أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعيد الوجاني - حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ) الصهيو - امريكي















المزيد.....


حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ) الصهيو - امريكي


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 22:28
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


كيف التقت الصهيونية العالمية مع الصهيونية الاخوانية الاسلاموية في سرقة الحلم العربي القاعدي بالتغيير ؟ ثم هل تعتبر ثورة تلك المساندة من قبل تل ابيب واشنطن باريس لندن وحكام الوهابية في السعودية والاخوانية في قطر ؟ . ومنذ متى كان هؤلاء في تاريخهم الحافل بالمجازر ضد الانسانية ، ثوارا يساندون الثوار والثورات ؟ ماذا يجري اليوم بالعالم العربي من دمار وتخريب وهدم لم يسبق له مثيل في تاريخ المنطقة ، وتاريخ الصراع العربي الصهيوني ؟ لماذا توقّف قطار التغيير في منتصف الطريق وترك بل سمح للصهيونية الاسلاموية بسرقة نتائج التغيير التي اوصلتها الى الحكم الذي لم يكن سوى استمرارية للحكم السابق بلون اسلاموي صهيوني مشبوه ؟ ماذا جنت الجماهير من انتفاضتها التي لم تبلغ اهدافها ؟ هل تغيرت اوضاعها عما كانت عليه في ظل ( الزعيم ) الرئيس السابق ام انها لم تزدد إلا سوءا واستفحالا فظلت المشاكل هي نفسها في مجلات السياسة والقمع والديمقراطية والوضعية الاقتصادية والاجتماعية المزرية للمواطنين ؟ والسؤال العريض : لماذا اخفقت حركة التحرير العربية في مقودة التغيير الذي سرقته فلول الصهيونية الاخوانية في اكثر من بلد عربي ؟ هل حركة التحرير العربية تعيش ازمة بنيوية ام انها تعيش ازمة عارضة ؟ .
اذا كان الصمود البطولي النادر في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ( غزو 1982 ، تدمير لبنان في 2006 وغزة في 2009 ) قد عرّى الواقع العربي حتى الجذور ، بما فيه من تواطؤ ، وتخاذل وعجز وانهيار ، ووضع الجماهير امام حقيقة الانظمة السياسية المتسلطة التي حكمت باسم تحرير فلسطين في حين انها شكلت جدرمة لفرملة الكفاح بين حدودها وفلسطين المحتلة ، فانه في صميم ذلك ، قد كشف بشكل عياني جوهر الازمة في حركة التحرر العربية : انظمة وقوى ، كل ذلك يلقي بثقله الضاغط على الجماهير للبحث في عوامل هذه الازمة وتفاعلاتها ، وإمكانات الخروج منها .
فوصول الواقع العربي الى قاع الانحدار والتراجع والتفسخ ، ووقوف حركة التحرر العربية ( بعموم فصائلها ، وكحصائل حاصلة ) عاجزة ، مبعثرة امام حرب الابادة والتصفية ، يلقي الاضواء الساطعة ، ليس على الجانب الرسمي في هذا الواقع وحسب ، وإنما في جانبه التقدمي والمعارض الشعبي ، وفي مجمل الوضعية الراهنة التي كشف الاعتداء الصهيوني المتكرر على لبنان وغزة مدى عجزها وليونتها في مواجهته .
فقد قاتلت واستبسلت وصمدت الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بجميع فصائلها العلمانية والإسلامية لأطول فترة عرفتها الحروب مع العدو الصهيوني – رغم الاختلال المريع في ميزان القوى – وكان ذلك يفترض تحريك الاوضاع العربية الراكدة برمتها باتجاه ازاحة كافة العراقيل التي تحول دون نجدة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، كما هو مقدر ومفهوم وطبيعي لأي شعب في العالم يواجه الاخطار المحدقة بوجوده وبكينونته واصله . لكن للأسف ذلك لم يحدث في جميع محطات الصراع ، وكل ما حصل وجرى فقط تعبيرات هزيلة اقل بكثير من الحد الادنى المطلوب .
الازمة بنيوية بالأساس : وهذه المسألة لا يمكن ان تبتسر و’تقزّم بوضع كل المسؤولية على الجانب الرسمي في الوضع ، رغم اهمية ذلك ، او بإلقاء الازمة على مشجب مرحلة التراجع والانحسار والامبريالية والصهيونية والرجعية .. والظروف الموضوعية .. وكفى .. دون ان تبحث هذه الازمة في اساسها .. بكل مكوناتها وتفاعلاتها ،وبالانطلاق من العامل الذاتي كحجر الزاوية ، لأن العوامل الاخرى من انظمة معادية وامبريالية وصهيونية وغيرها ، مهما بلغت من القوة والقدرة والشراسة ، يجب ان تعيشها حركة التحرر العربية منذ البدء ، وعلى طول خط صراعها التناحري مع هذه القوى .. كقوة معادية بالأصل سوف تلجأ الى استخدام الاسلحة التي تملكها ، وجميع الاساليب التي تحقق انتصارها في هذا الصراع .
ولان الظروف الموضوعية ، مهما كانت شدتها ، وضعف نضجها ، وقابليتها للعمل الثوري ، فهي ايضا في علاقة جدلية مع العوامل الذاتية ، وفعلها في عمليات الانضاج والبلورة وتسريع وثيرة الانضاج باتجاه مساراته التاريخية .. ولان الصراع يأخذ مبرراته وحيثياته وأشكاله من طبيعة القوى المنخرطة فيه ، عبر مرحلة تاريخية محددة .. فان القاء المسؤولية على جانب فيه ، هو اقرار بالهزيمة ، وإقرار بالعجز يستلزم اعادة النظر جوهريا بأدوات وأساليب الصراع ، او اخلاء الطريق لقوى يولدها لاستمرار الصراع وحسمه وفقا لحتميات التطور والتغيير . وهو ما تطرحه ازمة حركة التحرر العربية بآخر تجلياتها القائمة.
ذلك لان الازمة ليست جديدة او وليدة اليوم او الامس القريب ، وليست قسرية او مفروضة بقوة الفعل الخارجي وحسب ، بل انها ازمة تاريخية بنيوية تشمل القوى الطبقية التي عبرت عنها هذه الحركة ، وطبعت قياداتها وإيديولوجيتها ، كما تشمل نهجها وإفرازاتها في الممارسة ، ضمن العلاقة الجدلية القائمة بين الموضوعي والذاتي .
العوامل الموضوعية وتداخلاتها : لا شك في ان صعوبة العوامل الموضوعية وتشعبها في الوطن العربي ، وتداخلها الكبير مع العوامل الخارجية وفعلها المؤثر .. قد اثرت بشكل كبير على نشأة ومسار ونتائج العوامل الذاتية وصولا الى الوضعية الراهنة من اشكال الازمة .
ان تاريخ التجزئة واتساعها وتشرذمها ،، وموضوعاتها اللاحقة في البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وما تولّده على كل صعيد ، في حاضنة التخلف المريع للبنى الانتاجية الاجتماعية والثقافية ،، وبالتالي البلورات الطبقية وتشكيلاتها ومستويات وعيها ، وحدودها ، وأشكال صراعها ،، وفي حاضنة الاستبداد الشرقي وتاريخيته ومواصفاته وتأثيراته ،، في ظل هيمنة امبريالية كثيفة وضاغطة ،، وكيان صهيوني يشكل قاعدة دائمة للامبريالية ،، ان تعقد هذه الظروف شكل التحدي الاكبر لحركة التحرر العربية التي لم تستطيع الفعل باتجاه الانتصار ، وهو ما تدلل عليه وقائع اليوم الفاضح والمؤسف عليه .
