أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله صقر - ذكريات أكتوبر وخطاب الشهيد














المزيد.....

ذكريات أكتوبر وخطاب الشهيد


عبدالله صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 07:43
المحور: الادب والفن
    


عندما كنت أدرس لتلميذاتى ذات يوم عن درس ( ثانى أكسيد الكربون ) , وكتبت المعادلة التى ستؤدى فى النهاية الى الغاز السام , الذى أنا بصدده , وحين كنت منشغلا بالشرح وكتابة المعادلة , وإذا بى أجد إحدى التلميذات نائمة على التخت الذى أمامها , وبصراحة شديدة أنزعجت كثيرا , لآن المدرس الذى لم يستطيع أن يجذب أنتباه تلاميذه خلال الحصة , يكون فاشلا , وهذا الآحساس يراودنى منذ دخلت هذه المهنة السامية , أشطاط غضبى وعلا صوتى وكدت أن أفقد أعصابى , لكن سرعان ما سيطرت على نفسى , وسألت البنت عن سبب نومها خلال الشرح , وإذا بها تجاوبنى كالثعبان الآملس , وبأحاسيس الآنثى , وبصوت فيه نبرة أنكسار وهزيمة , وقالت : أستاذ أنا لم أكن نائمة أطلاقا , لكن كنت مستلقية , نظرا لآنى مرهقة , فوجدت لها العذر , وسألتها عما قلته فى المعادلة , وقلت لها أعيدى ما قلته , فقالت لى ببرود أعصاب , المعادلة هى يا أستاذ : ثانى أكسيد الزنطيط , وإذا بى أقاطعها على الفور لآنى وجدت أن الفصل كله يضحك , ولم أتمالك نفسى من هذا التعبير الغريب على الكيمياء , وأستطعت أن أسيطر على الفصل فى دقائق ,مع أنى ضحكت بهستيريا على ما قالته التلميذة .

هذا الموقف يذكرنى بموقف , حين جندت بالقوات المسلحة , وكنت ضابطا أحتياطيا , , فحين كنت على جبهة القتال فى سيناء الحبيبة , كنا فى حرب 1973 وكنا صائمين ولم نذق طعم النوم لآيام كاملة رغم كفاحنا وركضنا طوال الوقت لكن كانت هناك عزيمة لدى جميع من بالجبهة , أتذكر بأن حذائى العسكرى لم أخلعه من رجلى إلا بعد شهر من بداية الحرب , وعندما خلعته وجدت قدماى بيضاء كالكير الآبيض .

كان بجوار وحدتنا , وحدة مدفعية مضادة للطائرات , هذه المدفعية كانت لحماية الوحدات القتالية بجبهة القتال , وخلال الحرب , وإذا بسرب طائرات يحوم فوق رؤوسنا وكانت الطائرات تلقى بحمولتها فى جميع الآتجاهات , وإذا بى أرى مجموعة من الجنود يحملون جنديا , وفى حالة يرثى لها حيث كان ينزف بغزارة , دخلوا علينا الموقع , وإذا بهذا الجندى فاقدا للوعى , أخذت أقلب فى جسده حتى أرى مكان النزف , ولم أعثر على شيئ فى صدره ولا بطنه , وقلبته على وجهه , وللأسف وجدت جرحا عميقا , حيث وجدت ظهره مشقوقا وكليتاه ظاهرتان للعين , والمفاجأة أنى وجدت هذا الجندى أستيقذ من غيبوبته , وصرخ عاليا مطالبا للعودة الى مدفعه , وكان يقول :أتركونى أذهب لمدفعى , أنا أسقطت طاائرة , هذا الجندى كان خائفا على النصر الذى حققه فى ميدان المعركة , على الفور قمت بتهدئته , وقلت له سوف نأخذك الى مدفعك , لكن لازم تستريح فترة بسيطة حتى تسترجع قواك , وما هى إلا دقائق معدودة , وإذا به يسلم الروح وتغيب عيناه , كما غاب جسده عن دنيانا , بصراحة لادموع فى ساحة القتال , أى العواطف فى ساحة القتال تكون شبه غائبة , المهم هو إحراز نصر وتقدم على العدو , فلم أفكر لحظة فى أهلى , أو فى حبيب أو صديق , كل ما كان يهمنى هو أن أتقدم كيلو متر نحو العدو , أخذت محتويات الشهيد , وبدأت أتفحصها , وبدقة فوجدت خطابا ( مكتوب ) كان موجها منه الى زوجنه , كانت هذه الكلمات البسيطة التى أتذكرها : حبييبتى وقرة عينى ماجدة , أنا متوجه بعد أيام الى جبهة القتال بالاسماعيلية , الحالة عندنا مئة فى المئة , وإن شاء الله سوف أشترى لك كل ما طلبتيه منى فى أجازتى الماضية , خذى بالك من أمى وأبى لآنهم كبار فى السن , وليس لهم غيرك يا ماجدة , لك كل أشواقى وأراكى على خير , بعد ما قرأت رسالة هذا البطل لم أتمالك نفسى وأجهشت فى البكاء , أشفاقا على والديه الكبار فى السن , وفى المساء أخذته أنا ومجوعة من الجنود فى سيار عسكرية , الى مقابر الشهداء ودفنته بيدى فى الظلام على ضوء الكوابح الخلفية للسيارة , حيث حفرت له أنا وجنودى حفرة عميقة بطوله , وكتبنا على لوحة أسم الشهيد فتحى إبراهيم الشرقاوى , تاريخ الآستشهاد 15 أكتوبر , , بالطبع حين أستيقظ الشهيد من غيبوبته , تذكرت تلميذتى فى الفصل , وهى تصيح بالمعادلة الكيميائية الخطئ , ولكن شتان بين المرة الآولى وأنا سعيد وبتسم , والمرة النانية وانا أبكى بالدموع على خطاب الشهيد , وسلمت كل متعلقاته لضابط مقابر الشهداء .



#عبدالله_صقر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الهجوم على نجيب محفوظ ؟ !
- يا عرب أحذروا هذا الرجل
- السياحة والمناحة
- رسالة الى الحكام الظلمة
- النقاب والعقاب
- تهنئة ومودة وأحترام
- تغليب مصلحة الوطن
- كنت بحلم
- مسكين أيها الوطن
- كنت ثرثارا بحكم وظيفتى
- الديمقراطية فى أحتضار
- العرى وعلاقته بالآحتجاجات
- رسالة الى شهيد
- نريد رئيس نحبه
- ها أنتخب إنسان
- ما خفى كان أعظم
- أصبحنا أمة لا تقرأ
- الحفاظ على أمن الوطن
- الواحد بألف !!!!
- حكاية العم أحمد


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله صقر - ذكريات أكتوبر وخطاب الشهيد