أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة















المزيد.....

حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1067 - 2005 / 1 / 3 - 09:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كأن عام 2004 لم تكفه المصائب والكوارث السياسية والاقتصادية التى حفل بها .. فأضاف بلوى جيولوجية قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ، تمثل واحدة من أسوا صور نزق الطبيعة وأكثرها غدراً وعبثية ،أزهقت عشرات الآلاف من الأرواح وشردت ملايين البشر ودمرت العمران وقضت على الأخضر واليابس ، وخلفت وراءها خرابا مروعاً وأحزاناً وآلاماً وعذابات إنسانية لا توصف ولا تحتمل .
صحيح ان هذه ليست المرة الأولى ، ولن تكون الأخيرة ، التى تعانى فيها الإنسانية من مثل هذه الظواهر الطبيعية "اللاطبيعية" ، لكنها – بالتأكيد – واحدة من أسوا تلك الكوارث وأكثرها دماراً وعنفاً فى العصر الحديث .
ويلفت النظر إزاء هذه المصيبة نوعان من ردود الأفعال المذهلة .
نوع من "الشرق" وآخر من "الغرب".
فى "الشرق" .. سارع بعض "العلماء" إلى القول بان هذا الزلزال الذى ضرب المحيط الهندى وأثار موجات عاتية من المد البحرى ، تشبه تخيلات البشر عن طوفان نوح ، هو "عقاب" السماء لـ "الكفرة" و "العصاة" .
هؤلاء "العلماء" .. لم يضربوا عرض الحائط فقط بالتفسير العلمى لهذه الظواهر الطبيعية ،ولم يظهروا فقط قدراً فظيعاً من البلادة فى الإحساس بمصائب الملايين من إخوانهم فى البشرية، والعجز المرضى عن إبداء التعاطف الواجب مع هؤلاء المظلومين ،وإنما أظهروا أيضاً قدراً فاضحاً من الجهل الذى لايستقيم مع أي مشاعر دينية سوية .
فهؤلاء الذين تضرروا من هذه الكارثة أناس عاديون ، مثلى ومثلك، ينتمون الى مختلف الأديان ، ومنهم آلاف مؤلفة من المسلمين ،كما ان نصفهم على الأقل من الأطفال الأبرياء من المعاصى والخطايا .
فأي عقاب بحل بهؤلاء ، وعلى أي جريمة ، وبأي ذنب ؟
الواضح طبعا ان تفسير هؤلاء "العلماء" ليس منافيا للمنطق والعقل والعلم فقط ، وانما هو "خطيئة"حقيقية بالمعنى العلمى والدينى على حد سواء .. والأفظع انه تفسير يسئ الى الإسلام والمسلمين حيث يضعنا نحن المسلمين خارج نطاق الإنسانية، ان لم يكن فى مواجهتها !
وفى "الغرب" .. اتسم رد الفعل الرسمى بقدر فظيع من الغلظة والبلادة أيضا فالولايات المتحدة الأمريكية – بجلال قدرها – أعلنت على لسان إدارة الرئيس جورج بوش أنها ستقدم معونات للمنكوبين قيمتها 35 مليون دولار (خمسة وثلاثون مليونا فقط لا غير!) .. وهذا رقم بالغ التفاهة فى كل الأحوال ، ويزداد تفاهة على تفاهة إذا قارناه بمليارات الدولارات التى تنفقها الإدارة الأمريكية على الإبادة الجماعية للشعب العراقى .
والاتحاد الأوروبي أعلن بدوره عزمه على تقديم مساعدات قيمتها 44 مليون دولار !
وهكذا دواليك .. مع سائر "أغنياء" العالم !
علماً بان هذه الدول "الغنية" عندما تقدم مساعدات إلى تلك الدول الآسيوية المنكوبة لا تقوم بعمل "خيرى" أو "إحسان" . فهى أولاً قد نهبت تلك البلدان نهباً فاحشاً أثناء الحقبة الاستعمارية ، ثم استمرت فى نهبها بعد انتهاء تلك الحقبة الكولونيالية،وحتى الآن،من خلال التبادل التجارى اللامتكافئ وغيره من أشكال الهيمنة وآليات التبعية وشروط و "نصائح" مؤسسات "بريتون وودز" .. نعنى صندوق النقد الدولى ،والبنك الدولى، وأخيراً منظمة التجارة العالمية .
وغنى عن البيان أن الكوارث الطبيعية مسألة تقع خارج مسئولية البشر ،شعوباً وحكومات ، فقراء وأغنياء.
لكن مسئولية البشر تتحدد فى إمكانية تخفيف الآثار المروعة لهذه الكوارث ،سواء قبل وقوعها أو بعده.
وأهم الأمور بهذا الصدد هو إقامة مراكز الإنذار المبكر المدعومة بأحدث تقنيات التنبؤ والرصد.
فالدقيقة والثانية يكون لها ثمن كبير فى هذه الحالة ،حيث يمكن إجلاء الآلاف والملايين من المناطق المنكوبة قبل أن يقع الفأس فى الرأس.
أما أساليب التخفيف من آثار هذه الكوارث بعد وقوعها فهى كثيرة ومتعددة . لكن الأساسي فيها هو توسيع دائرة التضامن والتكافل بين البشر والشعوب ، وتنظيم أشكال هذا التضامن ، وتطويره كى يكون "مؤسسياً" وفعالاً ، وليس مجرد جهد "تطوعى" و "اختياري" و "خيري" و "انتقائي".
وهذا ينقلنا إلى طبيعة النظام العالمى الراهن ،وهو فى جوهره نظام تمييزى ، قائم على الهيمنة والاستغلال، يولى معظم اهتمامه لتلبية حاجات القوى المتنفذة والإمبراطورية ويتجاهل احتياجات الأغلبية الساحقة من البشر.
