أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف مليكة - الساحر العجوز















المزيد.....

الساحر العجوز


شريف مليكة

الحوار المتمدن-العدد: 3462 - 2011 / 8 / 20 - 08:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لطالما وقف أمامنا وحذرنا مبارك من قبل: "أنا.. أو الفوضى!"، و"أنا.. أو الإخوان المسلمين!". وفي المقابل قرر بالنيابة عنا، وشفقة بحالنا أيامها، مرات ومرات، أن يبقى هو في سدة الحكم، بدلا من الفوضى ومن الإخوان، فترشح للرئاسة من جديد حتى وهو في النصف الأخير من العقد السابع، ونجح في البقاء على كرسيه بالطبع، كما شهدنا جميعا. ولكنه أبقى على الإخوان، ورباهم واعتنى بهم في الحديقة الخلفية من بيت حكم "مصر". سعى لأن يكبروا وأن يبقوا بصحة وعافية، ولكن في الحديقة الخلفية. وحرص على أن يشهد على وجودهم كل الزوار، وأن نراهم نحن بوضوح كلما مررنا من أمام البيت، تذكيرا لنا على الدوام بوجودهم، وتذكيرا لهم بمكانتهم في بيته.
وعندما بدأ يشعر بأن قدرته على البقاء، متربعا فوق الكرسي قد بدأت تتقلقل، لأسباب عديدة، أهمها بصفة مباشرة كان تقدمه في السن، وقلَّت قدرته على الحفاظ على سلامة كرسيه، بدأ البحث عن بديل. وكعادة الرؤساء العرب مؤخرا بدأ البحث من حوله، في جنبات بيته أولا، قبل أن يحاول أحد حتى لأن يفتح شباكا ليستكشف ولو الجيران الأولين (والنبي وصى على سابع جار). علاء مش فاضي؟ ولا سوزان؟ طيب وجمال؟ ثم أصبحت النغمة (المستترة) عندها "جمال.. أو الفوضى!" و"جمال.. أو الإخوان المسلمين!". أقول المستترة هنا، تأكيدا لما شبعنا منه من نفي لتلك المقولة، وللتصريحات المتتالية من قبل مبارك الأب والإبن، بأن أحد لم يكن يفكر مطلقا بقصة التوريث تلك، حتى بدى الأمر وكأنها إشاعة أطلقها بعض المغرضون، أو أحد الذين يشكون في خلود الأب، ودوام بقاؤه على الكرسي، مما لا يدع مجالا لأن يفكر الإبن في وراثة كرسيه، حتى أن الأب أعلن عن عزمه خوض الانتخابات مجددا في آخر هذا العام.
ولما كتب سعدالدين ابراهيم عن الجملوكية (الخليط بين الجمهورية التي ينتخب فيها الشعب رئيسه، والملكية التي يورث بها الحكم من الأب للإبن)، تم محاكمته للإساءة بسمعة مصر ، وأودعوه سجن طرة. ثم علمنا مؤخرا بأن مشروع التوريث كان حقيقيا، حتى أن مبارك الأب أعلن خلال أحد خطاباته الدراماتيكية الأخيرة بعد قيام الثورة، أنه سوف يتخلى عن الحكم لنائبه "عمر سليمان" وأنه لم يكن يعتزم ترشيح نفسه للرئاسة مجددا على أي حال، وأعلن أحد أعضاء المجلس العسكري مؤخرا أن الجيش كان بصدد القيام بانقلاب في أواخر هذه السنة، التي كان مزمعا إقامة الانتخابات الرئاسية عندها، إذا ما حدث وفاز بالرئاسة مبارك الإبن.
ولكني أعود إلى مقولة "أنا أو الإخوان" هذه، بغض النظر عمن تعود عليه لفظة "أنا" (وأعوذ بالله من قولة أنا) هذه. لماذا قالها مبارك من قبل؟ ولماذا يبدو الأمر الآن بعد أن شرف آل مبارك وراء القضبان، أصبح يبدو لنا أن ما دأب مبارك على ترديده، أصبحنا قاب قوسين من تحقيقه، وبتنا ننتظر لحظة أن تكتمل نبوءته المشؤومة. هل كان مبارك محنكا سياسيا فعلا، كما كان يردد المنافقون من حوله على مسامعنا قبل الثورة، لكي يصل إلى درجة استقراء المستقبل، كما يصنع المفكرون الأكاديميون والسياسيون العظماء المعدودون في صفحات كتب التاريخ؟ أم أن الأمر كله لا يعد أن يكون أكثر من خدعة من أعمال ساحر يقف فوق خشبة المسرح فيضع أمامنا أرنبا في القبعة ويقلبها، ثم يعود فيخرج منها حمامة بيضاء ترفرف فوق رؤوسنا، فنصدق سحره، أو حيلة من حيل عراف ينتقي من بين الملتفين حوله شخصا يتمتم فوق رأسه بكلمات ثم ينبئنا بأن في محفظته ثلاثة جنيهات وصورة لامرأة ماتت قبل ثلاثة سنوات.
