|
أحمد البياسي؛ المسيح يصلب مجدداً
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 01:22
المحور:
الادب والفن
" أما رفيقه، المَلول، فإنّ رقته وضعفه كانا مُرتسَمَيْن بوضوح في ملامحه، كما وفي عينيْه المفتوحتيْن على الفراغ والعدَم. ولو قدّر لأحد رسّامي الإفرنج، أن يُجسّدَ وجه المسيح عليه السلام وهوَ على الصليب ـ غفرانكَ يا ربّ ـ فلن يَحظى أبداً بما يُماثل التعبير المُفصح عنه الآنَ وجهُ مَملوكنا الروميّ، التعس؛ التعبير، المُتماهي فيه الألم والشكوى.. وربما الحنين أيضاً؛ الحنين إلى حضن الأمّ، التي سبقته بعقد من الزمن إلى حفرة القبر، المَجهول ".
تلك الكلمات، الفائتة، مستلة من روايتي، " الأولى والآخرة "؛ التي نشرتها في هذا الموقع، كاملة، في العام المنقضي. في أواسط التسعينات، عندما بدأت فكرة الرواية تختمرُ في ذهني، فإنني لم أكن مهيئاً بعدُ لفكرة أخرى؛ أنّ عقدَة الحدَث، وهيَ ثورة الشام لعام 1831، يمكن أن تتكرر بعدَ هذا التاريخ بمائة وثمانين عاماً. وبمحض الصدفة، أيضاً، فإنّ زمنَ استهلال تلكَ الثورة قد جعلته في فصل الربيع، مُخالفاً بذلك زمنها الحقيقيّ؛ ألا وهوَ فصل الخريف. كانَ ربيع دمشق، الأول، يخطو رويداً في سيرة الزمن؛ الربيع، الذي تمّ وأده في العام الثاني لولاية وريث الجمهورية الأسدية.
وها هوَ ربيع الثورة السورية، الآخر. بيدَ أنني، عطفاً على حبكة تلك الرواية، الموسومة، لم أكن لأتخيّلَ بكون زمنها، العثمانيّ، أكثر رحمة بما لا يقاس، مقارنة ً مع زمننا الراهن، البعثيّ. وأعترفُ، بأنه حتى تناهي خيالي في وَصف قسوة معتقل القلعة الدمشقية ، المنعوت مجازاً في الرواية بـ " المجمر "، فقد بقيَ أشبه بنزهة قياساً لما بتنا نعرفه عن معتقلات الأجهزة الأمنية، المرعبة: في إحداها، الفرع 285، الكائن أيضاً بدمشق وربما ليسَ ببعيدٍ عن قلعتها، احتجزَ الشاب أحمد البياسي. ومن النافل، ربما، تفصيل سبب اعتقال هذا الفتى الرقيق، الضعيف البدن، الشبيه بفتى روايتي ذاك؛ والشبيه، فوق ذلك، بصورة المسيح عليه السلام كما جسدتها لوحات فناني عصر النهضة الأوروبيّ. إذ يكفي ذكرُ قرية البيضة، التابعة لمدينة بانياس، حتى تتشامخ في الذاكرة صورة هذا الفتى الجسور، المتفاني؛ الذي فضحَ بدون هوادة " رواية " إعلام النظام، الرخيصة المتهافتة.
" انظروا إلى هويتي.. "، يقولها أحمد وهوَ يُبرز بطاقته الشخصية أمام كاميرا الخليوي مستطرداً " هنا جرى مشهدُ ذلك الفيلم؛ هنا، في قرية البيضة. هذه هي الساحة، التي ظهرت بالفيلم، وكذلك البيوت المحيطة. وفي هذا المكان حيث أقف، تحديداً، ظهرت صوري وأنا ممدّد على بطني فيما رجال الأمن يدوسونني بأحذيتهم جنباً لجنب مع المعتقلين الآخرين من شباب الضيعة ". وبالرغم من وصول فيلم جديد، أكثر وضوحاً، عن جريمة امتهان الشخصية السورية في القرية ذاتها، فإنّ ذلك الإعلام الخسيس، المنعوت بالكذاب من لدُن البسطاء، قد دأبَ على اجترار روايته السقيمة عن شمال العراق والبشمركَة. هذه المفردة الأخيرة، ربما كانت هيّ باعث فكرة تسمية الجمعة التاسعة للثورة باسم " جمعة آزادي ". لكأنما هذه المفردة، الكردية، هيَ ردّ شعبنا السوريّ، بكلّ مكوناته المذهبية والدينية والعرقية، على النظام وإعلامه وكذا رفض عنصريته وطائفيته: الردّ على بروباغندا النظام، المدعية أنّ الثورة هذه هي غولُ الأكثرية، السنية، المتحفز لافتراس جميع أقليات البلد، لم يكن ممكناً سوى بصرخة " آزادي "، الكردية؛ التي باتَ السوريون جميعاً يلفظونها معاً بصوت واحدٍ، مرعد. أجل، صوتٌ مرعد، علّ السماء تتفجّر غيثا فوق أرضنا، اليباب، المبتلية مذ نصف قرن بجَدَب البعث وجفافه.
يا أحمدَ البياسي نعينا إليكَ أمس، في جمعة آزادي، وفاة الجامعة العربية وننعي إليكَ اليومَ، أيضاً، وفاة الأمة الإسلامية يا أمّة ركعت لرّبها، في صلاة الغائب، على الروح المدنسة لبن لادن ويحكِ من أمَةٍ، جاريَةٍ، ربّها شيطانٌ رجيمُ؛ بأزهرك الشريف ومكتك المكرّمة ونجفك الأشرف ويح مثقفكِ، بن جدّو، في نعيقه على كرامة المقاومة وشيخها المدفون في البحر؛ ويحها الدعارة الإعلامية ويحَ أفئدة أعمتها خفافيشها الداخلية، الطائفية عن رؤية عشرات الضحايا في درعا، المنقولة من ثلاجة الخضار إلى حفرة المقبرة الجماعية عن رؤية مئات المعتقلين، المداسين حتى الموت بأحذية رجال الأمن، الرياضية ويح أمّة العرب والعجم، التي أغمضت عينيها عن مشهد عريس سورية عريس من البيضة ببانياس؛ اسمه أحمد البياسي ننعي، إذن، الأمّتين العربية والإسلامية وندعو، ندعو بابا الفاتيكان أن يطوّبَ أحمد البياسي قديساً علنا ننسى تاريخاً اسمه: الحروب الصليبية.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آزادي، هذه المفردة المفقودة
-
واحة للحرية اسمها ركن الدين
-
طريق تل أبيب عبر تل كلخ
-
السيّدة الأولى تنصح سيادته
-
مواطن سوري عادي، جداً
-
خالي يا خالي
-
المعارضحالجية
-
حميرُ الإعلام وخنازير الفنّ
-
أهم شخصية في سورية
-
لا عزاء لأيتام بن لادن
-
عن قائد جيش سوريائيل
-
النظام السوري وتفجير مراكش
-
أقدم زبون للمحكمة الدولية
-
الرئيس القرد يحرر البلد
-
آخر خطاب لمسيلمة الكذاب
-
....المقاومة الإسلامية
-
ارحل يا حمّار
-
يوم الأسير السوري
-
سيادته يوجّه الإعلامَ للإصلاح
-
سيادته يأمر الشبيحة بتطبيق الإصلاح
المزيد.....
-
-ليس بعيدا عن رأس الرجل- لسمير درويش.. رواية ما بعد حداثية ف
...
-
-فالذكر للإنسان عمر ثانٍ-.. فلسفة الموت لدى الشعراء في الجاه
...
-
رحيل التشكيلي المغترب غالب المنصوري
-
جواد الأسدي يحاضر عن (الإنتاج المسرحي بين الإبداع والحاجة) ف
...
-
معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار ن
...
-
من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة
-
المؤرخ ناصر الرباط: المقريزي مؤرخ عمراني تفوق على أستاذه ابن
...
-
فنانون وشخصيات عامة يطالبون فرنسا وبلجيكا بتوفير حماية دبلوم
...
-
من عروض ايام بجاية السينمائية.. -بين أو بين-... حين يلتقي ال
...
-
إبراهيم قالن.. أكاديمي وفنان يقود الاستخبارات التركية
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|