داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 18:19
المحور:
كتابات ساخرة
كنا قد تعلمنا في ايام الجيش ، فترة الثمانينيات من القرن المنصرم ، واثناء الحرب العراقية – الايرانية والتي لم ندرك الى اليوم من هو الغالب فيها ومن هو الخاسر . الذي تعلمناه ، وبالاحرى الذي اجبرنا على تعلمه في مركز التدريب ، انه حينما نسمع كلمة : ( غاز .. غاز ) نرتدي قناع الوقاية ، وكنا ، حقيقة مقتنعون جد الاقتناع بان القناع المزعوم هو من يقينا من السموم ، مثل : غاز الخردل والنابالم وغاز الاعصاب التي لم نعرف مدلولاتها ولم نسمع بها قط في حياتنا نحن الجنود البسطاء الذين اجبرنا على اداء الخدمة الالزامية التي ذكرت في دفتر الخدمة العسكرية بانها (36) شهراً ، لكننا ، بعد ذلك خدمنا تسع وعشر وخمسة عشرا سنة ، ولم تسمح لنا القيادة بان نغادر الحياة العسكرية .
ومع ذلك ، كانت دبة الغاز ( الاسطوانة) تباع بنصف دينار ، وهي متوفرة باستمرار في الاسواق ، ولا يبذل المواطن اي معاناة في الحصول عليها . وظلت فلسفة الغاز تراود مخيلتنا حتى بعد سقوط نظام صدام ودخولنا عصراً يقال له ديمقراطي مع سبق الخداع والتسويف ، فأن الغاز هو هاجس حياتنا المنزلية ، فبدون الغاز تظل الاسرة العراقية لا حول لها ولا قوة . فظلينا نترحم على ايام نصف دينار للدبة الواحدة من الغاز السائل الذي به اصبح الطباخ شامخاً ومرفوع الرأس .
قبل ان اجرؤ على كتابة هذه الكلمات ، قالت لي زوجتي ان دبة الغاز اصبحت في سبعة الاف دينار يا للهول ، وهذا يعني ان ميزانية المنزل سوف تتراجع ، وربما تصل الى درجات متدنية بها يخضع كل شيء الى العوز ونقصاً في الطماطة والبتيتة (البطاطا) والرشاد الذي لا تخلو منه مائدتنا المتواضعة . اقول لماذا ترتفع دبة الغاز في العصر الديمقراطي وتنخفض في العصر الدكتاتوري ؟ ويفترض تكون النتيجة معكوسة .
المهم ، كنا في ايام الجيش حينما نسمع عبارة (غاز .. غاز) نضع قناع الوقاية على انوفنا ، واليوم حينما نستمع الى العبارة ذاتها نحذف من ميزانية المنزل سبعة الاف دينار ، وشتان بين غاز اليوم وغاز الامس . ورحم الله ذلك الغاز الذي يرحم ميزانية الآسرة .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