أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - دولة في العالم أم دولة العالم















المزيد.....

دولة في العالم أم دولة العالم


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 710 - 2004 / 1 / 11 - 03:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعتدنا خلال العقد الأخير من القرن العشرين أن نقول إن الولايات المتحدة قطب دولي أو القطب الدولي الأوحد دون أن نشعر بوجود مشكلة في هذا القول: ترى كيف تكون دولة محددة، دولةـ أمة متوضعة في موقع بعينه من العالم، قطباً عالميا في الوقت ذاته، أي قوة ذات تخطيط سياسي كوني وإرادة صريحة لتشكيل العالم؟ كنا قد عبرنا عن هذا التناقض في مقال سابق حين رأينا أن الولايات المتحدة تحد دول العالم جميعا كأنها في مكان وفي كل مكان. من الواضح أنه ليس لهذا الكلام معنى بالنسبة للولايات المتحدة الدولة، وأننا لا نتقدم كثيرا في فهم المشكلة بقولنا إن الولايات المتحدة دولة لا كالدول. لكن هذا الكلام يتخذ كامل معناه حين ننظر إلى الولايات المتحدة كقطب دولي أوحد، أي بوصفها "الإقليم القاعدة" للعالمية إن جاز هذا التعبير المستعار من  د.نديم البيطار في نظريته عن الحاجة إلى "قطب" جاذب أو متدخل في عمليات التوحيد القومي.
جوهر المشكلة التي يتوجب على الفكر أن ينيرها هي الطبيعة المزدوجة للولايات المتحدة كسلطة إقليمية من ناحية وكسلطة عالمية من ناحية أخرى، والسؤال المطروح في هذا السياق هو: ما هي القواعد  التي تخضع لها ممارسة السلطة في الحالين؟ أي ما الذي يجعل من هذه السلطة شرعية؟ وهل تستمد شرعية السلطة الدولية للولايات المتحدة من شرعية سلطة الدولة الأمريكية في إقليمها ومجتمعها؟ بعبارة أخرى، هل القواعد القانونية والمؤسسية التي تضبط ممارسة السلطة في الولايات المتحدة كدولة هي ذاتها القواعد التي تضبط  ممارستها للسلطة على الصعيد العالمي، أم أن علم السياسية والعلاقات الدولية بحاجة إلى مقولات ومفاهيم وقوانين وأطر تنظيمية جديدة لاستيعاب وضبط هذا النوع من توسع السلطة وامتدادها أو فيضها خارج منابعها الأصلية؟
من الواضح أن الضربة الأليمة التي تلقتها الولايات المتحدة في 11 أيلول الماضي، ثم ما يسوغ لنا أن نسميه إعلان ذلك البلد حالة الطوارئ العالمية قبل أن يبدأ بالمرحلة الأول من رده الحربي على "الإرهاب"، المرحلة التي ستتلوها مراحل أخرى حسبما قال جورج دبليو بوش، هي خلفية طرح هذه الأسئلة ومصدر شرعيتها العقلية. نحن أمام أزمة عالمية ستترك آثارها على العلاقات الدولية وأنظمة السلطة الداخلية على حد سواء. وككل أزمة كبرى وشاملة فإنها تثير أزمة في أدوات العقل، أي في حالتنا هذه، في مفاهيم العلم السياسي ونظرياته ومذاهبه .
- 2 -
سنبدأ بمحاولة الإجابة على الأسئلة التي طرحناها من النهاية، إذ مازال الوقت مبكراً جدا على تقديم إجابة يقينية على أي منها. أول ما نسجله في هذا الصدد هو أن النظام الدولي لا يشبه النظام السياسي الأمريكي في قواعد عمله ومصادر شرعيته. فالنظام الأمريكي نظام ديمقراطي تمثيلي يتوفر على إجراءات للتأكد من تطابق تمثيليته مع مبادئ الحرية والسيادة الشعبية وتداول السلطة التي ينبني عليها الدستور الأمريكي. لا شك أن من الممكن نقد هذا النظام، لكن فقط من وجهة نظر هذه المبادئ بالذات التي لا منافس جدياً لها في عالم اليوم. بالمقابل فإن النظام الدولي نظام لا ديمقراطي، بل هو نظام إقطاعي وزبائني في علاقاته السياسية، نظام يقوم على مراتبية ثابتة وعلى الولاء أو القرب والبعد من قمة السلطة العالمية. وهو في هذا شديد الشبه بالأنظمة الاستبدادية في العالم الثالث. يبدو كما لو أن الغرب المتطور قد أقصى الصور الفائتة من نموه إلى الخارج، واستطاع بذلك أن يوسع من داخله السياسي والاجتماعي ويضمن لذاته الشباب والمستقبل، ويصون فرصه في التقدم والارتقاء. وبالعكس، فإن ديناميكية توسيع الداخل الغربي وإقصاء الماضي إلى الخارج قد حكمت بدرجات متفاوتة المصير السياسي لبلدان المحيط التي كثيراً ما أنشأها الغرب وزرع عليها الحدود والدول والسكان وفقاً لحاجاته. من هنا تتفاوت دول العالم في حيازتها على داخل وطني واجتماعي قابل للحياة والتطور. فالديناميكية البناءة  والتوسعية في جانب هي ذاتها ديناميكية هدم وانكماش وتضييق في جانب آخر. وبينما تساعد هذه الديناميكية في مواطن منشئها على وحدة الداخل والحاضر وعلى إقصاء الماضي نحو الخارج وبالتالي ريادة المستقبل، فإنها تعمل على تفكك هذه الوحدة في التخوم العالمية التي تجد نفسها منقسمة بين داخل منكمش بلا حاضر ومستقبل ولا يتماسك إلا بالاستناد إلى الماضي، وبين حاضر هش بلا داخل وطني واجتماعي مؤسسي ولا يتماسك إلا بالاستناد  إلى الخارج. وبقدر  ما يعني الحديث  عن داخل/حاضر وطني في القطب المتقدم من العالم وحدة السلطة والشرعية، النظام والحرية، التغير والاستقرار؛ فإن انفكاكهما سيعني تخارج السلطة والشرعية، انزلاق النظام إلى القمع والحرية إلى  الفوضى، والتضحية بالتغيير على مذبح استقرار راكد أو بالاستقرار دون تغيير مثمر.
ولعل الدول العربية من أبرز دول العالم انقساماً وتمزقاً بين الاستناد إلى الخارج أو الاستناد إلى الماضي، أي بين شكلين من أشكال التبعية والاغتراب لا ينفي أحدهما بالضرورة الآخر. فافتقاد الداخل للقدرة على الجذب والتشكيل، أي ببساطة هشاشة الدولة الوطنية، تدفع مجتمعها إلى التماس التماسك والصلابة لا من الحاضر ومعاييره الحضارية بل من الخارج الذي يمثل في عين بعض نخبها المستقبل أيضاً. أما وهن الحاضر وانعدام كثافته فيدفع المجتمع إلى الحنين إلى الماضي الذي يبدو في عين قسم آخر من النخبة هوية وسكناً. وعلى كل حال تعكس إشكالية الأصالة والمعاصرة، أو التراثية والحداثة، هذا التأرجح المستمر للوطنية الحديثة في بلداننا بين ماضٍ منيع على الاستحضار والعصرنة وخارج ممتنع بدوره على الدمج والاستيعاب والتوطين.

