أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حلنا















المزيد.....

لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حلنا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 728 - 2004 / 1 / 29 - 05:17
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لو تساءلنا ما هي المشكلة المنفردة الأعقد التي تواجه المجتمعات العربية اليوم لكان الجواب الأوجه والأحظى بالإقناع هو مشكلة السلطة. فالسلطات الحاكمة في الدول العربية هي القوى الأكثر تأثيرا في مصير مجتمعاتها وأفرادها، وهي في الوقت نفسه القوى الأقل تأثرا بمواقف وآرء مواطنيها والأدنى استجابة لمطالبهم. إنها تقرر مصيرهم بحرية كاملة دون أن يتسنى لهم الحد الأدنى من النفاذ إلى مصيرها. وبالرغم من فشل أكثرية السطات العربية في التصدي للمشكلات الدفاعية والتنموية والسياسية للمجتمعات المحكومة، وبالرغم من حيازة أكثر السلطات سجلا مريعا من القتل والتعذيب واحتقار مواطنيها واستباحة حقوقهم، لا تزال هذه السلطات فوق مساءلة من يتأثرون بقراراتها وسياساتها.
وفي العام المنصرم شهد مبدأ السلطة غير المسؤولة منعطفا خطيرا تمثل في ما أظهرته أطقم الحكم العربية من استعداد متفاوت (لكنه قريب من الكمال على العموم) للتعاون مع الأميركيين بصفتهم الجهة التي تستطيع إقرارهم على سلطتهم أو إزاحتهم عنها. ولا جدال في أن إدمان السلطة هو الذي دفع بعض حكامنا إلى تقديم كشف حساب أمين أمام من يُخشى حسابهم، أو التودد للطرف الذي يُهاب "امتلاكه أجندة خفية" ضدهم، وفقا لما ورد في التوضيح الذي قدمه سيف الإسلام القذافي عن ملابسات بدء مفاوضات "الاستسلام الوقائي" للجماهيرية العظمى.
وبعد أن كانت السلطة المستقلة تجسيدا للسيادة والوقوف الندي إلى جانب المستعمرين القدامى أمسى مبدأ السلطة اليوم هو الذي يعيد بلادا عربية عديدة (كلها) إلى أشكال مباشرة وغير مشروطة من التبعية السياسية للسلطة العالمية المسيطرة. في وقت مضى بدت السلطة المستقلة حلا، اليوم السلطة هي المشكلة. وتمادي تعذر حل مشكلة المشكلات هذه يقود كل يوم إلى انحلال اجتماعي وثقافي: تحلل العصبية العربية وتفسخ المجتمعات المحلية.
لكي تستطيع السلطات أن تثبت استقرارها كانت قد عمدت إلى "حل" المجتمعات بأساليب مختلفة تراوحت بين القمع الدموي واسع النطاق، إلى اللعب بالتعدد الديني والطائفي والإثني لنسيجها المجتمعي (ما يجعل منها المرجعية لنهائية لأية تفاعلات بين مواطنيها، أفرادا ومجاميع)، إلى توزيع الريوع حيثما توفرت على الموالين. وفي جميع الحالات، احتلت السلطات الموقع الذي يتيح لها صنع السرد / الأمة (إن استعرنا معادلة بندكت اندرسون)، وذلك بوضع يدها على الذخر الثقافي والرمزي الوطني والسيطرة على مؤسسات التأهيل الاجتماعي التي تتولى تأويله وتعميمه: المدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الإعلام بأجيالها الأربعة (المكتوبة والمسموعة والمرئية والانترنت، وإن تكن قدرتها على التحكم بالإعلام الفضائي وبالإنترنت أقل من طموحها).
وهكذا احتلت السلطة في العالم العربي موقعا لا يكاد يكون له نظير في أي من بلاد الأرض، بما في ذلك المعسكر الشرقي السابق. إذ أن ما يفتقر إليه العرب من سند معنوي وسياسي مثّله الغرب القوي، الليبرالي و"المسيحي"، لشعوب أوربا الشرقية ينضاف في المحصلة النهائية إلى رصيد سلطاتهم من وسائل التأثير. ولم يكن الاتحاد السوفييتي سندا معنويا يمكن التماهي معه حتى لو كان ظهيرا استراتيجيا. وقد كان على كل حال حليف سلطات، وأتاح لها مستوى غير مستحق من الاستقلال عن مجتمعاتها. 
لقد كانت العزلة المعنوية والثقافية للعرب، خلال الثلث الأخير من القرن العشرين خصوصا، الحليف الأقوى لإدمان السلطة عند حكامهم. وبينما أمكن للعرب أن يتفاعلوا مع الكفاح التحرري العالمي، وأن يواكبوا موجات التحرر الوطني والحركة الاشتراكية في الخمسينات والستينات، فقد باتوا منذ سبعينات القرن العشرين رهائن محبسي العزلة: محبس السلطة المطلقة المحلية ومحبس العزلة المعنوية العالمية والافتقار للسند (ومعهما السمعة السيئة - المطلقة بدروها). وهي عزلة تواقتت وتناسبت مع اتساع وكثافة وعمق انخراطنا في العالم. تستحق هذه النقطة اهتماما خاصا، لكننا نشير إليها هنا من باب إسهامها في مفاقمة انغلاق أنظمتنا عبر تسهيل استيلاء السلطة السياسية على الشرعية الثقافية. فبينما كانت الأنظمة العربية تتفاهم مع قوى الأمر الواقع العالمية، الأميركان على التعيين، كانت تستفيد من نزعات الهيمنة الأميركية ومن التيارات المعادية للعرب والإسلام في الثقافة والإعلام الغربي كي تحرس احتباس شعوبها في حالة بارانوئية مستديمة، ولتسهل مطابقة نفسها مع قيمهم الثقافية والدينية. بل كذلك لـ"تصنع" هذه القيم وتمنحها توجها متمركزا حول الذات ومرتابا حيال العالم.        
هنا في الواقع تكتمل السلطة المطلقة، السلطة التي لا تحتل شعبها سياسيا وأمنيا فحسب، ولا تتحكم بموارد حياة مواطنيها فحسب، لكن أيضا التي تنفرد بصناعة متخيلهم الجمعي. إن "ثقافتنا" و"تقاليدنا" و"خصوصيتنا" هي بالتمام والكمال ثمار هذه الصناعة. وتلبيس هذه الثمار قميص "الأصول" هو السلاح الثقافي الأساسي لدفع عدوى المكتسبات العالمية للحداثة بعيدا عنا.
ثم أن امتزاج الحداثة التي يحدد الغرب صورتها بالسيطرة المتدفقة منه يولد رد فعل معقدا تختلط فيه إرادة الانفتاح على الحداثة مع الاحتماء من السيطرة، ويفضي التقلب المزعج بينهما إلى إعادة تنشيط أزمتنا النفسية الحضارية.
ضمن هذا الشرط يصعب حل مشكلة السلطة في العالم العربي. والأرجح أن تتسبب المشاريع الأميركية لنقل الديمقراطية إلينا في زيادة المشكلة السياسية العربية تعقيدا على تعقيد. فالسلطة الأميركية الجسيمة تمارس تأثيرا على مجتمعاتنا وسلطاتنا يعادل تأثير سلطاتنا المحلية على مجتمعاتها. وليس ثمة أي مؤشر على الإطلاق على أن السلطة الأميركية تعدل موازين القوى بين الدكتاتوريات الحاكمة والمجتمعات المحكومة. بل إن المؤشرات المتاحة عن اتساع فجوة الثقة بين قطاعات واسعة من العرب وبين الأميركيين تدل على العكس. وخلافا لما قد نعتقد فإن عسر الديمقراطية في العالم العربي لا يترتب على عزلتنا عن العالم بل عن فرط انكشافنا أمامه؛ المشكلة ليست فرط الاستقلال و"ممانعة التدخلات الخارجية" حسبما تفضل داعية الحرب العالمية الرابعة جيمس وولسي قبل أقل من عام، بل نقص الاستقلال وشح السلطة وضآلة السيادة. شح السلطة يُصعِّب أي توزيع ديمقراطي لها، ويرشحها على الدوام لأن تكون غنيمة يفوز بها المتنافس الأقوى. وهذا مستعد بدوره على الدوام لإرضاء "ناخبيه" الحقيقيين وراء الأطلسي.  
القصد أن المشكلة السياسية العربية أعقد من أن ترتد إلى الطابع الدكتاتوري لنظم الحكم المحلية؛ إنها وثيقة الارتباط بالسلطة العليا أو السيادية في "الشرق الأوسط". وهذه سلطة أميركية إسرائيلية اليوم، وقد كانت بريطانية فرنسية ذات يوم.
يعترض كثيرون على هذا التحليل لا لأنه غير صحيح بالضرورة ولكن لاعتقادهم أنه يضمر أنه لا يمكن تحقيق اختراق ديمقراطي دون التغلب على الأميركيين وإسرائيل. هذا خلط بين الفهم والعمل. إن منطق الفهم يتخطى المعطى المباشر ليكشف الترابطات غير الظاهرة، بينما يفترض بمنطق العمل أن يفرق المشكلات كي يسود عليها وأن يبدأ بالمباشر. هذا لا يفترض غير أن المشكلات غير ممتنعة على التفريق بالمطلق.
بين وحوش السلطة الثلاث قد يكون تفريق الوحوش المحلية هو الأقل عسراً.
دمشق 15/1/ 2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟


المزيد.....




- ساندرز لـCNN: محاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها في غزة ...
- الخطوط الجوية التركية تستأنف رحلاتها إلى أفغانستان
- استهداف 3 مواقع عسكرية ومبنى يستخدمه الجنود-.. -حزب الله- ين ...
- سموتريتش مخاطبا نتنياهو: -إلغاء العملية في رفح وقبول الصفقة ...
- تقرير: 30 جنديا إسرائيليا يرفضون الاستعداد لعملية اجتياح رفح ...
- البيت الأبيض: بايدن يجدد لنتنياهو موقفه من عملية رفح
- عيد ميلاد الأميرة رجوة الحسين يثير تفاعلا كبيرا..كيف هنأها و ...
- شولتس.. وجوب الابتعاد عن مواجهة مع روسيا
- مقترحات فرنسية لوقف التصعيد جنوب لبنان
- الأسد: تعزيز العمل العربي المشترك ضروري


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حلنا