أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسين الحاج صالح - أفق مراجعة الإشكالية القومية















المزيد.....

أفق مراجعة الإشكالية القومية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 711 - 2004 / 1 / 12 - 05:04
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


كلا على حدة او كتلة، الدول العربية اليوم اقل استقلالا مما كانت في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته. وهي الى ذلك اقل وزنا دوليا، أضيق آفاقا، ادنى تفاعلا فيما بينها، اقل اندماجا داخليا، أضعف ثقة بالنفس، واحتياطيها من الممكنات على اي من هذه الصعد قريب من الصفر. وإذ هي لم تنجح في التصرف كتلة فإن أيا منها لم تسجل فرقا ذا بال في التصرف المؤثر منفردة.
كيف نقارب هذا الواقع؟
نصدر عادة في تفكيرنا بالشأن العربي عن اشكالية تقابلية: كتلة عربية او دول منفردة، او وفقاً للغة القومية العربية عن ثنائية قومي/ قطري. ومن الطبيعي أن تكون النتيجة التي نصل اليها واحدة من اثنتين: إن الرابطة العربية هي التي تمنع الدول المفردة من التحرك الطليق في عالم الحداثة والعولمة، او بالعكس إن ضعف هذه الرابطة وانفراد الدول العربية هو السبب في عجزها عن تحقيق تقدّم منسجم على الصعد التنموية والاستراتيجية والديموقراطية.
لكن الملاحظ أننا لسنا حيال عجز عن التصرّف "القومي" يفتح الآفاق "القطرية"، ولا حيال عجز عن التصرّف "القطري" مترتب على كون الآفاق "القومية" مغلقة او غير مواتية. فالعسر الذي تعاني منه الفكرة العربية على المستويين الفكري والمؤسسي لم يحرر "الدولة القطرية" كما قد يفضل "القطريون" او الوطنيون المحليون، لكن هذا العسر ليس كذلك السبب في عجز أوتكرار فشل "الدول القطرية" كما قد يفضّل "القوميون". والأرجح أن العجز عن العمل القومي والقطري معاً يرجع الى عجز أعم عن العمل لا يجد أسسه التحليلية أو العملية في إطار إشكالية قومي قطري. فالدولة العربية ليست عاجزة لأنها دولة "قطرية"، ولا لأنها تمارس سياسة قومية وتضحي من اجل العرب أجمعين كما تحب بعض نخبها ان تصور الأمر. فإذا أردنا فهم شلل هذه الدولة الدول فيجب ان نبحث عنه في مكان آخر. وهذا المكان الآخر هو بنى السلطية الداخلية وأنماط ممارسة السلطة في هذه الدول. وهي بنى وأنماط لا تشتق من "الوطنية القطرية" ولا من "القومية العربية"، حتى لو تمفصلت مع تلك وهذه بأشكال مختلفة خلال نصف القرن المنصرم.
تنقلب الاشكالية من هذا المنظور انقلابا تاما. فالدول التي نفضت يدها من اية سياسة "قومية" عربية لم تستطع ان تمارس سياسة "وطنية" محلية منسجمة ومثمرة. وهذا بالضبط لأنها لم تستطع، قبل هذه وتلك، ان تكون دولاً وطنية حديثة. فلم يعد الخيار ولعله لم يكن يوما، بين ان تكون هذه الدول قومية او وطنية بالمعنى الشائع للكلمتين، بل ان تكون دولا حديثة (وبالتالي وطنية فعلا، وربما "قومية") او ان لا تكون. ومن منظور الدولة الحديثة لا يمكن لانفساح فرص العمل العربي المشترك ان يتأسس على غير انفساح الآفاق امام القوى الاجتماعية والسياسية في كل من الدول العربية. والعكس صحيح. فلو حصل بمعجزة ما ان اندمجت الدول العربية الحالية في دولة واحدة فسيكون هناك 22 حزبا انفصاليا في هذه الدولة. وبالعكس، لو كان في كل من هذه الدول 22 حزبا سياسيا وتيارا إيديولوجيا حرا فإن من المحتمل جدا ان يكون احد محاور تنافسها هو من منها يسبق الى شكل مثمر من اشكال التعاون العربي.

