أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف مليكة - يجب ألا تنطفئ شعلة الثورة المصرية















المزيد.....

يجب ألا تنطفئ شعلة الثورة المصرية


شريف مليكة

الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 00:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



انتصر الشعب أخيرا على الإطاحة بنظام طاغ ومستبد جثم فوق صدره لمدة طويلة، لن أقصرها على الثلاثين عام الأخيرة ولكن أمدها عامدا إلى بداية حكم العسكر لمصر منذ عام 1952. أقول هذا لسبب هام وهو تشابه ـ بل أقول تطابق ـ أسلوب حكم الفرد الواحد منذ قيام ثورة 1952 وما يستتبعه من استبداد بالرأي، مع تعضيد دستوري وقانوني تتسع معه سلطات الرئيس والسلطة التنفيذية ككل، على حساب السلطات التشريعية والقضائية، مع تهميش دور الشعب، صاحب البلد الأصيل، إلى دور المتفرج مع قصر وظيفته على تشجيع اللعبة الحلوة، كما في التعبير الكروي الشهير.
وقبل استيلاء الضباط على الحكم كانت هناك ديموقراطية حقيقية تسري في الحياة السياسية المصرية، وإن قلل من درجة نجاحها موجات من الفساد والمحسوبية تعلو وتهبط مع مرور الزمن، فتعيق مسار السفينة أحيانا، ولكن مع ذلك كانت الديموقراطية المصرية رائدة في الشرق الأوسط، بل وفي باقي قارات العالم لو استثنينا أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. كان لدينا دستور برلماني وانتخابات تغلب عليها النزاهة والشفافية، وتمثل في الغالب إرادة الشعب الحقيقية، ولذلك فقد كانت هناك ثقافة المشاركة السياسية لدى الشعب الذي آمن بقدرته على تغيير النظام أو حتى الحدث السياسي أو الاقتصادي وقتها. فلا ننسى ثورة 1919 وانتخاب الوفد لتشكيل الوزارة مرات عديدة، ومظاهرات المعاهدة التي أدت إلى معاهدة 1936 التي أجبرت الإنجليز على الجلاء، ثم مظاهرات عام 1951 التي أنهت المعاهدة لسبب بقاء الجيش الإنجليزي حول قناة السويس.
وفي خضم ذلك التاريخ السياسي المضئ تمسك الشعب والدستور والحاكم بقيم وتقاليد الدولة المدنية. لذلك لم يكن غريبا أو شاذا أن يكون على رأس الوزارة، أو أن يتبوأ أهم الوزارات السيادية مصري مسيحي أو يهودي، ولم تشهد مصر ـ حتى قيام حركة الإخوان المسلمين عام 1928 ـ أية محاولة لتدخل مؤسسات الدولة الدينية الممثلة في الأزهر أو الكنيسة في اللعبة السياسية، وحتى أن مصطفى النحاس باشا، المشهود له بتدينه القوي، لم يتورع عن التدخل الشخصي ليمنع الشيخ حسن البنا من محاولة خوض الإخوان في العملية السياسية والانتخابات لأنها جماعة دينية لا محل لها في الساحة السياسية المدنية.
وقد انشرح صدري حينما رأيت وسمعت الشعب المصري اليوم وهو يصرخ في ميدان التحرير "سلمية.. سلمية" و"مدنية.. مدنية". نعم، إختار الشعب من جديد أن يعيد تاريخ الأجداد، وأن يشارك في صنع الدولة المدنية وسياساتها ودستورها مجددا. وأرفع القبعة احتراما للمؤسسة العسكرية التي حمت الإرادة الشعبية واختارت الوقوف بينها وبين السلطة لحمايتها أولا، ثم معها وضد السلطة لنصرتها ثانيا، وأخيرا إرتضت أن تبقى لتحمي المرحلة الانتقالية نحو الدولة المدنية التي حددت مدتها بستة أشهر، وذلك لتأمين وصول تلك الإرادة الشعبية إلى أول الطريق الصحيح.
وأريد هنا أن أكرر ما قاله الكثيرون من قبلي، وهو أن الدولة المدنية ليست دولة لادينية أو ملحدة، ولكنها دولة تفصل من خلال دستورها وحكمها بين المدني والديني. بمعنى أن الديني لايحكم أو يتلوث بالعملية السياسية المراوغة والمداهنة، والتى تعلو غلبة أحزابها أحيانا وتهبط أحيانا، والتي تتصارع فيما بينها، والتي تهادن قوى خارجية أو تعاديها ليس لأسباب أخلاقية سامية ـ كما تنادي الأديان بصفة عامة ـ ولكن لحسابات المصلحة والمنفعة من جانب، أو الخسارة والضعف على الجانب الآخر. وها نحن نبصر بعيوننا كيف تشوه صورة الله والدين على أيدي من يدعون التحدث باسمه ويتحزبون له في ناحية، ويقترفون خطيئة السياسة وألاعيبها من ناحية أخرى، والأمثلة عديدة في لبنان وغزة وعند الظواهري وبن لادن، وفي أيرلاندا وإسبانيا حتى عهد قريب.
إذن ففي الدولة المدنية خلاصا من تلك السقطات، وهي أيضا تقبل التجديد والتغيير. فقانون الله ودستوره ثابت دائم لا يتبدل أو يتغير، ولكن القوانين والدساتير الوضعية قابلة للتغيير والتعديل والإضافة والحذف. وفي مقدورنا أن نصنع كل هذا من خلال خبراء وقانونيين يكلفوا بالتعديل أو التبديل أو حتى خلق مواد لم تكن موجودة أصلا. وهذا يختلف عن موقف علماء الدين الذين يقفون أمام نص ديني، فإذا بهم يخرجون علينا بفتاو تبيح إرضاع الكبير وشرب بول الإبل وما إلى ذلك من صراعات فكرية تقحمها مجابهة النص المقدس ومحاولة تشريعه أو فلسفته. أما عن الدين وتعاليمه فأنا أكرر بل وأصر أنه يجب أن يبقى وسطنا لأننا شعب متدين بالفطرة حتى قبل أن تأتينا الرسالات السمائية، فهو إذن جزء لا يتجزأ من ميراثنا الثقافي والحضاري، نسعى دائما للإستزادة منه والسباحة في بحوره لنعلو به، ونسمو من خلاله أخلاقيا وروحيا.
تعلو هذه الأيام نداءات بالإستفادة من التجارب الإنسانية والشعوبية الأخرى، وتلاحقنا بالذات التجربتين التركية والماليزية. وبالرغم من احترامي لهاتين التجربتين، إلا إن التجربة التركية جاءت بعد سقوط الإبراطورية العثمانية في أوائل القرن الماضي وحلول الدولة الأتاتوركية بما لها وما عليها، وهي على أي حال مختلفة تاريخيا مع التجربة المصرية، وهي تجربة في طريقها للتغيير عن مسارها الأول على أي حال، في خطوات تبدو محسوبة، تهدف للإبتعاد رويدا عن مبادئ المدنية الخالصة بوصول حزب التنمية والعدالة الإسلامي للحكم، وسقوط مبدأ محافظة الجيش على الدستور ومبادئ الحكم المدني العلماني هناك، ولذلك نري تغير سياسات الحكومة التركية وتبدلها بعيدا عن الاقتراب من اللحاق بركب الإتحاد الأوروبي، والتصاقها بسياسة الجمهورية الإيرانية الإسلامية في الشرق الأوسط، وعقد اتفاقات إقتصادية وتحالفات عسكرية معها. أما عن التجربة الماليزية، فأنا لا أحبذها لأنها تتميز بالطائفية، فيحكم الإسلاميون البلاد لأنهم أكبر الطوائف الثلاثة (الإسلامية والصينية والهندوس) عددا، وإن كانوا لا يمثلون أغلبية عددية بها (أي لا يمثلون 51% من السكان). كما إن شعب ماليزيا مختلف عنا كمصريين تمام الإختلاف بسبب البعد الجغرافي والحضاري، ولا يربطنا به سوى الشق الديني، بينما نتحدث عن الدولة المدنية.
وهنا أريد أن أطرح التجربة الإسبانية كمثال أقرب لشعبنا وتجربته. فقد كتب مفكرنا وأديبنا الراحل طه حسين ـ أبو الليبرالية المصرية ـ في كتابه القيّم "مستقبل الثقافة في مصر" عن اقتراب ثقافة الشعب المصري من ثقافة حوض البحر المتوسط عن باقي الثقافات الأخرى القريبة منا جغرافيا أو البعيدة، بل إنه كتب إنها أقوى أثرا وأكثر اقترابا إلينا من الثقافة العربية. وأنا لا أريد أن أخوض في نقاش هذا الكلام الآن، ولكن لنفحص التجربة الإسبانية معا لنرى مدى قربها أو بعدها عن تجربتنا اليوم. لقد جاءها الحكم العسكري المستبد على يد الجنرال فرانكو عام 1936 الذي تربع فوق كرسي السلطة حتى وفاته عام 1975. وهنا أخذ الملك كارلوس بمقاليد الحكم ولكنه أرسى قواعد الحياة الديموقراطية التي اكتملت بانتخابات شعبية نزيهة عام 1977 وبوضع دستور برلماني جديد عام 1978 وبدأت إسبانيا تدخل حقبة الديموقراطية حتى صارت اليوم ملكية دستورية تحكمها الحكومة الحاصلة على أغلبية الأصوات في الانتخابات التشريعية وتتغير كل أربع سنوات. وصار الإقتصاد الإسباني رقم 12 عالميا والسادس أوروبيا وثالث مستثمر اقتصادي خارجي في العالم. وهنا أود أن أشير إنه بالإضافة لكونها دولة صناعية وزراعية ـ كما نتمنى أن تصير مصر ـ إلا أن العائد السنوي من السياحة عام 2006 وصل إلى 40 مليار يورو وهي تمثل نحو 5% من الدخل القومي. كما أود أن أضيف أن الغالبية العظمى من السكان (76%) من الكاثوليك المتدينين، ولكننا لا نجد أي تداخل ما بين الدين والحكم. ومن الناحية الثقافية والحضارية نجد تقاربا بين الموسيقى والطعام والأعمال السينمائية والأدب الإسباني والمصري لا تخطئه العين. ومعروف طبعا شغف الإسبان بكرة القدم وعظمة وعراقة أندية كرة القدم بها، مثل بارشلونا وريال مدريد الإسبانيين.
لقد نادى الشباب أصحاب الشعلة التي أوقدت الثورة الشعبية المصرية بالدولة المدنية منذ اليوم الأول لهذه الثورة. ولكني أرى الشباب وقد أزاحوا الطريق للقوات المسلحة المصرية لتحمي عملية التحول السلمي نحو ذاك الهدف. وحمل الشعلة ـ مؤقتا ـ الجيش المصري ليتيح التحول السلمي للسلطة. نعم أؤمن بأن عملية التحول تحتاج إلى وقت، وصبر، وإصرار لئلا تنطفئ الشعلة، ولكننا الآن ـ وبينما نصبر مع كل المصريين ـ من حقنا أن ننظر للأمام، وأن نحلم لمصر بتحقيق تجربة شبيهة بالتجربة الإسبانية، وأكثر.



#شريف_مليكة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعب أراد تغيير النظام... فتغير!
- عار النظام المصري المحتضر
- لا للكنيسة! لا للأزهر! لا للإخوان المسلمين! ولا لمبارك!
- ثورة -حرافيش- 25 يناير 2011 المصرية
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثاني عشر (الأخير)
- زهور بلاستيك رواية الفصل الحادي عشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل العاشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل التاسع
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثامن
- زهور بلاستيك رواية الفصل السابع
- زهور بلاستيك رواية الفصل السادس
- زهور بلاستيك رواية الفصل الخامس
- زهور بلاستيك رواية الفصل الرابع
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثالث
- .زهور بلاستيك رواية.. الفصل الثاني
- زهور بلاستيك رواية


المزيد.....




- لقاء وحوار بين ترامب ورئيس بولندا حول حلف الناتو.. ماذا دار ...
- ملخص سريع لآخر تطورات الشرق الأوسط صباح الخميس
- الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخرج التدريس من -العصر الفيكتو ...
- دراسة تكشف تجاوز حصيلة قتلى الروس في معارك -مفرمة اللحم- في ...
- تدمير عدد من الصواريخ والقذائف الصاروخية والمسيرات والمناطيد ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.04.2024/ ...
- -كنت أفكر بالمفاتيح-.. مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة ...
- تعرف على الخريطة الانتخابية للهند ذات المكونات المتشعبة
- ?-إم إس آي- تطلق شاشة جديدة لعشاق الألعاب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف مليكة - يجب ألا تنطفئ شعلة الثورة المصرية