أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم















المزيد.....

ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 691 - 2003 / 12 / 23 - 04:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للعالم مصلحة في أن تتعثر الولايات المتحدة في الطور الراهن من حربها العراقية. وهذا صحيح بصرف النظر عن أي تقييم للمقاومة العراقية، وهو يبقى صحيحا حتى لو كان المرء معاديا لتلك المقاومة، وراغبا في أن لا يكون العراق ساحة لمواجهة الأميركيين. وصحته لا تتعزز إلا قليلا لو كانت المقاومة العراقية مقاومة ديمقراطية وتحررية ووطنية شاملة لكل أطياف الشعب العراقي. إن المصلحة العالمية لا تتوافق هنا مع المصلحة الوطنية للشعب العراقي، إن لم نقل إنها تتعارض معها.
فمن شأن استقرار الأمر بيسر للأميركيين في العراق أن يعزز موقع القوى الأكثر عدوانية في الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية وأن يدفع نحو المزيد من تمحور السياسة الدولية الأميركية حول استخدام القوة العسكرية وإثبات نجاعة مذهب الضربات الوقائية. ولا شك كذلك أن فوز الأميركيين بـ"معركة السلام" في العراق بعد معركة المواجهة المسلحة كان سيطلق دون إبطاء موجة ثالثة مما يسميه الأميركيون الحرب ضد الإرهاب بعد الموجتين الأفغانية والعراقية، ولربما شملت الموجة الثالثة سورية أو إيران. ولكانت "أوربا القديمة" في وضع أسوأ، والصين في موقع أضعف، والحركات الاجتماعية العالمية في حال مضطرب، لو تربع الأميركيون في العراق وتفرغوا لشم الورد يلقيه عليهم العراقيون "المحرَّرون". وباختصار كان العالم سيغدو أقل تعددا وتوازنا وبالمقابل أكثر واحدية وتمركزا.
 فمهما بدا ذلك غريبا، تساهم أعمال المقاومة العراقية - بقدر ما هي تعسر مقام الأميركيين- بدعم استقلالية المنظمات الدولية وتنقذ بعضا من كرامة مجلس الأمن والأمم المتحدة، فضلا عن تقوية موقع فرنسا والمانيا داخل أوربا بعد وقت بدا فيه أن لبلير وأزنار وبرلوسكوني الكلمة العليا في الشأن في الشأن الأوربي. غريب بالفعل أن تشن معركة الحد من الانفرادية الأميركية وتعزيز وزن مجلس الأمن على يد أناس قد يكونون هم أنفسهم من هاجم مقر الأمم المتحدة والصليب الأحمر في بغداد.
لكن الأمر مفهوم على غرابته. فليس هناك علاقة مباشرة وبسيطة بين إيديولوجيات الفاعلين وبين النتائج الواقعية لأفعالهم. يمكن للمقاومين العراقيين أن يكونوا معادين جدا لفكرة الأمم المتحدة وفلسفتها لكنهم بتعويق خطط القوة الأكثر تعديا على سلطة المنظمة الدولية إنما يقوون الموقع النسبي لهذه.
إن "مرمطة" الأميركيين في العراق مكسب عالمي بالفعل. فهل يكون المكسب العالمي أكبر إذا هزم الأميركيون وانتصرت المقاومة العراقية؟ هنا تنطرح مسألة طبيعة المقاومة العراقية وإيديولوجيتها واستراتيجيتها. وهنا أيضا يتجسم الفرق بين الوقوف ضد الانفرادية الأميركية وعقيدة التفوق الأميركية وبين الوقوف إلى جانب المقاومة العراقية والدفاع عن تصورها لعراق الغد. هذا التصور غير موجود. وبقدر ما يمكن الاستدلال عليه فإنه لا يسوغ الوقوف إلى جانب المقاومة أو التحمس لانتصارها. فإذا بدا يوما أن المقاومة الحالية يمكن أن تنتصر فقد نرى أطرافا عديدة يسرها اليوم تعثر الأميركيين تتحول إلى جانبهم. ذلك أن مايريده فاعلون دوليون كثر هو تلقين الأميركيين درسا في التواضع ولجم اندفاعهم الامبراطوري، وليس إذلالهم. وفي هذا الإطار يمكن فهم ما قاله الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل اسابيع من إنه يريد ألا ينهزم الأميركيون في العراق. ففيما عدا الحسابات الانتهازية، وفيما عدا الخشية الأوربية، والغربية عامة، من انفلات الأوضاع العراقية من السيطرة ما قد يدفع الأميركيين إلى حماقات غير مدروسة، فيما عدا ذلك ثمة الرغبة في أن تعاق واشنطن بما يضعف محافظيها الجدد لا أن تجرح بما يقوي موقع أولئك الامبراطوريين الشرسين فيها.
 
لا يريد أحد من العراقيين أن يكون بلده ساحة لترويض القوة الامبراطوية وتدريبها على التواضع، ولا يرغب أيا منهم أن يكون وطنه مثالا أيضاحيا لفشل مذهب بوش ولصيانة حظوظ العالم في التعدد. هذا الموقف أيضا لا علاقة له بالموقف من الأميركيين ولا حتى من "المقاومة". فهو لا يقتضي بالضرورة موقفا إيجابيا من الاحتلال الأميركي ولا موقفا عدائيا من المقاومة. مطالب أكثرية العراقيين معروفة وتدور حول الأمن والخدمات وانتهاء الاحتلال بصورة متفق عليها وسيطرة العراقيين على شؤونهم السياسية والاقتصادية وعلاقاتهم الإقليمية. لكن الاحتلال الأميركي منح النفوذ والصوت المسموع لأقلية امتيازية اجتهدت منذ ما قبل سقوط بغداد في خلط القضايا وتطبيع الربط بين السير في ركاب الأميركيين وبين مصلحة العراقيين. وفي اندفاعها الحماسي لم تميز هذه الأقلية بين مرحلتين: مرحلة إسقاط نظام صدام حين كان الخيار المطروح هو الأميركيون أم صدام، وكانت أكثرية عراقية تريد الخلاص من الطاغية باي ثمن؛ ومرحلة ما بعد سقوط النظام حيث تكونت سلطة جديدة السيادة فيها للمحتلين، واصبح الخيار مع الاحتلال وسلطته أم ضدهما. ورغم سطوة رواية الأقلية فإن شهادات عراقيين تشير إلى أن اكثريتهم تريد انتهاء الاحتلال سريعا.

لا يحتاج المكسب العالمي من "مرمطة" الأميركيين إلى القبول بفكر المقاومة العراقية وممارساتها، ومن المؤسف أنه لا يستفيد منهما حتى لو احتاج إليهما، إن لم نقل إنهما يلحقان الضرر بقضية التعددية في العالم ويمنحان تسويغا لقمع قوات الاحتلال وعشوائيتها (هذا بالطبع لا ينطبق على المواقف الاستقلالية المعتدلة كالتي يعبر عنها السيستاني اليوم). ولا يبدو أن رغبة أكثرية العراقيين في إنهاء الاحتلال تمر حتما بموقف إيجابي من المقاومة الحالية بمكونيها المهيمنين، الصدامي والإسلامي، وبتركزها في الوسط السني وحده تقريبا.
هذا يجعل قضية الاستقلال والديمقراطية في العراق رهنا بطور جديد من المقاومة وبجيل جديد يتطلع إلى بناء المستقبل لا إلى استعادة الماضي. قد ينقضي جيل أو أكثر قبل استعادة العقل العراقي والعربي توازنه وبروز جيل جديد متحرر من المنعكسات الشرطية لنظم الوطنية العسكرية التي تربط بين الوطنية والطغيان وبين الديمقراطية والالتحاق بمعسكر الغالبين. جيل غير مصاب بالحَوَل الذي يجعل جيلنا الحالي عاجزا عن تسديد بصره إلى الدكتاتورية دون أن يخرج مطلب الاستقلال الوطني من حقل رؤيته، ولا يستطيع أن يركز بصره على مقاومة السيطرة الخارجية دون أن يعمى عن الاستبداد. وبينما يدفعنا "الحول الديمقراطي" إلى الاندراج في مشروع السيطرة العالمية الأميركي فإن "الحول الوطني" يوقعنا في شباك الطغيان الأشد فتكا.
العالم اليوم يستفيد منا كممانعة لا كإرادة؛ كعائق سلبي في وجه دكتاتورية عالمية لا كاختيار إيجابي لعالم ديمقراطي؛ بوصفنا كتلة غفلا تعرقل الانفرادية الأميركية أو تتيح للأوربيين والآسيويين وقتا كافيا للتكيف الإيجابي معها، لا بوصفنا ذاتا حرة تصنع مصيرها وتتفاعل مع غيرها. لذلك فإن ما يفيد العالم لا يفيدنا بالضرورة، ولذلك أيضا فإن ما يضرنا قد لا يضر العالم.
دمشق  2/12/2003



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا
- بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة
- السلطة والتبعية -تحالف- الأمير والأميركان
- الإرهاب العربي-: بعض الأصول والمحددات


المزيد.....




- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم