أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟















المزيد.....

ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 873 - 2004 / 6 / 23 - 06:11
المحور: القضية الكردية
    


أيام كنت في المدرسة الابتدائية كان هناك نص طريف للقراءة عنوانه "ماذا فعلتم بالسروال؟". يحكي النص أن فتى اشترى سروالا جديدا فوجده طويلا يحتاج إلى تقصير. سأل الفتى امه أن تقصر السروال (البنطال) فقالت إنها مشغولة وأحالته إلى أخته الكبرى، وطلب من أخته الكبرى أن تقصر السروال فقالت إنها مشغولة وأحالته إلى أخته الصغرى، وجاء إلى اخته الصغرى يرجوها أن تقصر السروال فقالت إنها مشغولة الآن ووعدته بتلبية طلبه حين تنتهي مما في يدها. أنهت الأم عملها فأحبت ان تسر ابنها فقصت قليلا من السروال، وأنهت الأخت الكبرى عملها فقصرت السروال قليلا لإرضاء اخيها، وفرغت الأخت الصغرى مما في يدها فوفت بوعدها وقصرت السروال بدروها. وحين عاد الفتى المكسور الخاطر إلى تجريب سرواله الجديد وجده بالغ القصر، فأخذ يصرخ: ماذا فعلتم بالسروال؟!
تذكرت هذه الحكاية حين أخذ يتضح لي تسلسل الوقائع الذي افضى إلى قرار حظر الأحزاب الكردية في سوريا. رئيس الجمهورية يصرح في حوار أجرته معه قناة "الجزيرة" الفضائية في بداية أيار الماضي ان القومية الكردية جزء من النسيج الوطني السوري، وأنه لم تكن هناك أصابع خارجية وراء الحوادث التي شهدتها مدينة القامشلي وامتدت إلى مناطق سورية متعددة يقيم فيها مواطنون أكراد، ويقر بأخطاء في الإحصاء الاستثنائي الذي جرى بمحافظة الحسكة عام 1962، وتسبب في حرمان ما قد يربو اليوم على 200 الف كردي من الجنسية السورية. كلام الرئيس دال لأن السلطات البعثية السورية دأبت على الإنكار القانوني لوجود سوريين غير عرب ( هناك اعتراف واقعي بنيت عليه سياسة براغماتية حيال الأكراد)، وتحليلها المعياري لأحدث القامشلي وما بعدها يرتكز على فكرة المؤامرة والأصابع الخارجية، ثم أن الإقرار بأخطاء في إحصاء عام 1962 يقتضي عمليا فتح باب إعادة الجنسية للمحرومين منها. وفي تقدير شخصي فإن كلام الرئيس هذا يفوق في دلالاته السياسية ونتائجه المنطقية المفترضة أي شيء قاله منذ تولى منصبه قبل قرابة اربعة أعوام.
لكن خلافا لما قد يتوقع المرء استدعي قادة ثلاثة من الأحزاب الكردية الناشطة في سوريا في بدايات شهر حزيران الحالي إلى جهاز الأمن العسكري بدمشق، وابلغوا بوجوب "وقف جميع النشاطات والعمل السياسي، وإنه سيتم التعامل معهم بأنهم جمعيات سرية محظورة، في حال استمرار نشاطهم، وعليهم الانتظار، حتى صدور قانون أحزاب ومراجعة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل"، حسب تصريح للمحامي والناشط أنور البني.
وضع البني قرار الحظر المفترض في سياق سعي السلطات السورية "لقمع أي حراك سياسي أو مجتمعي مطلبي بالاعتقالات والتهديدات". ومضى إلى التساءل عما إذا كانت "هذه الخطوة بداية حملة قمعية تطال كل الأحزاب السياسية المعارضة وجمعيات حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني". (موقع "كلنا شركاء" على الانترنت، 3/6). ولم يلبث المحامي المصرح أن انتقل من التساؤل إلى الجزم حين أعلن في 7/6 وجود قرار صادر عن مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم "بحظر جميع النشاطات الحزبية ومنعها الحصول على ترخيص، وهذا جاء من مختلف الأجهزة الأمنية التي قامت بالاستدعاءات، وإن هذا الحظر ليس فقط للأحزاب الكردية وإنما يشمل الجميع" (موقع "كلنا شركاء" في 8/6).
يبدو الأمر غامضا وغير معقول. فالقرار غير قابل للتطبيق بصرف النظر عن اية مقدمات، فكيف إذا كانت المقدمات تشير إلى توجه نحو اعتراف قانوني بالشعب الكردي، وبالتالي بشرعية تمثيله السياسي! الأسلوب الوحيد الذي قد يضمن تطبيق القرار هو اعتقال المخالفين، وهذا منعطف خطر بقدر ما هو مستبعد، وليس ثمة ما يشير إلى أن السلطة مقبلة عليه، لا من حيث القدرة ولا من حيث الاضطرار. وواضح أن الأحزاب الكردية لم "تقبض" قرار الحظر إدراكا منها لرسوخها في الوسط الكردي، لكن ايضا لعجز السلطة عن فرض قرار حلها بالإكراه. ومعلوم أنها أصدرت بيانا جماعيا مؤرخا في أواسط حزيران يرفض القرار بلغة واضحة لا لبس فيها. ولا شك أن اجهزة الأمن السورية تدرك أن حظر الأحزاب الكردية مستحيل، وأنه سيدفعها نحو التطرف والعمل السري في آن معا.
كيف إذن يصدر قرار كهذا؟ القصة غامضة شأن اشياء كثيرة تجري في دمشق وحولها.
لكن قد يساعد في فك غوامض المسألة خبر أورده موقع "أخبار الشرق" الإلكتروني الرصين في العاشر من حزيران الجاري. في الخبر أن مصدرا مطلعا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أبدى استغرابه موقف الأحزاب الكردية مما "وصفه بالخطوة الإيجابية جداً من قبل السلطات حيال الأكراد السوريين والمتمثلة بإعطائهم الضوء الأخضر لتأسيس جمعيات ثقافية واجتماعية كردية مرخصة" ( قبل صدور بيان الأحزاب الكردية الجماعي في أواسط حزيران كانت اصوات كردية غاضبة قد اخذت تعلو تعبيرا عن السخط ورفض قرار الحل. ولم يتوان قادة الأحزاب الذين بلغوا بالقرار عن التصريح بأنهم لم يحتاجوا إلى قرار رسمي كي يعملوا حتى يكفوا عن العمل السياسي بقرار). جدير بالذكر أن تغطية خبر الحظر في بدايات شهر حزيران الحالي لم تكن قد تضمنت أية إشارة إلى إباحة تأسيس جمعيات ثقافية واجتماعية.
يضيف المصدر الوزاري أن "القرار الذي تم إبلاغه لهم هو أن بإمكانهم العمل بشكل علني ورسمي من خلال قانون الجمعيات والذي سيمنحهم تراخيص للعمل الثقافي والاجتماعي، أما العمل السياسي فهو لم يُبتّ حتى الآن لجميع السوريين ولا يوجد قانون للأحزاب سواء كانت كردية أو عربية أو غير ذلك". وهو يعتبر أن القرار "قفزة كبيرة إلى الأمام وخطوة لم يكن الأكراد يحلمون بها منذ أشهر قليلة". فبإمكان الجمعيات أن تنال "معونات من الدولة وغير الدولة"، وفقا لما يضيفه المصدر الذي لا يتحدث عن العمل السياسي والأحزاب بلغة الحظر أو المنع. الواقع أنه يتحدث بلغة مزدوجة: عدم توفر قانون لتنظيم عمل الأحزاب حاليا، بما في ذلك العربية منها؛ ثم التقليل من قيمة العمل السياسي: " إن الجانب السياسي جانب هامشي جداً في العمل الأهلي، وهناك مجالات كثيرة يمكن للأكراد العمل من خلالها بشكل قانوني وتحت المظلة الشرعية". ولنلاحظ على كل حال أنه لم يشر من قريب او بعيد إلى حظر عمل الأحزاب الكردية، وأن تغطية خبر الحظر الأمني لم يشر، بالمقابل، من قريب أو بعيد إلى مسألة الجمعيات.
يستقيم الأمر إذا عدنا إلى قصة السروال: (1) أصدر رئيس الجمهورية توجيها بتسهيل النشاط الاجتماعي والثقافي ( بما فيه التعليمي حسب مصدر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ذاته، ما يعني إباحة تعلم اللغة الكردية، وهذه خطوة رمزية بالغة الدلالة) انسجاما مع كلامه في "الجزيرة". (2) قام مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية بتقليم التوجيه، أو ربما قايض أصلا التوجيه الرئاسي بترخيص الجمعيات بمطالبة الأحزاب الكردية بالامتناع عن العمل السياسي. (3) وحين وصل الأمر إلى جهاز الأمن العسكري بقيت منه المقايضة المانعة للعمل السياسي، وحذف منه تشريع العمل الاجتماعي والثقافي. (4) وتبرع المحامي النشيط انور البني بتعميم الحظر ليشمل الأحزاب السورية المعارضة جميعا.
هذا يحل الحبكة، لكن ألا يبدو بوليسيا؟ نقر بذلك، ولكن هذا الحل لا يبدو بلا أساس.
هناك بداية "أدلة نقلية"، أولها ما قاله المسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من أن ممثلي الأحزاب الكردية "لم يفهموا الرسالة كما يبدو بشكل جيد"، وهناك ثانيا لغته المزدوجة عند الحديث عن عمل الأحزاب الكردية: يبرز قضية الجمعيات ويقلل من شأن العمل السياسي، دون ان يصل إلى حد الكلام عنه بعبارات الحظر والمنع. وهناك ثالثا إقراره بأن "السلطات السورية ربما أخطأت في طريقة تبليغ الرسالة للأحزاب الكردية عبر البوابة الأمنية"، وهو أمر غير محتمل الصدور من مسؤول في الدولة (يعني أدنى من الرئاسة طبعا، وأدنى من الأمن ومن قيادة الحزب) إزاء جهات أعلى. وقبل ذلك هناك حديث الرئيس إلى "الجزيرة" وقد رحبت به الأحزاب الكردية بحرارة. وقبله حديث وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس قبل تقاعده عن إعادة الجنسية إلى ما يقرب من 100 ألف كردي (30 الفا وعوائلهم).
وهناك ثانيا "أدلة عقلية": تعارض القرار مع مسار العلاقة بين السلطات والأكراد السوريين في مرحلة ما بعد القامشلي، وهي علاقة تتجه نحو الانفراج؛ استحالة تطبيق قرار الحظر؛ الغياب المريب لأية إشارة إلى جمعيات كردية اجتماعية وثقافية مرخصة في الكلام الذي نسب إلى قادة الأحزاب الكردية وإلى المحامي أنور البني. ومن غير المعقول أن يكون قادة الأحزاب قد تكتموا تكتما مطلقا على مسألة الجمعيات وابرزوا مسالة حظر العمل السياسي.
الأرجح أن سروال الجمعيات خضع لتقصير متسلسل وجائر افضى في النهاية إلى تغيير طبيعته. وفي تقديرنا أن هذه "القفزة النوعية" ليست نتيجة خطأ عارض. الخطأ هيكلي: تدخل الأمن في قضايا سياسية لا يملك الكفاءة على حلها، ولا يحلها إلا وفقا للكفاءة الوحيدة التي يملكها: القوة؛ تدخل الحزب في شأن لا يخصه بل يخص الدولة، وذلك بالتعارض مع روحية القرار رقم 508 الذي يفترض أنه يحد من تدخل الحزب في تصريف شؤون الدولة؛ ثم الافتقار إلى مرجعية عليا ضابطة، أو "التعددية التسلطية"، الواسمة للنظام السياسي في البلد.
تداخل الاختصاصات غير العارض هذا يشير إلى تفاقم الطابع اللاعقلاني لتسلسل القرار في سوريا، اي أن سلسلة السلطة تغدو أكثر فاكثر مصدرا للأعطاب والمشكلات بدلا من ان تكون منبعا للحلول.
دمشق 18/6/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون وقضية امتهان الإنسان
- حول مفهوم اليسار الديمقراطي وسياسته
- غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
- أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
- اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
- بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
- -العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
- نظام الاستثناء الشرق أوسطي
- ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
- اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
- سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
- اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
- طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية


المزيد.....




- نتنياهو يناشد زعماء العالم منع مذكرات اعتقال لقادة إسرائيل
- ترامب يعلن استعداده لاستخدام الجيش لطرد المهاجرين غير الشرعي ...
- مفوض الأونروا: لم يُطلب من سكان رفح بجنوب غزة إخلاء المدينة ...
- في غياب آخر الشهود.. من سيحكي للطلاب قصص الحرب العالمية الثا ...
- رئيس الوزراء البريطاني: المملكة المتحدة لن تقبل عودة طالبي ا ...
- قانون تجريم العلاقات المثلية والتحول الجنسي في العراق يثير ح ...
- -سنقضي عليهم باتفاق أو بدونه-.. نتنياهو يؤكد أمام عائلات الأ ...
- المرشد الإيراني يلغي حكم إعدام أكبر رجل أعمال متورط بالفساد ...
- -دعسًا ودهسًا بالسيارة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي ...
- أعضاء بالكونغرس الأمريكي -يحذرون- المحكمة الجنائية الدولية م ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