أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - نقاش حول الدفاع الوطني















المزيد.....

نقاش حول الدفاع الوطني


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 754 - 2004 / 2 / 24 - 18:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في سياق أي نقاش عقلاني حول قضايا الدفاع الوطني في سورية، ثمة ثلاث قضايا لا يمكن القفز فوقها:
1- لا يمكن لسورية كسب مواجهة عسكرية مع إسرائيل في المدى الراهن والمنظور.
2- لا يستطيع السوريون التخلي عن أرضهم المحتلة من قبل إسرائيل.
وبالتالي:
3- ينبغي أن يعمل السوريون على نيل حقوقهم بوسائل أخرى.
القضية الأولى حكم استقرائي مبني على ملاحظة حية ومعلومات متواترة، أهمها التعهد الأميركي الثابت بالحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري النوعي على العرب مجتمعين، وليس اقل أهمية يقينية حيازة إسرائيل لأسلحة نووية قادرة على تدمير العواصم العربية جميعا وقتل عشرات الملايين من سكانها. وقد أمكن لإدراك واقع اللاتكافؤ العسكري هذا أن يبلغ في الشهور الأخيرة حتى تصريحات علنية لمسؤولين سوريين، وبالخصوص عقب الغارة الإسرائيلية على موقع عين الصاحب (الناطقة باسم وزارة الخراجية بشرى كنفاني، رئيس مجلس الشعب محمود الأبرش). ولهذه التصريحات قيمتها لأن إيديولوجية هؤلاء المتكلمين بالذات ترتكز على فكرة مواجهة العدو وعلى عدم جواز ارتفاع أي صوت فوق صوت هذه المواجهة. ثم ان نظام الحكم الذي يشغلون مواقع مهمة فيه لا يستمد تسويغا يشرعه من غير الإحالة إلى حالة الحرب القائمة ضد إسرائيل.
والقضية الثانية مسلمة لا تحتاج إلى إثبات لأن سلامتها مؤسسة على وجودنا كجماعة وطنية وكدولة حديثة. وإذ لا ينبغي أن تغطي على الحقيقة الأولى أية نزعات بطولية أو عواطف وطنية فإنه ما من سياسات براغماتية يمكن أن تلغي القضية الثانية. وبينما تصدر القضية الأولى عن تصور عقلاني للسياسة وتفترض استقلال الشؤون التخصصية، العسكرية والدفاعية والأمنية، عن العقائد الاجتماعية، فإن القضية الثانية تستعيد البعد العقائدي للوطنية لكن على أرضية معرفة صاحية للواقع.
هذا يفضي مباشرة إلى القضية الثالثة: علينا التحول نحو سبل أخرى لمواجهة المحتلين. هذه أسس ثلاثة لإجماع سوري في مجال الأمن الوطني تصلح أرضية للنقاش العام، أي لاختلاف المواقف وتعددها وتعارضها.
ما هي سبل المواجهة الأخرى؟ توضيح السبل غير المناسبة اسهل. قد ينبغي أولا نزع الطابع العسكري عن مواجهتنا مع إسرائيل (وأميركا) لأنهما تتمتعان بأفضلية مطلقة في هذا الميدان. فالثبات على عسكرة المواجهة يجعلنا في مثل حال شخص هزيل مدنف يصر على مواجهة ملاكم محترف في حلبة الملاكمة: لو أنه يجرب منافسة أخرى لربما كانت حظوظه أقل سوءا، ولو سعى بثبات وبصورة منسجمة من أجل هدنة يعيد ترميم نفسه فيها لكانت احسن. باختصار الحرب والمواجهة العسكرية هما طريق الهزيمة والاستسلام في وضعنا الراهن.
لكن لعلنا لا نحتاج إلى مجرد نزع الطابع العسكري لمواجهة أعدائنا بل إلى نزع إيديولوجيا المواجهة، وإلى مواجهة جدية مع الذات. هذه عملية واسعة تتضمن تغييرات كبرى سياسية وفكرية بما فيها "تغيير أنظمة" و"إعادة رسم خرائط" جغرافية وعقلية. وإذا لم نبادر إلى التأثير في هذه العملية التي بدأها الأميركيون فستتم غصبا عنا وعلى حسابنا. واتجاهها الأرجح في هذه الحالة هو التحرر من العدو بالتخلص من الذات، اي تقويض ركائزها السياسية والثقافية والقيمية. وهذا بالفعل هو الحل الجذري للمشكلات والأزمات العربية: حل العرب بدلا من حل مشكلاتهم. ويبدو ان هذا الحل يغري كثيرين، منهم عرب. وإغراؤه بالذات عرض انحلالي لا شك فيه.
ارتبطت العروبة بمواجهة إسرائيل وحمل قضية فلسطين والتطلع نحو الوحدة العربية وإرادة استقلالية. لذلك ليس من الغريب أن يوضع  نقد العروبة أو رفضها في سياق محاب لإسرائيل وطامح إلى الالتحاق بالأميركيين ومضاد للرابطة العربية.
الخوض في هذه القضايا محفوف بمخاطر الأهواء والحاجات الاعتقادية للمتكلمين وتفضيلاتهم الذاتية. كيف يمكن التغلب على هذه المخاطر؟ كيف نفاضل بين "خيارات" نزع العسكرة عن المواجهة أو نزع المواجهة أو نزع الذات؟ لا نتخيل سبيلا لذلك غير  نقاش عام ومفتوح لقضايانا العامة. فسواء تعلق الأمر بـ "مواجهة مع الذات" او بمواجهة العدو حربا او مفاوضة، أو بتحمل الأكثرية لتنازلات لاتطاق ولا بد منها في الوقت نفسه، فإنه لا مفر من تحرير النقاش العام. فهذه الآلية لا تضمن تعرفا أقرب إلى الواقع على أوضاعنا ومشكلاتنا، لكنها كذلك آلية لمطابقة خيارات نخبة السلطة مع ممكنات الواقع مع القبول العام.
لقد تمحور نظامنا السياسي والاجتماعي خلال أكثر من أربعة عقود حول اعتبارات تخص الحرب مع العدو، وألغيت مؤسسة النقاش الوطني بذريعة طارئ المواجهة العسكرية. أما وقد أمست الحرب ممتنعة من قبلنا لأسباب يمكن أن يقتنع بها جميع الناس، من حيث المبدأ، إذا طرحت أمامهم، فإن هذا الامتناع يفرض إعادة نظر جذرية في نظامنا السياسي. فقد كان عقدنا الوطني حربيا في جوهره ( نتخلى عن حقنا في الاختلاف من أجل نجاح التعبئة الدفاعية)، ولا يمكن للعقد إلا ان ينفسخ باستحالة الحرب. وانفساخ العقد دون تعاقد جديد، يقلل الحاجة إلى التعبئة ويضمن حق الاختلاف، لا يفضي إلا إلى التفسخ. ولكن هل يقتنع جميع الناس باستحالة مواجهة العدو عسكريا إذا طرحت المعطيات الواقعية أمامهم وأخذ رأيهم بالاعتبار؟ حسنا، هذا الافتراض من مسلمات العقلانية والديمقراطية على حد سواء.
 
العقيدة الرسمية السورية، الحربوية والعسكروية، اليوم في أزمة. فهي، من جهة أولى، لا تمدنا بأدوات ورؤى مناسبة لبلورة سياسة دفاعية عقلانية في ظل استحالة الحرب، وهي مع ذلك تشحن الإدراك العام بمواقف اندفاعية جمعية وتغذيه بانفعالات وأخيلة الحرب الوشيكة. ويمكن فهم مفارقة هذ العقيدة التي تعبر عن العقد الوطني بقدر ما نتبين أن وظيفتها المشرعة للسلطة تتغلب على وظيفتها كقاعدة عقلانية للتفاعل الوطني، بما فيه وضع الخطط الدفاعية. فالتهييج الغوغائي والتركيز على مواجهة العدو وحالة الحرب الدائمة تضمن للسلطة درجة من التعبئة الاجتماعية حولها، أو على الأقل تجعل الانشقاق مكلفا ويسهل قمعه. وإذا كان تشريع السلطة يقتضي حربا غير ممكنة في الواقع الفعلي فإنه لا بد من صنع واقع لا يتسع لغير الحرب، بل لغير الانتصارات. وإذ تنجح العقيدة الرسمية السورية في التأكيد على تحقيق انتصارات متتالية في جميع الميادين، فلأنها نجحت قبل ذلك في إنتاج واقع مستقل لا مجال فيه لغير الحرب والنصر.
جوهر أزمة العقيدة الرسمية أن واقعها لا يستقيم دون تجاهل الواقع الحقيقي، واقع استحالة المواجهة العسكرية. لكنها بدلا من ان تتيح لنا إدراك الواقع فإننا محتاجون لتحليل وقائع السلطة كي نفهم هذه العقيدة. فالغوغائية التهييجية المميزة لها هي، بكل بساطة، منهج للحكم وليس منهجا للدفاع الوطني.
قد يضمن التهييج دوام نظام واحدي مغلق لكنه يقوض فرص أي نقاش عقلاني حول مشكلاتنا الأمنية والاستراتيجية والعسكرية ويقوم بدور مقاوم لإدخال تغييرات حيوية على النظام السياسي. وهو ما يعني أن نظام الحكم دخل في تناقض جذري مع أداء الوظائف الحيوية لأي اجتماع سياسي حديث: النقاش العام بوصفه آلية للتعرف على المشكلات وتشخيصها، ومدخلا لبلورة آليات تغيير ذاتية تتيح تنمية طاقة التكيف الكامنة للنظام.
دمشق 10/2/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد الموت السيء
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - نقاش حول الدفاع الوطني