أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - الاغتيالُ السياسي للقصةِ القصيرة














المزيد.....

الاغتيالُ السياسي للقصةِ القصيرة


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 07:48
المحور: الادب والفن
    



لا أشك لحظةً واحدة في أن القصة القصيرة تعرضت لمؤامرة واسعة النطاق، للقضاء على جسدِها المرهف الرقيق، بعد عمرها القصير الوامض في سجل التاريخ الحافلِ بالحفرياتِ الطويلةِ الذي لايزال يُرممُ جثث الفراعنة وأباطرة الصين ويعرضهم كأنهم أحياء يشاركوننا الحياةَ والاحتفالات السياسية والتدخين.
لكن لا يُعرف من هو القاتل رغم وجود القتيل نازفاً بدمه، تتدفق خلاياه على أوراق الجرائد التي لا تنعاه، وقد ذهبتُ بأسئلتي كلها وحيرتي ودهشتي إلى احتفال الشارقة ببعث القصة القصيرة قبل أيام فوجدت انها لم تمت كلياً ومازالت تقاوم.
الجرائد والمجلات والفضائيات لا تعنى كثيراً بالآداب والفنون الراقية، المؤدية إلى رسائل حضارية مغيرة تتغلغل في الأعماق، هي أشبه بالطبول تريد من يضرب الجلود بقوة أو يظهرها ويزوقها بطلاءات خارجية مبهرة.
والشباب بلا رسائل فتتوه خطواتهم في القصص، فإذا كانوا ذوي أشواك بقوا في صناديقهم المغلقة.
شباب وشابات بعمر الزهور يتقدمون إلى منصات يقرأون قصصاً قصيرة، بعضهم يدندن بلغته، كأنه يعزف على ضلوعه، وثمة شابةٌ صغيرة قدمت من جبال اليمن ومشت بين حرابها وزهورها وراحت تقطعُ وردةً وترميها مضرجة على السامعين المبصرين المذهولين!
الشباب يصعبُ عليهم بث رسائل عميقة في هذا الحيز الفني الوامض، تغدو كتاباتهم محاولات للتعلم، لكيفية فهم الأفكار والحياة وغمرها في نصوص متوهجة بالحياة.
ذوو التجربة يستطيعون أن يستغلوا مساحة القصص القصيرة لقضايا كبيرة، كما فعل حميد المختار في قصته (الطبل) وقصته الثانية (اسطورة قبائل الماء)، فالقصة الأولى تنمذج حالات الطبول الاجتماعية السياسية، وترمزُها وتجسدُها من خلال فن السخرية، فبطلها طبل، تهيمن عليه زوجته هيمنة شديدة، ولكنها ليست طبلة، بل إنسان، ولكن شخصيته الطبلية هذه لا تتضح في حفلات موسيقية أو حتى سياسية، بل من خلال حياته الشخصية كطبل يضربه الصغار على جهتين فينتعش، أو يستخدمه آخرون حتى يدوي لهم، ولهذا فهو يتعرضُ لمتاعب كثيرة حتى يُخرم من جهة واحدة ثم من جهتين حتى يفقد وظيفته كطبلٍ صالح لتفجير الأصوات وإصداع الرؤوس وتأجيج الاهتمام بشخص أو حفل. ويؤدي إلى انهيار زوجته العصبي فهي لم تخسر زوجاً فحسب بل خسرت طبلاً!
القصة الترميزية الساخرة المُضخمة لصفة سلبية معينة وتحويلها إلى جبل مشوه مضحك هي تقليدٌ جميل في القصة والمسرح كمسرحية البخيل لموليير، ويستطيع حيز القصة القصيرة هنا بصعوبة شديدة التصدي لذلك إلا إذا امتلك القاص مهارة كبيرة، بحيث إن قصته تغدو نموذجاً مؤثراً فاعلاً، وقد ابتعد القاصُ في قصة الطبل هذه عن الترميز السياسي، موجهاً الحدث نحو الحوادث اليومية، خاصة وهو في العراق حيث الترميز السياسي ممنوع بقرار جمهوري.
أما قصة حميد المختار الكاتب العربي من العراق الثانية فهي تجسد الصراع بين الريفيين العائشين على الماء وحراكهم نحو المدينة المعادية، أو المغايرة، وهو هنا يطرح ثيمة طرحها ماوتسي تونغ ونظرته لمحاصرة الأرياف للمدن، ولكن من خلال مادة سومرية عراقية، تتسم بغنائية نشيدية، لكن الصراع بهذا الشكل يتم بصورة جوهرية، مغلقة، لأن الريفيين جسدٌ اجتماعي واحد ليس فيه اختلاف، بينما المدينة جوهرٌ مضاد ليس فيه قبول للريفيين، وهو أمرٌ قد يُلمحُ لصراع طبقي عام كصراع الفقراء ضد الأغنياء، أو صراع الطوائف المغلق غير المنتج لتحول ديمقراطي.
ويظهر ذلك في خاتمة القصة حيث لم يُقبل الريفيون في عالم المدينة المرفه الضاج من تخلف الريفيين، والذي يحتاج إلى أعمالهم كذلك، فما كان منهم سوى العودة لعالمهم المائي الغامض المغلق هو الآخر.
القاص العراقي الكهل يستطيع أن يرمز بهذه الصور الأخاذة وذات الدلالات العميقة، ولكنه لا يستطيع كذلك أن يوضح أسنان حرابه المغلفة بالغنائية الرمزية والإسطورية.
ومن هنا فإن قصاصين عديدين توقفوا عن الإنتاج لتطور وحدة هذه الأسنان القارضة للظواهر السلبية وصعوبة نشر نتاجاتها، ولتوقف العديد من المجلات الأدبية الحرة.
ومن دون وجود هذه الحرارة الشديدة المضغوطة في أصغر حيز، والمصاغة بجمالية وتألق، فإن القصة القصيرة تتحول إلى سرد ميت، وبسبب هذا فإن المجموعات القصصية المليئة بهذا تقل سنة بعد أخرى، ويتوجه آخرون للرواية لعرض القضايا بصور أكثر مرونة تعبيرية وأطول مساحة وفيها جوانب كبيرة للمناورة الكتابية.
ولهذا نجد روائياً يمنياً هو صاحب رواية (مصحف أحمر) محمد الغربي لديه خبرة كبيرة في وضع حبكات القصص القصيرة في الغام تعبيرية تتفجر في وجه القارئ، وفي الملتقى عرض حياته كقصة قصيرة بأسلوب ساخر ربما أكثر بهجة وتلاعباً باللغة والمأثور من الجاحظ، فقد حول حياته الشعبية البسيطة كعامل ومهاجر وكاتب في المملكة العربية السعودية وافريقيا إلى لوحات عجيبة من المفارقات.
ومثل هذا النص لا يشرح بل يحتاج إلى قراءته فهو قائم على اللغة الفكاهية الجارحة الوامضة.
ومن هنا تغدو القصة القصيرة صعبة لا يستطيع الصعود إليها واستغلالها ونشرها سوى دهاة الكتاب وأصحاب الخبرة النارية في الحياة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفريقُ دينِ التوحيد
- مظاهراتُ روسيا
- اليمن: أصراعٌ قبلي أم تحديثي؟
- لماذا لم يتطور التنظيم؟
- السلانةُ بين الانفتاحِ والجمود
- العودة للجذور بشكل حديث
- صراعٌ طائفي إقليمي عالمي
- نماذج مستقبلية للتطور
- تعاونٌ شمولي ضد الثورة السورية
- شبابُ الثورةِ.. شبابُ الخسارةِ!
- هواجس خليجية
- تطرفُ اليسارِ واليمين
- خطابٌ دينيٌّ رأسمالي صغير
- مذهبيو المشرقِ والتوحيد
- من أسبابِ الجمودِ السياسي
- الحربُ وسيناريو التفتيت
- روحُ الأمة!
- غربة شباب
- الثوراتُ العربيةُ: التقاربُ الفكري أولاً
- التحالفات في زمن الاضطرابات


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - الاغتيالُ السياسي للقصةِ القصيرة