ما أريد أن أقوله هو أن الفارق ما بين العلم والمعرفة التي قد تؤهل النابغة في التحليل السياسي، واستخدام النظريات والتحليلات العلمية، مما يجعله قادرا بالفعل على استقراء حقائق المستقبل قبل أن تحدث، وبدون أن يراها، تبعا لنظريات العلم والمعرفة ذاتها. وعلى الجانب الآخر فالحيلة والخداع قد تؤهل الدجال، أو المهرج الذي يسعى لإشاعة البهجة والمرح على أحسن تقدير، أقول قد تدفعهما لإيحائنا بأشياء وكأنها استبيان لما هو مخفي عن أعيننا، في حين أن الحقيقة أن الساحر أو المهرج كان قد قام بإعداد الأمر برمته مسبقا، حتى ما إذا حان وقت العرض، يقف بقبعة الساحر السوداء وعصاه الآبنوسية، ويصيح "جلا.. جلا.. جلا.." وكأن ما يقوم به يعد من الأعمال الخارقة للطبيعة، يستحضر لتحقيقها أمامنا قوى غيبية، أو يقنعنا كاذبا بقدرته على قراءة الغيب، في حين كان زرع وسط الحضور شخصا اتفق معه مسبقا أن يضع في جيبه المحفظة ذات الثلاث جنيهات والصورة اياها.
ما أريد أن أؤكد عليه هو أن المسرحية السخيفة التي نعيش فصولها اليوم، بعد أن قام شباب مصر بثورته الشعبية النقية، التي ابتغت "تغيير النظام" من يومها الأول، قد تحولت بقدرة قادر إلى عرض هزلى للساحر العجوز الراقد فوق سرير في قفص صنعوه خصيصا له، فوق منصة عالية تشبه خشبة المسرح، محاطة بمقاعد للمتفرجين، يتخذ الصف الأول منها أعضاء المجلس العسكري الذي يراقب العرض بتمحيص، دون أن يعلن انحيازه لا للساحر ولا للجمهور، وتمتلئ المقاعد بعدهم بالمحامين، المنتفعين، وبرجال السلطة السابقين، حتى نصل إلينا نحن أبناء هذا البلد العظيم، والصحفيون يملؤون القاعة، يدورون هنا وهناك، يلتفون حول خشبة المسرح، ليلتقطوا الصور بينما الساحر العجوز يهمس، بسبب تقدم أيامه، التي حالت بينه وبين قدرته على الكر والفر، هنا وهناك، فوق خشبة المسرح، يروح ويجئ ويصيح صيحته المدوية "جلا.. جلا.. جلا"!
ولكنه الزمن، والمرض والشيخوخة! لكن العرض لابد أن يستمر، فنراه بشعره المصبوغ، الفاحمة صبغته، وأطنان المساحيق تغلف بشرته، لتلمع تحت الأضواء، لزوم الشغل! ونتابعه وهو يضع إبنه باستكانة أمامنا فوق المقعد الحريري المذهبة جوانبه، ويهمس في الميكروفون بضعف واستسلام أيضا "جلا جلاجلا" بصوت خفيض، ضعيف، مريض، واهن، لكي يجذب انتباهنا، وتعاطفنا، بل وشفقتنا. ثم يعود ويرفع المنديل بضعف وكلل من فوقه من جديد، وتتسلط الأضواء على الكرسي، فنرى "الإخوان" وقد استبدلوا الابن على المقعد، فتدوي الساحة فجأة بالتصفيق. وها هو الساحر العجوز يبتسم، وبفم أدرد بغير أسنان يهمس ثانية في الميكروفون بيد مرتعشة: "مش قلت لكم؟"



#شريف_مليكة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مقاومة دعاة الدولة الدينية
- هل ماتت الثورة المصرية؟
- مصرع بن لادن شيخ دعاة السلفية
- من مصر القديمة، إلى مصر الجديدة.. إلى المطار!
- مصر الجديدة
- يجب ألا تنطفئ شعلة الثورة المصرية
- الشعب أراد تغيير النظام... فتغير!
- عار النظام المصري المحتضر
- لا للكنيسة! لا للأزهر! لا للإخوان المسلمين! ولا لمبارك!
- ثورة -حرافيش- 25 يناير 2011 المصرية
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثاني عشر (الأخير)
- زهور بلاستيك رواية الفصل الحادي عشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل العاشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل التاسع
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثامن
- زهور بلاستيك رواية الفصل السابع
- زهور بلاستيك رواية الفصل السادس
- زهور بلاستيك رواية الفصل الخامس
- زهور بلاستيك رواية الفصل الرابع
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثالث


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف مليكة - الساحر العجوز