لقد اثر ذلك بشكل جلي في نشأة حركة التحرر العربية ، وطبيعة القوى التي تنظّمت للقيادة ، وفي الايديولوجية المعوّمة ، وجملة القرارات الاخرى ، بدءا من تسلم البرجوازيات التقليدية المتحالفة مع الاقطاع للسلطة ، ووقوفها عند التعبيرات البرجوازية الصغيرة وانشطاراتها وتصيّراتها المتعددة الاشكال . فالأزمة في الجانب الرئيسي منها ، تكمن في هذه القوى بالذات :
--- فالبرجوازيات التقليدية التي قادت مرحلة الاستقلال الوطني قد ولدت هجينة ، هزيلة ، قاصرة ، وبالتالي لم تستطيع ان تقوم بالثورة القومية التحررية الديمقراطية ، بل وجدت في التجزئة مرتعا لها ، فعملت على تأطيرها وتعميقها ، كما وجدت في الهيمنة الامبريالية مجالا لتنمية نفوذها ومصالحها ،، فوطّدت علاقاتها بالرأسمالية العالمية ضمن علاقة تابع وليس مستقل . فلم تستطع مواجهة هذه الهيمنة ، وبالتالي ، اكدت قصورها وعجزها ،، فكان سقوطها يتقاطع وذلك مع حركة التطور المستمرة والسريعة .
--- ولأسباب عديدة ، تمكنت التعبيرات البرجوازية الصغيرة ، عن طريق الانقلابات العسكرية في الغالب ، من ان تتصدر المرحلة التالية ، وان تفرض نفسها كقائدة لحركة التحرر العربية . فكان طبيعيا ان تترك بصماتها على المرحلة ، وان تشهد حركة انشطارات واسعة لم تنته بعد الى اليوم .
الطبيعة البرجوازية الصغيرة وموقعها في الازمة الراهنة : ونظرا لان البرجوازية الصغيرة تضم فئات عديدة مختلفة المشارب والمصالح والوعي والطموحات ، حتى داخل الفئة الواحدة ، و لان " التناقض عمادها " منذ كانت مسيرتها اللاحقة تعبيرا حيا عن هذه الطبيعة ، حيث تجلت في مستويات نضالها وتصديها للامبريالية وهيمنتها وتواجداتها ، وفي بناءاتها الداخلية ، وسياساتها الخارجية ، وفي مجمل نهجها في المسألة الديمقراطية والاجتماعية .
فعندما كانت مصالحها تلتقي ومصالح اغلبية الشعب ، قبل استلام الحكم ، جاءت شعاراتها وبرامجها معبرة عن مصالح الاغلبية ،، فتمكنت لأسباب ذاتية وموضوعية ، من تصدّر قيادة مرحلة الصعود القومي التحرري . ونتيجة الشكل الذي وصلت فيه الى السلطة ( الانقلابات العسكرية ) ، كانت الغلبة فيها للعسكريين والمثقفين وأبناء الفلاحين ، فقد زاد ذلك من تناقضاتها ، ومنح ممارساتها طابعا شعاراتيا ، فوقيا وقمعيا ومتخلفا في العديد من الجوانب .
وفي غمار مواجهاتها للنفوذ الامبريالي ، ومرحلة البناء ، كان تناقضها يبرز بشكل اوضح ، كما واكتسبت بفعل ذلك ، مواصفات جديدة طبعتها في مرحلة الانشراخات ( الشرخ ) الكبرى . ففي مرحلة الحكم وممارسة السلطة وامتحان شعاراتها ومقولاتها ،، راحت تعمل لتحقيق مصلحتها اساسا ، فتناقضت بذلك مع مصالح غالبية الشعب ، الامر الذي ادى الى ايجاد نوع من القطيعة الشعبية ، كانت تتجلى بتقلص قاعدتها شيئا فشيئا ، والذي حاولت معالجته بالمزيد من الاجراءات الفوقية والقمعية ، عبر التأميمات ، وإيجاد القطاع العام والإصلاح الزراعي ،، وغيرها من الاجراءات التي اتخذتها على صعيد التحوّلات الاقتصادية ، وعبر تشكيل جيش كبير من الاجهزة الامنية والعسكرية والإدارية لحماية نفسها ، وقمع حركة المعارضة تحت دعاوى وتنظيرات كثيرة .
و لأنها لم تستطع مواجهة الامبريالية وتواجداتها ونفوذها – حتى النهاية – ولم تقدر على حسم الصراع مع الكيان الصهيوني الذي الحق بها الهزائم الكبرى تلو اخرى منذ ستينات القرن الماضي ( هزيمة 1967 و 1973 ) فقد هربت الى الامام باللجوء الى الشعاراتية احدى صفتها الرئيسية ، فاستبدلت مواجهة العدو الصهيوني الامبريالي بالعديد من الشعارات والمفاهيم التي لم تستطع ترجمتها في ممارساتها .
ولعوامل بنيوية وأخرى خارجية ، عجزت عن محاربة التجزئة ، والقيام بالثورة القومية الديمقراطية ، فتعززت لديها بفعل ذلك وآثاره التراكمية عليها ، الميول والتوجهات القطرية والعصبوية والانعزالية ، وهو ما تترجمه بناءاتها الداخلية ، وتوجهاتها الخارجية تجاه بقية فصائل حركة التحرر العربية .
ولهذا العوامل مجتمعة ، عمقت وبلورت السلطة فيها اتجاهات عديدة ، كانت تتمحور بشكل عام باتجاهين رئيسيين : اتجاه ارتدادي يميني يصبو الى الالتحاق بالبرجوازية وفق مواصفاته ووعيه وشكل السلطة والتحكم فيها . واتجاه آخر يتطلع الى تجاوز الازمة بالانتماء الى الفكر الثوري ومواقع الطبقة العاملة . وعلى قاعدة الهزائم المتكررة ( حرب 1967 و 1973 غزو لبنان في 1982 وضربه في 2006 وغزة في 2009 ) ، وثقل الهيمنة الامبريالية وضغوطاتها المتعددة الاشكال ، ودور الكيان الصهيوني البارز في اللجم والضرب والإجهاض ، ، ، تمكنت القوى الارتدادية اليمينية من الغلبة والانتصار في اهم مواقع حركة التحرر العربية ، لتنشر فكرها وتسيطر على المرحلة ،، لبدء الانحسار والتراجع والانهيارات المتواصلة .
تعبيرات الازمة : ان العجز والفشل في انجاز الثورة الوطنية القومية الديمقراطية بمهامها الرئيسية ، قد تجلى بإشكال متعددة من الممارسات اللاحقة ، وفتح الطريق واسعا امام مرحلة الارتداد والانحسار والانهيار القائمة منذ سنوات عديدة . وصولا الى هذه الحالة من الخيانة والتواطؤ والتخاذل والفشل في تحرير الارض ، وتحقيق الوحدة القومية التي حكموا باسمها ، وبناء الاقتصاد الوطني المستقل ، وتحديث وتطوير العلوم والثقافة وبنى المجتمع ، وفي اقامة الديمقراطية الحقيقية .. لخ انما ادى الى نتائج بالغة الدلالة على مختلف الاصعدة ، خاصة وان القوى النافدة في حركة التحرر العربية لم تحاول ان تعالج عوامل هذا الفشل عبر اعادة النظر في مجمل الاسباب التي قادت اليه ،، فكرس نمطية الاستبداد والديكتاتورية الفاشية التي تحكم قبضتها اليوم على معظم وطننا .
فعلى صعيد القوى السياسية العربية ، تميّزت مرحلة الفشل بردود فعل كانت تحاول تهريب الازمة او تجاوزها بالقفز فوقها ، وبالمزيد من التعنت في النهج الذي قاد اليها ، فبرزت لديها وتكرّست التوجهات القطرية التي تتحدد بإطار حدود القطر ومصالح السلطة فيه ، وتعززت الروح العصبوية والتمسك بمقولات " الحزب الواحد " و " القائد " و " مركزية السلطة " ورفض الحوار والاعتراف والتعاون مع القوى الاخرى ، فتوسعت القطيعة مع الشعب ودائرة المعارضة والرفض السلبيين ، مما سهل كثيرا الانقضاض على هذه القوى وتحقيق النصر عليها من قبل القوى اليمينية المرتدة فيها .
وعلى صعيد الشعب ، فقد اصيب بخيبة امل كبرى تناولت اعز طموحاته . فلا الوحدة العربية تحققت ، ولا الارض تحررت ، ولم ينته الاستغلال او ’حلّت قضاياه الرئيسية . بل ان المواطن يتعرض يوميا للمزيد من التمزق والتفتت على اسس مذهبية وطائفية وغيرها ، والاحتلال الصهيوني يكرس نفسه في الضفة الغربية والجولان ، ويفرض الاستسلام على اكبر دولة عربية ، مصر ، ويقوم باقتضام اجزاء اخرى على طريق اقامة " الدولة اليهودية اسرائيل الكبرى " ،، كما ان طموحات الشعب في الحرية والكرامة والديمقراطية ’اجهضت ، وحل محلها قمع شامل يتناول المجتمع في جميع الاصعدة . وهكذا يعيش الشعب حالة من الاحباط ، كما يفرض عليه نمط من المجتمع الاستهلاكي الذي يحاول اغراقه في امواج متطلباته اليومية ، وقيمه وعلاقاته ، وكل ذلك في اطار عمل منظم لقتل مواطنيته ، وانتزاع جذوره القومية والوطنية والنضالية ، ومن ثم انبطاحه واستسلامه وخنوعه ازاء الفاشية والدكتاتورية وبرامجها الغارقة في الرجعية واليمينية ، اي الهاءه عن مصالحه العامة التي تخلت عنها الدولة باسم الدفاع عن فلسطين والعيش في حالة الحرب .
وعندما مورست مرحلة التراجع والانحسار ، وتعززت اسسها ومرتكزاتها في الواقع العربي ، بدت حركة التحرر العربية ، بأنظمتها وقواها ، اكثر عجزا وضعفا وهامشية في مواجهة هذه المرحلة والرد عليها . بينما راحت بعض اقسامها تتعامل مع هذه المرحلة ، مندرجة فيها الى هذا الحد او ذاك ، ومنتقلة – على هذه الارضية – من ازمة الى اخرى ، ومن ضعف الى آخر ، لم تستطع بعض اقسامها الاخرى التي رفضت التعايش مع هذه المرحلة ان تقوم بدور كبير في التصدي لها ، بل اثرت فيها كثيرا ، ليس اوضاع القمع والملاحقة والضربات المتوالية ومناخات الردة والاستسلام وحسب ، وإنما اوضاعها الذاتية المتفاعلة على تلك الاوضاع ، فانتقلت الى حالى اكثر تأزما ، حتى اذا ما جاء الاجتياح الصهيوني للبنان في سنة 1982 وضربه في 2006 وغزة في 2009 ، وقفت عاجزة عن القيام بالحد الادنى في نجدة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، الامر الذي سيفاقم من هذه الازمة ، ومن حالة التشتت والضعف والهامشية التي تعيشها ، ما لم تحاول الاستفادة من هذه الدروس الكبيرة والعمل الجماعي المخلص لتجاوز ازماتها .
وفي الحقيقة ، فان غياب الديمقراطية ، حتى عند معظم هذه الفصائل ، وفي تعاملها مع غيرها ، وغياب روح العمل الجماعي ، واستمرار الروح العصبوية ، والذاتية الحزبوية ، وسلوك الاستعلاء والاستخفاف بالشعب ، وعدم تمكنها من صياغة وترجمة بدائلها الجبهوية امام الوضع الشعبي المتفاقم ، والاحتلال الصهيوني الذي يهدد مصير الوطن ،، انما تلقي اليوم اعباء جديدة ومهمات كبيرة ملحة على هذه الفصائل ، كمقدمات اساسية لمواجهة مهامها الاخرى ، وإلا فان مبررات استمرارها يصبح امرا مشكوكا فيه ، وستتجاوزها الجماهير بحثا عن تعبيرات قادرة على تحقيق مصالحها وطموحاتها ، وبغض النظر احيانا ، عن طبيعة هذه التعبيرات .
ان اعادة نظر جدية في البنى الطبقية والتنظيمية والفكرية القائمة ، وفي النهج الذي ساد طيلة هذه السنوات باتجاه تلاءم هذه البنى الطبقية مع الالتزام بالفكر الثوري المتجدد ومقتضيات المرحلة وتجربة حركة التحرر العربية ، والالتزام بالديمقراطية نهجا كاملا في الحياة الفردية والداخلية ، وفي التعامل مع القوى الاخرى والجماهير ، والتوجه الجاد نحو العمل الجبهوي الديمقراطي بكل ما يعنيه من تجاوز الحساسيات والخلافات الثانوية والعصبوية والذاتيات الحزبوية ... في سبيل انهاض الجبهات الوطنية الديمقراطية في كل قطر ، والجبهة القومية على الصعيد العربي لمجابهة المخططات التي تحبك للمنطقة . ان ذلك مهمة راهنة لا ترتبط بمدى الجدلية في مواجهة اعباء المرحلة وخطر الابادة والتصفية لقضايا النضال العربي وحسب ، وإنما ترتبط بجدوى وأهلية استمرار هذه القوى ، خصوصا وان مرحلة جديدة تؤشر اليها مسارات التسوية الاستسلامية بالمنطقة ونتائجها الوخيمة على مستقبل الشعوب العربية ، ستطرح عاجلا او آجلا ،هذه الاعادة الجذرية في كل ما هو قائم ، وبالبدء في القوى التي تتنطع لمهام التغيير
وعلى هذه القاعدة من الوعي والشعور بالمسؤولية ، ومن الشجاعة في النقد والنقد الذاتي ، ستتوفر الاسلحة الانسب لمواجهة اعداء الشعب ومصير الامة ، بدءا بالأنظمة التي تكنسها الجماهير هذه الايام والبرجوازية الهجينة الطفيلية والفاشية والطائفية ، ووصولا بالوجود الامبريالي الصهيوني المتغلغل بالمنطقة العربية .
الربيع الصهيو-امريكي وتراجع حركة التحرر العربية : السؤال الذي نطرحه هنا : هل ابتلع الربيع ( العربي ) الصهيو- امريكي حركة التحرر العربية التي ظل دورها باهتا فيه ، اي في ( الربيع ) الذي فاجئها بغثة ولم تستطع مسايرته او التأثير فيه رغم الشعارات الراديكالية التي رفعتها ، والتي كانت في بعضها متجاوزة لمطالب الاصلاح الى التغيير الجذري للدولة ؟
اولا لا بد من التمييز في خريطة حركة التحرر العربية بين ، لمّا كانت تخوض النضال ضد النظام الكلونيالي وبعده في مرحلة الاستقلال ، ومن ناحية لا بد من التمييز بين احزاب هذه الحركة ، بين تلك التي مارست الحكم بعد الاستقلال وبين تلك التي تخندقت في المعارضة ولم تستطع الوصول الى الحكم رغم المحاولات المتكررة التي قامت بها .
فحين كانت هذه الحركة تقود النضال التحرري ضد الغزو الاجنبي ، كانت الجماهير والشعب ملتفة حولها وحول مشروعها التحرري الذي عنوانه تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي . لكن لما حصلت البلاد العربية على حريتها انقسمت حركة التحرر العربي بين احزاب خاضت النضال ضد المشروع الايديولوجي الاستعماري واستولت على الحكم بانقلابات عسكرية مسوّقة لشعارات شعبية مثلت الطموح الجماهيري نحو الديمقراطية والمساواة والحرية ، وبين احزاب تكونت في البداية الاولى للاستقلال وتخندقت في جانب المعارضة مستعملة بدورها خطابا شعبويا جماهيريا للوصول الى الحكم الذي خططت له اثناء النضال ضد النظام الكلونيالي .
