أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري















المزيد.....

حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 893 - 2004 / 7 / 13 - 07:45
المحور: القضية الكردية
    


إذا كان هناك قرار رسمي سوري بحظر الأحزاب الكردية ومنعها من العمل السياسي فإنه خطأ جسيم. نبتدئ بجملة شرطية لأنه من غير المؤكد أن "المستوى السياسي" قد اتخذ قرارا بهذا الفحوى، ولأنه لا يبدو أن الشروط الموضوعية للبلد، الداخلية منها والخارجية، مواتية لاتخاذه، ولا أن الاستعدادات الذاتية لجهات القرار موازية لمتطلباته وقادرة على تحمل تبعاته.
الجهة التي تصر على أن هناك حظرا للأحزاب الكردية هي مراسلو الصحف العربية المعتمدون في دمشق. ومعروف أن المصدر الأساسي لمعلومات المراسلين، وبالخصوص في شؤون من هذا النوع، هو أجهزة الأمن التي تتميز بالاطلاع، وربما تكون صاحبة القرار.
بم تسوغ تلك المصادر الخفية قرار منع الأحزاب الكردية؟ بذريعتين: الأول أنها لعبت "دورا ممهدا ومهيجا (لأحداث القامشلي)". الثاني أن تلك الأحزاب "احزاب عرقية تعتمد على القومية الكردية فقط ولا تسمح بانتساب اي من السوريين الاخرين سواء كانوا عربا او غير عرب". وسنقتصر هنا عل مناقشة دور الأحزاب الكردية في أحداث القامشلي، ونلقي نظرة على دروها العام.
غير صحيح، بداية، أنه كان للأحزاب الكردية دور مهيج أو محرض في احداث القامشلي وما بعدها. ففي اليوم الأول للأحداث، 12 آذار 2004، تفجر العنف نتيجة استفزاز قام به جمهور عربي مزج بين العصبية الرياضية وبين العصبية القومية على خلفية تطورات الوضع في العراق. وقد وقع قتلى اليوم الأول في القامشلي بسبب لجوء عناصر الأمن والشرطة إلى "القوة المفرطة"، وافتقارها إلى الخبرة اللازمة لتفريق التظاهرات وأعمال الشغب. وفيما وراء ظاهره المهني فإن هذا الافتقار ذاته يرجع إلى عدم اعتراف "العقيدة الأمنية" لأولئك العناصر بشرعية أي احتجاج علني، وتاليا عدم تحسبها لإمكانية وقوع أعمال شغب احتجاجية.
ولم يكن للأحزاب الكردية أي دور مباشر في وقائع اليوم الأول. ولا يظهر دورها إلا في اليوم الثاني. فحين كان أهالي القامشلي الأكراد يشيعون جنازات قتلاهم، أبدت تلك الأحزاب ترددا واضحا. فهي موزعة الضمير بين خوفها من أجهزة الأمن من جهة، وبين واجبها في المشاركة في تشييع ضحايا من شعبها من جهة أخرى. وبسبب هذا التردد فشلت في قيادة تظاهرة التشييع التي شارك فيها عشرات الألوف على الأقل. وكانت نتيجة الفراغ القيادي أن انفلت زمام الجمهور الغائب وأخذ بتحطيم مؤسسات وأملاك عامة. إذ سرعان ما تنطح لملأ هذا الفراغ مراهقون وشبان متحمسون، واقعون هم أنفسهم تحت تاثير غريزة الحشد الهائج.
فما ظهر في اليوم الثاني هو ضعف الدور القيادي للأحزاب الكردية، وليس باية حال دورها "المهيج والممهد" وفقا لمصادر المراسلين الصحفيين.
هذا التحليل مبني على شهادات دونها كاتب هذه السطور في المدينة بعد أيام قليلة من 12 آذار. وما قد يستخلصه المراقب العقلاني منه هو ضرورة دعم الأحزاب وتقويتها، أي تمكين المجتمع الكردي المحلي (والسوري بصفة عامة) من إنتاج قيادات عضوية مسموعة الكلمة ومحترمة في أوساط جمهورها.
لولا الأحزاب الكردية لتطورت الأحداث في اتجاه أسوأ لا أقل سوءاً، خلافا لما تعتقده القراءة الأمنية. ولو كانت تلك الأحزاب أقل خوفا من أجهزة الأمن وأكثر ثقة بنفسها لأمكن الجمع بين قوة الاحتجاج وسلميته وحسن تنظيمه ولما وقع ضحايا إضافيين. ومعلوم أن وقوع ضحايا في اليوم الثاني هو الذي تسبب في انتشار الغضب والعنف في الجزيرة وخارجها. والواقع أنه إذا كان هناك درس واحد يستخلص من أحداث القامشلي وامتداداتها فهو الدور المهم للأحزاب والقيادات، الكردية والسريانية والعربية، في احتواء الوضع المتفجر الذي تسببت به تصرفات أناس ارتدوا إلى "جماهير"، الدرجة صفر من الرأي العام. ورغم أنه صحيح أن كوادر حزبية ركبت موجة الحدث، ولكنها فعلت لإدراكها أن البقاء بعيدا عنه كفيل بأن يجردها من أية صدقية واحترام في وسطها الاجتماعي، ثم رغبة منها في تسجيل نقاط إضافية في التنافس بين الأحزاب الكردية ذاتها؛ لقد تركت نفسها تقاد بدلا من أن تقود لأنها ضعيفة لا لأنها قوية.
بل إن تجربة القامشلي تغري باستدلال عام، قد يفيد بأن الأحزاب السياسية هي الفاعل الأكثر عقلانية، أو، على الأقل، الأقل لاعقلانية في الاجتماع السياسي الحديث. ولعل ذلك يعود إلى كونها "تنظيمات" حديثة تحمل في بنيتها التأسيسية، في "فطرتها" إن صح التعبير، مبادئ المصلحة العامة والبرنامج السياسي والتحليل الموضوعي والتمثيل الاجتماعي...وقيم التطوعية والاقتناع الحر والتعاقد والمسؤولية الفردية. ومهما تكن درجة ابتعادها عن "مفهومها"، ومهما تكن عيوبها الواقعية، فإنها تبقى متفوقة على الاطر الأهلية التقليدية من عشائر وطوائف وعصب موروثة. والأهم أن قمع الحياة الحزبية، بما يعنيه من تعطيل فرص النمو الطبيعي للحداثة السياسية، يحمل خطر بروز الأشكال المشوهة للحداثة: منظمات سرية ومتطرفة، وربما إرهابية. إن فرصة ظهور هذه المسوخ اكبر في ظل النظم القمعية والمغلقة.
وقد يلفت نظر مراقب الأحوال في الجزيرة السورية أن المجتمع التقليدي الكردي، مجتمع العشائر، اضعف من نظيره العربي، وأنه فاقد بالكامل لأي دور عام. الفضل في هذا يعود للتسييس العالي للجماعة الكردية السورية وللدور النشط لمجموع الأحزاب الكردية. أما في الوسط العربي فالسلطة هي الحزب الوحيد، وهي تعمل على نزع التسييس بالقوة وتشجيع الأطر الولائية الجمعية.
هنا، وفي المجتمع السوري بصفة عامة، يتعارض منطق "الحكم العضوض" الذي يتصدره مطلب البقاء مع منطق الحداثة الاجتماعية والسياسية الذي يقتضي التحول نحو تنظيمات تقوم على المبادرة الحرة والتطوعية والتعاقد والتمثيل. وللأسف لقد تغلب المنطق الأول على الدوام. لقد أتاح تحطيم الأحزاب المعارضة والمستقلة للسلطة أن تمسك المجتمع، لكنه بالحركة ذاتها أفقد المجتمع تماسكه الذاتي. وصحيح انه أمسى معقما خاليا من المخاطر السياسية، لكن بالضبط لأنه بات خاليا من الروح، من الاجتماعية العامة.
لقد ترافقت سياسة قطع الرؤوس العضوية للمجتمع السوري مع انتصاب السلطة رأسا اصطناعيا، وحيدا، هائلا. لكن هذا يجعل المجتمع سهل العطب، عاجزا عن المبادرة والحركة الذاتية. يمكن أن نسمي عملية المسك والقطع والتعقيم هذه نزع مدنية المجتمع السوري. ولم يكن التعامل الهائج مع اعتصام 21 حزيران التضامني مع المعتقلين السياسيين، وقد شارك فيه عرب وأكراد..، غير خطوة إضافية على مسار نزع المدنية أو التعقيم الاجتماعي.
لقد كان الوسط الكردي أقل تعقيما لسببين: اولهما أن سياسة نزع المدنية لم تلفحه بذات القسوة التي أصابت المجتمع العربي، والثاني (وهو يفسر الأول) أنه يدين بمصدر حيويته إلى ساحات كردية خارجية، العراقية والتركية. فالساحة الكردية السورية لم تكن يوما ذاتية المركز، ولذلك قلما كانت سيادية.
وبعد، هذا دفاع عن شرعية الأحزاب الكردية ودورها، وليس عن عقيدتها وسياساتها ومواقفها. في تلك الأحزاب الكثير من "البعثية"، أعني القومية المطلقة وغير الدستورية. ولهذه القومية غير المقيدة دور أكيد في تغذية التعصب والانغلاق وميول العنف. وليس ثمة ما هو أكثر شرعية وضرورة من نقد أمثال هذه العقائديات، لكن على ارضية القيم الإنسانية العامة لا على أرضية قومية خاصة.
دمشق 22/6/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة الأميركية في النقاش السوري
- عن الحياة والزمن في السجن - إلى روح الصديق المرحوم هيثم الخو ...
- ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟
- المثقفون وقضية امتهان الإنسان
- حول مفهوم اليسار الديمقراطي وسياسته
- غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
- أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
- اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
- بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
- -العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
- نظام الاستثناء الشرق أوسطي
- ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
- اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري


المزيد.....




- الخارجية الأمريكية: حددنا 5 وحدات إسرائيلية ارتكبت انتهاكات ...
- مصدر إسرائيلي يحذر: مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وقادة إسرائي ...
- سبب مثير وراء اعتقال روسيا جنديا سابقا بجيش الاحتلال الإسرائ ...
- لماذا ترفض المملكة المتحدة قرار إيرلندا بإعادة طالبي اللجوء ...
- المندوبة الأمريكية: واشنطن لا تتدخل في عمل المحكمة الجنائية ...
- إسرائيل تستنفر سفاراتها تحسبا لمذكرات اعتقال بحق مسئوليها
- يديعوت أحرونوت ترجح صدور مذكرات اعتقال سرية بحق مسئولين إسرا ...
- ليبيا.. الحرب السودانية وأزمة اللاجئين
- نتنياهو ومخاوف أوامر الاعتقال الدولية
- -هيومن رايتس ووتش-: رد فعل رؤساء الجامعات الأمريكية على الاح ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ياسين الحاج صالح - حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري