أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي















المزيد.....

تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 721 - 2004 / 1 / 22 - 07:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أنظمة جامدة
لم تتمكن أي من الدول العربية القائمة من إرساء كيانها على نظام سياسي قابل للحياة وقادر على الصمود في المنافسة السياسية الدولية. فبقدر ما إن فرص الدول في المنافسة والصمود رهن بقدرتها على الانخراط الفاعل في عملية الحداثة وتأهيل تنظيماتها السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية والأخلاقية، فإنه مما لا يكاد يحتاج إلى بيان أن الدول في جهتنا من العالم أخفقت في أن تكون أوطانا حديثة وأوطانا للحداثة. فلا هي تسهم في إنتاجها وتؤثر في وجهتها ولا هي تمكن مواطنيها مما تتيحه من مكاسب وحقوق.
وأحد أسباب هذا الفشل، وأبرز تعبيراته في الوقت نفسه، هو التطابق بين الدولة والسلطة في المجال العربي. فقد عملت نخب السلطة على مماهاة نفسها بالدولة كي يكون الاعتراض عليها خروجا على الدولة واعتداء على الأوطان. وحيث تعذر على الشعوب والمجتمعات الفصل بين السلطة المستولية والدولة فقد ارتهن مصير الدولة بالذات بمصير السلطة وفقا لمثال العراقي مرشح للتكرر (وإن بصيغ غير حربية بالضرورة). وإذا كان لا شك في أن انهيار الدولة العراقية تولد عن الغزوة الأميركية وليس عن محض استيلاء صدام حسين وأبنائه وعشيرته وحزبه عليها فإن ذلك الاستيلاء قد أضعف، بل عطل، فرص الدولة في الصمود بعد سقوط الحاكم. لقد ألغى الأميركيون دولة فقدت جوهر الدولة: مؤسسيتها واستقلالها عن السلطة.
غير أن الأمر لا يتوقف عند احتمال زوال الدولة كمؤسسة سيادية عليا، أو مؤسسة المؤسسات، بل يتعداه إلى خطر انهيار الدولة ككائن جيوسياسي سيد مستقل، سواء بتقسيمها أو باحتلالها.

خرائط سائلة
بعد قرابة تسع عقود من قيام الدول الحديثة في المشرق العربي لا يبدو أن أياً منها قد ضمنت لنفسها فرص بقاء لا تقبل العكس. وبعد 11 أيلول، ثم بعد غزو أفغانستان والعراق، بدأ الأميركيون عملية إعادة نظر سياسية وفكرية وأخلاقية في هذه الكيانات دون أن تواجه هذه العملية بممانعة ذات شأن. بل إن قطاعات من شعوب هذه الدول بالذات وجدت الفرصة سانحة للمشاركة في عملية إعادة النظر هذه، ولو من موقع الاندراج في خطط الغالبين. ولا يقتصر أمر تلك القطاعات على اعتراض على الشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة في هذه الدول بل يمتد إلى التشكيك في شرعية وجودها بالذات. ولا يحتاج المرء أن يكون قوميا عربيا أو قوميا كرديا أو محافظا أميركيا جديدا كي يسحب عواطفه من الدول القائمة، أو كي يعمل بلسانه وبيده (إن استطاع) على التخلص منها. ولم تستطع جميع دول المشرق العربي إقناع عربها وأكرادها بأنها "وطن نهائي" لهم، وفقا لصيغة لبنانية تخيلت أن ما يهدد لبنان هو الذوبان في كيان سوري أو عربي أكبر.
الأمر يتعدى اليوم "تغيير الأنظمة" ليقارب "إعادة رسم الخرائط". وليس من الضروري لعملية إعادة رسم الخرائط في منطقة الشرق الأوسط أن يكون مكتوبا على جبينها أنها كذلك. فالاحتلال الأميركي للعراق، واستسلام الجماهيرية العظمى، وتضعضع سورية، والأولوية الاستراتيجية الممنوحة أميركيا للدول الصغيرة في الخليج على حساب السعودية، وتضاؤل مصر، وسحق الفلسطينيين حتى يصيروا "هباء ينقلع بسهولة"، فضلا عن عمليات أخرى مفتوحة النهايات تخص الوضع الكردي في شمال العراق والعلاقة الجديدة السورية التركية التي جعلت من الحدود بين البلدين "جسرا لتبادل الثقة بدلا من منطقة توتر"، كل ذلك في حقيقته نوع من إعادة رسم الخرائط. إذ ليس من المحتوم أن تتخذ هذه العملية الشكل الكلاسيكي، المثالي، الذي أخذته في الاتفاقية التأسيسية للشرق الأوسط الحديث: اتفاقية سايكس بيكو.

المعرفة والسلطة 
لكن الأفق الذي يبدو أن الفكر السياسي العربي مدعو لاستكشافه في المرحلة المقبلة يمر من احتمال أن الاعتراض على نظم السلطة القائمة ينفتح على إعادة النظر في الخريطة الجيوسياسية الراهنة، بما يتضمنه ذلك من عدم التسليم بالتوزيع الراهن للسكان والأراضي والموارد في "الشرق الأوسط". بل إن استكشاف هذا الأفق قد يكون فرصة الفكر السياسي العربي لإعادة تأهيل نفسه والدخول كفاعل مستقل في الحقل السياسي والفكري الجديد التالي لسقوط بغداد. ولنلاحظ أن هناك فاعلان استراتيجيان ما توقفا يوما عن اعتبار الجغرافيا السياسية للمنطقة صلصالا قابلا للتشكيل والمراجعة وإعادة رسم لامتناهية: إسرائيل والولايات المتحدة. 
ويبدو أن بعض تيارات الفكر السياسي العربي موشكة على إنهاء دورة كاملة في تصورها الجيوسياسي للدول العربية والشرق أوسطية القائمة. فبعد انطلاق الفكر القومي العربي من عدم الاعتراف بالدول القائمة ووضع "إعادة رسم الخرائط" كمهمة قومية عملية، جاءت مرحلة اعادت الاعتبار للكيانات القائمة وبحثت لها عن (وعثرت لها على) جذور تاريخية متفاوتة العراقة. وقد تمت هذه المراجعة في سياق الأزمة الفكرية والسياسية والأخلاقية للحركة القومية العربية (بعد هزيمة 1967 وإخفاق 1973) من جهة، وفي سياق ميول فكرية محافظة تتخلى عن أية مساع استقلالية وتحررية وتميل إلى مواقف واقعية متفاهمة أو مؤيدة للأميركيين سياسيا. بعبارة أخرى شكل التقارب السياسي التدريجي مع الأميركيين والتخلي التدريجي أيضا عن مشاريع إعادة رسم الخرائط القومية العربية الملمحان الأساسيان للحياة السياسية والثقافية العربية في الثلث أو الربع الأخير من القرن العشرين. وإنما في بداية القرن الجديد جاء الأميركيون بمشروع "ثوري" يقوم على مدماكين: تغيير الأنظمة وإعادة رسم الخرائط. وهكذا في الوقت الذي كان الأميركيون يسقطون نظام صدام البعثي، ويحاصرون النظام البعثي الآخر في سورية، ويؤلفون قلب الجماهيرية تأليفا جميلا، ويعلنون مرة أخرى نهاية القومية العربية، كانوا يأتون بمشروع يحمل تطلعات تغييرية مشابهة.
هذه إعادة اعتبار كاملة في تقديرنا للتطلع المكوّن للفكرة القومية العربية، أعني الربط بين تغيير الأنظمة السياسية وإعادة تشكيل المجال الجيوسياسي الشرق أوسطي. وإعادة الاعتبار هذه محمولة في طيات ديناميكية تنطوي أيضا على إعادة تشكل الخرائط الفكرية والإيديولوجية، وتحول العلاقة بين المعرفة والسلطة والمقاومة في الشرق الأوسط.
ومن اللافت على كل حال أن العالم العربي يوجد موحدا في التخطيط الاستراتيجي الأميركي (مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية، خطاب بوش حول الديمقراطية في الشرق الأوسط ...)، بل نكاد نقول إنه لا يوجد موحدا إلا ضمن هذا التخطيط، ولكن بالطبع بوصفه موضوعا عاجزا عن التخطيط لنفسه.
يستهدف التطلع المكون للفكرة العربية استعادة انفتاح وتواصل المجال الحضاري والجيوسياسي المشرقي الذي تقطعت أوصاله في نهاية الحرب العالمية الأولى. فقد بدا الانفتاح والتواصل مدخلان إلى تكوين مجال للدمج البشري أوسع من الأطر التي خلفها المستعمرون الغربيون، وفي الوقت نفسه شرطان للمشاركة في العملية الحضارية العالمية من موقع المساواة. ومن هذا الباب تتعارض الفكرة العربية مع الفكرة الصهيونية ومع الهيمنة الغربية، أعني مع احتلال قوى خارجية موقع المرجعية النهائية للتفاعلات بين دول المنطقة وشعوبها، أو القيام على علاقاتها البينية وسقوف اختياراتها السيادية ووجهة تطورها التاريخية. لكنها تتعارض بصورة مباشرة مع الهياكل السياسية والمؤسسية والفكرية التي أطرتها في النصف الثاني من القرن العشرين. فالدكتاتوريات الدموية العاتية، والأنظمة المغلقة التي تجمع بين الحزب الواحد والطائفية والأسرية وعبادة الحاكم، والتدني المريع في مستوى النخب الحاكمة، والانغلاق الغيور دون الدول المجاورة... كلها سمات ميزت الأنظمة "القومية العربية"، وأسهمت في تثبيت الترابط بين الفكرة العربية وكل من القمع وتواضع مستوى النخب والفشل التنموي.
وإنما انسداد آفاق هذه الأنظمة وتشبثها بسلطة مطلقة تجمد أية ديناميات داخلية هو الذي يخرجها من السباق العالمي، وبالخصوص بعد ان أخذ تفسخها يؤذي الأميركيين والغرب وبلغ مستوى دراميا في 11 ايلول.
إن فصل السلطة عن الدولة، أي تحرير الديناميات السياسية والاجتماعية الداخلية في البلاد العربية، هو المضمون الحي والضروري اليوم لـ"تغيير الأنظمة". وبقدر ما يتكون داخل وطني حقيقي في هذه البلدان، اي كذلك بقدر ما تستبطن في ذاتها تنظيمات الحداثة، فإن "إعادة رسم الخرائط" سترتسم في آفاقها مجددا. فليس غير الانفتاح على التعدد الداخلي يؤسس للانفتاح على الخارج، اي على اعتبار الداخل جزءاً من متعددات إقليمية ودولية أكبر.  



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم


المزيد.....




- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- شاهد: حريق هائل يلتهم مبنى على الطراز القوطي إثر ضربة روسية ...
- واشنطن والرياض تؤكدان قرب التوصل لاتفاق يمهد للتطبيع مع إسرا ...
- هل تنجح مساعي واشنطن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
- لماذا يتقارب حلفاء واشنطن الخليجيين مع موسكو؟
- ألمانيا ترسل 10 مركبات قتالية وقذائف لدبابات -ليوبارد 2- إلى ...
- ليبيا.. حكومة الدبيبة تطالب السلطات اللبنانية بإطلاق سراح ها ...
- -المجلس-: محكمة التمييز تقضي بإدانة شيخة -سرقت مستنداً موقع ...
- الناشطة الفلسطينية ريما حسن: أوروبا متواطئة مع إسرائيل ومسؤو ...
- مشاهد حصرية للجزيرة من تفجير القسام نفقا في قوة إسرائيلية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي