا سيما في مصر وسورية وتونس والعراق وإيران وباكستان ، كانت مجمل الشروط الموصوفة اعلاه قائمة . في هذه البلدان وفي بلدان غيرها تدهورت بوضوح الظروف المعيشية للطبقات المتوسطة خلال السنوات الاخيرة . ورغم ان بعضها تنتج النفط وتصدره ، فان التضخم الجامح كان الانعكاس الوحيد لتفجر النفط على اغلبية الطبقات المتوسطة في هذه البلدان . ومن جهة اخرى ، فقد فقدت فيها القيادات القومية الديمقراطية البرجوازية ، والبرجوازية الصغيرة مصداقيتها بوجه عام . فقد مرت تلك القيادات بتجربة السلطة في مصر والعراق وسورية ، والتفّ حول كل منها في فترة معينة من تاريخها ، اجماع الطبقات المتوسطة شبه الكامل ، عندما كانت تحاول تحقيق برنامجها القومي الديمقراطي . وقد ذهب بعضها بعيدا في هذا الاتجاه ، كما كان الحال في مصر والعراق وسورية حيث بدا جمال عبد الناصر كعملاق كريزمي للمرحلة ، مما مكن القوميين من البقاء طويلا في الحكم خاصة وأنهم جاؤوا الى السلطة عن طريق الجيش . اما في ايران وباكستان حيث شكل القوميون حكومات مدنية ، فلم يلبث ان كنسهم الجيش وانتهى مصدق وبوتو بشكل يثير الشفقة . ومهما كان الامر ، فان هامش التقدم على درب البرنامج القومي الديمقراطي ضمن اطار الدولة البرجوازية ، هو اليوم هامش ضيق جدا او شبه معدوم في البلاد الاربعة المذكورة اعلاه . وحتى في ايران حيث كانت تجربة مصدق قصيرة للغاية ، فان الشاه ، بناء على نصيحة اوصيائه الامريكان ، قد اخد على عاتقه وبأساليبه الخاصة به شبه البيسماركية ، تحقيق ما حققه اشباه روبيسبيار و بونابرت المركّبين في البلاد الاخرى . ومن جهة اخرى فان المنظمات السياسية البروليتارية الوحيدة الجديرة بالذكر في المنطقة ، هي المنظمات الستالينية ، التي اذا لم تكن هزيلة ، فهي مجردة من اي مصداقية بسبب تاريخها في خيانة النضالات الشعبية والتواطؤ مع السلطة القائمة .
هكذا ، فعندما بدا سخط الطبقات المتوسطة يظهر في السنوات التي سبقت الخمينية وقبل سقوط صدام حسين والآن سورية ، لم تستطيع اي منظمة عمالية او قومية برجوازية او برجوازية صغيرة ، ان ’تؤطّر ذاك السخط ، فكان المجال فسيحا امام الرجعية السلفية البرجوازية الصغيرة من سنية وشيعية .
9 ) اختلاف في المحتوى : اذا كانت السلفية الاسلامية قد احرزت تقدما ملموسا في مصر كما في سورية وباكستان ، فان اشكال تقدمها ومداه ، وكذلك محتواها ودورها السياسيين تختلف كثيرا من بلد الى آخر .
ان الحركة السلفية الاخوانية في سورية هي القوة المعارضة في وجه البونابارتية المنحطة للبيروقراطية البرجوازية البعثية ، وقد دخلت معها في صراع حتى الموت لا يزال مستمرا حتى اليوم ، حيث تتصدر جميع العمليات العسكرية التي تحصل في سورية . انها تستفيد بشكل خاص من كون الفريق الحاكم يتسم بطابع الاقلية الطائفية العلوية . غير ان الطبيعة الرجعية المتطرفة والمطلقة للحركة السلفية السنية السورية تلغي ، او تكاد ، فرصها في الاستيلاء منفردة على السلطة ، فهي لا تستطيع وحدها ، على اساس مثل برنامجها ، ان تجند القوى الضرورية لإسقاط ديكتاتورية البعث . كما ان قدرتها على ان تدير وحدها بلدا ذا مشاكل سياسية واقتصادية بدرجة تعقيدات مشكلات سورية ، هي ’بعد اقل . ان الحركة السلفية السنية السورية محكوم عليها اذن ان تتعاون مع الطبقات المالكة السورية ( البرجوازية والملاكين العقاريين الكبار )، وهي ليست سوى راس حربة تلك الطبقات ولا يمكنها ان تكون اكثر . وما دام الصراع لا يزال مفتوحا في سورية فان دخول جحافل القاعدة واصلبة الخط لذا فئات اسلاموية تكونت مؤخرا ، ينبئ بتطورات لاحقة قد تكون لها انعكاسات سلبية لا تقل خطورة وقتامة عما يجري الآن بالعراق ، وهو ما يعني اتساع شساعة المعركة الى دول الجوار خاصة الى الساحة اللبنانية ، وهو وضع المستفيد منه الاول والأخير تبقى الدولة الصهيونية .
