أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين الحاج صالح - بلاد الموت السيء














المزيد.....

بلاد الموت السيء


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 738 - 2004 / 2 / 8 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


"هل يمكن للإنسان أن يعيش بهدوء في هذا البلد اللعين؟ لا أحد ينجو، الذي يعمل في السياسة والذي لا يعمل، الذي يحب هذا النظام والذي لا يحبه... بلد مجنون ويجب أن يدمر!" هل كان عبد الرحمن منيف يتنبأ حين وضع هذه الكلمات على لسان حامد، الرجل الذي يمارس اختصاصا سياسيا مثيرا للشبهة في "شرق المتوسط": زوج أخت رجب اسماعيل، السجين السياسي السابق؟ خرج رجب "متعاونا" بعد خمس سنوات من السجن دمرت عافيته، لكنه أخل بشروط العقد الذي سمح بسفره إلى الخارج من أجل العلاج مقابل "التعاون": التجسس على مواطنيه في الغرب وكتابة "التقارير" عنهم.
كتب عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" عام 1972، أي قبل سنوات قليلة من تحول الموت صناعة قومية في المشرق العربي. ومنذ ذلك الوقت لم يفعل البلد اللعين(البلاد) شيئا غير القيام بواجب الدمار.
الرواية بنت زمانها، لكنها تكشف أن آلة القتل لا تاريخ لها. فمن قوانين "شرق المتوسط" الطبيعية أن يُطالَب السجين بأن "يُوقِّع" و"بمنتهى الحرية والرغبة (أين الحب؟)" على "تعاون مثمر لصالح الوطن" مع معذبيه وجلاديه (الوطن هو الشيء الذي تقوم فيه سلطة تقتل، وعلى رأسها ..."السيد الرئيس"). ومن قوانينه الخالدة أيضا المزج بين إيقاع العقاب على السجين جزاء ما فعل أو ينوي وبين إجباره على تغيير ذاته وإبدالها بذات جديدة في "عقد التعاون" الموقع "بمنتهى الحرية والرغبة": أن يسجن وينهي مدة حكمه، ثم أن "يوقّع" و"يتعاون". في روايته "الروائيون" يشير غالب هلسا إلى جناح خاص للمحكومين ب...البراءة في مصر الناصرية! وقبل أيام فقط كشفت جمعية حقوق الإنسان في سورية عن أسماء 8 سجناء من مواليد اعوام 1963 و1964 و1965، أي أنهم كانوا أحداثا وقت اعتقالهم عام 1980، وقد حكم اثنان منهم 12 عاما فيما حكم الستة الآخرون 6 أعوام، لكنهم تجاوزوا جميعا 23 عاما في السجن ولم يفرج عنهم بعد! "شرق المتوسط" ثابت على مبادئه!

لم أستطع أن أحب رجب اسماعيل بطل "شرق المتوسط" حين أعدت قراءتها في اليوم التالي لوفاة عبد الرحمن منيف.   إنه شخص أحادي البعد، "نيء"، غير ناضج وغير قابل للنضج. رجب من ذلك النمط من الناس الذي لا يستطيع أن يكون حرا، الذي لا يجد ذاته إلا خارجه: في حزب عظيم او عقيدة مقدسة أو رسالة خالدة. إنه ينهزم دون مأساة، ويفوز دون مجد. وهو من الطينة نفسها التي جبل منها أولئك الذين سجنوه وقتلوه: طينة صدام حسين. هزيمة هؤلاء تحطمهم وتحطم أحبابهم، لكن انتصارهم يحطم جميع الآخرين.
خطط رجب اسماعيل لأشياء كثيرة، لكنه لم يكمل شيئا. تسبب بموت امه، ودمر حياة أخته وزوجها، ، دون أن يترك لأي كان معنى يهتدي به. لم نتعرف على ما يؤمن به رجب. كل ما نعرفه أنه وكيل عقيدة ما و"عضو" في حزب ما. لكن تاريخ "شرق المتوسط" لم "يبرهن" شيئا أكثر مما برهن أن العقيدة شرنقة المعنى، وأن وكيل العقيدة هو نفسه عميل السلطة. لعله لذلك لا نتعرف على شيء من حياة جلادي رجب أيضا: إنهم جلادون ولا شيء آخر، محض آلات تعذيب.
هنا شيء من التباس عبد الرحمن منيف، الروائي العربي الذي هجا السلطة أكثر من غيره، كشف فظاعتها أكثر من أي روائي آخر، لكن دون أبطال أحرار أو جديرين بالحرية. إنهم "مناضلون": يعيشون شعرا غنائيا، ويموتون نثرا حسابيا.
مشكلتنا في "شرق المتوسط" ليست في أننا لا نعيش جيدا؛ مشكلتنا بالأحرى أننا لا نموت جيدا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي


المزيد.....




- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين الحاج صالح - بلاد الموت السيء