الأمة علاقة وليست كياناً
إذا لم نكتشف الأمة في داخل كل بلد فلن تكون الأمة العربية غير تجريد بلا مضمون من النوع الذي تتاجر به أنظمة دكتاتورية لتأبيد نفسها. وهذا لأن الأمة نظام حكم ديموقراطي ورابطة سياسية مدنية قبل ان تكون "قوماً" أو رابطة ثقافية او لغوية. وهي علاقة اجتماعية بين الافراد الاحرار وليست جوهرا او كيانا او مجموعاً. والأمر بكل بساطة ان الديمقراطية في عصرنا ليست الصيغة الوحيدة لحكم الأمم بل لوجود الأمم بالذات. ولا نقصد بذلك بقاء الأمة او صمودها في مواجهة التحديات بل كون الأمة غير الديموقراطية مفهوم متناقض او متهافت ذاتيا. بل إن الأمة حتى بالمفهوم الثقافي او الماهوي تواجه خارج تنظيمات الديموقراطية واحدا من خيارين لا ثالث لهما: الانحلال، او التحجر في اختلاف انثروبولوجي محض.
هناك اليوم معنى واحد لأن تكون الدولة دولة وطنية حديثة، هو ان تكون دولة ديموقراطية. وهذا نقيض المعنى الايديولوجي الدارج الذي يكاد يرسخ ارتباطا ثابتا بين وطنية الدولة واستبداديتها. ومن المرجح انه بقدر ما تكون الدول العربية وطنية بهذا المعنى فإنها ستجد العمل العربي المشترك هو الأفق الأقرب والأنسب (لكن ليس الحصري بالضرورة وليس من المرغوب ان يكون الحصري) لتقدمها والبيئة الطبيعية لحياتها وتفاعلها. فبما هي الصيغة الوحيدة للدولة الوطنية فإن التنظيمات الديموقراطية هي ايضا البيئة الاكثر صحية لممارسة سياسة قومية عربية. ثم إن الديمقراطية ايضا هي الاطار الوحيد لتجديد شباب الفكرة العربية ولنشوء موجة قومية جديدة. وبالعكس لم يفض الاستبداد إلا الى "بهدلة" الفكرة العربية وتشويه سمعتها وتنفير الناس منها، وهو ما ينسجم تماما مع الأجندة الاميركية في المنطقة العربية منذ ستينيات القرن العشرين وحتى اليوم.
إن الإشكالية "القومية" التي اعتادت أن تدير ظهرها للمواطنين الافراد وبناء دولة الحق والحريات العامة واستقلال المجتمع المدني وتداول السلطة لم تثمر غير حلول فوقية وشكلية زادت المشكلات العربية تعقيدا بدلا من ان تبسطها. واستمرارها اليوم لم يعد يتيح حتى هذه الحلول، إن لم نقل إنه يغطي سياسات استبدادية تقوّض الاستقلال "الوطني" والتعاون "القومي" معاً، ومضمونها المحتوم هو الالتحاق التبعي بمعسكر الغالبين. وبالعكس لا يمكن للفكرة القومية أن تجدّد حيويتها إلا من نافذة اشكالية الديمقراطية والاستبداد. ويستحيل ان تكتسب هذه الفكرة مضمونا ديمقراطيا دون ان تتجاوز مطلب الاستقلال والتحرر من السيطرة الاستعمارية نحو بناء التنظيمات الديمقراطية الداخلية. وإنما بدأنا العودة الى العصر الاستعماري بسبب الفصل بين الوطنية او القومية المناهضة للامبريالية (وهي تنحدر اليوم الى مستوى "سياسة الهوية" وصناعة الكاريزما) وبين الوطنية او القومية المبنية على الموطنة والحرية والمساواة.
المسألة كلها بالتالي في نمط ممارسة السلطة وهياكل الحكم ونوعية العقد الاجتماعي في الدول العربية، وليست في الايديولوجية التي تعتنقها النخب الحاكمة. ولذلك حين تكون هذه الدول غيرالديمقراطية اقل "قومية" فإنها لا تكون أكثر "وطنية"، وحين تكون اقل نرجسية محلية فإن العروبة لا تكسب شيئا لأننا في كل الحالات نبقى في عالم الايديولوجيا وحده.
دمشق 3/7/2003

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسين الحاج صالح - أفق مراجعة الإشكالية القومية