أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ديمقراطية بالوكالة















المزيد.....

ديمقراطية بالوكالة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 656 - 2003 / 11 / 18 - 07:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يحتاج المرء (اي واحد منا) إلى نظرية حول إمكانية نقل الديمقراطية من الخارج كي يقبل أن الخارج يمكن أن يلعب دورا مساعدا إذا نال ثقة الداخل وكان مخلصا وراغبا في الدفع نحو الديمقراطية، أي بالضبط إذا كف عن كونه مجرد خارج. لكن هذا وجه واحد من علاقة أوسع تتضمن أن دور الخارج يمكن أن يكون معوقا بشدة للتحول الديمقراطي، إن غابت الثقة والرغبة، وبخاصة في بلدان هشة الداخل كبلدان المشرق العربي. فرص الديمقراطية لا تكون مبشرة حين يكون الداخل الديمقراطي ضعيفا والخارج متحيزاً (كيلا نقول إنه عدائي).
وإذا انتقلنا من القواعد العامة والمجردة إلى التناول الملموس فإنه ليس ثمة ما يمنع أن تساعد الولايات المتحدة (التي هي "الخارج" الوحيد المعني في النقاش العربي حول إشكالية نقل الديمقراطية) على الدفع نحو الديمقراطية، لكن بشرط مركب واحد: أن تريد الدفع بهذا الاتجاه، وأن تتغلب على أية روابط مصلحية أو عقائدية أو استراتيجية تحول دون ترقية إرادة الديمقراطية هذه إلى مستوى سياسة منسجمة. فالمسألة في وجه أساسي منها مسألة اقتناع وثقة بخلوص النية الديمقراطية للأميركيين. لقد لعبت ثقة الأوربيين الشرقيين بالولايات المتحدة دورا كبيرا في تسهيل التحول الديمقراطي هناك. ودون تكرار الحجج والأدلة التي تصب في تسويغ عدم ثقة قطاعات واسعة من النخب المثقفة أو من الجمهور العام في البلاد العربية بخلوص تلك النية فإن أزمة الثقة هذه أكيدة وراسخة. وكيلا نستعيد الماضي يكفي أن نقول إن المرء لا يكون ديمقراطيا أو راغبا بالديمقراطية إن لم يهتم بآراء من تمسهم نتائج قراراته وأفعاله. هذا المرء الأخير هو جورج بوش، و"الممسوسون" هم نحن، سكان "الشرق الأوسط"، وهو- مثل حكامنا- لم يسألنا الرأي في سياسات وقرارات تمس حياتنا وحياة كل واحد منا، بما في ذلك ما تضمنه خطابه الأخير حول التحول الديمقراطي في "الشرق الأوسط". 
يندرج خطاب بوش حول الديمقراطية في الشرق الأوسط في علاقة مرائية، غير متكافئة، غير شفافة، تنضح بالاحتقار والكذب، تقيمها واشنطن، وإدارة بوش الحالية بصوة خاصة، مع دول المنطقة وشعوبها. ولا يتوفر في خطابه ما يشير إلى شيء من الجدية في مراجعة هذه العلاقة رغم ما في ظروف إلقائه من عناصر تدفع إلى المراجعة. أما إشارته إلى "تساهل دول الغرب حيال انعدام الحرية، وذرائعها لذلك، في الشرق الأوسط، على مدى 60 عاما، لم يحقق شيئا لجعلنا في مأمن" فتبين ان تصور الرئيس الأميركي للديمقراطية في الشرق الأوسط يصدر عن مقاربة وظيفية وأنانية معا. فرئيس الدولة الأقوى في العالم يخشى أن يقود التقاء انعدام الحرية لدينا وما يولده من "التشنج ومشاعر الامتعاض والعنف الجاهزة للتصدير" مع "انتشار أسلحة الدمار الشامل" إلى إلحاق "ضرر كارثي ببلادنا وبأصدقائنا" الأمر الذي يجعل "القبول بالوضع الراهن عملا طائشا". ديمقراطية الشرق الأوسط ضرورية لكي يكون الغرب في "مأمن"!
فيما عدا قيامه بتجهيل الفاعل وتوزيع دم الحرية الشرق أوسطية المهدور طول 60 عاما (لماذا 60 عاما بالمناسبة، وليس 87 أو 55؟) على قبائل الغرب جميعا، يخضع الخطاب ديمقراطيتنا الموعودة لنظام الأمن الأميركي والغربي. وضمن هذه المقاربة تقوم الديمقراطية بدور أداتي في خدمة العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وإنما على هذا المستوى يتبين أنه ليس هناك تغير في تعامل الأميركيين مع العالم العربي. فالمقاربة الوظيفية ثابتة فيما وراء تغير الإيديولوجيات المشرعة والأخطار المهددة والتحالفات المقترحة. في زمن الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة اليمين الديني العربي، دولا وأحزابا، ضد الحركة القومية العربية وضد الشيوعية المحلية والدولية. وحين انتهت الحرب الباردة وحقق اليمين الوكيل انتصارات عظيمة حقا على عدويه بدأ انحداره وتم التخلي عنه مثل أية أداة انتهى مفعولها. والطالبان والقاعدة ونظائرهما وأمثالهما في السعودية هم ضحية تناقض المقاربة الوظيفية الأميركية: لقد "انتصروا" لكن كقوى وكيلة تقوم بوظيفة في خدمة غيرها، ونصرها بالتالي من حق هذا الغير. هذه القوى هي الاستمرار الحقيقي للسياسة السعودية الرسمية في الستينات وما بعدها، لكنها لا تدرك أنها مجرد أدوات وان شروط توظيفها قد انتهت، الأمر الذي تواجه السعودية ذاتها صعوبات في استيعابه والتكيف معه. 11 ايلول هو ذروة تمرد هؤلاء الوكلاء على وضعيتهم كمخلوقات وظيفية. لكن كما كانت ذروة نجاح الحركات والدول الوظيفية هي لحظة سقوطها وضياع "رسالتها" ونفولها، فإن ذروة تمردها على الأداتية واكتسابها "الحرية" هي لحظة لعنها وإخراجها من النعمة؛ إنها إبليس الإله الأميركي.    
خطاب بوش يلتزم بثوابت المقاربة الأميركية الوظيفية للشرق الأوسط، كمنبع للنفط وصنبور تحكم بأسعاره، أو كموقع استراتيجي في التنافس الدولي، أو كمصدر لمخاطر مهددة للأمن الغربي والأميركي (والإسرائيلي)، وهي مقاربة تتعارض مع اعتبار شعوب المنطقة ودولها فاعلين سياسيين مثل غيرهم، صانعين لتاريخهم مثل غيرهم، منتجين للتغيير والتمثيل والديمقراطية (وليس مجرد متقبلين لها) مثل غيرهم. بهذا المعنى وظيفة الخطاب (الهيمنية) تتحكم بمضمونه (الديمقراطي).
لكن ليست السياسة الأميركية في "الشرق الأوسط" هي المسؤولة الوحيدة، ولا حتى الأساسية، عن كوننا لسنا "مثل غيرنا". إن نقد السياسة الأميركية ضروري وفي مكانه، لكنه لا يكون مفيدا إلا ضمن إطار سياسي يقوم على قواعد الشفافية والعقلانية والمسؤولية، اي ضمن إطار ديمقراطي، وإلا فإنه مرشح لن يكون نوعا من القدرية والهروب من المسؤولية. والواقع  أن هذه بالفعل سمة معظم النقاش العربي حول السياسة الأميركية، بما فيه النقاش الرسمي. فالإفراط في نقد السياسة الأميركية وتحميلها المسؤولية عن كل شيء يعكس التسليم بمحورية الدور الأمريكي المحوري وبأن لا فاعل إلا أمريكا في الشرق الأوسط (بقدر ما يتعلق الأمر بـ"الشرق الأوسط" فإن مبدأ "لا فاعل إلا أمريكا" هو بالفعل مسألة تعريف)، وبالطبع انعدام الثقة بالنفس والتخلي عن حكم الذات. 
إن المقاربة الوظيفية حصيلة تفاعل المصلحة والقوة الأميركية في المنطقة مع ضعف وتدني نوعية الردود عليها. لقد انتقدت الأنظمة العربية ووكلائها الثقافيين دعوة بوش بوصفها نوعا من الوصاية، لكنها تنكر على شعوبها الاستقلال والأهلية السياسية وتمارس الوصاية عليها. والمشكلة أن دورة حياة هذه الأنظمة تنفتح على الانحلال والتفسخ ولا تنفتح أبدا على التحول الديمقراطي( وانحلالها وليس انفتاحها هو الذي يتيح في دول عربية عديدة القليل الملاحظ من التعبير السياسي والثقافي المستقل). لا تستطيع هذه الأنظمة في خريفها ان تقاوم الأميركيين ولا أن تفاوضهم للدفع نحو تعامل مختلف. وهي من ناحية ثانية لا تغير في هياكلها وسياستها شيئا. وشللها هذا، حتى وهي ترى السكين قريبة من رقبتها، يرجح أن ما يقوله بوش هو الذي سيمشي. ومنذ الآن يبدو أننا نمشي صوب دول محدودة القمعية لكنها أيضا مخفوضة السيادة، اي أن ثمن الحد من احتكارها للعنف في الداخل هو تنزيل مرتبة سيادتها الخارجية وتمثيلها لمجتمعاتها. هذا هو الاتجاه الأرجح للديمقراطية في الشرق الأوسط. ولعله الاتجاه العادل أيضا: فمن يعطي الديمقراطية يحدد طبيعتها، ولن ننال ما لا نستحق.
دمشق 11/11/2003



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- رياض سيف والإصلاح السوري
- الفلسطيني الذي فجّر الهويات
- السلطة و... التوبة
- السياسة المبدئية والسلطة والدستور
- الاستبداد والطغيان تأملات سياسية
- المكاسب العالمية من المساواة
- سورية وعراق ما بعد صدام: التفاعلات الإيديولوجية لسقوط نظام ا ...
- سورية وعراق ما بعد صدام: الآثار الجيوسياسية للسيطرة الأمريكي ...
- انفصال الأكراد هو الحل
- ما وراء حرب البترول الثالثة
- الحرب الأمريكية والديمقراطية العراقية
- حوار مع خطـاب الرئيـس بشار الأسد
- الشارع ليس في الشارع
- أزمـة الـحـركـة الـديـمـوقـراطـيـة الـسـوريـة ومـسـتـقـبـلـه ...
- الأبعاد الإقليمية للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط
- نهاية عصر الحكام الأقوياء في المشرق العربي
- حصة العرب من المستقبل تقاس بمقدار حصتهم من بناء داخل خاص ب ...
- عصر تنظيمات- أمريكي؟


المزيد.....




- - هجوم ناري واستهداف مبان للجنود-..-حزب الله- ينشر ملخص عملي ...
- -بلومبرغ-: البيت الأبيض يدرس إمكانية حظر استيراد اليورانيوم ...
- انعقاد قمة المؤسسة الإنمائية الدولية في نيروبي بحضور القادة ...
- واشنطن: خمس وحدات إسرائيلية ارتكبت -انتهاكات- بالضفة الغربية ...
- السلطات الألمانية تدرس اتخاذ إجراءات عقب رفع شعار -الخلافة ه ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي ينتقد أردوغان بسبب موقفه من الحرب ع ...
- الأمير محمد بن سلمان يتحدث عن إنجاز حققته السعودية لأول مرة ...
- زاخاروفا تذكّر واشنطن بمنعها كييف من التفاوض مع روسيا
- الحوثيون: استهدفنا مدمرتين حربيتين أمريكيتين وسفينة بالبحر ا ...
- وفد من -حماس- يغادر القاهرة ليعود برد مكتوب على مقترح صفقة ا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ديمقراطية بالوكالة