في مصر وللأسباب نفسها فان آفاق استيلاء الحركة السنية من اخوانية و سلفية متحالفة معها على السلطة بشكل مستقل هي آفاق ضيقة جدا ، لا سيما وان نفوذها النسبي اقل اهمية بشكل واضح عما في سورية . ان هذا يبدو واضحا اليوم بالشارع المصري الذي تقف قواه الديمقراطية والليبرالية والتقدمية موقفا صلبا من محاولة حزب العدالة والحرية الاخواني ، وحزب النور السلفي ، ومن وراءهما التيار السلفي الرجعي اسلمة الدولة بطابع الفاشية على غرار فاشية الامبراطورية العثمانية .
تتميز باكستان عن سورية ومصر بكون الحركة السلفية ، قد تدعّمت فيها بشكل رئيسي في ظل انظمة رجعية ، ولذلك تمكنت هذه الحركة من ان تتبنى لحسابها الخاص ، ولفترات طويلة ، عناصر من البرنامج القومي الديمقراطي ، وان تشكل بالتالي قوة ذات مصداقية في معارضة النظام القائم . بيد انه في خلال هذه الفترات الطويلة نفسها ، كانت الاتجاهات القومية الديمقراطية البرجوازية ذاتها في المعارضة ،وهي حتما اكثر نفوذا لأنها اكثر مصداقية من الحركة السلفية . وقد احتاج الامر الى رجل مثل بوتو حرق في اختصار تاريخي مدهش ، مراحل تطور على الطراز الناصري ، وتوصل بسرعة الى فقدان دعم الجماهير ، متورطا في تناقضاته الخاصة به ، حتى ’فسح المجال الى اقصى اليمين الذي تسوده الحركة السلفية ، علما ان اقصى اليسار هزيل في باكستان . وقد بلغ افلاس بوتو درجة مكنت الحركة السلفية من ان تعبئ ضده حركة جماهيرية واسعة ، فجرى الانقلاب من اجل تدارك " الفوضى " التي امكنت ان تنجم عن اسقاط بوتو بواسطة تلك التعبئة ، ومجيء الدكتاتور ضياء الحق بمساندة التيار السني السلفي الرجعي .
اذن في هذه الحالات الثلاث التي نظرنا فيها اعلاه ، ثبت ان الحركة السلفية من اخوانية وغيرها ليست في الحقيقة سوى قوة اعانة للبرجوازية العقارية الرجعية والاقطاعية . اما الحالة الايرانية فهي تختلف كما سنحلل ادناه .
10 ) ان الحركة السلفية في ايران التي يمثلها بشكل رئيسي الاتجاه السلفي بين رجال الدين الشيعة ، قد تحددت في مجرى نضال طويل وشاق ضد نظام الشاه الغارق في الرجعية والعمالة للإدارة البريطانية والأمريكية . ان الافلاس التاريخي البائس للقومية البرجوازية وللستالينية ( حزب تودة الشيوعي ومنظمة فدائيي خلق ومجاهدي خلق ) الايرانيتين كان واضحا ومعروفا للجميع ، والحال انه نتيجة هذه التركيبة الاستثنائية من الظروف التاريخية ،توصلت الحركة السلفية الايرانية لان تكون راس الحربة الوحيدة للمهمتين المباشرتين للثورة الديمقراطية القومية في ايران ، اسقاط الشاه وقطع الروابط والعلاقات مع الامبريالية الامريكية . ومما زاد في امكانية ذاك الوضع ، ان هاتين المهمتين كانتا في انسجام تام مع البرنامج العام الرجعي للسلفية الاسلامية . هكذا فعندما بلغت الازمة الاجتماعية في ايران درجة من النضج ، خلقت الشروط اللازمة لإسقاط الشاه ، اسقاطا ثوريا . وعندما بلغ ’بغض الطبقات المتوسطة للشاه اوجهه ، تمكنت الحركة السلفية التي جسّدها الخميني من تأطير القوة العظيمة للطبقات المتوسطة اليائسة وللبروليتارية الدنيا ، لتوجه للنظام سلسلة من الضربات بالقبضات العارية ، ضربات شبه انتحارية في اصرارها على البقاء عزلاء ، الامر الذي لا تقدر عليه غير حركة صوفية ( البرنامج الذي تعمل عليه جماعة العدل والإحسان ) . لقد نجحت الحركة السلفية الايرانية في انجاز المرحلة الاولى من ثورة قومية ديمقراطية في ايران ، بيد انه سرعان ما عادت طبيعتها السلفية الفاشية لتسيطر .
ان الثورة الايرانية هي بشكل ما ثورة معكوسة ، فبعد ان بدأت على ارضية الثورة القومية الديمقراطية ، كان بالإمكان لو توفرت لها قيادة ديمقراطية مستنيرة وتقدمية ( بنو الحسن بني صدر اللاجئ في باريس وشهبور بختيار ) ، ان تأخذ طريق التحول الى ثورة اشتراكية انسانية وليست ماركسية . لكن قيادتها السلفية البرجوازية الصغيرة منعتها من ذلك ، دافعة اياها ، على العكس في اتجاه تقهقر رجعي . فقد شبهت ثورة فبراير 1979 بشكل مدهش ثورة اكتوبر 1917 : نقطتا الانطلاق متماثلتان لتطورين في اتجاهين متعارضين تماما . ففي حين سمحت اكتوبر ببلوغ حد الثورة الديمقراطية الروسية ، خانت القيادة السلفية المضمون الديمقراطي للثورة الايرانية . وحين استبدل البلاشفة الجمعية التأسيسية ، بعد ان ناضلوا من اجل انتخابها ، بسلطة السوفياتات فائقة الديمقراطية ، استبدل آيت الله الخميني الجمعية التأسيسية التي سبق ان وضعوها هم ايضا على راس مطالبهم ، والتي منعوها من تبصر النور ، استبدلوها بذاك المسخ الرجعي الذي هو " جمعية الخبراء المسلمين " . ان مصير ذاك المطلب المشترك للثورتين يلخص بشكل بليغ الطبعتين المتناقضتين لقيادتهما ، وبالتالي لاتجاه تطورهما . اما فيما يخص اشكال التنظيم الديمقراطي التي برزت في غمرة فبراير الايراني ، فقد احتوتها القيادة الاسلامية في مؤسسة الفقيه المتسلط والفاشي . انه فرق شاسع بين " الشورى " والسوفياتات .
اما في المجال القومي ، فحيث سمحت الاممية البروليتارية لدى البلاشفة بتحرير القوميات المضطهدة من جانب الامبراطورية الروسية ، فان الاممية الاسلامية لدى آيات الله ما هي إلا ذريعة دينية لقمع القوميات المضطهدة من جانب الامبراطورية الفارسية قمعا دمويا ( الاستمرار في احتلال الجزر العربية الاماراتية ابو موسى ، طنب الكبرى وطنب الصغرى ) ، و مصير النساء في كلتا الثورتين معروف ايضا . هذا ولم تبق القيادة السلفية الايرانية وفية للبرنامج القومي الديمقراطي إلا في نقطة واحدة : النضال ضد الامبريالية الامريكية وإسرائيل ، ولكنها بقيت وفية له بطريقتها الخاصة ( ايران غيت ) ، ثم ان الخميني اشار الى ان العدو ليس بوصفه الامبريالية ولكن الغرب ، ان لم يكن الشيطان الكبير .
وايا كان المصير اللاحق للفاشية الاسلامية ودكتاتورية الفقيه في ايران ، فقد اتضح منذ الآن انها عقبة رئيسية امام تطور ايران نحو الافضل .
11 ) خطورة السلفية و الاخوانية : تعتبر حركة الاخوان المسلمين والسلفية المرتبطة بهم مثل حزب النور وحزب العدالة والتنمية المغربي وجماعة العدل والإحسان وحركة النهضة التونسية ، وإخوان سورية والوهابية وفرق الشيعة المختلفة ... احد اخطر اعداء الديمقراطية وحقوق الانسان في البلاد العربية والاسلامية ، ومن الضروري بشكل مطلق ، وفي كل الظروف ، محاربة تأثيرها الرجعي القروسطوي . بل انه حتى في الحالات التي تضطلع فيها بعض الحركات السلفية مؤقتا بمهمات قومية ديمقراطية ، مثل ما جرى في ايران او يجري اليوم في سورية والعراق وتونس ومصر او ما تقوم به حماس ، فان من واجب المستنيرين والتقدميين والديمقراطيين ان يحاربوا بلا هوادة ولا رحمة التضليل الذي تمارسه على فئات الشعب المختلفة ، خاصة الطبقات الدنيا من المجتمع ، والذي ستدفع الدولة المركزية ثمنه باهظا وغاليا اذا لم تتحرر منه في الوقت المناسب . ان خطورة هذه الجماعات الفاشية انها تحاول ان تخوض المعركة ضد الدولة على اساس الايمان الديني بدل الموضوع الديمقراطي والحقوقي الذي يكفرون به ، ومن يتعامل معه منهم فالتواء ونفاقا ، اي ممارسة التقية بإظهار ما لا يبطنون . الم يقل اللاجئ بكير من هولندة عن الشبيبة الاسلامية ان عبدالاه بنكيران خيّره بين ان يتواجدون هم في الحكومة ، او الاستمرار في فساد الملك ؟ . الم تنقلب الشبيبة الاسلامية على الدولة المغربية التي انشأتها لمحاربة التغلغل الماركسي اللينيني في الجامعة ؟ الم ينقلب مورسي عما كان يروجه لما اصدر قرارات تؤسس لحكم فاشي دكتاتوري ؟
اذن لا بد من الفضح والنضال المستميت ضد كل المخزون الثقافي السلبي المعشعش في البنية الثقافية العربية على مدى مئات السنين ، والذي يلتمس لنفسه البراءة في اقاصيص وحكايات ونصوص تاريخية استهدفت قتل روح المبادرة في العقل العربي خدمة للنظم الرجعية والقروسطوية . لقد قال احد المفكرين القوميين العرب الاستاذ عصمت سيف الدولة " .. ما دام الدين قد وصل الى ان يكون سلاحا ضد امتنا ، فأننا نستطيع ان نقول لكل الذين يسمّون انفسهم رجال دين ، اننا لسنا اقل منكم رجولة في الدين ، ونستطيع ان نحتكم جميعا الى كتاب الله لو اردتم " . وتساءل قائلا " ... كيف يمكن ان نعود للسلف تاريخيا ؟ مستحيل " وزاد " يستحيل علينا الآن ان نكون على مذهب سيدنا مالك الذي قال ان الشريعة هي ما طبقه اهل المدينة . هذا افتقار للإسلام ، هذا قفل لأبواب الاسلام على مجتمع كان رائعا في زمانه وليس هو رائعا الآن اطلاقا " " من الذي يريد البيعة على الطريقة التي تمت بها بيعة ابي بكر ؟ من الذي يريد الخلافة على طريقة عثمان ؟ من الذي يريد الصراع بين المسلمين على طريقة معاوية ؟ وعلي ؟ من الذي يريد هذا ؟ " . لقد ولى زمن رعب الفاشية بواسطة القرآن .
( يتبع يتبع )




#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النخبة وزمن التّيه السياسي
- الثورة آتية لا ريب فيها
- عودة كريستوفر رووس الى المنطقة
- في الثقافة الوطنية القومية الاصيلة
- الماركسية والتراث والموقف من الدين
- تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
- الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار
- لبنان وسورية في فوهة البركان الصهيوني
- عالم آخر ممكن
- اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية
- البنك العالمي للانشاء والتعمير في خدمة الادارة الامريكية
- ( الدولة اليهودية ) ومفهوم الحدود الآمنة
- حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ...
- الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية
- ميكانيزمات التحكم في القرار السياسي بالبلاد العربية
- في بناء الحزب العمالي الثوري (منظمة الى الامام) ( وجهة نظر )
- الطائفية الورم الخبيث بالوطن العربي
- ازمة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية -- دراسة تحليلية ونقدية لم ...
- البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
- المثقفون والصراع ( الطبقي )


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )