|
فحم يتحول إلى ماس يتلألأ
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 20:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فحم يتحول إلى ماس يتلألأ كتب مروان صباح / كلما حاول النهضاويون العرب الأخذ بزمام أمور الحكم عبر الانقلابات العسكرية وسعوا وراء الحلم العربي في توحيد الجغرافيا الممزقة تأتي نتائجها عكسية تماماً لما طرحوا من شعارات وهم يسيرون باتجاه القصر على ظهر دبابة بل في أغلب الأحيان يتضاعف التفتيت والتفكيك على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويتسع ثقوب الغربال ليصبح أسهل وأسلس في إسقاط اجزاء لجغرافية الأوطان ، ففي الأندلس بعد ما أسس عبد الرحمن الداخل أخر الأمويين الفارين من سيوف العباسيين الدولة الأموية التى وصفت لاحقاً بالقوية والعلمية والتى نشاهدها بأم أيعننا إلى يومنا هذا لما تبقى من دلائل معمارية وآثار تاريخية بالإضافة إلى العلوم بشتى أصنافه التى كانت اساس الحداثة الكونية ، فجعل المسافة بين حلمه الذي تراكم خلال مسيره إلى الأندلس وواقع الحقيقة ، وبالتالي بين من وعدهم متروكين في العراء مذبوحين لم يُدفنوا وعلى رأسهم أخيه والقدر على ترجمته ميدانياً لكنها سرعان ما تراجعت الأمور بشكلها السلبي بعد وفاة الرجل رغم ضخامة الموروث التى بدأت تدريجيا في التفكك لتصبح الدولة دول متعددة ثم متناحرة تضعف بعضها البعض والتى أتاحت للمتربص التسلل من خلال النزاعات القائمة وتعميق الهوة بين الاطراف إلى ما أنتهى إليه الأمر ، الشيء الطبيعي أن يكون لهذا الانزلاق أسباب قوية أدت إلى كوارث من هذا النوع مادام تغييب للشورى حينها كان الاساس في استمرار الحكم وانعدام الكفاءة وتقديم الولاء وترسيخ مفهوم الاستحواذ والاحتكار وإقصاء الأخر بعد تجريده من أبسط حقوقه فجاءت الطامة الكبرى دون إستأذان لتسحق عهد تجاوز عدة قرون وتحولت الغيمة إلى خيمة خارج المكان وفي عقر أوطانهم وبيوتهم . جاءت الحركات النهضاوية في العصر الحديث بعد نيل الشعوب استقلالها من المستعمر على استحياء إذ ما قورن لبدايات الأندلس وسرعان ما تحولت إلى مشاريع ذاتية عائلية تفاقم التوحش وتضخمت الذات لدرجة أصبحت هي محور الوجود وعند ظلها تقف الدنيا ، ليتراجع الإصلاح بشتى مجالاته وتتفوق لغة القمع والقهر بهدف السيطرة التى أنتجت طبقة سرعان ما لبست أقنعة التخفي وصعدت إلى المسرح الاقتصادي والسياسي ليصبح السير إلى الخلف سمة المرحلة وبدل أن تجري عقارب الساعة إلى الأمام تراجعت إلى الوراء وبشكل ملفت حيث كانت مصر تعد برنامج حديث لبناء مفاعل نووية تحولت خلال عشر سنوات إلى أكبر متسول للفول والرز ، فضربت القواعد الأساسية والبنية التحتية فبدل أن تكون رافعات للنهضة أصبح كل ما هو قائم شكلي دون أي مضمون حتى بدأت تتدافع وتتفجر وتتداخل ضمن مجموعات تتبنى أفكار خارجة عن المحيط من شدة الضغط حيث أعادت اكتشاف الكهوف المهجورة لتحويلها إلى قواعد تنطلق منها وبفترة وجيزة توسعت الحلقة إلى حلقات لتصبح الفكرة تتمتع بأرضية شاسعة وتطورت إلى قوة مسلحة وطالبت بالتغيير ومحاربة التسلط الغربي على الدول العربية وبالفعل عبر الثلاثة عقود استطاعت هذه المجموعات على اختلاف أسماءها توتير العواصم بعمليات دامية كما عرفت كيف تتسلل إلى جيل الشباب بهدف استقطابه حيث وجدت ذاتها دون منافس حقيقي خصوصاً في الطبقات المهمشة كلياً مما سهل لها التواجد الكبير لأرضية خصبة لأن فائض الكبت لا بد أن ينتج فائض الإنفجار والغضب معاً ، الملفت بأن هناك تراجع واضح للنظام العربي والقوى التقليدية امام زحف متواصل ومتنامي للجماعات المسلحة ذات ايدلوجية جهادية وإن كان التقدم قد أجهز على اجزاء كبيرة باتت تحت سيطرتها والتى جعلتها تخوض معارك استنزاف طويلة العمر لكن هذه المرة خارج الكهوف حيث تمكنت من المدن والضواحي كما هو حاصل في العراق واليمن والصومال وأفغانستان . المثير بالفعل تلك الطاقات التى انطلقت من العقال دون أن يضبطها سياق أو نهج وكانت السبب في اختراق الأجهزة الأمنية وأطاحت بالأنظمة لتواضع امكانياتها في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة أو السيطرة على الفضاء الواسع إلا أن هذه الطاقات أخفقت في إفراز شخصيات كرازمتيا تخاطب الجماهير التى تواجدت في الميادين مما أتاح بشكل سلس ومريح وبتكلفة بسيطة للأحزاب الإسلامية ثم إلى الجماعات الجهادية من سهولة الإحلال في المكان والذي يشهد تطور لانقسامات جغرافية مازالت غير معلنة لكنها تعلق الجرس بأن من الممكن أن يشهد العالم العربي تفتيت أخر حيث يعاد النظر في تقسيم سايس وبيكو لما يتوفر من كائنات سرية ومؤجلة وفيها من الإثنية وغيرها ما لا يحصى ولم تستطيع الأنظمة عبر السنوات الماضية إدراجها تحت الوطنية الكاملة بل تواطأت الأكثرية على ذاتها في سبيل الانتقام من الأخر والتعامي عما يصدر من الآخرين . قد تكون مصر على الخصوص والعراق من قبله مصابين بجراح هنا وهناك لكن فائض عافيتهما يحتم عليهما بتسريع التأمهما كي لا تفرط المسبحة في المناطق الأخرى ، فالأمم العريقة لا تختلف كثيراً عن الفحم الذي تعذب وتقلب في باطن الأرض ملايين السنين قبل أن يتحول إلى ماس يتلألأ . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهي البداية أم قراءة الفاتحة
-
التحرر من عُقد النقص والتورط بالتقليد
-
صفحات بلا فصول
-
ظل وظلال
-
الشعب يريد نصرك يا الله
-
باحثون عن حفرة ينامون بها إلى الأبد
-
يحتاج المرء إلى ثلاثة اضعاف عمره كي ينجز بعض احلامه
-
المعرفة المجزوءة
-
اتباع الطاغية لا دولة بنوا ولا حرية سمحوا
-
عجلات لن ترحم
-
أجمل ما في الحياة أن يدافع المرء عن نفسه
-
نقدم العزاء لروح ستيفن جوبز
-
الموت السريري والنبض الكاذب
-
عناق تحت الأرض
-
قد يكون المحذوف هي الحقيقة ذاتها
-
لم يعد متاح لمن يسبح على الرمل أن يفوز بقطع النيل
-
المياه العميقة تمشي ببطء
-
مصطلحات موسمية
-
سجان توحشت روحه
-
خبر ناقص أعرج
المزيد.....
-
أضاءت عتمة الليل.. لحظة تفجير جسر لاستبداله بآخر في أمريكا
-
إطلاق سراح محسن مهداوي.. كل ما قد تود معرفته عن قضية الناشط
...
-
بسبب جملة -دمروا أرض المسلمين- والدعوة لـ-جحيم مستعر-.. القب
...
-
من النكبة ثم الولاء للدولة إلى الاختبار -الأكبر-... ماذا نعر
...
-
كلمة محمد نبيل بنعبد الله خلال اللقاء الوطني تحت عنوان: “ال
...
-
سلطات تركيا تنفى صحة التقارير عن عمليات تنصت على أعضاء البرل
...
-
بلدان الشرق الأوسط بحاجة إلى حلول
-
تزايد معاناة عمال فلسطين بعد 7 أكتوبر
-
إسرائيل تطلب مساعدة دولية جراء حرائق ضخمة قرب القدس وبن غفير
...
-
المرصد السوري: 73 قتيلا غالبيتهم دروز في اشتباكات طائفية وار
...
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|