وأحد الأدلة على ذلك أن الدول الكبرى و"العظمى" لم "تتبرع" – حتى الآن – إلا ببضعة مئات من ملايين الدولارات فى حين يقدر البنك الدولى حجم المساعدات اللازمة للبلدان المتضررة من طوفان المحيط الهندى بما لا يقل عن خمسة مليارات دولار ، وهو ما يساوى تقريبا المساعدات التى قدمت إلى أمريكا الوسطى بعد إعصار "ميتش" عام 1998 الذى أودى بحياة حوالى 10 آلاف شخص فقط ، بينما تجاوز عدد ضحايا زلزال المحيط الهندى 150 ألف حتى الآن !
والدليل الثانى هو انه لا توجد آلية مؤسسية للتعامل مع هذه الكوارث ، بل أن الدول الغنية مازالت ترفض دفع النسبة التافهة من ناتجها المحلى الإجمالي لصندوق مكافحة الفقر فى العالم .
ونرى أن الكونجرس الامريكي يوافق بحماس على تخصيص ميزانية فلكية تناهز 400 مليار دولار للإنفاق على "الحرب" سنويا ، بينما يستنكف تخصيص ميزانية يعتد بها لمكافحة أوبئة تهدد مستقبل البشرية مثل مرض الإيدز ، ، أو حماية البيئة ، رغم أن الدول الصناعية الغنية هى المسئول الأول عن تفاقم المشاكل البيئية !
وغنى عن البيان أن هذه السياسة الأمريكية –والغربية عموما – لا تتسم فقط بالأنانية، وإنما تتسم بقصر النظر أيضا لان هذه الأخطار – العالمية بطبيعتها – يمكن أن تهدد تلك البلدان الغنية أيضا . وبالتالى فأنها عندما تنفق لإيجاد حلول لهذه المشكلات التى تهدد البشرية كلها ، فأنها لا تقدم "إحسانا ً" للدول الفقيرة فقط ، وانما تحمى نفسها فى المقام الأول .
وعندما نشدد اليوم على أهمية إنشاء مراكز إنذار مبكر فى سائر أنحاء المعمورة، فان إنفاق البلدان الغنية على إقامة مثل هذه المراكز انما هو حماية لها أيضا من غضب الطبيعة الذى لا يفرق بين غنى او فقير ، قوى أو ضعيف .
لكن الإدارة الأمريكية تبدى حماساً شديداً لإنفاق المليارات على حربها الإمبراطورية فى العراق وقتل العراقيين ، وتبخل بخلاً شديداً عن الإسهام فى أمور من شانها حماية البشرية والحياة على كوكب الأرض !
أليس عجيباً – والأمر كذلك – ان يتفق بعض "علماء الشرق" مع "دهاقنة الغرب" – رغم الجعجعة المتبادلة عن صراع الحضارات وعمق الخلافات بينهم – على احتقار ملايين البشر ، أخواننا فى الإنسانية ، فى وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى التضامن والمساعدة وتضميد الجراح .. بالكلمة الطيبة والدواء والغذاء والدعم المادى والمعنوى ؟!
لكن ما يعطى بصيصاً من الأمل أن الصورة ليست حالكة السواد.
فقد أثبتت هذه الكارثة – بالمقابل – أن الإنسانية لن تفقد ضميرها بعد . وإذا كانت الحكومات الغربية قد تصرفت بأنانية ، وبعض "العلماء" الشرقيين قد تحدثوا بغلظة ودون رحمة، فان الغالبية العظمى من الشعوب قد تركت ، وتعاطفت معنويا وماديا، دون توجيه من أحد . فقام الكثيرون بإلغاء احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة ، وتبرع البعض براتب يوم أو أكثر لصالح المنكوبين .. الخ.
وهذه "العولمة البديلة" ، ذات الوجه الإنساني ، المناقضة على طول الخط لـ العولمة المتوحشة"، هى الأساس الموضوعى الذى يجعلنا نأمل – ونطالب – بجبهة عالية لشن حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة ، والضغط على الحكومات ، وبالذات حكومات الدول الغنية ، لإعطاء الأولوية لحماية الحياة على ظهر كوكبنا .. الذى دخل دائرة الخطر.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى
- !الأعمى الإنجليزى .. والمبصرون العرب
- الإعلام.. قاطرة الاستثمار
- ! الحكم فى نزاع -جالاوى- و -ديلى تلجراف- .. يديننا
- مفارقة -مادونا- الأمريكية .. و-وفاء- المصرية
- بوش وشارون .. أسوا أعداء الاستثمار فى العالم العربى
- !درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
- ! الاقتصاد غير السياسى
- ! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
- بيان شرم الشيخ.. الآخر
- أبو عمار: حاصروه فى الجغرافيا .. فحاصرهم فى التاريخ
- !الفنادق وشركات الطيران.. الرابح الوحيد في مؤتمر شرم الشيخ
- نصــف أمـــريكا.. الآخــــر
- شامبليون ونظريات محمود سعد وفاروق الفيشاوى
- لماذا تخون الصحافة تقاليدها؟
- !تكريم وزير .. تحت الكوبرى
- العم - ســام - .. والخالة - ســـاميـة -
- مـدافـع رمضان .. ومدافع بوش وشـارون
- ثلاثية الأوهام فى - رأس الشيطان -
- ساويرس .. الآخر !


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة