عبدالله صقر
الحوار المتمدن-العدد: 3553 - 2011 / 11 / 21 - 21:00
المحور:
الادب والفن
العرى وعلاقته بالأحتجاجات
المقصود بالتعرى هو المكاشفة , أى كشف كل ما هو مستور , وهناك عرى الجسد وأيضا عرى النفس , وعرى النفس البشرية أقوى من عرى الجسد , لآنه فى حالة عرى النفس البشرية يكون مدمرا , وقد يلجأ الى هذا الآسلوب بعضا من البشر يتصفون إما بالجرأة الشديدة أو إحساسهم بالقهر من أوضاع معينة , وغالبا ما تكون هذه الفئة غير مبالية بالأخرين .
والتعرى من الفاهيم الغير مألوفة لدى العرب عامة لخروجها عن الآعراف العربية , وجميع المجتمعات العربية ترفضه . والعرى سلوك للتعبير عن الذات أو لطلب شيئ فيلجأ الشخص الى هذا الآسلوب لجذب أنتباه المجتمع له ولطلباته , أو للفت أنتباه الآخرين نحوه .
وأخيرا وجدنا سيدات يقمن بالتعرى وذلك لبيان أحتجاجهن على أوضاع معينة فى المجتمع , كما أن التعرى يختلف من شخص الى أخر , فهناك تعرى كلى وغالبا للأحتجاج على شيئ ما , وأيضا هناك تعرى جزئى .
وللتعرى تاريخ , ففى العام 1040 ـ 1070 كانت أول سيدة تقوم بالتعرى وهى الليدى غوديفا , وهذا كان فى العصور الوسطى , وفامت بركوب حصانها وهى عارية تماما فى مدينة كوفنترى البريطانية , وكانت محاولة من هذه السيدة منها لآقناع زوجها الذى كان يشغل حاكم المدينة , بعد أن قرر زيادة الضرائب على المدينة , وهى محاولة منها لآجبار زوجها بتخفيض الضرائب على سكان المدينة , وفعلا أستطاعت هذه السيدة أن تثنى زوجها عن قراره .
أيضا هناك نوع أخر من الآحتجاج عن طريق الآحتجاج الجنسى , فقد قررت نساء إحدى مدن البرازيل عمل أجتماع فيما بينهن بسبب التحرش الجنسى الذى أستشرى فى المدينة وصممت نساء المدينة على ذلك الى أن تحقق مطالبهن .
وفى إحدى مدن كولومبيا أتفقت النساء على عدم مزاولة الجنس مع أزواجهن إلا بعد أن يبنى جسر بالمدينة يربط مدينتهم بباقى المدن , وفعلا أتى أتفاقهن ببناء الجسر . وهناك أيضا الآحتجاج عن طريق الآنتحار أو عن طريق الآضراب عن الطعام حتى الموت , أو عن طريق حرق أنفسهم , أو عن طريق الآعتصامات والتجمهر , أو عن طريق الآضراب عن العمل , كل هذه الطرق تظهر رغبتهم ونياتهم ضد الآوضاع السائدة السيئة التى هم يشعرون بها .
وأخيرا شاهدنا على الآنترنيت فتاة عارية , وهى نموذجا من نماذج المجتمع المعترض على الآوضاع , لآنها فتاة جامعية , فدائما المرأة ننظر لها بمنظور العفة والشرف , ودائما المجتمع ينظر لها على أنها وردة جميلة , لا نحب أن يخدش حياءها أو نرى صورتها غير مألوفة أو مشوهة , لآننا ننظر للمرأة بمنظور أخلاقى وقيمى , فما بالنا ونحن نرى أنثى هى التى تخدش حياءنا حين كنا منشغلون عنها أننى حين رأيت منظرها دهشت وشهقت وكنت غير مصدقا فى البداية , لآنى إنسان شرقى تربيت على أنى لا أرى أصابع قدم أمى أو أختى , تربيت على عادات وموروثات قديمة .
ولازال هناك بعض القبائل الآفريقية يعيشون عراة , ولكنهم يسترون أماكن عوراتهم بأوراق الشجر أو قطع صغيرة من القماش , لآن المدنية للأن لم تصلهم ونحن فى القرن الواحد والعشرين .
ونحن نعلم جميعا أن الآنسان منذ الخليقة وجد عاريا دون ملبس , ولكن مع تطور الحياة والمدنية والتحضر , أخذ الآنسان يفكر فى طرق عديدة كى يخفى جسده كله وبالذات منطقة العورة , وبدأ يبحث عن جلود الحيوانات وأوراق الشجر وجعلها ساترا لجسده .
فالعرى مثله مثل العبادات , أخذ فى التطور حسب المفاهيم والقيم والعادات والموروثات , فاليونانيون القدماء كانوا يمارسون رياضة الركض وهم عراة , وهذه الرياضة كان يمارسها الرجال دون النساء , ونجد أيضا الراقصات وهن يلقبن بالغوازى نراهن يرقصن فى الآفراح والحفلات شبه عراة , لا يسترون أجسامهن إلا بقليل من الملابس الشفافة بهدف جذب أنظار الرجال الذين يشاهدوهن, فالرقص بالتعرى أمتع من الرقص بالملابس , لدى كثير من الرجال .
والرجل إذا رقص فلا يوجد به أى جاذبية جنسية كما نراها فى الآنثى , فالأنثى هى رمز الآنوثة التى ينشدها الرجال , وهى أكثر جمالا وأكثر أثارة ومتعة , والعرى دائما مقرونا بالعبادة , فمن يتعرى يدخل النار , ومن يظهر شيئ من جسده فمصيره جهنم وبئس المصير .
وبالطبع جميع الآديان ترفض تلك الظاهرة الخطيرة لما لها من أثار سلبية على المجتمعات البشرية , لآنها تنشر الرذيلة وهى تأخذنا الى عصور التخلف الفكرى والآنحلال الآخلاقى , والعودة الى وحشية أنسان الغاب , وتقودنا الى الركض وراء الشهوات , لآنها تثير الغرائز البشرية .
والتعرى فى الديانة اليهودية والمسيحية , فقد أشارت التوراة الى التعرى من جانبين , إيجابى وسلبى , فقد ربط سفر ازايا التعرى بالعيب والفضيحة , وقال : قاد ملك الآشوريون , سجناء مصر , وأسرى أثيوبيا , كبارا وصغارا , عرايا وحفايا , عارا على مصر . وفى العهد الجديد كرر وصايا عيسى المسيح بالتستر الجسدى والتحشم والتعفف .
وأنا شخصيا سألت أناسا كثيرون عن ظاهرة الأحتجاج عن طريق التعرى , فكان ردهم بشمئزاز وقالوا نحن نرفض هذه الطريقة , ولو أنها تاتى فى بعض الآحيان بنتائج إيجابية . وقد رأيت أناسا يمشون عراة فى الشوارع , ولكن هذه المرة كانوا للأسف الشديد مختلين عقليا , ولا يدركون أفعالهم وتصرفاتهم , فكنا نحاول بشتى الطرق ستر أجسامهم وندعوا لهم بالشفاء على ما يفعلوه .
#عبدالله_صقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