أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )















المزيد.....



العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3673 - 2012 / 3 / 20 - 13:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



توطئة لابد منها :
هذه الدراسة سبق ان نشرناها منذ اكثر من ثماني سنوات خلت ، فكنا وقتها قد نبهنا للمخاطر التي ستصيب العراق من جراء رفض الرئيس السابق صدام حسين ترك السلطة . وقد قررنا اعادة نشرها اليوم لان ما كنا قد تطرقنا له من مخاطر قد استفحل اليوم ،وعبر عن وجهه الحقيقي برفض حكومة كردستان العراق تسليم نائب الرئيس العراقي السيد طارق الهاشمي الى قضاء بغداد ، وهو ما يثير الاستفهام عن حقيقة الوضع المؤقت في العراق . اي هل بغداد العاصمة هي عاصمة كل العراق ام انها عاصمة فقط لجزء من العراق ؟ تم هل تمتد سلطات بغداد الى مختلف المحافظات ام انها محصورة فقط ببغداد وبالضبط بالمنطقة الخضراء ؟ ان رفض دولة كردستان العراق تسليم السيد طارق الهاشمي الى سلطات بغداد ، ليس له من تفسير غير تأكيد تقسيم العراق ريثما تحين الظروف للإعلان عن هذا التقسيم رسميا في الوقت المناسب . اي بما لا يغضب انقرة التي تتربص شرا بالعراق وبمختلف الدول العربية . ان تقسيم العراق اليوم اضحى واضحا للجميع ، إلاّ لمن تنتابه غشاوة او تختلط عليه الالوان ، وهو نفس الخطر يهدد ليبيا باسم الفدرالية وسيهدد سورية كما هدد جنوب السودان ويستمر في تهديد انفصال اقليم دارفور وغدا ربما تدور الدائرة على مصر ، السعودية ، اقليم الريف بالشمال المغربي والصحراء المغربية وهكذا . انه مشروع سايكس بيكو جديد رسم للمنطقة منذ الاطاحة بصدام وحسين والى الان . وهذا نص الدراسة التي سبق لنا نشرها ونعيد نشرها تعميما للفائدة .
ما هي الاسباب الحقيقية الكامنة وراء الحملة المسعورة للإدارة الامريكية بضرب العراق في هذا الظرف بالذات ؟ لماذا لم تضع الادارة الامريكية ضمن اولوياتها ورزنامتها المستعجلة مهمة اسقاط نظام حزب البعث اثناء حرب الخليج الثانية ، وكان بإمكانها ومن السهولة ان تحقق ذلك لو شاءت ، لأنها تحظى بدعم دولي وعربي بهدف تحرير الكويت ؟ . من شجع وأوعز لصدام حسين بغزو الكويت التي اصبحت بالنسبة له عبارة عن مستنقع من الوحل غرق فيه حتى الاذنين ، ويستحيل الخروج منه بسلام في ضوء ما يحاك ويحضر من مؤامرات محكمة دوليا وجهويا ؟ . من اوعز لصدام حسين بمهاجمة ايران والدخول معها في حرب عبثية خاسرة دامت اكثر من ثماني سنوات ذهب ضحيتها ألاف الضحايا من اموات ومعطوبين ومشوهين ومفقودين ، وخراب الاقتصاد والعمران المحطم وثقل حجم الديون ، ولم تحسم تلك الحرب إلا بفضل المساعدات والأسلحة الغربية والروسية والأموال الخليجية ، وليعود بعدها النظام البعثي في الاخير ويعاود الاعتراف مجددا باتفاقية الجزائر لسنة 1975 ، بعدما كان قد الغاها من جانب واحد حيث ظهر صدام حسين في التلفزيون العراقي وهو يمزق الاتفاقية المذكورة ليلة بدإ غزوه لإيران ؟ . هل لا يزال حقا النظام البعثي يملك بعض ما يطلقون عليه كذبا ( اسلحة الدمار الشامل ) وانه لا يزال - كما لم يكن في السابق – مصدر ازعاج وتهديد للجيران وللسلم العالمي ؟ . لماذا الانقلاب في سياسة الامن القومي الامريكي ب 160 درجة بعد ضربة 11 شتنبر الي وظف فيها الاسلام بطريقة مقصودة ومخدومة ، واستعمل العرب قبل المسلمين بطريقة مخادعة كمرادفات للإرهاب ؟ . ألا يدل هذا على ان الاتجاه العام لهذه المخططات الخبيثة يصب في بوثقة الحرب الصليبية كما نطق بذلك الرئيس الامريكي وأكده الوزير الاول الايطالي بارلوسكوني والعديد من رموز وقادة الغرب اليهودي الصهيوني حيث توضحت المعالم امام الجميع . فمن جهة هناك حضارة ودين اسلامي ، ومن جهة اخرى هناك حضارة ودين يهودي بتلاوين مختلفة صهيونية ماسونية كاثوليكية وبروتستانية تسيطر على العالم من خلال سيطرتها على مراكز القرار الاقتصادي والمالي والعسكري والسياسي والإعلامي في كبريات العواصم العالمية . وللعلم فان هذه السيطرة شملت حتى الكنيسة المسيحية من خلال سيطرة اليهود على الفاتكان ومنه على العالم المسيحي . ان وكالة المخابرات الامريكية ومن داخلها الصهيونية العالمية لعبا دورا بارزا في تنصيب اليهودي البولوني جون بول الثاني على رأس الفاتيكان ، بعد ان سمموا سابقه في ظروف غامضة . واذا كان اليهود هم من قتل المسيح عليه السلام وحاصروا كنيسة القيامة وأمطروها بوابل من الرصاص ،امام تفرج وصمت ما يسمى بالعالم المسيحي المكبل ، فان صمت البابا جون بول الثاني عن المجزرة التي تعرضت لها كنيسة القيامة ، كان بسبب معرفته بأصوله اليهودية البولونية ، وهي نفس الاسباب جعلته يلتزم الصمت امام المجازر التي يتعرض لها المسيحيون على ايدي التحالف اليهودي البروتستاني في ايرلندة الشمالية وبصربيا وفي العديد من بقاع العالم . انه نفس الموقف للبابا عندما يتصارع بعض مسيحيي لبنان مع اسرائيل .
لذا وبعد انهيار ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سابقا ، تحول الصراع الذي يعرفه العالم اليوم بين الدين والحضارة الاسلامية من جهة وبين الدين والحضارة اليهودية المغلفة برداءات ايديولوجية ماسونية صهيونية كاثوليكية وبروتستانية تشترك كلها في الاباحية والميوعة واللبرالية المتوحشة ، وممارسة القتل والإبادة الجماعية وحملات التطهير العرقي كما يحصل الآن في افغانستان وحصل بالأمس بالعراق . ان هذا الوضع الجلي بشكل مكشوف يدفع بنا الى التساؤل مرة اخرى عن اهداف الحملة الامريكية على العراق بالموازاة مع التواجد الامريكي الكثيف في اسيا الوسطى حيث منابع الثروة البترولية ، ثم السيناريو المحتمل للمرحلة القادمة فيما اذا جاءت الى العراق حكومة مكونة من احزاب عميلة خائنة في عربة امريكية . كيف سيكون الوضع بالنسبة لبعض الدول كسورية التي يحكمها حزب بعثي ، وإيران الشيعية والمملكة الوهابية التي سيعوض نفطها النفط العراقي وستتحكم امريكا في تحديد النفط العالمي ، الامر الذي سيسبب بمشاكل اقتصادية واجتماعية داخل المملكة العربية السعودية ، ومن ثم تعميق المشاكل بما ينذر بخلق معارضة داخلية يمكن لعب ورقتها لتجاوز العائلة المسيطرة على مقاليد الحكم في السعودية . ان هذا الاحتمال وارد في ضوء تصنيف العديد من القادة الامريكيين السعودية كأحد اهم مصادر تصدير الارهاب الوهابي . وأخيرا وليس اخرا كيف سيكون الوضع ، وكيف ستكون مواقع العديد من الانظمة العربية التي ركبت على القضايا العربية وتاجرت بها ووظفتها في الدفاع عن كراسيها بممارسة النخاسة والابتزاز ؟ . هل ستلجأ هذه الانظمة وعلى رأسها مصر سورية اليمن الجزائر ليبيا بممارسة حق الدفاع العربي المشترك الذي ينصص عليه ميثاق الجامعة العربية المشلولة في الدفاع عن قضايا الامة والذي لم يسبق لها ان اجمعت وإذا جمعت فرقت ؟ . هل يكفي تعبير الانظمة هذه الايام " نرفض ضرب العراق " تجنيب بلاد الرافدين ما يحضر لها من مؤامرات عربية جهوية وصهيونية ، ام ان في الامر خدعة لهذه الانظمة لشعوبها خوفا من بعض الهزات والاضطرابات التي ستقلب الوضع رأسا على عقب ، وربما تحرك بعض الضباط باسم الضباط الاحرار والجيوش لتغيير بعض الرؤساء الذين ظهروا شارونيين اكثر من شارون وصهاينة اكثر من الصهاينة انفسهم ؟. كيف سيكون موقف الخائن عمرو موسى البارع في الكلام الخاوي وفي الاطناب والمهووس بحب الظهور في التلفازات وإجراء المقابلات الفارغة والاستمتاع بأموال الجامعة العربية المختلفة من اجور عالية ومصاريف التنقل والتعويضات وهو الذي قال مؤخرا " ان تقسم العراق يبقى امرا واردا " وطلب منه مثل مبارك وبدون خجل ان ينزع اسلحته وان ينصاع لأوامر لندن واشنطن وتل ابيب بتمكين المفتشين الجواسيس من الدخول اليه ليعبثوا فيه خرابا وفسادا ، ولم يستطع عمرو موسى هذا ان يطلب في يوم من الايام من اسرائيل على سبيل المزاح ان تنتزع اسلحتها النووية والذرية ؟. فأمام هذا الرهط من البشر الذين يتحكمون في مصير البلاد العربية نتساءل عن مستقبل الامن القومي العربي وعن القضايا الطارئة التي تشغل بال العديد من الاوساط كفلسطين السودان المهدد بالانفصال والمغرب الذي تنازعه في صحراءه الطغمة العسكرية الفاشية في الجزائر ، ثم اين تذهب خيرات الوطن العربي وأين تصرف ؟
من البديهي عند المؤرخين ورجالات السياسة المعاصرين للمشكلات العربية المختلفة ان حزب البعث العربي الاشتراكي جاء الى الحكم في العراق على ظهر عربة امريكية . انقلاب خططت له وكالة المخابرات الامريكية ضد نظام عبد الكريم قاسم القومي المتعاطف مع الشيوعيين ، وحتى عندما حاول الرئيس السابق احمد حسن البكر الابتعاد عن الادارة الامريكية ويقرب العراق من توجهاته القومية مهدت نفس الوكالة للرئيس الحالي صدام حسين الاطاحة بأحمد حسن البكر مما خلف آثار سلبية على العلاقة بين طرابلس ليبيا والقاهرة الناصرية التي كان يسودها الفكر القومي الاشتراكي الوحدوي وبين بغداد التي يسيطر فيها على الحكم الجناح اليميني لحزب البعث وبين دمشق التي يسيطر فيها على الحكم الجناح اليساري لنفس الحزب . وقد انعكس هذا الاختلاف بين هذه العواصم العربية دمشق وبغداد على طبيعة العلاقات والولاء للعواصم الاجنبية . فكانت بغداد تتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن لندن وباريس حيث كانت دول هذه العواصم المصدر الاساسي للتسليح العسكري وعقد الصفقات التجارية والعلمية المختلفة . اما سورية فكانت تتبع في علاقاتها الاتحاد السوفيتي ودول اوربة الشرقية اضافة الى الصين الشعبية ، فكانت هذه الدول هي المصدر الاساسي لمختلف صفقات التسليح والتداريب العسكرية والعلمية والتقنية . وقد تعدت تداعيات هذا الخلاف بين بغداد ودمشق لتمتد الى العديد من الاحزاب والمنظمات والحركات السياسية العربية بحكم عمالتها الى احدى هاتين العاصمتين . وهذا الوضع كان له وقع سلبي تمثل في الانشقاقات والانقسامات داخل التنظيمات وفي الصراعات العسكرية والسياسية بين بعضها البعض . وقد بلغت هذه الصراعات اوجها جد متقدمة بالاغتيالات والاغتيالات المتبادلة التي عرفتها الساحة اللبنانية والفلسطينية وفي اوربة الغربية خاصة في باريس لندن ولشبونة . لقد تورط في هذه الصراعات اجانب بحكم علاقاتهم بهذه العواصم والمنظمات السياسية كان ابرزهم الثوري كارلوس الذي باعه نظام البشير الى فرنسا ، والجيش الاحمر الياباني والجيش الاحمر الارميني وأفرادا المانيين من اليسار المتطرف اضافة الى حزب العمال التركي الذي كان يولي دمشق ويعادي بغداد ، وقد انتهت تلك الحرب مؤخرا بتصفية القائد صبري البنا المكنى بابي نضال المنتمي الى منظمة فتح المجلس الثوري على يد المخابرات العراقية ببغداد ... هكذا بقدر ما كانت واشنطن لندن وباريس تجتهد في ابتكار اساليب فاعلة في مواجهة وتقزيم دور دمشق في الصراع العربي الاسرائيلي ، بقدر ما كانت هذه العواصم تغدق النعم على بغداد حيث البعثات الطلابية المختلفة والكثيفة ، وتزويد الجيش العراقي بالأسلحة المتطورة والحديثة وإرسال الخبراء العسكريين والأمنيين لتدريب القوات العراقية ، كما سمحوا له باستعمال الاسلحة الكيماوية ضد مواطنيه في الشمال وفي حربه ضد ايران . وقد شجع هذه العواصم الذهاب بعيدا في علاقاتها مع نظام بغداد تركيزه الطابع العلماني للدولة العراقية وضرب التوجهات الاسلامية والشيوعية عن طريق اعدام الاسلاميين من سنة وشيعة وإعدام الشيوعيين والرمي بهم في السجون السرية والعلنية المنتشرة في العديد من المناطق العراقية . فماذا تبدل بين الامس واليوم حتى تحولت العلاقة بين بغداد وهذه العواصم من الصداقة الى العداء ومن ثم اصرار واشنطن ولندن وباريس على ضرورة قلب نظام الحكم في العراق . هل يتعلق الامر بكون بغداد تجرأت على احتلال منابع النفط في الكويت وطمعها في بترول السعودية حيث لم تحترم بغداد الخطوط الحمر المرسومة في هذا الشأن ؟ هل لان العراق سبق ان هدد بإحراق نصف اسرائيل فيما اذا تجرأت هذه الاخيرة وهاجمت مفاعله النووي مثلما كان الامر في سنة 1982 ؟ هل لان العراق عاقد العزم لامتلاك السلاح النووي الامر الذي سيشكل خطرا محدقا بدولة اسرائيل ؟ هل لان النظام العراقي يشكل فعلا مصدر خطر للأمن الامريكي وللسلم العالمي ؟
مقدمة :
بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران في قلب نظام الشاه محمد رضا بهلوي وإقامة حكم اسلامي راديكالي مكانه ، وتحول الجمهورية من العلمانية الى الثيوقراطية لتتحول من دولة مساندة للغرب الى اخرى متصادمة معه ، وأمام الخطر الذي بدأت تشكله هذه الثورة للعديد من دول الخليج خاصة السعودية الوهابية والبحرين وهي الدول المرتبطة بالدوائر الامريكية المختلفة ...لخ اصبح الشغل الشاغل للخبراء الامريكيين ووكالة المخابرات الامريكية والبنتاغون العمل على ضرورة العثور على شخص سهل المنال ، قصير النظر ، سطحي التحليل ، يسيطر عليه حب الاندفاع والمغامرة ومعروف بالتهور ... للدفع به الى خلق بديل جديد بالمنطقة او على الاقل خلق منطقة للتوتر تحد من الاندفاع الايديولوجي الايراني المهدد للعديد من الانظمة بالمنطقة العربية . فكان لابد لهذه الدوائر من ان تجد من يتطوع للقيام بهذه المهمة القدرة بغية تثبيت النفوذ الامريكي بالمنطقة ، وبغية اللعب على التناقضات حتى تستطيع قلب موازين القوة والتوازنات السياسية والعسكرية الجديدة لصالحها ، وفي اضعف الحالات اذا لم تستطع الادارة الامريكية الرجوع الى نظام الشاه الساقط فعلى الاقل التمكن من اضعاف الانظمة التي لها مشاريع تصادمية مع واشنطن مثل ايران الشيعية والأنظمة التي من المفترض ان تشكل مستقبلا مصدر معارضة سياسية لبرامج واشنطن بالمنطقة ، كنظام بغداد خاصة موقفه من الدولة الصهيونية والقضية الفلسطينية . لقد كان هدف القادة والخبراء والساسة الامريكيين من هذه الخطة ضرب عصفورين او عدة عصافير بحجر واحد . من جهة ارباك النظامين في طهران وبغداد بحرب عبثية ، ومن جهة ابتزاز الاموال من دول الخليج وزيادة السيطرة الامريكية على منابع البترول العربي ، ومن ثم التحكم في اسعاره وتسويقه بما يخدم المصالح الامريكية وليس العربية . هكذا ستجد واشنطن ضالتها في صدام حسين الذي دفعته الى مهاجمة ايران في سبتمبر 1980 . وقد بنى صدام حساباته العسكرية الخاطئة على امكانية تحقيق نصر سريع يؤدي الى اسقاط نظام الخميني ومن ثم اقامة نظام عميل يكون مستعدا للاستجابة وتلبية المطالب العفلقية في شط العرب ، والأمريكية بإقامة نظام عميل تابع لها . هكذا سيظهر صدام حسين في التلفزيون العراقي وهو يمزق بيديه اتفاقية الجزائر لسنة 1975 ،معتبرا انها اضحت لاغية ، وان قواته بصدد ترسيخ الحقوق العربية المفقودة في شط العرب بالقوة ، ومعلنا عن غزو الجيش العراقي لإيران مستعملا القتل والبطش والتدمير مثلما فعل مع الكويت . وقد لعبت واشنطن وبعض العواصم الاوربية الاخرى كلندن باريس وموسكو بسبب قضية حزب تودة الشيوعي ومنظمة فدائيي خلق ، ودول الخليج العربي الفارسي دورا اساسيا في دفع صدام حسين في مغامراته عن طريق اعطاءه دعما عسكريا وماليا مهما تمكن بفضله من حسم المعركة التي كان سيخسرها حيث كان الجيش الايراني يهدد باحتلال بغداد . ومثل ما حصل مع ايران فان واشنطن هي التي شجعت صدام حسين بغزو الكويت بغية خلق ذرائع ومناخ دولي عام عبر مجلس الامن الذي تسيطر عليه واشنطن لتنفد الى تصفية العراق وتدميره مقابل تقوية وجود اسرائيل ، وفي الاخير اضعاف العرب عن طريق تطويع انظمتهم مصر ليبيا منظمة التحرير الفلسطينية اليمن السودان وسورية ، ومن جهة العمل على رسم خريطة عربية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصالح تل ابيب واشنطن الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية ، وقد شجعها في خطتها هذه ، الخلافات العربية العربية العميقة من جهة ، ومن جهة غياب رأي عام عربي بسبب عمالة وخيانة ورشوة نخبته ومثقفيه .
اذا كان صدام حسين في بداية غزوه لإيران قد حقق بعض النصر الظرفي بسبب عنصر المباغتة وبسبب الفراغ الذي خلقه انتقال الحكم في ايران من طابع علماني الى طابع ثيوقراطي مغلق ، فان مجرى العمليات العسكرية ابطلت توقعات وحسابات صدام ، فتحولت احلامه بتحقيق نصر سريع وبأقل كلفة الى هزيمة حقيقية استطاعت منها القوات الايرانية طرد القوات العراقية من اراضيها المحتلة خاصة بعد معركة خرمشهر الشهيرة في سنة 1982 .. هكذا أْحبطتْ مخططات واشنطن باستعادة نفوذها المفقود في ايران ، وأحبطتْ حسابات صدام بتحقيق نصر سريع وإعادة ( الحقوق العربية ) التاريخية على شط العرب ، وأصبحت العديد من الكيانات الهشة المرتبطة بالدوائر الامريكية مهددة بالإخطار . لكن ضعف ايران من جهة ، وتوقيت الغزو الصهيوني للبنان في سنة 1982 من جهة اخرى ، انقد النظام البعثي الطائفي في العراق من السقوط ، ووفر الفرصة للدوائر الغربية من التقاط انفاسها وإعادة رسم خططها السياسية من جديد ازاء الحرب في المنطقة ، وإزاء انظمة الخليج ، وإزاء مستقبل النظام السياسي العراقي على ضوء الاوضاع المستجدة بالمنطقة ، وكل هذا بما يؤمن مصالح واشنطن الهامة في ايران وتركيا ودول البترودولار

وإذا كان صدام قد حسم المعركة مع ايران بفضل الدعم الذي وفرته له واشنطن لندن باريس وموسكو وبفض استخدامه للأسلحة الكيماوية وأسلحة الخردة المشلة للأعصاب ، حيث دفعت هذه العوامل مشتركة بآيات الله الخميني الى قبول وقف الحرب الذي اعتبره اكثر من تجرع السم ، فان اكبر خطا استراتيجي ارتكبه صدام بعد غزو ايران الذي افاد اسرائيل ، كان غزوه للكويت واعتبارها المحافظة التاسعة عشر ، وسحبه لجيشه من الحدود ايرانية العراقية ، وتوجيهه الى الحدود العراقية الكويتية ، بعد ان عاد مجددا واعترف باتفاقية الجزائر لسنة 1975 معتبرا ان العراق لم تعد له مشاكل ترابية مع دولة ايران آملا مساعدتها في مشاكله الجديدة مع الكويت والإدارة الامريكية وتوابعها من العواصم الاوربية . ان السؤال الذي يتعين ان نطرحه في هذا الوضع : لماذا الاعتراف مجددا باتفاقية الجزائر لسنة 1975 التي تعترف بالحقوق على نصف شط العرب وبعد ان كان قد الغاها ليلة غزوه لإيران في سبتمبر 1980 ؟
لماذا خاض صدام حسين حربا عبثية مع ايران دامت اكثر من ثماني سنوات اذا عاد واعترف مجددا بالوضع الذي سبق التوقيع على اتفاقية الجزائر . فإذا لم تكن له مشاكل مع ايران فلماذا مهاجمتها والدخول معها في حرب بدون نتيجة ؟
من المسئول عن الآف الضحايا من شهداء ومعطوبين ومشوهين وأرامل وأيتام ، اذا لم يعد بين العراق وإيران مشاكل كما صرح بذلك صدام حسين عشية غزوه للكويت ؟
من المسئول عن الدمار والخراب الذي اصاب العراق اقتصاديا وعمرانيا واجتماعيا وماليا مع تحطيم البنية التحتية وثقل حجم الديون التي اصابت العراق بسبب الحرب ،وهي ديون لا يزال العراق يدفعها الى اليوم ؟
من تسبب في استشهاد اكثر من مليون عراقي بسبب الحصار الجائر الذي فرضته واشنطن ولندن من خلال مجلس الامن ، في حين ينعم صدام حسين وأبناءه وعشيرته بالعيش الرغيد في القصور ؟
لماذا دخل صدام حسين الى الكويت وانسحب منها دون تحقيق النتائج التي وعد بها العراقيين ووعد بها الجيش الذي دكته الجرافات الامريكية حيا في رمال الصحاري الحارقة ؟

ان استحالة صدام حسين الاجابة عن هذه الاسئلة تعني ان الرجل الذي لم يسبق له ان زار اوربة او امريكا ، إما انه عميل لواشنطن تل ابيب ينفد مخططاتهما بإتقان ، سواء كان يدرك او لا يدرك خلفيات ما يقوم به من اعمال خطيرة تضر بمصير الامن القومي العربي ، او ان الرجل شخص مريض مهووس مصاب بحب العظمة العربية ويعاني سكيزوفرينيا كأي دكتاتور صغير ان لم نقل حقير . وفي كلتا الحالتين يجب اعتباره مجرم حرب يتعين اسقاطه ومحاكمته على مختلف الجرائم التي اقترفها في حق الشعب العراقي الشهم ، من خلال خوضه حروبا عبثية خاسرة ومن خلال ضرب الشعب بالأسلحة الكيماوية ، ومن خلال الاعدامات التي تعرضت لها القيادات العراقية المنتمية الى مختلف الاتجاهات السياسية الوطنية
ان دخول صدام حسين الى الكويت كان خطأ استراتيجيا قاتلا ورط صدام ومن معه العراق في فخ امريكي صهيوني يستحيل ان يخرج منه بسلام خاصة في ضوء ما اصبح يتكشف للعيان من تكالب امبريالي صهيوني عربي جهوي في تصفية حسابات وقلب صفحات ، وتغيير مجرى الاحداث والتاريخ بما يندر بسايكس بيكو ثانية تشارك فيها اطراف عربية ظهرت شارونية اكثر من شارون وصهيونية اكثر من الصهاينة انفسهم . ولعل ما يقوم به نظام مصر وقطر الاردن والسعودية التي اعلنت مؤخرا عن استعدادها لفتح اجوائها وتسخير اراضيها لضرب العراق لجلي للعيان . لقد اعربت هذه الانظمة عن استعدادها لتسهيل مأمورية الادارة الامريكية وبلغت بها الوقاحة حين سلمت واشنطن قوائم لمواطنيها قصد اعتقالهم او تصفيتهم . وان اعتقال اليمني رمزي بن الشيبة في كراتشي الباكستانية كان بسبب وشاية للعميل يسري فودة صاحب برنامج ( سري للغاية ) الذي تبثه قناة الجزيرة ، وبتنسيق مع القناة والمخابرات القطرية ووكالة المخابرات الامريكية التي ارشدت المخابرات الباكستانية الى المقر الذي كان يتواجد به ابن الشيبة . ان راس رمزي ابن الشيبة كان يساوي ملايين الدولارات ، وحتى عندما جاء العميل يسري فودة الى قناة الجزيرة يومه السبت 14 – 09 – 2002 على الساعة الواحدة بتوقيت غرينتش لتبرئة ذمته في مسرحية مكشوفة اظهر للمشاهدين ورقة هي عبارة عن صورة شمسية لجواز سفره الذي لم يظهر للمشاهدين ، يحمل تأشيرة باكستانية مع تاريخ دخوله وخروجه من باكستان . والخطأ او الورطة التي فضحت خساسته ، ان الصورة الشمسية للورقة كانت باللون الابيض والأسود ، اما الطابع فيحمل اللون الاحمر ، بمعنى ان الدمغة او الخاتم كان على الصورة الشمسية ، ولم يكن على جواز السفر الذي يحمل طابعا مخالفا . وكل هذا يحصل بتنسيق مع المخابرات الباكستانية وبأوامر وكالة المخابرات الامريكية لإبعاد الشبهة عن هذا العميل الذي تبقى مسئولته ومسؤولية قناة الجزيرة الصهيونية وأجهزة مخابرات قطر واضحة البصمات في هذه القضية مما يجب ان نطرح السؤال عن الدور المشبوه لقناة الجزيرة بالمنطقة العربية
لقد دفع صدام حسين العراق الى الكارثة العظمى والإفلاس التام ، فأصبح هذا البلد العريق الشهم معرضا للعديد من الاخطار التي تزداد طالما بقي صدام حسين في الحكم . ان من الاحتمالات الخطيرة التي تهدد مستقبل العراق وحظيت بالدراسة والنقاش من قبل الدوائر الصهيونية والأمريكية ، هناك التقسيم ، هناك الانقلاب العسكري وهناك اللّبننة ، اي خلق لبنان ثانية كما كان ايام الحرب الاهلية . وقبل ان نفصل هذه الاخطار نشير الى ان الاسباب الرئيسية من ضرب العراق في عهد بيل كلينتون والحملات المختلفة في الجنوب والشمال في ظل ادارة بوش الابن ، وإصرار هذا الاخير بعد ضربة 11 شتنبر على تغيير نظام البعث في العراق ، لم يكن بسبب التداعيات والتبريرات التي ترددها واشنطن لندن ومعها باريس ، لكن لأسباب اخرى نحددها كما يلي :
1 – ان توقيت الضربة الامريكية للعراق في عهد كلينتون لم يكن مفاجئا البتة ، كما ان القصف الجوي لواشنطن لندن في عهد بوش الابن لم يكن مفاجئا كذلك . ان الضربة في عهد كلينتون كانت بسبب تقرير المجرم ريتشارد بتلر الذي لعب دور العميل المبرر لمختلف الضربات . اما القصف في عهد ادارة بوش الابن فكان بسبب إلهاء الانظار عما يجري في فلسطين المحتلة من مجازر امام انظار العديد من الانظمة التي تاجرت بالقضية الفلسطينية كمصر مبارك
2 – ان الضربات التي كانت توجه الى العراق كانت بفضل ترتيبات ما تمخض عن اتفاق كلينتون ونتانياهو لوضع اتفاق ( واي بلايتيشين )و ( واي ريفير ) في سكتهما الصهيونية الصحيحة ، وفي نفس الوقت غض اللوبي الصهيوني المتحكم في مركزية القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي الامريكي على قضية مونيكا لوينسكي لخدمة مستقبل الحزب الديمقراطي في الانتخابات
3 – ان هدف الضربة الامريكية للعراق في عهد كلينتون وبوش الابن ، وإصرار هذا الاخير على تغيير نظام الحكم فيه هو تنفيذ لالتزام قطعته الادارة الامريكية على نفسها وأمام اسرائيل ، من انها سوف لن تنهي الملف العراقي إلا عندما تتمكن من تغيير نظام الحكم فيه ، وهذا كان كعقوبة على التهديد العراقي بإحراق نصف اسرائيل ، اذا هاجمت هذه الاخيرة مفاعله النووي . فكان هدف المخطط الامريكي من ضرب العراق وتصفية قيادته ومن الحصار الجائر المفروض على شعبه ، احراق العراق كله وليس فقط نصفه ، تم السيطرة على نفطه وخيراته ، وهذا يدل عليه ضرب منشآت علمية مثل كلية العلوم ، كلية الطب ، كلية الزراعة ، كلية الحقوق ، ثم المستشفيات العلمية ووزارة العمل . ان الهدف مما يحضر له الآن وكما عبر عن دلك بوش الابن والوزير الايطالي برلسكوني حربا صليبية ضد الاسلام وضد العرب بدرجة اولى والمسلمين بدرجة ثانية . ( يتبع )



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبيبة
- ملف المراة : آفاق المراة والحركة النسوية بعد الثورات العربية
- حقوق الانسان المفترى عليها في الخطاات الحكومية وغير الحكومية
- اغلاق خمارة ( اسكار) بالدارالبيضاء
- الرجعيون والتقدميون في الاسلام
- القرامطة وافلاطون
- بلشفيك الاسلام . هل هم قادمون ؟
- الديمقراطية بين دعاة الجمهورية ودعاة الخلافة
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 8 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 7 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 6 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 5 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 4 )
- منتصف الطريق فالإجهاض
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 3 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 2 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 1 )
- مقاطعة الانتخابات في المغرب ( الخطر قد يقترب )
- ردا على مزاعم بعض المشارقة بخصوص الاستفتاء بالصحراء
- ملف حول قيام الدولة الفلسطينية والقضية الكردية وحقوق الأقليا ...


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )