أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شذرات؛ زمن الشبيحة وزمن شبيه














المزيد.....

شذرات؛ زمن الشبيحة وزمن شبيه


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 10:06
المحور: الادب والفن
    





شيرين:
هيَ طفلة من حمص الثورة؛ من تلبيسة، البطلة، العصيّة على القتلة.
طفلة تنتمي لجنس الملائكة، ليسَ لعمرها الغض حسب، بل أيضاً لنصاعة الثلج، ونقائه، في بشرتها ذات التقاسيم الدقيقة، المتناسقة. لا أدري، كيف أمكن السماحُ لهذه البراءة، ذات الثماني سنوات، بالخروج وحيدة ً من منزل أسرتها، سعياً وراء ربطة خبز، حاف؛ ثمة، أين كان يكمن ملاك آخرٌ، جحيميّ، بصفة قناص، يترصّد لمن يمرّ في الشارع..؟
ربما هوَ حصار الجوع، المفروض على البلدة انتقاماً من أهلها الثائرين؛ أو أنه الاستهتار بالمخاطر، طالما أنّ شبحَ الموت، في زمن الشبيحة هذا، قد أضحى كما لو أنه قدَرٌ حتمٌ، لا مفرّ منه.
شيرين، هوَ كذلك اسمُ شقيقتي، التي لم أحظ برؤيتها أبداً؛ بما أن ولادتي، العتيدة، أجيز لها حظ الحدوث بُعيدَ أشهر قليلة من وفاتها. أربع فتيات من عائلتنا، من ضمنهن ابنتا شقيقتين لي، تمّ تعميدهنّ باسم فقيدتنا تلك؛ التي ما كانت قد بلغت بعدُ سنّ الرابعة، حينما دهمتها الحمّى المُريعة، المُهلكة.
من جهتي، شئتُ أن أضافر خلودَ أختي الراحلة، بطريقة أدبية: إذ استحضرَتها سيرتي الذاتية، " زهرُ الصبّار "، بحقيقة مُعتبرَة؛ وهيَ أن موتها الفاجع، المفاجيء، كان مبرراً لوالدتنا كي تموّه طفولتي بملبس البنات، فضلاً عن جديلة شعري، المسترسلة على سجيّتها.
شيرين، شقيقتي، لم يمتدّ بها العمر لكي تحيا في زمن الشبيحة؛ هؤلاء، من لم يتورعوا عن قتل سميّتها، الحمصية، كما و ندّات لها، تتوزعُ أضرحتهنّ على مساحة خريطة هذا الوطن.

سارة:
هيَ جدّتي لأبي؛ رَحلت عن دنيانا قبل مولد حفيدتها تلك، شيرين، بنحو ثلاث سنين.
في السيرة الذاتية نفسها، المَوْسومة، تتبدّى هذه المرأة بشخصيتها الريفية، القوية الشكيمة، بما أنها تتحدّر أصلاً من الزبداني؛ المدينة الساحرة، المُترامية باسترخاء في سفح أحد الجبال الحالقة، الفاصلة بين سورية ولبنان. ثمة، أين وادي بردى، الشاهد الأزليّ على مرور الجدول الخالد، الذي وَسَمَهُ الإغريق بـ " نهر الذهب "، بالنظر لعذوبة مياهه وصفائها.
في زمن السيرة تلك، ما كانت الزبداني سوى بلدة صغيرة قليلة النفوس: أتذكرُ بيوتها المتباعدة، المفصولة عن بعضها البعض بالبساتين المزدهرة، المونقة بشتى أنواع الشجر المثمر؛ وخاصّة التفاح، المُعرّف في الشام منذ القِدَم باسم هذه البلدة. أسرة جدّتي، العربية، من آل " غانم "، كانت آنئذٍ تحظى بمنزل من دورَيْن، ريفيّ السمة، على جانب من الاعتبار والأبهة. ولا يمكن لي أن أسلوَ دقران الكرمة، الكريمة، المُحمّلة ثمة بوفرة من زمعات العنب الزيني، المتثنية بدلال ورخاء نحوَ الأسفل؛ حيث أيادينا الطفلة، المُداعبة بحنوّ و نهَم.
وكما سبق وأكدّتُ آنفاً، فإن الزبداني صارت الآن في منقلبٍ مدينيّ، مَشهود. وقد تحققتُ من ذلك، اتفاقا، حينما مرّرتُ سهمَ كمبيوتري على مظاهرات بلدة جدّتي، الأولى. وبالرغم من أسى المناسبة، بيْدَ أنني افتخرُ لكون عددٍ من شهداء الثورة هناك يَمتون بالقرابة لأخوال أبي. ثمة، أين يعيش أيضاً أسر من كرد الشام الأصليين، جنباً لجنب مع إخوانهم المهاجرين من الأقاليم الكردية الشمالية ـ كالجزيرة و كرداغ: هؤلاء الأخيرين، أبدوا مؤخراً قلقا بيّنا، مُحقا، بعدما تلقى الكثير منهم تهديدات من لدن بعض من يُحسبون على الحراك الثوري، كما ومُهل بمغادرة الزبداني بغير إبطاء. مُبرر ذلك، هوَ مزاعم اتصال أولئك الكرد، المهاجرين، بالجهات الأمنية؛ بصفة مُخبرين، أو " عواينية " بالمَحكية الشامية.
وبما أنني نوهتُ إلى أمر محاذاة الزبداني للحدود اللبنانية، فاستطردُ بالإحالة للمفارقة المتمثلة بكون كرد تلك الأقاليم، المقيمين في بيروت، قد تلقوا تهديدات ومهل، مماثلة، ولكن لسبب معاكس؛ وهوَ تأييدهم لثورة شعبهم السوري، عبرَ اشتراكهم النشط في الاعتصامات والتظاهرات قدّام السفارة السورية.

روشين:
أدبياً، حينما اخترتُ أن تكون إحدى بطلات روايتي من الزبداني ذاتها، فلم يكُ ذلك بعيداً عن استحضاري لصورة جدّتي لأبي.
إلا أن " روشين " تلك، بطلة الرواية، جعلتها تنتمي لأسرة من أصول جزراوية، بدوية ( أي: كوتشر، باللغة الكردية )؛ مُضفياً على ملامحها صورة الجدّة العربية؛ بحُسنها المُتوّج بشعر أحمر، متوهّج، والمنهمر على عينين سماويتين، رائقتين.
وكما كنتُ قد ألمعت في مقال آخر، أجدُ روايتي المَعنية، " الأولى والآخرة "، كأنما هيَ نبوءة للربيع السوريّ، الثوريّ؛ طالما أنني أجزتُ لنفسي اختيارَ شهر آذار / مارس، كموعدٍ لتفجّر أحداث العامّية الشاميّة لعام 1830؛ فيما أن ذلك جرى، واقعياً، خلال شهر أيلول / سبتمبر من العام عينه. وفي سياق النبوءة ـ المصادفة، فإن الرواية تجعل المسجدَ الأمويّ كرمز للعامّية الشعبية؛ بما أن الحبكة تعتمدُ على كون المسجد نفسه بؤرة للحدَث، المُتجلي في رغبة حاكم الشام، العثماني، تدميره بالمدفعية ومَحي أثره تماماً، سعياً لإفقاد الشام أهمّ رمز دينيّ وحضاريّ لها: إنه المسجد الأموي، الدمشقيّ، الذي انطلقت منه شرارة الثورة الحالية، في 15 آذار من العام المنصرم.
" شيخ الشام "، صنيعة الطاغية الإنكشاريّ ولسان حال الجماعة الوهّابية، كادَ أن يرمي " روشين " إلى الهلاك المُحتم، حينما تصادفَ مروره بحجرتها في إحدى جولاته التفقدية لمدرسة الحديث؛ التي كانت تعمل فيها كمدرّسة: هل كنتُ لحظة كتابة الرواية، أتمثلُ سحنة " الشيخ البوطي "، رَجُل النظام الأسدي وصاحب الميول الوهّابية القديمة، المعروفة؛ لأجعلها تتقمّص شخصية شيخ الشام تلك، المُختلقة..؟



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العربية وأضرابُها: أوجُه شبَه
- عشرة أعوام مع الموت
- كردستان العراق: مافيا الثقافة
- مأساة الممثل محمد آل رشي
- لا فتى إلا علي فرزات
- حكايتي مع حزب الله واغتيال الحريري
- الجراثيم تتحدّى الطبيب الفاشل
- ديّوس، ولو علقوا بذيله فانوس
- عن العلويين والأخوان المسلمين والراعي الكذاب
- جمعة الحرامي رامي مخلوف
- السلفيون يحملون صورَ سيادته
- جواب السيّد الديّوس على رسالة أدونيس
- من سيدفن الأمة العربية، الميتة ؟
- يا أبا حافظ
- أسد وأفعى وعقرب
- كتائب الإعلام الشبيحي
- جيش الإسلام العلوشي
- طريق بشار إلى الحوار
- أحمد بياسي؛ حكاية كلّ شهيدٍ حيّ
- أحمد البياسي؛ المسيح يصلب مجدداً


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شذرات؛ زمن الشبيحة وزمن شبيه