عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 09:29
المحور:
الادب والفن
إلى الشاعر الاميركي الراحل : جاك كيرواك ..
كنتُ أهربُ من الصف ، وأجلسُ على سياج المدرسة ، منتظرا خروجي مع الصالحين ، وعندما ضبطني أبي أكتبُ شِعرا ، أعطاني كتاب ألف ليلة وليلة : من يومها ابتدأتُ رحلةَ البحثِ عن " قوت القلوب " في النساء وفي الكتب والسينما .
من يومها وأنا أتدفقُ من خواطر الينابيع ، ومع دموع الصبايا : تمسحُ عني مناديلُ الأمهات غبارَ سفر طويل ، رأيتُ فيه مئات البلدان ، وأنا جالس ٌ بين أحضانهن .
عشتُ في الكهوف ، وأكلتُ العشبَ مع الحيوان في البراري : ارتعشتُ من البرد ، وسجدتُ للبرق ، ثم انتشرتُ في الرعد : خدمتُ في المعابد ، وعثروا على وجهي في ألواح الطين عندما رسمتُ محبوبتي على جلد الزمن : صعدتُ الفرات ، ومعه انفجرتُ في كل فيضان : حاربتُ مع السومريين في اور ، قاتلتُ مع البابليين ضد البدو ، ثم سلبتْ لبي امرأة آشورية ،و توارت في زحام مدينة نينوى ، فبكيتُ عند مساقط الأنهار : سالت دموعي في دجلة ، وطاف بي طائف من الهيمان فهربتُ وحيدا ، حتى وصلت إلى كل مكان في لحظة واحدة : رقصتُ كثيرا مع زوربا ، وجلستُ طويلا تحت شجرة بوذا : طفتُ مع عرفاء ومتصوفة ، وطرتُ في الهواء مع المجانين ، لكن صوفيا لورين أغوتني ، في الظلام ، فقفزتُ إلى الشاشة ، وأقنعتها أنني الرجل الذي كانت تبحثُ عنه في فيلم " sun flower " .
طردوني من السينما لأنني كنتُ ولدا وقحا ، فخرجتُ من الأحلام إلى العالم ، ومعي قبلة جاد بها فمها الخارق ، لكنني لم أصل إلى البيت ، رغم أني سلكتُ نفس الطريق الذي أتيتُ منه . كان أبي قد مات عندما وجدتُ السبيل إلى مقهاه ، حيث يجلسُ الجنود الهاربون من الثكنات :
كنتُ اريدُ أن أضع الحقيقة بين يديه المتعبتين من حفر الأنفاق في السجون :
كنتُ اريد أن اشكره لأنه أفسد حياتي .
كنتُ اريد أن أشرحَ له خلاصة العصور، فـ " قوت القلوب " لم تكن غير إينانا السومرية : مفقودتي التي تشعبتْ روحها بين الأوراق وخواطر الدفاتر السرية .
وحين حاولتُ أن أقص الحكاية على عشاق هائمين مثلي ، صعقنني معرفتي ، وفقدتُ القدرة على النطق ، فلم أجد ما أفعله سوى أن أعود لأجلس على سياج المدرسة ، منتظرا خروجي مع الصالحين ..
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