التوكل على الله

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 10:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

لم يكن العربُ قبل مجيء الإسلام يعرفون مسألة التوكل على الله,وحين جاء الإسلام بهذه الظاهرة استغربها العربُ جميعا لدرجة أنهم خلطوا بين موضوعين هامين وهما التووكل والتواكل والتخاذل في القصة التي نعرفها القائلة(إعقل وتوكل)...إلخ, ولكن هل تعرفون لماذا لم يكن العربُ يعرفون مسألة التوكل على الله؟أظن بأنهم كانوا يأخذون معاشهم من مأكل ومشرب من خلال قوة السيف وقوة الذراع في مجتمع أرضه غير صالحة للزراعة إلا ما ندر في بعض الأمكنة القليلة,والمجتمع الذي يصطاد ويقتل ويحارب لا يعرف إلا إله القوة والبطش, والسؤال الهام هنا هو من أين جاء القرآن بمسألة التوكل على الله؟ لا بد أن اختلاط محمد عليه السلام بأهل الشام من خلال تجارته قد نقل هذه الأفكار من المجتمعات الزراعية تلك المجتمعات التي كانت تزرع وتنتظر هطول المطر,لذلك كانوا يتوكلون على الله في مأكلهم ومشربهم وهؤلاء الجماعات هم المسيحيون الأوائل الذين كانوا يسكنون في مجتمعات زراعية تعتمد على رزقها من خلال العمل وكان قبل ذلك قد سادت عندهم أفكار عن إله مسئول بشكل مباشر عن تسميد ما يزرعونه وهو اليوم معروف عندنا بإسم (بُعل) هذا الإله الذي تُنسب إليه المزروعات الصيفية البعلية,فالمزروعات (البعلية) وكلمة (البعلية) ليست لها أساس على الإطلاق في اللغة العربية ونحن كلنا نعرف هذه الكلمة دون معرفة معناها فحينما أشتري من السوق(البندورة) يقول لي التاجر هذه (بندوره بعليه) وتلك ليست ببعلية ومعنى بعلية أنها تعتمد على مياه الأمطار, وبالمناسبة عرفت المجتمعات الزراعية إلها آخر وهو إبن الإله (بعل) وكانوا يسمونه (زُبلْ) ومنه إشتق المزارعون لفظ(الزبلة) بمعنى السماد.

وبالعودة على ما مضى لم أقرأ في النثر الجاهلي كما يطيب لغيري أن يسميه أي مصطلح توجد به ركيزة التوكل وحين جاء الإسلام كان العربُ قد تفاجئوا بهذه الظاهرة وهي ظاهرة التوكل على الله.

وهنالك مسألة أخرى تفاجأ فيها العرب إبان البعثة المحمدية وهي ظاهرة كبت الحرية,فالعرب بطبيعتهم أحرار يعشقون الحرية بشكل ملفت للانتباه لأن الحرية أسلوب حياة بالنسبة لهم,وحين حدد الإسلام من سقف الحرية وقع التصادم بين الإسلام وبين العرب الوثنيون,لدرجة أن العرب كانوا يسمحون لكل إنسان وخصوصا في مكة أن يصلي وأن يلتزم بالدين الذي يراه مناسبا لأفكاره ولم أقرأ في الأدب الجاهلي ما قبل الإسلام أي قصة تتحدث عن الاضطهاد الديني فلم يكن أشراف العرب يعذبون عبيدهم إذا التزم العبد بالديانة المسيحية أو اليهودية وكانوا يعتبرون الناس أحرار في معتقداتهم وعندما جاء الإسلام رفض رفضا باتا فكرة الحرية وأضاف عليها فكرة التوكل على الله ومزج بين المصطلحين مزجا توليفيا مثل فلسفة هيغل التوليفية التي تتوالف الأفكار فيها صعودا نحو المُطلق الكلي.

وأخذ الإسلام بمبدأين الأول هو التوكل على الله والثاني جعل الإنسان يفقد حريته في العبادة إلا معبود واحد يعبده ويتوكل عليه في رزقه وهنا نفي لمفهوم الحرية على الإطلاق,وتلك الأفكار الشائعة عن التوكل لا تعرفها إلا المجتمعات التي تحرث وتزرع ولو قام كل إنسان بتشغيل مخه ولو لربع ساعة لأدرك أن البدو الأعراب لا يعرفون مسألة التوكل على الله لأنهم لا يزرعون ولا يحرثون ولا ينتظرون هطول المطر بفارغ الصبر وليس لديهم إله للمطر رغم أنهم نقلوا الإله هبل من المجتمعات الزراعية قبل ظهور محمد(ص) على خشبة المسرح,وكان إسم الإله في الأصل(هبعل) فسقطت منه (العين) أي حرف العين لثقلها على اللسان وصار يلفظ الإله بهذا الشكل(هبل) والأصل في التسمية(بُل) والهاء أداة تعريف عند العبرانيين وكانت المجتمعات الزراعية الكنعانية يلفظونه هكذا (هبعل),والدليل على ما أقوله أن نصب تمثال الإله هبل لم يكن في الجزيرة العربية من أجل التوكل وإثارة الخصب والنماء في المزروعات وإنما لشيء آخر يعبدونه لكي يقربهم من الله زلفى وفقد الإله هبل خاصيته الزراعية في مجتمع يعتمد على القوة وعلى السيف لكسب الرزق ,وأخيرا وصلنا في الإسلام إلى فكرتين وهما كبت الحرية والتوكل على إله واحد أحد فرد صمد.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل