أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عرب وأميركيون وديمقراطية















المزيد.....

عرب وأميركيون وديمقراطية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 900 - 2004 / 7 / 20 - 06:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست قضية الديمقراطية بؤرة تناقض بين العرب والأميركيين بقدر ما هي مصدر تناقض عميق يسم سياسات ومواقف كل من الطرفين حيال الآخر وحيال الديمقراطية.
يتمثل تناقض السياسة الأميركية في الرغبة في دمقرطة العالم العربي وإصلاحه من جهة، ومن جهة أخرى الخشية من أي يفضي الإصلاح والدمقرطة إلى انتصار قوى أشد عداء للسياسات الأميركية من الأنظمة غير المنتخبة الحاكمة في البلاد العربية. وينسب تقرير صدر عن المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات في 7 حزيران الماضي لكل من مارينا أوتواي وتوماس كاروثرز تشخيصا للتناقض عينه يسم مبادرة الشرق الأوسط الكبير الأميركية: "التعارض بين رغبة صناع القرار الأميركية المعلنة في تحويل عميق للمنطقة وبين المصلحة المضمرة في الحفاظ على ما أقاموا من علاقات مفيدة مع حكومات العديد من الدول غير الديمقراطية فيها".
في الناحية العربية يأخذ التناقض مظهرين وفقا لما إذا كنا ننظر من جهة "حكومات الدول غير الديمقراطية" او من جهة حركات المعارضة الديمقراطية (بما فيها إسلاميون كثيرون).
من جانبها تطالب الحكومات العربية الولايات المتحدة بالتدخل لحل النزاع العربي الإسرائيلي وترفض في الوقت ذاته أية ضغوط من قبل واشنطن للإصلاح والانفتاح السياسي. فهي تسلم بحاكمية الأميركيين فيما يخص ما كان يسمى قبل 11 ايلول 2001 "أزمة الشرق الأوسط"، لكنها تفعل ذلك على أرضية احتكار مطلق للحاكمية في مجتمعاتها. وتمثل قضية الإرهاب نقطة افتراق بين الطرفين. فالأنظمة العربية تميل إلى تفسيرها بالانحياز الأميركي لإسرائيل فيما تفضل واشنطن أن ترى الإرهاب ثمرة أنظمة فاسدة ودكتاتورية تنشر ثقافة وقيما ما قبل حداثية.
دعاة الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي يعيشون تناقضا مماثلا. فهم موزعون بين نقد السياسة الأميركية ومعارضتها في ميداني الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقة مع الأنظمة الاستبدادية، وبين الرغبة في الاستفادة من الضغوط الاميركية الممارسة باسم الديمقراطية لإضعاف تلك الأنظمة والحد من قمعيتها. وهم يخشون ان يؤدي التركيز أحادي الجانب على نقد السياسة الأميركية إلى منح شرعية لدكتاتوريات تؤسس تحريم العمل السياسي المستقل على احتكار الوطنية (سواء وطنية عروبية أو وطنية دينية)؛ ومن جهة أخرى لا يرغبون في الاندراج ضمن المخططات الأميركية والتحول إلى بند فرعي في الأجندة الأميركية. ويمكن الكلام على ازدواج في المشاعر هنا: يريد الديمقراطيون والإصلاحيون أن تنضغط الأنظمة بما يكفي لإضعافها وكشف غثاثتها وهزال شرعيتها وتقييد ذراعها القمعية، لكنهم لا يريدون أن يرتقي الضغط إلى حرب أو احتلال لبلدانهم ولا ان ينجح الأميركيون في فرض نظم موالية لهم.
ونجد في الطرف الاميركي وفي الطرف (الطرفين) العربي على السواء من حسموا أمرهم ورجحوا إحدى كفتي التناقض غير مبالين بالنتائج. من هؤلاء الثوريين المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الذين يرون أن "التحويل العميق للمنطقة" هو الذي يضمن المصالح الأميركية على المدى الابعد. لكن يبدو أن الفوضى التي نجمت عن مشروع الهندسة الاجتماعية الطموح في العراق قد اضعفت هذا الطرح. ورغم الكلام الإنشائي حول سياسة أميركية تتمحور حول الديمقراطية في "الشرق الأوسط" فليس هناك اليوم ما يشير إلى أن واشنطن "مستعدة لأن تعرض للمخاطر علاقاتها الراسخة مع أنظمة شرق أوسطية لكنها تسلطية وأن ترهن مستقبلها بالمجتمع المدني وحركات المعارضة السياسية" كما يقول التقرير المشار إليه أعلاه.
من جهتها النظم العربية عاجزة عن حسم تناقضها. فهي لا تتخيل بديلا عن "السلام الأميركي" في "الشرق الأوسط" ، ولا هي قادرة على تقديم غير تنازلات ديمقراطية تجميلية لا تمتد إلى مسألة تداول السلطة ولا إلى انتخابات تعددية حقيقية. ونقطة قوتها هي إدراكها للمخاوف الأميركية من الفوضى أو من حكومات اكثر راديكالية أزاء واشنطن.
الطرف الأكثر معاناة من التناقض والأكثر عرضة للانقسام في الوقت نفسه هم الديمقراطيون العرب. فانحصارهم بين طرفين قويين وعجزهم عن بلورة "خط ثالث" فعال يتسبب بحالة شلل حقيقية. وهم اضعف من أن يستفيدوا من الضغط الأميركي لدفع النظمة المغلقة نحو درجة من الانفتاح، واضعف من ان يستطيعوا اللعب على التناقض بين الطرفين، واضعف من أن يفكر اي من الطرفين بالتحالف معهم (هذا لا يمنع ان يحاول هذا الطرف أو ذاك استخدام بعضهم ادوات ضغط على الطرف الآخر).
هناك مع ذلك من حسموا هذا التناقض الشال في هذا الاتجاه او ذاك. هناك ديمقراطيون او حداثيون مطلقون ملتحقون نظريا بالأميركيين (الاميركانية النظرية لا تعني بالضرورة التحاقا سياسيا بالأميركيين)، وهناك عروبيون أو إسلاميون مطلقون يضفون شرعية على الأنظمة القائمة حتى لو لم يلتحقوا بها سياسيا. وهناك بالطبع مزاج "قاعدي" شعبي، متفاوت الانتشار، يحل التناقض عبر الرفض التدميري لكلا الطرفين أو "الطاغوتين". هنا أيضا ليس من الضروري للقاعدية الشعبية، أعني الهوى المؤيد للحرب المطلقة ضد الأميركييين على منهج تنظيم القاعدة، أن تتحول قاعدية نضالية نشطة.
هناك مسلمة ضمنية في تحليل التناقضات السابقة: إن العلاقة بين المجتمعات العربية كما قد تعبر عن نفسها ديمقراطيا وبين السياسات الإقليمية للولايات المتحدة هي علاقة عداء وانعدام ثقة. وبين هذين الطرفين تحتل الأنظمة العربية موقعا خاصا وتبدو أشبه بوسيط غير نزيه بين مجتمعاتها وبين السلطة السيادية الأميركية. لذلك تطلب من الأميركيين ما تخفف به تشكك شعوبها حيالهم، وتطلب من شعوبها الوقوف إلى جابنها في وجه الضغوط الأميركية.
التحلل ثمرة الشلل المتولد هو نفسه من العجز عن حل التناقضات المشار إليها. والعجز بدوره ناشئ عن استحالة حل التناقض في ظل ثبات العلاقة العدائية بين العرب والأميركيين. وتجنب تلك الآفاق المظلمة غير ممكن في تقديرنا دون مراجعة وتعديل هذه العلاقة التأسيسية المكونة للشرق الأوسط الحديث، العلاقة بين مركز السلطة العالمية ومراكز السلطات المحلية، اي بين نوعين من السلطات غير المنتخبة وغير الشرعية. إذا صح هذا التحليل فإن للركود والتحلل والدم مستقبلا طيبا في المنطقة. الركود بفضل استقرار علاقة الأميركيين مع السلطات المحلية والاستناد إلى تلك العلاقة العليا لتحييد أو تعطيل الديناميات الداخلية في المجتمعات المحكومة. والتحلل بتأثير انسداد آفاق المجتمعات العربية وما يعنيه من عسر ابتكار واختبار حلول تاريخية إيجابية لمشكلاتها الحضارية والاستراتيجية والسياسية والثقافية، وفي الوقت نفسه استحالة تحمل الأوضاع القائمة. والدم لأن الإرهاب و"القاعدية" قد يكون الشكل الوحيد للمقاومة أو الاعتراض السياسي أمام اليائسين.

هل مراجعة العلاقة الاساسية في "الشرق الأوسط" ممكنة؟ بعد جلبة عنيفة يبدو أن الولايات المتحدة لم تستفد قط من درس 11 ايلول، الحقيقة أنها أنكرت اعتبار الحدث درسا ورفضت استخلاص أي شيء منه (نكرهها لاننا أشرار!). وبعد سقوط بغداد فعلت انظمة عربية عديدة الكثير كيلا تستوعب الدرس أيضا (سقطت بغداد بسبب قوة أميركا وجشعها!). ويبدو اليوم ان كل ما نحن موعودون به من ديمقراطية لا يتعدى أن يكون ثمرة تفاعل الطرفين ذاتيهما اللذين سحقا المنطقة طوال عقود.
هل القول الفصل للتشاؤم؟ ليس هذا تشاؤما مرسلا. نريد فقط ان نكف عن انتظار زبدة من خض الماء. ونريد من وراء ذلك أن لا يحول انغماس المثقف في وقائع زمنه دون حيازته لرؤية نقدية اصفى. إن دقائق التحليل ورهافاته لا تجعل المستحيل ممكنا، لكنها قد تجعل المثقف نافلا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة هيكلة الوعي القومي الكردي
- حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري
- المسألة الأميركية في النقاش السوري
- عن الحياة والزمن في السجن - إلى روح الصديق المرحوم هيثم الخو ...
- ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟
- المثقفون وقضية امتهان الإنسان
- حول مفهوم اليسار الديمقراطي وسياسته
- غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
- أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
- اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
- بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
- -العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
- نظام الاستثناء الشرق أوسطي


المزيد.....




- حفل زفاف -أسطوري- لملياردير أمريكي في مصر وعمرو دياب في صدار ...
- بالفيديو.. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستقبل وزير الخار ...
- مقتل 3 فلسطينيين على الأقل جراء غارة جوية إسرائيلية على مخيم ...
- لقاءات بالرياض لبحث وقف إطلاق النار بغزة
- الحرس الثوري: هدفنا تأمين مياه الخليج
- ضغوط في الداخل والخارج.. هل يتراجع نتنياهو عن عملية رفح؟
- الحراك الداعم لغزة يتمدد.. قمع في السوربون وطلاب جامعة كولوم ...
- حزب الله يقصف مواقع إسرائيلية والاحتلال يكثف غاراته على جنوب ...
- تعرض سفينة لأضرار قبالة اليمن وإيطاليا تعلن إسقاط مسيرة للحو ...
- فرنسا.. أكفّ مطلية بالدماء تضامنا مع غزة تثير غضب مؤيدين لإس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عرب وأميركيون وديمقراطية