فالنسبة للأحزاب التي استولت على الحكم بانقلابات عسكرية ، وكونت انظمة برجوازية صغيرة ، فإنها عجزت عن تحقيق الديمقراطية التي اقامت بدلها انظمة استبدادية ودكتاتورية ، كما عجزت عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحولت الى مراكمة للثروة والأموال من قبل الجماعة الحاكمة . وبالنسبة للمد التحرري فقد فشلت تلك الاحزاب في تحرير الارض الوطنية التي سيطر عليها الصهاينة ، وعوض ان تنخرط في جبهة شعبية قوية وعريضة للتحرير ، تقوقعت على نفسها مفضلة القطرية على القومية ، والشوفينية والعصبوية على الديمقراطية ، وهو ما جعل هذه الاحزاب تتحول من احزاب مدعمة من قبل الشعب الى عدوة له . هكذا تفنن الحاكم في اساليب القمع والتجويع والقتل ، ففتحت السجون والمعتقلات ، وفر الباقي كلاجئين الى خارج الوطن . لقد عانت احزاب هذه الحركة من تبعات تدابير غير مسئولة ، فتم اعدام صدام و’حل حزب البعث قبل مجيء الربيع الصهيو-امريكي ، في حين لا يزال بعث سورية يقاوم للإفلات من السقوط ، وحتى لا يعرف زعيمه المستبد نفس مصير طاغية العراق . اما تجربة الحزب الاشتراكي اليمني باليمن الجنوبية فتلك قصة تحتاج لمجلدات في الصراع الرفاقي بين الرفاق ، وكان من نتيجة المخاض تشطيب اليمن الجنوبي من الخارطة وابتلاعه من قبل الطبقة السياسية اليمينية باليمن الشمالي .
اما بالنسبة للأحزاب التي ظلت بعيدة عن الحكم ومكتفية بالمعارضة ، فانه بسبب التراكمات السلبية التي راكمتها في عملها السياسي والتي كان من اقبحها سيادة العصبوية والفئوية التنظيمية ، وغياب الديمقراطية مع سيادة نزعة الزعيم الوحيد الاوحد وعبادة الشخصية ، والارتجال والعفوية في غياب التوجهات التنظيمية ،، أن ادى كل هذا وغيره كثير الى الانشقاقات التي ميزت المنشقين الى يساريين شعاراتيين غير منظمين ، ويمينيين برجوازيين رجعيين . واذا كان تأثير هذا الانقسام قد شمل التحالفات ، فقد حاول البرجوازيون الصغار الوصول الى الحكم حتى بالانقلابات الفوقية البلانكية ، في حين مال اليمين جهة الدولة مستفيدا من ريعها دون ترك الفرصة تفلت من بن يديه .
ولما جاء الربيع الصهيو-امريكي كان الجميع في حالة ضعف و افلاس ، وهو ما جعل وجودهما وسط موجة ( الربيع ) تكون باهتة بل لم يكن لها تأثير بالمرة . ومن المفارقات حين اضحت كل هذه المجموعات ( الاحزاب ) تمارس المعارضة البرلمانية للحكومة ولا تمارس معارضة الحكم الذي هزمها في قعر دارها .
يتبين من هذه الصورة العاكسة للحقيقة ان حركة التحرر العربية تراجعت عما كانت عليه اثناء النضال ضد النظام الكلونيالي ، كما تراجعت كثيرا عن الوضع الذي كانت عليه في السنوات الاولى للاستقلال . وهذه ظاهرة عامة ، اي التراجع ، ’اصيبت بها جميع احزاب الحركة في البلاد العربية .
ان مظاهر هذا التراجع عديدة وخطيرة " .. فبقدر ما مسّ جماهيرية احزابها ومنظماتها التي بدأت تفقد بالتدريج قدرتها على استقطاب الكتلة الشعبية الى برامجها وتنظيماتها ، وبقدر ما مسّ الحالة النضالية العامة داخل هذه الاحزاب التي ولجت طور شلل سياسي رهيب ، بقدر ما مسّ فكر هذه الحركة وخططها السياسية والبرنامجية ، وأحدث ما يشبه الانقلاب في تاريخها المعاصر .هكذا ستشهد عملية انحدار في سلوكها السياسي لن يكون رجحان الهم القطري الضيق ( وغالبا الشوفيني ) إلا التعبير الصارخ عنه . وهكذا ايضا سنشهد تحولات في ادوارها ووظائفها السياسية ، من حركة تشكل نقيضا سياسيا للحالة الرسمية وبديلا من نظمها وبرامجها ، الى شريك لها في لعبة السلطة ، وحتى دون ان تأخذ ثمنا " محترما " لقاء هذه الشراكة ، مما يحيلها الى شراكة مجانية " .
هكذا سنشهد طغيان اسلوب المساومة في سلوكها السياسي على ما عداه من اساليب ، مما سيكون له اكبر الاثر في فك الارتباط بين السياسة والأخلاق . وإذا كانت قوى حركة التحرر العربية محكومة في معظمها – على الصعيد الوطني – بهذه القيم والمسلكيات وبهذا الانقلاب في الوعي ، فهي محكومة على الصعيد القومي – ايضا – بعوامل شبيهة ليس اقلها موالاة السلطة التي تتخذ هنا شكل انخراط طوعي ولا مشروط في سياسات المحاور الناشطة عربيا ، وهو انخراط كان من نتائجه – على الاقل – ان افقدها استقلاليتها السياسية في التعامل مع القضايا القومية ، ورهنها بقرار السلطة المتحكمة بالمحور ، وأنتج حالة صدام بينها وبين قوى المعارضة داخل ذلك المحور .
وحين تفقد حركة التحرر الوطني العربية انتماءها القومي الاصيل ، وتصير جماع احزاب قطرية ( وبعضها احزاب طائفية ومناطقية ) ، وحين تنحدر سياساتها الى المساومة الرخيصة وموالاة السلطة دون شروط ( وبعضها بتبجح تبريري ) ، لا يصبح غريبا ان تشهد حالة فرز جماهيري ينتهي الى البقرطة ، وانفراط القاعدة الجماهيرية ، والشلل التنظيمي والسياسي التام " .
اذن هنا يمكن ان نفهم لماذا ظلت الاحزاب التي انحدرت من صلب الحركة في واد ، ولماذا ظلت جماهير الربيع الصهيو-امريكي في آخر . كما هنا يمكن فهم لماذا انتصر الاخوان والسلفيون الموالون للصهاينة وللغرب الرأسمالي ، ولماذا خسر القوميون والماركسيون . وان من ملامح هذا الوضع الخطير المهدد للكيانات وللدول ، انفراط الوحدة القطرية وانتصار اصحاب الكيانات العصبوية . ان الحالة السودانية قابلة للتطبيق في جميع البلاد العربية ، العراق ، سورية ، مصر ، ليبيا ، الجزائر والمغرب . انه سايكس بيكو في اطار رسم خريطة شرق اوسط جديدة لن يفلت احد من اخطارها ، اذا لم تتخذ الاجراءات الكفيلة بوأد الخطر قبل استفحاله .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية
- ميكانيزمات التحكم في القرار السياسي بالبلاد العربية
- في بناء الحزب العمالي الثوري (منظمة الى الامام) ( وجهة نظر )
- الطائفية الورم الخبيث بالوطن العربي
- ازمة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية -- دراسة تحليلية ونقدية لم ...
- البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
- المثقفون والصراع ( الطبقي )
- (الايديولوجية العربية المعاصرة )
- انقلابيو فتح وراء مقتل ياسر عرفات
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 5/5)
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 4/5 )
- انصاف الحلول : المؤتمر الاستثنائي ( 3/5 )
- انصاف الحلول 2/5
- انصاف الحلول 1 / 5
- يونيو شهر النكبات والنكسات المصرية
- الانتظاريون ليسوا بمرجئة
- ملف - المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها ،والعلاقات م ...
- المثقف
- العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 2 )
- العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعيد الوجاني - حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ) الصهيو - امريكي