مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3683 - 2012 / 3 / 30 - 13:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أنطون بانيكوك 1936
الحزب و الطبقة
الحركة العمالية القديمة منظمة في أحزاب . إن الإيمان بالأحزاب هو السبب الرئيسي لعقم الطبقة العاملة , لذلك تجنبنا تشكيل حزب جديد – ليس لأن عددنا قليل جدا , بل لأن الحزب هو منظمة تهدف إلى قيادة الطبقة العاملة و السيطرة عليها . في معارضة هذا نصر على أنه يمكن للطبقة العاملة أن تحقق النصر فقط عندما تواجه مشاكلها بشكل مستقل و تقرر مصيرها بنفسها . يجب على العمال ألا يقبلوا بشكل أعمى شعارات الآخرين , و لا حتى ( شعارات ) مجموعاتنا الخاصة , بل عليهم أن يفكروا و يعملوا و يقرروا لأنفسهم . هذا الفهم يتعارض بشكل حاد مع تقليد الحزب كأكثر الوسائل أهمية لتثقيف البروليتاريا . لذلك فان الكثير من الأحزاب الاشتراكية و الشيوعية يعارضوننا و يقاوموننا رغم أنهم لا يعترفون بذلك . يعود هذا جزئيا إلى أفكارهم التقليدية , فعندما يرون الصراع الطبقي على أنه صراع بين الأحزاب يصبح من الصعب اعتباره على أنه صراع الطبقة العاملة فقط , على أنه صراع طبقي . لكن هذه الفهم يستند جزئيا على فكرة أن الحزب على الرغم من ذلك يلعب دورا ضروريا و هاما في نضال البروليتاريا . دعونا نتفحص هذه الفكرة الأخيرة عن قرب .
إن الحزب في جوهره مجموعة تنتظم وفقا لأرائها , و أفكارها , أما الطبقات فهي مجموعات تنتظم وفقا لمصالحها الاقتصادية . تتقرر عضوية الطبقة بموقع المرء في عملية الإنتاج , أما عضوية الحزب فهي تضم الأشخاص الذين يتفقون في أفكارهم عن المشاكل الاجتماعية . كان يعتقد في السابق أن هذا التناقض سيختفي في حزب الطبقة , حزب "العمال" . أثناء صعود الاشتراكية الديمقراطية كان يبدو أنها ستستوعب تدريجيا كل الطبقة العاملة , جزئيا كأعضاء و الجزء الآخر كأنصار ( مؤيدين ) . لأن النظرية الماركسية أعلنت أن المصالح المتماثلة تنتج أفكارا و أهدافا متماثلة , جرى توقع أن التناقض بين الحزب و الطبقة سيختفي تدريجيا . لكن التاريخ أثبت العكس . بقيت الاشتراكية الديمقراطية أقلية , و تنظمت في مواجهتها بقية منظمات الطبقة العاملة , و انشقت عنها بعض أقسامها و تغير طابعها . و خضع برنامجها للتعديل أو إعادة التفسير . و لم يمر تطور المجتمع في طريق سلس مستوي بل من خلال الصدامات و التناقضات .
مع اشتداد نضال العمال , زادت قوة العدو أيضا و أحدقت بالعمال الشكوك و المخاوف المتجددة عن أي طريق هو الأفضل . و ولد كل شك انشقاقات و تناقضات جديدة و معارك جزئية داخل الحركة العمالية . من غير المجدي البكاء ( الانتحاب ) على أن هذه الصراعات و الانشقاقات كانت ضارة في تقسيم و إضعاف الطبقة العاملة . ليست الطبقة العاملة ضعيفة لأنها انقسمت – بل إنها قد انقسمت لأنها ضعيفة . لأن العدو قوي و لأن أساليب الصراع القديمة أثبتت لا جدواها , كان على الطبقة العاملة أن تبحث عن أساليب جديدة . إن مهمتها لن تصبح واضحة نتيجة للتنوير من أعلى , يجب عليها أن تكتشف مهامها من خلال العمل الشاق , من خلال التفكير و صراع الآراء . لذلك عليها أن تجد طريقها من خلال الصراع الداخلي . عليها أن تتخلى عن الأفكار و الأوهام القديمة و تتبنى أفكارا جديدة , و لأن هذا صعب , من هنا تأتي ضخامة و حدة الانقسامات .
و لا يمكننا أن نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأن هذه الفترة من النزاعات الحزبية و الإيديولوجية هي مؤقتة فقط و ستفتح الطريق أمام انسجام متجدد . صحيح , أنه في سياق الصراع الطبقي هناك مناسبات ( أوقات ) تتوحد فيها كل القوى لتحقيق هدف عظيم قابل للتحقق و تقوم الثورة بفضل قوة طبقة عاملة موحدة . لكن بعد ذلك , كما بعد كل انتصار , تأتي الاختلافات على مسألة : و ماذا بعد ؟ حتى إذا انتصرت الطبقة العاملة , فإنها دائما تواجه المهمة الأكثر صعوبة في إخضاع العدو , و إعادة تنظيم الإنتاج , و خلق نظام جديد . من المستحيل أن كل العمال , كل الفئات و المجموعات , مع اهتماماتهم المتنوعة غالبا , أن يتفقوا في هذه المرحلة على كل الأشياء و يكونوا مستعدين لعمل جديد موحد و حاسم . سيجدون الطريق الصحيح فقط بعد أشد الخلافات و النزاعات حدة و فقط من خلال ذلك سيصلون إلى الوضوح .
إذا اتحد , في هذه الحالة , الاشخاص ذوي الأفكار الرئيسية المتشابهة لمناقشة الخطوات العملية و سعيا للوصول إلى الوضوح من خلال المناقشات و الدعاية لاستنتاجاتهم , يمكن عندها تسمية مثل هذه المجموعات أحزابا بمعنى مختلف تماما عن معناها اليوم . الفعل , النضال الطبقي الفعلي , هو مهمة جماهير العمال أنفسهم , بمجموعهم , في مجموعاتهم الفعلية في معاملهم و مصانعهم , أو المجموعات الإنتاجية الأخرى , لأن التاريخ و الاقتصاد وضعهم في الموقع الذي يجب عليهم فيه و يمكنهم أن يخوضوا حرب الطبقة العاملة . سيكون من الجنون أن يقرر أنصار أحد هذه الأحزاب القيام بإضراب بينما يستمر أنصار بقية الأحزاب بالعمل . لكن كلا التيارين سيدافعان عن موقفهم بالإضراب أو عدمه في اجتماعات المعمل , حاصلين بذلك على فرصة للتوصل إلى قرار مدروس جيدا . إن النضال عظيم جدا , و العدو قوي جدا بحيث أن الجماهير فقط ككل يمكنها تحقيق الانتصار – نتيجة القوة المادية و الأخلاقية للعمل , و الوحدة و الحماسة , لكن أيضا نتيجة القوة العقلية للتفكير , و للوضوح . في هذا تكمن الأهمية الكبرى لمثل هذه الأحزاب أو المجموعات التي تقوم على ( وحدة ) الآراء : إنها تجلب الوضوح من خلال خلافاتها , و نقاشاتها و دعايتها . إنها أدوات التنوير الذاتي للطبقة العاملة بالوسائل التي يمكن للعمال من خلالها أن يجدوا طريقهم إلى الحرية .
إن هذه الأحزاب طبعا ليست جامدة و لا ثابتة . في كل وضع جديد , كل مشكلة جديدة سنجد تباعد و اتحاد العقول في مجموعات جديدة ببرامج جديدة . إنها ذات طبيعة متأرجحة و تعيد تنظيم نفسها باستمرار وفقا للأوضاع الجديدة .
مقارنة بهذه المجموعات , فإن الأحزاب العمالية الحالية ذات طبيعة مختلفة تماما , لأن لديها هدف مختلف تماما : إنها تريد أن تستولي على السلطة لنفسها . لا تهدف لأن تكون مساعدة للطبقة العاملة في نضالها نحو الانعتاق بل أن تحكمها بنفسها و تدعي أن هذا هو الذي يمثل انعتاق البروليتاريا . الاشتراكية الديمقراطية التي ظهرت في الفترة البرلمانية ترى هذا الحكم في حكومة برلمانية . الحزب الشيوعي يدفع بفكرة حكم الحزب إلى أقصاها في ديكتاتورية الحزب .
أحزاب كهذه , متمايزة عن المجموعات التي وصفت من قبل , يجب أن تكون بناها متصلبة ( صارمة ) مع حدود واضحة عبر بطاقات العضوية , و قواعد تنظيمية , و انضباط و خضوع الحزبيين و إجراءات الطرد . لأنها أدوات للسلطة – تحارب في سبيل السلطة و تلجم أعضاءها بالقوة و تسعى دائما لتوسيع مجال سلطتها . ليست وظيفتها أن تطور مبادرة العمال , بل إنها تهدف إلى تدريب أعضاء مخلصين بشكل مطلق لمعتقداتها . بينما تحتاج الطبقة العاملة في نضالها من أجل السلطة و تحقيق النصر إلى حرية فكرية غير محدودة , فإن على حكم الحزب أن يقمع كل الأفكار ما عدا أفكاره . في الأحزاب "الديمقراطية" , يجري تمويه القمع , في الأحزاب الديكتاتورية , يكون القمع مكشوفا و وحشيا .
أدرك كثير من العمال بالفعل أن حكم الحزب الاشتراكي أو الشيوعي سيكون فقط شكلا خفيا من حكم الطبقة البرجوازية حيث سيستمر قمع و استغلال الطبقة العاملة . في مكان هذه الأحزاب , تجدهم يحثون على بناء "حزب ثوري" سيسعى بالفعل إلى حكم العمال و تحقيق الشيوعية . ليس حزبا بالمعنى الجديد الذي ذكر من قبل , بل حزبا مثل أحزاب هذه الأيام , التي تحارب في سبيل السلطة على أنها "طليعة" الطبقة , منظمة من أقليات ثورية واعية , تستولي على السلطة لكي تستخدمها لصالح انعتاق الطبقة .
إننا نزعم بوجود تناقض داخلي في هذا المصطلح : "الحزب الثوري" . إن حزبا كهذا لا يمكن أن يكون ثوريا ليس أكثر ثورية مما كان مؤسسو الرايخ الثالث . عندما نتحدث عن الثورة , فإننا نتحدث عن ثورة بروليتارية , أي الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة نفسها .
يقوم "الحزب الثوري" على فكرة أن الطبقة العاملة تحتاج إلى مجموعة جديدة من القادة التي ستقهر البرجوازية لأجل العمال و ستشكل حكومة جديدة – ( لاحظ أن الطبقة العاملة لا تعتبر بعد مستعدة لتعيد تنظيم الإنتاج و تديره ) . لكن أليس هذا ما يجب أن تكون عليه الأمور ؟ بينما لا يبدو أن الطبقة العاملة قادرة على القيام بالثورة , أليس من الضروري عندها أن تصنعها الطليعة الثورية , أي الحزب , أن تصنع الثورة من أجلها ؟ و ألا يبقى هذا صحيحا طالما تقبلت الجماهير الرأسمالية برغبة ؟
في معارضة هذا , فإننا نطرح السؤال التالي : أية قوة سيستنهضها هذا الحزب من أجل الثورة ؟ كيف سيكون قادرا على هزيمة الطبقة الرأسمالية ؟ فقط إذا وقفت الجماهير خلفها . فقط إذا نهضت الجماهير و أطاحت من خلال هجومها , نضالها , إضرابها , بالنظام القديم . من دون فعل هذه الجماهير لا يمكن أن تكون هناك أية ثورة على الإطلاق .
قد يحدث بعد هذا أحد شيئين . أن تبقى الجماهير فاعلة : ألا تذهب إلى بيوتها و تترك الحكم لحزب جديد . أن تنظم سلطتها في المصانع و أماكن العمل و تستعد للنزاعات القادمة لتهزم رأس المال , أن تشكل , من خلال مجالس العمال , اتحادا لتولي مسؤولية التوجيه الكامل على كل المجتمع – بكلمات أخرى , أن يثبتون أنهم ليسوا عاجزين عن القيام بالثورة كما كان يبدو . من الضروري عندها أن يظهر نزاع مع الحزب الذي يريد أن يتولى السلطة بنفسه و الذي يرى فقط الاضطراب و الفوضى في الفعل الذاتي للطبقة العاملة . من المحتمل أن يطور العمال حركتهم و يتخلصوا من الحزب . أو أن يتمكن الحزب , بمساعدة العناصر البرجوازية , من هزيمة العمال . في كلتا الحالتين , فإن الحزب ليس إلا عقبة في طريق الثورة لأنه يريد أن يكون أكثر من وسيلة للدعاية و التنوير , لأنه يشعر أنه مدعو ليقود و يحكم كحزب .
من جهة أخرى قد تتبع الجماهير عقيدة الحزب و تترك له التوجيه الكامل للأمور . قد تتبع الشعارات التي تأتيها ( تنزل عليها ) من أعلى , و تضع ثقتها في الحكم الجديد ( كما جرى في ألمانيا و روسيا ) لكي يحقق الشيوعية – و تعود إلى منازلها و أعمالها . على الفور ستمارس البرجوازية سلطتها الطبقية من خلال جذور سلطتها التي لم تحطم بعد , قواها المالية , مصادرها الفكرية الهائلة , و سلطتها الاقتصادية في المصانع و الشركات الكبرى . في مواجهة كل هذا فإن حكومة الحزب ضعيفة جدا . فقط من خلال الاعتدال , التنازلات و الدعوة إلى الاستسلام سيمكنها أن تقول أنه من الجنون أن يحاول العمال فرض مطالب مستحيلة . هكذا فإن الحزب الذي فقد قوته الطبقية يصبح أداة للمحافظة على السلطة البرجوازية .
قلنا من قبل أن تعبير "الحزب الثوري" متناقض من وجهة النظر البروليتارية . يمكننا أن نعبر عن ذلك بطريقة أخرى : أنه في تعبير "الحزب الثوري" , تعني كلمة "الثوري" دائما الثورة البرجوازية . لأنه دائما عندما تطيح الجماهيربالحكومة و تسمح بعدها لحزب جديد بأن يتولى السلطة , فإن لدينا ثورة برجوازية – استبدال للفئة ( الطبقة ) الحاكمة بفئة ( طبقة ) حاكمة جديدة . هذا ما كان عليه الحال في باريس عام 1830 عندما خلعت البرجوازية المالية أصحاب الأراضي , و في عام 1848 عندما خرجت البرجوازية الصناعية مسيطرة من الأزمة .
في الثورة الروسية جاءت بيروقراطية الحزب إلى السلطة كطبقة حاكمة جديدة لكن في أوروبا الغربية و أمريكا كانت البرجوازية متحصنة بقوة أكبر في المعامل و البنوك , بحيث لم تتمكن البيروقراطية الحزبية من إزاحتها بنفس السهولة . يمكن قهر البرجوازية في هذه البلدان فقط من خلال العمل المتوحد و المستمر ( المتكرر ) للجماهير الذي تستولي فيه على المصانع و المعامل و تبني مؤسساتها المجالسية .
أولئك الذين يتكلمون عن "أحزاب ثورية" يستخلصون استنتاجات محدودة و ناقصة من التاريخ . عندما أصبحت الأحزاب الاشتراكية و الشيوعية أدواتا للحكم البرجوازي لتأبيد الاستغلال ¸ فإن هؤلاء الأشخاص حسني النية استنتجوا أن هذه الأحزاب لا بد أن تتصرف بشكل أفضل . لم يدركوا أن فشل هذه الأحزاب هو بسبب النزاع المبدئي بين الانعتاق الذاتي للطبقة العاملة من خلال قواها الذاتية و بين تهدئة الثورة من خلال زمرة حاكمة متعاطفة جديدة . إنهم يعتقدون أنهم طليعة ثورية لأنهم يرون الجماهير غير مبالية و غير فاعلة . لكن الجماهير غير فاعلة فقط لأنها لم تفهم بعد سياق الصراع و وحدة المصالح الطبقية , رغم أنها تشعر بغريزتها بالقوة الهائلة للعدو و جسامة ( ضخامة ) مهمتها . ما أن تفرض عليهم الظروف أن يتحركوا فإنهم سيضطلعون بمهمة تنظيمهم الذاتي و الاستيلاء على القوة الاقتصادية لرأس المال .
نقلا عن http://www.marxists.org/archive/pannekoe/1936/party-class.htm
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