أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - موت آخر المحاربين














المزيد.....

موت آخر المحاربين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1016 - 2004 / 11 / 13 - 13:01
المحور: القضية الفلسطينية
    


مات ياسر عرفات.
لم يستطع رمز فلسطين أن يحقق المساواة لشعبه، لكنه رفض التسليم بان يكون الفلسطينيون أدنى من غيرهم. ولم يتمكن من قيادة مواطنيه إلى الاستقلال، لكنه لم يقبل ما دون ذلك هدفا لنضالهم. قد يمكن النظر إلى سيرته من زاوية ما لم ينجح في تحقيقه، وهو كثير: استقلال فلسطين ومساواة أهلها مع غيرهم، وبالخصوص الحياة العادية: دون شهداء ودون أبطال، ودون حواجز ودون متعاملين مع العدو. وقد يمكن النظر إليها من زاوية ما نجح فيه وهو أساسي: بناء الهوية الفلسطينية وتجسيد الاستقلالية الفلسطينية ووضع فلسطين على خريطة الكفاح الإنساني.
عمل ياسر عرفات في ظروف بالغة القسوة: عدو فريد من نوعه، لا يحوز جبروتا عسكريا يمكنه من إبادة الفلسطينيين جميعا فقط، وإنما يملك عقيدة تفوق أخلاقي تشرع له إبادتهم معنويا واخلاقيا؛ وتحالف غربي، متمدن ومهيمن، لا يشارك عرفات وشعبه معظم آمالهم ويشارك اعداءه كثيرا من أساطيرهم؛ وأنظمة عربية تقودها نخب هزيلة، هابطة، غير مدنية، تعبد السلطة وتخاف السلطة الأقوى؛ وفي وقت سبق حلفاء دوليون مربكون لا يسهل التعامل معهم ولا يمكن الاستغناء عنهم.
كان من المستحيل ان ينجح. فلا حق للفلسطيني غير ما يقرر الإسرائيلي أن يتخلى له عنه. والإسرائيلي ليس دولة قادرة، أو شعبا فائق التعصب فائر العزم مفرط الثقة بالنفس، أو قوة عسكرية هائلة، إنه مبدأ هائل وحق هائل وأسطورة حية. فهو خلاصة حداثة الغرب المتألقة، وسلطة الغرب البانية المدمرة، وشعور الغرب بالذنب؛ المعرفة والقوة والأخلاق وقد تجسدت في دولة. الفلسطيني غير لائق في هذا العالم. وما كان يمكن للمرء ان يتجنب الشعور بأن ياسر عرفات لم يكن لائقا في البيت الأبيض يوم توقيع اتفاق اوسلو. وكانت قضيته تخدش الشعور بالعدل الذاتي لعالم يقيم فيه كلينتون ورابين كما في بيتيهما.

سيطوي غياب ياسر عرفات عهد الحكام المحاربين في المشرق العربي. لم يعد ثمة حاكم عربي واحد خاض حربا ضد العدو.
في غير فلسطين انتهى الزمن الحربي العربي بفشل 1973، لكن المنتصرين الأميركيين والإسرائيليين لم يقترحوا على المهزومين حلا سياسيا، وحكامنا كانوا ادنى من ان يرتفعوا إلى مستوى قبول الهزيمة والجدارة بها. لذلك نتمرغ منذ ذلك الوقت في تفسخ متمادي بقيادة متفسخين متمادين. بعد الإخفاق باقل من عامين كان الحرب اللبنانية، حرب التفسخ الأولى.
غياب ياسر عرفات يطوي صفحة من صفحات المواجهة مع إسرائيل اتسمت بالحرب أو بالسياسة كاستمرار للحرب. اضحى حيويا للشعب الفلسطيني وللعرب فتح صفحة جديدة. لقد هزمنا في الحرب. وآن ان تخضع كل اشكال المواجهة مع العدو للسياسة. هذا ليس سهلا فقد انجبت الحرب عاداتها وثقافتها وتنظيماتها وسلطاتها وأناس لا يتقنون غير "صناعة الحرب" ويهددهم انتهاءها بالنفول؛ لكن ليس ثمة خيار آخر.
كانت الحرب بديلا عن السياسة لأن الفلسطيني لا يستطيع الاعتراف بشرعية محتلي أرضه ولا بحقهم في الوجود. كانت شرعية منظمة التحرير وفتح والكفاح الفلسطيني كله مبنية على عدم الاعتراف بشرعية إسرائيل. فعلاقة الطرفين تقوم على مواجهة مطلقة. وعلى أرضية الإطلاق لا يمكن للسياسة إلا ان تكون مشتقة من الحرب، ولا يمكن أن تكون العلاقة الطبيعية بين الطرفين إلا الحرب.
لم يعد يمكن بلورة سياسة ناجعة وفعالة حول هذا الموقف.
بعد سنوات من الانتفاضة وبعد الحرب الدولية الأولى على العراق وانطلاق عملية مدريد سار أبو عمار في درب أوسلو. كان يريد موطئ قدم. ولعله فكر انه يمكن القبول بصيغ ملتبسة الآن ما دام يعلم انه لن يتازل عن الحقوق الأساسية لشعبه. من أجل الا يكون هذا خطأ كان يقتضي أن يكون الزمن حليفك، يقتضي كذلك قدرة حقيقية على تنويع مناهج الاحتجاج والمقاومة وتطوير وسائل جديدة لتنشيط الحقوق الفلسطينية وكسب العالم لها، لكن بالخصوص العمل على تمدين الوعي الفلسطيني ونسيان إسرائيل ولو قليلا. القصد خلق حيز سياسي داخلي مستقل نسبيا عن المواجهة متعددة الأشكال مع إسرائيل، حيز مسكون بالتعليم والاقتصاد والحياة الاجتماعية وتطبيع حياة الشعب قدر الإمكان. فدون تحرير فسحة مستقلة للحياة الفلسطينية لن يكون لتحرير الأرض من إسرائيل عظيم قيمة، ولن تكون الأرض غير وثن لا يرتوي من دم الضحايا البشرية. لم نفكر بتحرير حياتنا من القضية الفلسطينية بعد ان احتلت إسرائيل ارضنا الفلسطينية. ولم ندرك أن الإخلاص لفلسطين شيء مختلف تماما عن الإخلاص للقضية كانت القضية تفيد في ترقية قيادات وتثبيت قيادات وحماية مواقع وتعزيز سلطات وبلورة مراتب، القضية تخدم عمليات هيمنة لا علاقة بالتحرر والاستقلال. ولذلك فإن اول التحرر هو التحرر من "القضية": تحرير الفلسطينيين من القضية الفلسطينية أول تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. عكس ذلك مشروع سلطة.
فلسطين لم تعد تقيم في القضية، وعقيدة التحرير (اي القضية) لم تعد تفضي إلا إلى ترسيخ الاحتلال. ولعل غياب ياسر عرفات، رمز القضية، أن يكون فاتحة لتفكير جديد حول تحرير فلسطين. فتحرير فلسطين هو المسألة!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
- اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
- أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
- إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
- حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
- اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
- الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2
- الاستقطاب والضعف : حول الخط الثالث مجددا 1 من 2
- ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا
- مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
- فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
- الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
- على أثر العاديين ...في شاتيلا
- في ذكرى اعتقال رياض سيف: احتجاج على شركتي الخليوي
- ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟
- نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
- السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
- الرغبة في تقديس حكامنا؟!
- أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا
- الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يخضع -ميتا- للتحقيق.. ويوضح السبب
- مدينة طنجة المغربية تستضيف يوم الجاز العالمي
- ?? مباشر: آمال التوصل إلى هدنة في غزة تنتعش بعد نحو سبعة أشه ...
- -خدعة- تكشف -خيانة- أمريكي حاول بيع أسرار لروسيا
- بريطانيا تعلن تفاصيل أول زيارة -ملكية- لأوكرانيا منذ الغزو ا ...
- محققون من الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية في ...
- مقتل 6 جنود وإصابة 11 في هجوم جديد للقاعدة بجنوب اليمن
- لقاء بكين.. حماس وفتح تؤكدان على الوحدة ومواجهة العدوان
- زيارة إلى ديربورن أول مدينة ذات أغلبية عربية في الولايات الم ...
- الرئيس الصيني يزور فرنسا في أول جولة أوروبية منذ جائحة كورون ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - موت آخر المحاربين