                                     ـ3ـ
القصد من رصد هذه الجدلية هو تحويل إشكالية دراسة النظام العالمي من الوقائع الشكلية للدولة التي تقدم العضوية في الأمم المتحدة  والمنظمات الدولية الأخرى لها وهم المساواة مع غيرها إلى الوقائع الحقيقية لديناميكية البناء والتشكيل والتوسع الحضاري وما يرتبط بها من توسعية سياسية وسيطرة.
والقصد الآخر المتصل بموضوعنا هو بيان انه ليس ثمة جدلية داخل / خارج متماثلة حيثما كان. فبينما يخضع الخارج لحاجات التطور الداخلي بالنسبة للدول التي تحتل المواقع العليا في مراتبية السيطرة العالمية، فإن الداخل يخضع لمنطق حاجات التطور الخارجي بالنسبة لدول المواقع السفلى. وعلينا في هذه النقطة أن ننظر إلى توزيع الداخلية والخارجية على الصعيد  العالمي. فلا شك أن الولايات المتحدة هي الداخل العالمي بامتياز، أو بعبارة أبسط قلب العولمة النابض، وأن شؤون دول العالم الأخرى هي شؤون داخلية بالنسبة لها. وهذا هو مغزى إلحاق دول أمريكا اللاتينية ودول الخليج العربي بدائرة الأمن القومي الأمريكي.  فهذا الإلحاق يقدم صورة مكثفة عن ميل السياسة الأمريكية إلى مطابقة سلطة الولايات المتحدة  كدولة مع سلطتها كقطب دولي. وفي نفس الوقت الإصرار على اختلاف، بل تعارض، قواعد الشرعية في الحالتين. وبينما تمثل الدولة الأمريكية في أرضها نموذجاً لتطابق السلطة والشرعية، فإن السلطة الدولية للولايات المتحدة هي نموذج لسلطة بلا شرعية. والقطب المقابل لهذا الوضع بالضبط هو حالة الأمم المتحدة حيث نجد شرعية بلا سلطة. من هنا التناقض في الدور العالمي للولايات المتحدة. فهي تريد ممارسة السلطة العالمية دون الالتزام بقواعد للشرعية ودون الاعتراف بحقوق لـ "الرعايا" الدوليين. والحقيقة أننا بذلك لا نعدو صياغة المفارقة ذاتها بعبارة أخرى، أعني المفارقة المتمثلة في كون دولة محددة كغيرها من الدول من حيث المبدأ والشرعية الدولية تريد أن تكون دولة لا كغيرها من حيث الواقع والسلطة العالمية. إنها ازدواجية الدولة الخاصة والقومية من جهة والقطب العام والعالمي من جهة أخرى. من هنا أيضاً محاولة هذه السلطة العارية من الشرعية على الصعيد العالمي انتحال الشرعية العارية من السلطة للأم المتحدة حيثما أمكن لها. وهنا يلعب مجلس الأمن دوراً هاماً في تحوير الشرعية ووضعها في خدمة السلطة العالمية للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد انهيار القطب الدولي الآخر: الاتحاد السوفييتي.
_3
قد نعبر عن جوهر الأزمة العالمية التي أشرنا إليها سابقاً بأنها وجود سلطة عالمية جبارة بلا شرعية، إن لم نقل إنها مضادة للشرعية. وهذا هو عل كل حال رأي نعوم تشومسكي الذي يرى في الولايات المتحدة الدولة المارقة أو العاصية rogue state الأولى على الصعيد العالمي. إن المعضلة المطروحة على العالم اليوم  لتجنب حالة من الفوضى العالمية هي استصلاح قواعد للشرعية والحق تضبط ممارسة السلطة على المستوى الدولي. في هذا الإطار يمكن للثلاثاء الأمريكي الأسود قبل شهر من اليوم أن يكون مناسبة لمراجعة عالمية تبحث  في سبل إخضاع السلطة المنفلتة من عقالها للشرعية الإنسانية. ولا نشك في أن مبادئ الشرعية المطلوبة للسيطرة على السيطرة الجديدة لا تختلف في جوهرها عن مبادئ الشرعية الديمقراطية القائمة في البلدان القوية الغنية. بعبارة أخرى إن المطلوب هو تعميم الديمقراطية على الصعيد العالمي بهدف خلق بيئة عالمية آمنة تحد من صعود الانفجارات العدمية والميول الانتحارية لدى "معذبي الأرض". لقد تطور العالم كثيراً وتداخل وتشابك، لكن  توزيع فرص التطور والنمو والأمل فيه لا يزال خاضعاً لقواعد مضادة للعقل والعدل معاً. والخيار اليوم هو إما تعميم الديمقراطية والمساواة والتقدم، وهو يعادل ثورة سياسية عالمية باتت مطروحة على جدول أعمال الإنسانية؛ أو الغرق في فوضى عالمية مكلفة ومؤلمة قدمت أحداث واشنطن ونيويورك والحرب الأمريكية البريطانية ضد أفغانستان مجرد "بروفة" أولية عليها. ولعل لهذه الأحداث الأخيرة فضيلة أنها هزت الطمأنينة الزائفة لدى أقوياء العالم وبرهنت لهم بالملموس أن الأمن لا ينال بالقوة وحدها. إن الوفاء الحقيقي الأرواح الضحايا يتمثل في إصلاح النظام العالمي وبناء نظام عادل على قاعدة من التكافؤ والحوار والتفاهم الإنساني، أي قطع الطريق على تضحيات عبثية جديدة. وبالعكس فإن الإمعان في طريق القوة والغطرسة سيمنح تبريراً كاملاً لقتلهم، ويأسر العالم في حلقة خبيثة من العنف والانتقام والبربرية.
دمشق 31/10/2001
   ـــــــــــــــ

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية


المزيد.....




- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- شاهد: حريق هائل يلتهم مبنى على الطراز القوطي إثر ضربة روسية ...
- واشنطن والرياض تؤكدان قرب التوصل لاتفاق يمهد للتطبيع مع إسرا ...
- هل تنجح مساعي واشنطن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
- لماذا يتقارب حلفاء واشنطن الخليجيين مع موسكو؟
- ألمانيا ترسل 10 مركبات قتالية وقذائف لدبابات -ليوبارد 2- إلى ...
- ليبيا.. حكومة الدبيبة تطالب السلطات اللبنانية بإطلاق سراح ها ...
- -المجلس-: محكمة التمييز تقضي بإدانة شيخة -سرقت مستنداً موقع ...
- الناشطة الفلسطينية ريما حسن: أوروبا متواطئة مع إسرائيل ومسؤو ...
- مشاهد حصرية للجزيرة من تفجير القسام نفقا في قوة إسرائيلية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - دولة في العالم أم دولة العالم