أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي















المزيد.....

بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 673 - 2003 / 12 / 5 - 02:11
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


"وجه إرهابيون من تنظيم القاعدة بقيادة الإرهابي أسامة بن لادن ضربة رهيبة إلى مراكز حيوية في الولايات المتحدة فردت الحكومة الأمريكية بهجوم ساحق على أوكارهم في أفغانستان .." و "في عام 1990 أقدم صدام حسين على احتلال دولة مستقلة مسالمة مجاورة فقادت الولايات المتحدة حلفاً دولياً وطردت الغازي وجردته من أسلحة التدمير الشامل…"
تشكل الخلاصة الثانية عرضاً أميناً لما تقوله وسائل الإعلام الغربية ومعظم وسائل الإعلام الأخرى في العالم ولما هو مستقر في معظم الأذهان.. عما جرى بين آب 1990 ونهاية شباط 1991، واستمرت فصوله حتى يومنا هذا؛ بينما يرجح أن نقرأ الخلاصة الثانية بعد سنوات من انتهاء "الحرب ضد الإرهاب" التي قد تمتد هي بالذات سنوات طوال حسب أقوال متواترة للمسؤولين الأمريكيين.
تطبيع القوة 
ما الذي يميز هذين التقريرين الوجيزين؟ إنه بالطبع الربط السببي بين قسمي الجملة الذي يجعل القسم الأول سبباً والثاني نتيجة، أو ارتباطهما على طريقة الفعل ورد الفعل. ونلاحظ في المثالين المذكورين أن رد الفعل يتلو الفعل كما لو أن الأمر يتعلق بقانون من قوانين الطبيعة، كما يتلو الرعد البرق مثلا.
يبدو تسلسل الأحداث محتوماً لا راد له وطبيعياً في الوقت ذاته. وبما هو ثمرة طبيعية وحتمية لشيء يسبقه فإن رد الفعل هو الوحيد أيضا بالطبع، وبالتالي فهو يتصف بمعقولية قوانين الفيزياء والعلوم الطبيعية. من المشروع أن نسمي عملية الربط هذه بالتطبيع، أي إضفاء الصفة الطبيعية على تسلسل الأحداث في المثالين المذكورين. من المشروع أيضا أن نسمي هذه الوظيفة من وظائف خطاب السيطرة هذا بالوظيفة التطبيعية. والهدف منها خلق عادات ذهنية تعمل في جهة واحدة وتضفي المعقولية، وضمناً التبرير والعدالة، على ما تفعله الجهات التي تسيطر على وسائل إنتاج الخطاب وتوزيعه وتعميمه. الهدف بعبارة أخرى هو خلق سنن أمريكية لا تتبدل فيتعود الناس على الخضوع لها كما يخضعون لنظام الطبيعة، وبما هي سنن رعب فإنها تحوز مفعولا ردعيا وقائيا ثابتا؛ أو الهدف أيضا غرس منعكسات شرطية ثابتة يعادل تأثيرها تأثير الغرائز المتأصلة في النفس البشرية ويفوق تأثير العقل والضمير.
بفضل هذه الوظيفة التطبيعية سيبدو أن ما يفعله القوي ( فالأمر لا يقتصر على أمريكا وإن بلغت فيه أكثر من غيرها مرتبة الرسوخ في العلم) هو دائماً رد فعل على عمل أحمق واعتباطي قام به طرف إرهابي أو متوحش أو معادٍ للحضارة.. الخ وتجمع وسائل الإعلام الغربية، وتتبعها أحياناً بكل غباء وسائل الإعلام العربية، على وصف ما يحدث من "أعمال عنف" في الانتفاضة الفلسطينية بالشكل التالي: سقط العدد كذا من الفلسطينيين حين قامت القوات الإسرائيلية بالرد على إطلاق نار قام به مسلحون فلسطينيون… تسلسل محتوم وبالتالي معقول وبالتالي عادل؛ فالبادئ دائما هو الأظلم.
قلنا إن الهدف هو خلق عادات ذهنية تعمل في جهة واحدة، والقصد من ذلك هو أن تطبيع رد فعل الأقوياء الذين يصنعون الحقائق ويكتبون التاريخ لا ينسحب على فعل المعتدين الضعفاء. إذ تحذف من التاريخ ومن الإعلام أسباب "الإرهاب" الفلسطيني أو الإسلامي .. إنه ـ أولاً- لا أسباب له كما "برهن" جورج شولتز، وزير الخارجية الأمريكي، لوزير خارجية يوغسلافيا عام 1985: "لا علاقة للإرهاب بأي سبب. نقطة على السطر"، وهذا برهان مفحم كما لا يخفى على أي قارئ منصف! أما القارئ المغرض فهو إرهابي بالضرورة وما من احتمال آخر، وكل محاولة لتعليل الإرهاب أو فهم دوافعه هو بحث عن ظروف تخفيفية للإرهابيين. (ناقشنا "برهان" شولتز ولاسببية الإرهاب في مقالة أخرى).والسبب الثاني إذن لرفض المقاربة السببية للإرهاب هو أن كل تفسير سببي مطالب بأن يدافع عن نفسه تهمة التبرير حسبما أثبت رفض رودلف جيولياني عمدة نيويورك تبرع الأمير وليد بن طلال بعشرة ملايين دولار للمدينة لأن الأمير السعودي أوحى بوجود علاقة ما بين مأساة الفلسطينيين والضربات النيويوركية .
ما هي النتائج التي يمكن، ويجب، استخلاصها من تطبيع وتحتيم رد الفعل الأمريكي في المثالين المذكورين؟
1-  إلغاء السياسة كتفاوض وتسوية وقبول بتعارض المصالح وبوجاهة هذا التعارض، وبالتالي إنكار الحاجة إلى البحث عن حلول سياسية وتنازلات متبادلة .. تخضع السياسة لمنطق الممارسة، وهو منطق متعارض تماماً مع منطق الحتمية والقوانين الطبيعية المطردة قدر تعارضه مع منطق الحرب والمواجهة. ففي السياسة لا ينهزم أحد دون أن يعني ذلك أن الجميع ينتصرون. فالضعيف لا يخسر كل شيئ، والقوي لا يربح كل شيئ،  أما في الحرب فيرغب الأقوى في فرض معادلته هو: كل شيء مقابل لا شي. والمعادل الأمريكي لهذه المعادلة هو صفر خسائر، مقابل تدمير الطرف الآخر تدميرا تاما وليس مجرد خسارته فحسب.
2- ارتباطاً مع إلغاء السياسة ومع وحدانية "رد الفعل"، فإن استعارة لغة العلم والحتمية لخيارات القوة الأمريكية يهدف إلى إزالة فكرة وجود احتمالات أخرى من الأذهان. وسيكون الخيار الأمريكي إذن أكثر الخيارات حكمة وعدالة وليس فقط خياراً حتمياً. لكن الحقيقة غير ذلك. فقد كان من الممكن بالنسبة للمثال الثاني ـ الذي أخذ مسار رد الفعل "الطبيعي والمحتوم" عليه ينبسط أمام أعيننا منذ أكثر من شهرـ اللجوء إلى الأمم المتحدة لأخذ تفويض بالرد على اعتداء إرهابي؛ أو المبادرة  إلى مؤتمر دولي يقدم سلة من الخيارات السياسة والاقتصادية والثقافية .. والأمنية لمواجهة الإرهاب؛ أو التقدم بشكوى إلى محكمة العدل الدولية، ومن شأن هذا الخيار الأخير أن يعطي درساً إيجابياً وقّيماً من قبل قوة عظمى على التزامها بقيم القانون والعدالة التي تتحدث عنها بأعلى صوت.
3- كما أشرنا أعلاه، يفيد تطبيع رد الفعل الأمريكي في ترسيخ سنن منطق الهول الذي لن يجد له ضحاياه تبديلاً، أو أيضاً غرس منعكس شرطي من الرعب وتكوين ذاكرة الخوف الضرورية لكي "يتربى ويتأدب" كل من قد تسول له نفسه "العدوان" على الولايات المتحدة (أو حلفائها، وخاصة إسرائيل بالطبع).
صنع الشياطين
العنصر الثاني في بنية الخطاب الأمريكي المسوّق لحروب الولايات المتحدة "ضد الإرهاب" أو "دفاعاً عن الشرعية الدولية" هو شخصنة العدو، أي تركيز العدو في شخص معين تُضفى عليه الشيطانية والشر. خلاصة الشر المتجسدة هذه هي بالطبع زعيم معسكر العدو: صدام حسين، ميلوسوفيتش، أسامة بن لادن، وقبلهم ياسر عرفات يوماً، وكذلك فيدل كاسترو، جمال عبد الناصر..
تلبي الشخصنة مجموعة من الوظائف . أولها الحصول على ما يمكن أن نسميه المفعول الهوليودي حيث تكون هزيمة البطل الشرير المحتومة في آخر الفيلم تفريغاً لمشاعر العدوان نحو الخارج وتوحيداً لجمهور العرض الذي يتماهى(يتشارك في الهوية) عبر وحدة واتفاق مشاعره ضد الشرير وإلى جانب البطل الخير. وإذا كان هذا البطل الشرير "إرهابياً" عربياً أو مسلماً فإن مشاعر العدوان لا تتفرغ نحو خارج كل فرد من النظارة بل وخارج الذاتية الأمريكية كلها التي تتعرف على ذاتها وعلى تفوقها في تعارضها التام مع العربي الشرير الذي سينهزم في النهاية طبعاً.
الوظيفة الثانية للشخصنة هي تركيز الأنظار على المسؤوليات الذاتية لا على الأسباب الموضوعية، على اللوم والإدانة لا على التفسير والفهم. فبما أن صدام حسين مسؤول عن موت مئات الألوف من أبناء شعبه، وفقا لما دأب المسؤولون الأمريكيون على تكراره، فإن أسباب القضية كلها ترتفع خارج مجال النظر. فالعثور على المسؤولين يغني عن البحث عن الأسباب والشروط والظروف ويقوم بدور عائق جدي أمام المضي خطوة أبعد في البحث.
ولنلاحظ التعارض التام بين اعتبار أفعال العدو نتيجة لمسؤوليات شخصية وبين كون أفعالنا ـ نحن الأمريكييـن ـ نتيجة أسباب محتومة واضطرارية وعقلانية. الغزو العراقي للكويت هو في آن واحد مسؤولية صدام حسين الشخصية غير المفسرة والنزوية والسبب المعقول للرد الأمريكي الذي تتالى فصوله ولا يبدو أنها على وشك أن تنتهي. وهجمات نيويورك وواشنطن وقبلها تفجير السفارات الأمريكية في تنزانيا ونيجيريا هما فعلان إرهابيان صدرا عن شخص معقد يعاني من عقدة نقص هو "أسامة بن لادن" أما ضرب الولايات المتحدة لمصنع الشفاء للأدوية في السودان أو لمواقع أفغانية فهما رد فعل مشروع ومعقول، وكذا بالطبع المذبحة الجارية منذ أكثر من شهر في أفغانستان .
معلوم أن الخاصية الجوهرية للتفكير الإيديولوجي تمييزاً عن التفكير العملي هي التركيز على المسؤوليات مقابل التركيز على الأسباب، أو المقاربة المعيارية في مقابل المقاربة التحليلية. لكن علينا ألا ننخدع: فالأمريكيون يجيدون التفسير بالأسباب والتحليل الموضوعي أكثر منا، لكنهم أيضاً يجيدون التمييز  بين علم للخاصة تنتجه وتستفيد منه مراكز الدراسات الاستراتيجية والخبراء والمستشارون الحكوميون، وبين علم للعامة أو الدهماء هو حكايات الجنيات المرعبة لكن ذات النهاية السعيدة دائماً، الحكايات التي يحتل فيها صدام حسين وأسامة بن لادن… والعرب أجمعين المواقع التي احتلها الهنود الحمر يوماً أو الشيوعيين..أو اليهود.

دمشق 7-11-2001 
                



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا
- بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة
- السلطة والتبعية -تحالف- الأمير والأميركان
- الإرهاب العربي-: بعض الأصول والمحددات
- احتلال من باطن نظام إقليمي جديد في -الشرق الأوسط-؟
- ندوة حول الارهاب وعالم ما بعد 11 ايلول - المشاركون: د. صادق ...
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط
- المعارضة السورية والعلاقات السورية اللبنانية
- ديمقراطية بالوكالة
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- رياض سيف والإصلاح السوري
- الفلسطيني الذي فجّر الهويات


المزيد.....




- لبنان.. لقطات توثق لحظة وقوع الانفجار بمطعم في بيروت وأسفر ع ...
- القبض على الإعلامية الكويتية حليمة بولند لاتهامها بـ-التحريض ...
- مصر.. موقف عفوي للطبيب الشهير حسام موافي يتسبب بجدل واسع (صو ...
- -شهداء الأقصى- التابعة لـ-فتح- تطالب بمحاسبة قتلة أبو الفول. ...
- مقتل قائد في الجيش الأوكراني
- جامعة إيرانية: سنقدم منحا دراسية لطلاب وأساتذة جامعات أمريكا ...
- أنطونوف: عقوبات أمريكا ضد روسيا تعزز الشكوك حول مدى دورها ال ...
- الاحتلال يواصل اقتحامات الضفة ويعتقل أسيرا محررا في الخليل
- تحقيق 7 أكتوبر.. نتنياهو وهاليفي بمرمى انتقادات مراقب الدولة ...
- ماذا قالت -حماس- عن إعلان كولومبيا قطع علاقاتها الدبلوماسية ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي