|
الثورةُ الدائمةُ في الإسلام
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3578 - 2011 / 12 / 16 - 05:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يكرس المذهبيون السياسيون من مختلف ملل الإسلام أنفسهم كمعبرين مطلقين عن الإسلام وكل من موقعه وقوقعته، ثم يوقفون تطور الأمم الإسلامية عبر ذلك بسبب منطقهم المجرد من جهة والنصوصي المحافظ من جهة أخرى، وبجعل مذهبياتهم السياسية جوهرا مُطلقا يرفضُ التوجهات العصريةَ التقدمية والديمقراطية لبقية الأطياف السياسية في هذه الأمم الإسلامية. لم يقرأوا الإسلام كثورة اجتماعية ذات ظروف وخصائص، بل نظروا إليها كدين تحول إلى مذاهب، من دون أي مراجعات للمنشأ وللتحولات على مرور ألف سنة وأكثر. يركزون في الأشكال فيما يركز الحداثيون الديمقراطيون في المضامين. الفيصلُ الدامي في هذا هو (الفتنة الكبرى)، وقد عالجها التحديثيون وعبرها أعادوا النظر في تواريخ الأمم الإسلامية، من أجل ألا تتكرر وهي تتكرر وغدت حياة اجتماعية سياسية مستمرة مؤدلجة لدى بعض القوى المتجمدة في هياكل التاريخ. فبسبب استغلال الدين والمناصب وتداخلهما مع الهيمنة على السلطة، وبسبب رفض التعددية وتداول الحكم بين الفرقاء الاجتماعيين السياسيين، وبسبب الاستمرار في الفتوح العسكرية وقد انتهت سيطرات الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية على الأراضي العربية وتحول الفتوح إلى استغلال، وبسبب هيمنة القادة والرجال على الأموال الحكومية والعائلية، وتفاقم العبودية بدلا من تحجيمها والقضاء عليها، وتحول النخب العربية إلى الاستغلال والبذخ وتحويل النساء والفلاحين والعاملين إلى ما يشبه العبيد ولدى كل الفرقاء، بسبب هذا كله وقعت الفتنة أو الفتنُ الكبرى، ومازالت مستمرة في ظلال السياسة وأشباح الحياة النازفة كل يوم. × القوى الديمقراطية والتحديثية ومنها قوى دينية وقفت عند هذا مطولا، ووضعت جدارا بينها وبين هذا التاريخ وامتدادته وكوارثه وفتنه. لو أنهم تداولوا السلطة واستغلوا الثروة وقضوا على تلك السلبيات الكبرى ما كنا واقفين لانزال على أبواب التاريخ نستعطي ونتسولُ من أجل إدخالنا في مدينة الحضارة العالمية، ونستأجرُ قوى جوية لتضرب مدننا، ونفتحُ المجال للأساطيل لكي تحمينا من بقية المسلمين، ونبدأ كتاب الحضارة كل عقد من أول السطر، لا تمشي أصابعُنا عن الكلمة الأولى تلعنُ الفتنةَ وتؤسسها! فهذا التحدث باسم الإسلام لم يعد يخدعُ أحدا إلا النائمين في المقابر، والراقدين بين الأطلال والحطام، يتغذون بحشرات التاريخ كل يوم ويتسممون. نحولُ الثورة إلى سجنٍ للشعوب في بلد ونطالبُ في بلد آخر بالاستيلاء على السلطة بذات الكلام وبالحطام نفسه؟ أما كان لمذهبِ الثورة الطائفية أن يقرأَ الفتنةَ الكبرى؟ فكيف له أن يزعزع أحوال المسلمين ويمزقهم ويستدعي الجيوش الأجنبية على أبوابهم؟ أما كان للثورة أن تعود لدرس الفتنة الكبرى، وأن ترفع النير عن الفلاحين والنساء والمستضعفين؟ أو ليس هو ذاته ما جرى في الثورة القومية وجلب لنا الكوارث والأساطيل وفقدان الميزانيات؟ أما كان لها كلها أن تدع شعارات الغزو والتغلغل لاحتلال بلدان المسلمين وإطفاء الحفلات المسعورة بالثقافات الطائفية، فتنشر ثقافة التوحيد والديمقراطية؟ ثورة الديمقراطيين والتحديثيين استكمال لثورة السلف، عزلتْ عناصر التمزيق وكشفتْ الأخطاء الاجتماعية الكبرى في ذلك التاريخ وأعادت أسس التوحيد والتجميع، فعرتْ الظروف السلبية وقوى الاستغلال المتخلفة، والاختلافات الدينية المُحَولة لخلافات جوهرية في المذاهب وإلى بحار ألغام على الحدود بين الشعوب والمسلمين، فرفضتْ بقاءَها وتكرار وجودها وكوارثها. ألا يواصلون حروب الأقدمين تحت تسميات جديدة؟ إلا يدافعون عن التخلف والاستبداد والدول والجماعات الطائفية بلغات خائبة تراوغ كل يوم الحقائق الدامغة؟ ولديهم رموز مضيئة وتاريخ بين، لكنهم أبوا ألا أن يعيدوا مسرح الفتنة الكبرى على نحو موسع قاري عالمي من دون أن يضعوا نقطة نهائية ويبدأوا كتابا جديدا! ربما بدأت من تونس بقعة مضيئة، هي وحدة الحداثيين سواء أكانوا علمانيين ديمقراطيين أم دينيين إسلاميين، حيث يتجمع المختلفون على بؤرة التغيير لما هو متخلف في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وكل له منظاره، والجمهور يحكم على صواب البرامج ودقة تنفيذها لتغيير حياته المعيشية. ربما بعد هذه الألف ويزيد تلفحنا الحداثة ببعض وهجها فنستفيد مما هو إنساني ديمقراطي فيها، نعالج جذورنا اليابسة ونقف على أرضنا التاريخية ذاتها، بإرثها وبشرها المختلفين، وندخل التاريخ الحديث في خطوة صغيرة أولية مؤسسة.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استراتيجية ما قبل الضربة لإيران
-
الاغتيالُ السياسي للقصةِ القصيرة
-
تفريقُ دينِ التوحيد
-
مظاهراتُ روسيا
-
اليمن: أصراعٌ قبلي أم تحديثي؟
-
لماذا لم يتطور التنظيم؟
-
السلانةُ بين الانفتاحِ والجمود
-
العودة للجذور بشكل حديث
-
صراعٌ طائفي إقليمي عالمي
-
نماذج مستقبلية للتطور
-
تعاونٌ شمولي ضد الثورة السورية
-
شبابُ الثورةِ.. شبابُ الخسارةِ!
-
هواجس خليجية
-
تطرفُ اليسارِ واليمين
-
خطابٌ دينيٌّ رأسمالي صغير
-
مذهبيو المشرقِ والتوحيد
-
من أسبابِ الجمودِ السياسي
-
الحربُ وسيناريو التفتيت
-
روحُ الأمة!
-
غربة شباب
المزيد.....
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
-
كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية
...
-
عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم
...
-
البرلمان العربي يدين اقتحام المستعمرين بقيادة بن غفير المسجد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام -بن غفير- باحات المسجد ال
...
-
الرئاسة التركية: اعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى مرحلة أخرى
...
-
تركيا تدين بشدة اقتحام بن غفير المسجد الأقصى
-
نادي الأسير الفلسطيني: استشهاد المعتقل أحمد سعيد صالح طزازعة
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|