|
اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ...إسرائيل
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 849 - 2004 / 5 / 30 - 09:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالنظر إلى كونها دولة ديموقراطية والقوة الأكبر تأثيرا في مصائر > والعالم، فإنه ما من دعوة الى الديموقراطية بالخير في منطقتنا تفوق أن يعزها الله بالولايات المتحدة. وسيكون انحياز القوة الأميركية إلى صف الديموقراطية، > حسب الرئيس بوش، مكسبا عظيما وتاريخيا بالفعل للديموقراطية ذاتها ولشعوب المنطقة وللعالم ككل. وسيخفف دعم التحول الديموقراطي الشحنة العدائية في شعار <<تغيير الأنظمة>> الذي برز في الخطط الأميركية بعد 11 ايلول 2001 بقدر ما يملأه، في المقابل، بمضمون إيجابي. وهو، بهذه الصفات، أمر يفترض بالديموقراطيين العرب أن يرحبوا به. لماذا ووجه الاكتشاف الأميركي للدكتاتوريات العربية وحاجة المنطقة إلى الديموقراطية بمزيج من الريبة والرفض والفتور بدلا من الترحيب المفترض؟ لأن تحليل أغلبية الديموقراطيين العرب للأجندة الأميركية في <<الشرق الأوسط>> يبرز حقائق تعكر صفو ما ينتظر منا من حماسة ديموقراطية. فبصرف النظر عن سجل الإدارات الأميركية المتعاقبة في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (وهو سجل كانت تحكمه، إن كنا نذكر، ثنائية معتدل/ متطرف، لا ديموقراطي/ دكتاتوري)، فإن أبرز التزام أميركي في <<الشرق الأوسط>> هو حماية مروق إسرائيل من الشرعية الدولية من جهة، ومن جهة أخرى ضمان مزدوج لتفوقها على الدول العربية مجتمعة وأن لا تجتمع هذه الدول على أمر أبدا. ومعلوم أن شرعة الأمم المتحدة، التي أسهمت الولايات المتحدة أكبر إسهام في إرساء قواعدها ومؤسساتها، تعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية أراضيَ محتلة، وتطالب إسرائيل بالانسحاب منها. ويدرك جميع الديموقراطيين وغير الديموقراطيين العرب، دون استثناء الأنظمة المعتدلة أو الأشد اعتدالا (إذ لم يبق ثمة أنظمة <<متطرفة>>؛ ولعل زوال صنف الأنظمة هذا، وليس سابق وجوده، أحد أهم أسباب انتعاش <<الإرهاب>>)، يدركون أن الالتزام الأميركي حيال إسرائيل أقوى وارسخ من أي التزام آخر، بما في ذلك الالتزام المعلن بالديموقراطية. وهو، على وجه الضبط، ليس التزاما بحماية إسرائيل من عدوان عربي ولا بضمان أمنها حين يكون مهددا، بل كفالة قدرتها على مواجهة العرب كلهم عسكريا، وحماية خروجها على القانون دون الخشية من أي عقاب أو لوم. يدرك العرب كذلك، وأصدقاء الأميركيين ليسوا استثناء هنا أيضا، أنه حين يتعارض الالتزامان فإن الالتزام الديموقراطي هو الذي يخسر. وبالنظر إلى انه لا يمكن دعم المروق الإسرائيلي من القانون وسيادة القانون في البلدان العربية في الوقت نفسه، فإن أنظمة عربية متعددة أخذت تراهن على أن الباب الإسرائيلي هو الطريق الملكي (أو ربما <<الامبراطوري>>) إلى القلب الأميركي، وأن ولوج هذا الباب يعفيها من تبعات <<الجهاد>> الديموقراطي الأميركي. وبينما ليس هناك ما هو أصح من دعم تغيير الأنظمة العربية باتجاه ديموقراطي، فإن أضمن وأوثق سبيل لذلك هو تغيير النظام في... إسرائيل. وهذه بالفعل أثمن نصيحة يمكن أن يسديها ديموقراطي عربي لأية إدارة أميركية ممكنة. ومضمون تغيير النظام في إسرائيل لا يتعدى إلزامها بالقانون الدولي أو رفع الحصانة الامتيازية عنها، أي بالضبط المساواة أمام القانون بين إسرائيل والدول الأخرى في المنطقة. وهذا لا يقتضي بالضرورة تخلي الولايات المتحدة عن ضمان أمن إسرائيل وبقائها، بل لعله يستلزم ضمانات أميركية وعربية للإسرائيليين بهذا الخصوص. ويمكن تدشين هذا التحول عبر مفاوضات دولية تطبّع إسرائيل بتحويلها إلى دولة مثل غيرها، وتطبع الدول العربية بدعم تحولها نحو الديموقراطية، وتطبع حياة الشعب الفلسطيني بتحريره من شرطه الانتحاري الراهن وتمكينه من نيل حقوق مساوية لغيره. هذا هو التطبيع الحقيقي: مساواة الدول والشعوب والأفراد أمام القوانين. أما التطبيع الذي تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرضهما على دول عربية عديدة فهو فرض لحالة استثناء مضادة للاستقرار والعدالة و...الطبيعة. تغيير النظام الإسرائيلي لا ينزع ذريعة من يد الدكتاتوريات في العالم العربي لاحتكار السلطة والانفراد بالقرار ومصادرة الحريات العامة، ولا يشكل الخطوة الأهم في بناء سياق إقليمي مؤات للتطور الديموقراطي العربي، لكنه أكثر من أي شيء آخر العلاج الصحيح ل<<الأزمة العاطفية>> بين العرب والولايات المتحدة (لماذا يكرهوننا؟ إلخ) ومساهمة كبرى في ردم فجوة الثقة بين العرب والغرب، الفجوة التي تفوق اتساعا فجوات الحرية والتنمية والمعرفة وتمكين المرأة التي شخصت في منطقتنا. وعلى هذه الأرضية سيعزز تطور في هذا الاتجاه الاندماج السياسي والثقافي للعالم العربي في عملية العولمة ويشكل الخطوة الكبرى نحو مصالحة تاريخية عربية غربية. وبينما يخشى الأميركيون اليوم من أن الدفع الجاد بالديموقراطية قد يقود إلى فوز قوى معادية لهم، وربما أشد عداء من الأنظمة التسلطية القائمة، فإن <<تغيير النظام>> في إسرائيل سيضمن درجة عالية من التوافق بين دعم التحول الديموقراطي في البلاد العربية وبين تمتين العلاقات العربية الأميركية، بما يلبي الحاجة إلى قيام تحالف قوي من أجل الاستقرار والازدهار في المنطقة. للأسف تنبع الحماية الأميركية للمروق الإسرائيلي من أسس نظام السلطة العالمية والمحلية للولايات المتحدة ومن نظام مصالح النخب الأميركية الفاعلة. وتأصل الموقع الإسرائيلي في النظام الأميركي يرفع حماية مروق إسرائيل، لا حثها على الالتزام بالقانون، إلى مرتبة فضيلة أخلاقية. ومثل ذلك ينطبق على تمييزها عن غيرها من الدول بدلا من مساواتها معها. هذا يجعل من خطة تغيير النظام في إسرائيل أشبه بدعوة إلى تغيير النظام في الولايات المتحدة نفسها. وهو ما نرى بالفعل أن ديموقراطية حقيقية في <<الشرق الأوسط>> غير ممكنة بدونه. لكن على المدى المعقول للعمل والتحليل السياسي، يفرض واقع التماهي الإسرائيلي الأميركي استراتيجية معاكسة: التغيير الديموقراطي للأنظمة العربية هو السبيل الأضمن والأوثق لضبط إسرائيل وتقريب الفلسطينيين من حقوقهم ونهضة العالم العربي. ليس ثمة نصيحة أثمن يمكن إسداؤها للنخب المثقفة والسياسية العربية. وبينما من المهم أن يقال دائما للأميركيين إن طريق الديموقراطية العربية يمر من تل أبيب، فإن الأهم أن نقول لأنفسنا إن طريق الحق الفلسطيني والنهوض العربي يمر من طي صفحة الحكم التعسفي المديدة والمخجلة في البلاد العربية والتحول نحو ديموقراطية حقيقية تضمن المساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان. وكما لا ينبغي أن تتذرع الإدارات الأميركية بفساد الأنظمة العربية ودكتاتوريتها لإعفاء إسرائيل من إلزامات القانون الدولي، فإنه لا ينبغي على أية أنظمة عربية أن تتذرع بالاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي له كي تستعبد شعوبها وتذلها. سينزع التحول الديموقراطي العربي من إسرائيل ميزة كونها الديموقراطية الوحيدة في <<الشرق الأوسط>> ويفرض عليها حصارا أخلاقيا من ديموقراطيي العالم أجمع، وما هو أكثر جذرية أنه قد يكون أكبر خطوة نحو زوال <<الشرق الأوسط>> لمصلحة مجال عربي ديموقراطي ومتحضر. وقد نفاجأ عندئذ بأن المسألة الإسرائيلية التي سرقت حياة ثلاثة أجيال منا حتى الآن أقل أهمية مما تبدو، وأن القسم الأكبر منها هو ثمرة تفاعلنا السيئ مع هذا الكائن العدواني أكثر مما هي ثمرة محض وجوده
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س
...
-
زمن المقالة وأزمة الثقافة
-
ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
-
أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
-
اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
-
بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
-
-العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
-
نظام الاستثناء الشرق أوسطي
-
ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
-
اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
-
سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
-
اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
-
طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
-
في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له
...
-
صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
-
سوريون ضد حالة الطوارئ!
-
هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا
...
-
سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
-
نقاش حول الدفاع الوطني
-
بلاد الموت السيء
المزيد.....
-
صرخة أنجتها من الموت.. لحظات تحبس الأنفاس لطفلة كادت تُدهس أ
...
-
ليدي غاغا تلهب أجواء شاطئ كوباكابانا بالبرازيل في حفل مجاني
...
-
رئيس الأركان الإسرائيلي: نستدعي عشرات آلاف الجنود لتوسيع الح
...
-
إعلام عبري: ضباط وجنود احتياط إسرائيليون يرفضون بشكل كبير ال
...
-
بعد استهداف مطار بن غوريون.. نتنياهو يهدد الحوثيين بضرب اليم
...
-
عاصفة رملية تضرب العاصمة العراقية بغداد وتثير قلق السكان
-
استئناف الرحلات الجوية في مطار بورتسودان بعد استهدافه بطائرا
...
-
وسط تصاعد الفوضى في غزة.. حماس تعدم متهمين بالسرقة
-
نتنياهو: سنرد على استهداف الحوثيين لمطار تل أبيب في الوقت وا
...
-
ترامب يستبعد ترشحه لولاية ثالثة في 2028 ويؤكد تركيزه على -أر
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|