أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسين الحاج صالح - ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟















المزيد.....

ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 10:19
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


موضع التساؤل في العنوان هو التفاوض وليس الشيشان وافغانستان. لكنه يتضمن كذلك اعتقادا بأن الطالبان والمقاتلين الشيشان طرفان سياسيان, لا بد من التعامل معهما هكذا. وهو ما يقتضي تغليب منطق السياسة على منطق الإلغاء والاستئصال الذي يمارسه الطرفان الأميركي والروسي.

السؤال إذاً: ماذا لو كان السبيل الوحيد إلى شيء من الاستقرار ووقف النزيف البشري والمادي في افغانستان هو التسليم بأن الطالبان طرف أفغاني لا يمكن تجاوزه, لكن ربما أمكن دمجه سياسيا عبر الاعتراف به والحوار معه؟ وماذا لو لم يكن أمام الروس غير الجلوس إلى طاولة التفاوض مع المقاتلين الشيشان والانتهاء من وهم باهظ الكلفة تجاوز عمره عشر سنوات: وهم إخماد المشكلة بالقوة؟

ليس في ذلك اي دفاع عن طالبان أو المحاربين الشيشان, إنه دفاع عن السياسة. فهي مخطوفة اليوم من قبل الحرب وعقائد المطلق معاً. وقد يكون هذان هما الشيء ذاته. فإحلال العقيدة محل السياسة, أو إضفاء طابع عقيدي على نزاعات السياسة وسجالاتها و"معاركها", من لوازم الحرب وعدتها الضرورية. وهو في الوقت نفسه مانع من التسييس ومضاد له. فحين يكون "الصراع" بين خير وشر, بين حق وباطل, بين إلهنا الحقيقي والصنم الذي هو إلههم (وفـقا لما تبرع بقوله عن "عدوه الصومالي" الجنرال وليم بويكن في حزيران/يونيو 2003), تكون الحرب السياسة الوحيدة الصحيحة, وإبادة العدو السلوك الأعدل. فحرب الإبادة ليست العلاقة الوحيدة الممكنة بين المطلقات النشطة (لا تكون المطلقات نشطة دائماً) بل الحل العادل لمشكلة التعايش المستحيل بين المطلقات العاملة.

والحال ان التضييق على السياسة أو إخراج النزاعات الإنسانية من مجالها (التفاوض والتسوية والحلول الوسط والتنازلات المتبادلة...) أقرب إلى أن يتسبب بانتشار الإرهاب وتعميمه من أن يكون العلاج الشافي له. هنا تصح أطروحة هابرماس التي تقول إن تثقيف السياسة, سواء بتجميلها (إسباغ طابع جمالي عليها) او حلول نزعة أخلاقية متشددة محلها أو إخضاعها لتعاليم عقيدة ما, يكمن في جذر الإرهاب. فالإرهاب بهذا المعنى توسع ثقافي على حساب السياسة, أو احتلال الثقافة لأرض السياسة وإزالة نصابها ومصادرة استقلالها. إذا صح ذلك فإن المقاومة الناجعة للإرهاب تمر بصورة محتومة عبر إعمار السياسة والاستثمار المادي والفكري في قيام نصاب لها مستقل, أي الرهان على قوام ذاتي لها وحمايتها بثقافة سياسية تفاوضية ومدنية.

وليس للإدانة المستحقة للأفعال الإرهابية للشيشانيين أو الطالبان أو غيرهم ان تحول دون إبراز الجذر السياسي للمشكلة الشيشانية او لحيازة الطالبان صفة تمثيلية لا يبدو من السهل الالتفاف عليها. لا شيء يسوغ اختطاف الأطفال والتسبب بقتلهم في اوسيتيا, لكن امتناع التسويغ لا يمس ضرورة الفهم ووجوب السياسة في شيء.

تلقت السياسة لطمة قوية في 11 ايلول (سبتمبر) 2001 على يد تنظيم القاعدة, لكن تلك الضربات الإرهابية الملحمية كانت بداية عصر سياسي عالمي جديد, دانت الريادة فيه للقوة الأعظم. وفي تقديرنا أن 11 ايلول كان الفرصة التي أتيحت للولايات المتحدة لحل مشكلة اللاتوازن العالمي الناجمة عن زوال الاتحاد السوفياتي, والتي عبر عنها خلال قرابة عقد من السنين ما سمي بنظام القطب الواحد. الحل هو التحول من القطب الواحد إلى "الامبراطورية", أي نشر أدوات النفوذ الأميركي الفعال في ارجاء العالم جميعاً, بما يمكّن واشنطن من احتلال موقع ممتاز للتحكم بالتفاعلات الاستراتيجية والاقتصادية الدولية جميعا. أما المنهج فهو القوة العسكرية حيث تتمتع أميركا بميزة تفاضلية لا تضاهى.

لقد تواطأت حداثة العصر السياسي الجديد (في البدايات تعود السياسة إلى أصلها: العنف) مع الميزة الأميركية في مجال الحرب, على تهميش السياسة أو تضييق مجالها. وبالمقابل تم توسيع مجال الحرب وتطبيعها, أو اعتبارها خيارا مكافئا لغيره إن لم يكن متقدما عليه. وليس من الغريب أن يكون السيد جورج بوش ممن يضيقون ذرعا بدقائق الأشياء وتعدد وجوهها مع التوكيد على أن الوضوح الأخلاقي أمر مهم. لكن دقائق الأشياءnuances إنما هي الفرق بين الحرب والسياسة. فالأخيرة تمييز واختيار بمقتضى الفوارق. وليس من شأن التضحية بفوارق المعنى وظلاله وتلويناته أن تفضي إلى غير حكم الغريزة وترقية العمى إلى مستوى فضيلة سياسية. الحرب تهمل الفوراق أو تغض من شأنها, أما الإرهاب فلا يستطيع إقامة فسطاطيه دون إنكار نشط للفوارق.

لماذ نتحدث عن رفض الأميركيين والروس للسياسة؟ وهل ينبغي أن "يتكتف" الطرفان حيال ما يتعرضان له من ضربات إرهابية حتى يوصفا بأنهما سياسيان؟

الواقع أن تهميش السياسة لم يترتب على محض مبادرة الولايات المتحدة إلى الرد الحربي الساحق على عدوان إرهابي تعرضت له. فقد كانت حرب أفغانستان مشروعة من وجهة نظر القانون الدولي بوصفها ردا على عدوان غير مسبوق باستفزاز. وشرعــيتها التي تعني أنها تخـــــضع للمعايير المقــبولة في العلاقات بين الدول هي ذاتها التي تضمن خضوعها للسياسة, إذ تجعل منها وســـيلة في خدمة غاية سياسية متعارف على سلامتها. فليست الحرب بحد ذاتها إنكارا للسياسة, بل إنها من مقتضياتها الأكـــيدة حين تكون دفاعا عن النفس. إن النزعة الرافضة للحرب رفضا مبدئيا نزعة مضادة للسياسة (مهما أمكن لها أن تكون جديرة بالثناء من وجهات نظر اخرى), قدر ما هي كذلك النزعة الحربية المبدئية من النوع النازي أو من الـنوع الإسرائيلي او من النوع القاعدي.

ما وقع بعد 11 ايلول هو الانتقال السريع من الرد على عدوان إرهابي إلى استغلال شرعية الرد من اجل تطبيق اجندة لم تنشأ عنه ولا ترتبط به ارتباطا ضروريا. حرب العراق أكبر من ان تكون مثالا على هذا الانتقال. إنها نموذج لترتيب طموح وبعيد المدى لعالم القرن الحادي والعشرين, نموذج تحتل الحرب والنزعة الحربية موقعا تأسيسياً فيه. وهذا, بالذات, وبصرف النظر حتى عن تزييف الذرائع لشن الحرب اصلا, ما يجعل من الحرب الأميركية هناك حربا غير شرعية. فليس ثمة ما يتنافى مع الدــيموقراطية بصورة اشد جذرية من اتخاذ العراق مثالا إيضاحيا لها أو نافذة عرض للمشروع الأميركي الخاص بإعادة تشكيل "الشرق الأوسط".

والأرجح أن مشكلة موسكو في الشيشان تصدر عن آلية مماثلة رغم التعارض الظاهر في الأهداف. فبينما تريد واشنطن نشر العدوى الديموقراطية, تخشى موسكو من عدوى الاستقلال الشيشاني, مع ما يعنيه ذلك من ان المشكلة الشيشانية لا تعالج لذاتها (القدر المناسب سياسيا من العنف) بل لتعطي درساً (ينال الشيشان نصيبهم من العنف مضافاً إليه علاوة تعليمية).

هنا وهناك, الحرب ليست استمرارا للسياسة بوسائل اخرى حسب الرهان العقلاني والمتفائل لكلاوسفيتز, بل هي بديل عن السياسة, أقلّه حيال الأطراف التي تجمع بين الضعف (إلحاق الهزيمة بها ميسور وآمن) وبين التباعد "الحضاري" (شن الحرب ضدها سهل التبرير وعتبة التعاطف معها بالغة الارتفاع). لكن ربما التضييق على السياسة, بما هي مداولة للاختلافات والفوارق و"الأيام" بين الجماعات البشرية, هو الذي يفضي إلى توسيع شقة الاختلاف الحضاري وليس العكس. فصدام الحضارات نعي للسياسة. وبالعكس: السياسة تقرّب ما تباعده "الحضارة".



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
- السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
- الرغبة في تقديس حكامنا؟!
- أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا
- الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق
- حوار حول بعض قضايا الحاضر السوري
- شكوى من فخري كريم وتوضيح من ياسين الحاج صالح
- سنوات الأسد الثاني الأربعة وتحدي -الاستقلال الثاني- لسوريا
- عرب وأميركيون وديمقراطية
- إعادة هيكلة الوعي القومي الكردي
- حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري
- المسألة الأميركية في النقاش السوري
- عن الحياة والزمن في السجن - إلى روح الصديق المرحوم هيثم الخو ...
- ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟
- المثقفون وقضية امتهان الإنسان
- حول مفهوم اليسار الديمقراطي وسياسته
- غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسين الحاج صالح - ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