أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا















المزيد.....

أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 923 - 2004 / 8 / 12 - 09:54
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لا بد أن تكون مقالة جهاد الزين "خطاب عبثي: الباء بعد العين" ("النهار"، 27 تموز 2004) قد ملأت نفس أدونيس بالحبور إلى درجة أنه ضحّى بصمت عريق، وأسلم نفسه لكتابة "كلمة عاجلة" ("النهار"، 29 تموز 2004) محتفية بالمقالة، فيما كان يحاول، من دون نجاح في ما يبدو، الاتصال بكاتبها. الكلمة عاجلة ومتعجلة، ومؤسفة من وجوه عديدة بالفعل.

يندهش المرء، بداية، لحرقة قلب الشاعر وهو يحتفل بمقالة قالت "ما كان ينبغي أن يقال في سوريا، خصوصا، منذ أمد طويل". ولم نجد في "الورقة الواحدة"، اسم قطعة أدونيس، ما يسعف لبلوغ سر حرقة القلب هذه، ولا ما يمكّن من تخمين سبب عطف الترحيب هذا على التعريض بتحالف قديم (ليس واضحا إن كان لا يزال قائما) بين "اليسار الراديكالي" و "اليمين الديني الراديكالي"، ولا في الخصوص عن سر امتناع أدونيس نفسه عن المبادرة إلى قول "ما كان ينبغي أن يقال في سوريا منذ أمد بعيد".

فـ"الورقة الواحدة" مكتوبة بلغة مراسيمية، تقريرية، مستغنية عن التفاصيل والوقائع، جازمة كأنها أمر عسكري، ولم يشعر كاتبها بالحاجة إلى تقديم اية براهين على ما يقول. والقارئ المتلهف للفهم يجد نفسه أمام خطاب فوقي، متعال، رافض للمناقشة، غير قابل للاستئناف، أقرب إلى حكم صادر عن محكمة ميدانية من النوع الذي حاكم الألوف في سجن تدمر الفائق الشهرة; وهو فوق ذلك خطاب احادي الصوت، ملتف حول ذاته ولا يحيل إلا على ذاته.

في المرة الوحيدة التي يخفض الشاعر من ارتفاع تحليقه فوق التفاصيل والحوادث يتكلم على ذاك "التحالف" الذي يفترض أنه انعقد، "منذ أمد طويل"، بين "اليسار الراديكالي" و"اليمين الديني الراديكالي"، من دون أن يشعر بحاجة إلى إثبات صحة الواقعة ولا إلى التوضيح: تحالفوا ضد من؟ ومن أجل ماذا؟ إذ يبدو أن اليسار واليمين الراديكاليين في سوريا ينتميان إلى عالم كائنات متماثلة مع ذاتها مختلفة عن غيرها، "تتحالف" في ما بينها لأسباب ولأهداف غامضة. ويبدو ان تحالفها وقع في زمن أصلي لا في تاريخ محدد لبلد محدد وفي ظل نظام حكم محدد. ولذلك فهو أشبه بخطيئة أصلية منه بخطأ سياسي محتمل. ومثل "التحالف"، تبدو وحدة "النوع" التي يقررها أدونيس بين المعارضة والنظام (الذي يبقى بلا ملامح من أي نوع) وحدة جوهرية غير زمنية، أشبه بعاهة انطولوجية لا تحول.

وإذا سمح لنا بأن نذكّر ببعض الوقائع الأرضية فقد نشير إلى أن المونوليثين الراديكاليين لم يتحالفا قط، ولم يسع حتى الذمة الوسيعة لمحكمة أمن الدولة العليا استنفار هذا التحالف الشرير لتسويغ "الخمسطعشات" من السنين سجنا على مئات اليساريين الراديكاليين ("راديكاليو اليمين" تكفلتهم محاكم ميدانية، أحالتهم على مشانق مرتين في الأسبوع طوال عقد الثمانينات)، اللهم إلا إذا اعتبرنا تحالفا معارضتهما لنظام واحد، ومبادرة بعض المونوليث "اليساري الراديكالي" (وليس كله: فقد قام بعضه الآخر بفضح لا هوادة فيه لذاك "التحالف" المشؤوم) إلى تحميل نظام الرئيس حافظ الأسد المسؤولية عن دفع البلاد نحو أوضاع متفجرة. فهل نقول إن صمت أدونيس، اليوم و"منذ امد بعيد"، على تلك الأوضاع التي لا يعقل أنه لا يعرفها، واشتراكه مع بعض الجنرالات الأمنيين والوكلاء الإيديولوجيين للسلطة في تقرير "التحالف"، يجعل منه شريكا في "النوع" لهؤلاء، أو ربما وجها لورقة "يحتلون هم صفحتها الأخرى"؟

من عليائه يصدر الشاعر تعميمات كاسحة من النوع البعثي (الباء قبل العين): "كل ما قيل وما عمل باسم المعارضات "الرسمية" (...) يثبت أن المعارضة هي الوجه الثاني من الورقة التي يحتل صفحتها الأولى النظام؟" إثبات قاطع حقا! وما من ضرورة بالطبع لمعرفة "كل" أو بعض أو أي شيء من "ما قيل وما عمل". لكن من بعض "ما قيل وما عمل" في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية تقويض رواية رسمية تصطنع تاريخا مزورا من الانتصارات والأمجاد والإنجازات والمآثر، ومن بعضه تجسيد تعدد سوريا المقموع وكونها بلدا عميقا متعدد الأبعاد. ينبغي أن يكون المرء مقيما في عالم المثل حتى لا يرى غير فوارق في الدرجة بين نسخ العالم الفاني هذه. ومع ذلك فإن صاحب فوارق الدرجة لا يلبث أن يمحوها ليجعل من المعارضة الدعامة الأولى للنظام. والدليل؟ لا شيء غير سلطة الكاتب الشهير. ولا يتهيب خطاب أدونيس القطعي، الطاهر من شوائب التجربة وتفاصيل العنف ووقائع الإقصاء الفعلية، من القول إن السياسة، كما يجسدها الخطاب السياسي العربي، ليست إلا عنفا وإقصاء. فالشاعر الكبير لا يجد جسد السياسة إلا في الخطاب. ومن الخطاب يقرر تساوي القتلة والمقتولين، الضحايا والجلادين، "المعارضات باسم الوطن" و"المعارضات باسم الدين"، وكلا هاتين والنظام. لكن هذه المساواة نتاج لخطابه هو، ومقتضى لتماسك خطابه هو، وليست نتيجة مستخلصة من تحليل الخطاب السياسي العربي المزعوم. وهي في ذاتها فعل عنف وإقصاء، وإغضاء عن عنف وإقصاء حقيقيين.

كاتب هذه السطور كتب أكثر من مرة، وفي هذا المنبر بالذات، نقدا للثقافة السياسية السورية التي سماها ثقافة الطوارئ. وكانت بؤرة تركيزه هي الثقافة السياسية للمعارضة التي يرى أنها تشارك ثقافة السلطة في مقدماتها الطوارئية (المرحلة الحرجة، العدو على الأبواب، ذهنية القلعة المحاصرة...،) المؤسسة لحال الطوارئ الواقعية، وكذلك في نزوعها التعبوي المتعارض مع التعددية الاجتماعية والسياسية والفكرية. لكن نقد الثقافة السياسية الطوارئية ليس وصفة للعمى عن أخطار فعلية وصراعات فعلية غير مسيطر عليها من جهتنا (ولا بالطبع عن حال الطوارئ التي فرضها النظام البعثي لحظة استولى على السلطة). العكس هو الصحيح: إن نقد الثقافة الطوارئية مقدمة لرؤية الأخطار الواقعية على حقيقتها، ولتكوين فكرة صحيحة عن الشرط السوري الراهن. ولا فائدة من مفهوم الثقافة السياسية، في سوريا او غيرها، إن استغنينا به عن رسم صورة الواقع السياسي (السوري او غيره) بما فيه من نظام حكم قمعي وحركات اجتماعية وأحزاب سياسية وبيئة دولية وإقليمية،... وسجون ومحاكم وأحوال طوارئ،.. ومثقفين خائفين او غافلين أو منحازين. إن المفهوم الذي يمكن أن يكون أداة نقدية بالغة الفائدة إن وظفناه لإنارة بعض جوانب واقعنا وتاريخنا السياسي، يمكن في المقابل أن يكون أداة خلط وتلاعب وتشويش إن استخدمناه لتعتيم الوقائع السياسية وحجب اختلاف المواقع والأدوار. وبالمثل، نقد المعارضة من أجل رفع سوية العمل الديمقراطي وانسجامه شيء مختلف عن نقد المعارضة من اجل التعمية وخلط المسؤوليات وجعل "الكل في الهوى سوا". ترى، بأي شيء يختلف خطاب لا يحتاج إلى الوقائع ولا يعترف بجدارتها المعرفية، وهي بالتحديد "حقها في الاعتراض" على نظم الخطاب التي تزعم تمثيلها، عن سلطات لا تحتاج إلى الأفراد ولا تقر بجدارتهم السياسية، أعني حقهم في الاعتراض على الأجهزة والهياكل التي تدعي تمثيل مصالحهم الحقيقية؟

كذلك امتنع كاتب هذه السطور عن توقيع البيان الذي ينتقده جهاد الزين، لكن لسبب سياسي قابل للمناقشة والتفنيد: إنه يعتقد أن الشعب العراقي (والسوري) مستفيد من زيارة علاوي إلى دمشق. وهذا لا يحتاج إلى نسيان من هو رئيس "الوفاق الوطني العراقي"، ولا أنه ما كان لينتصب رئيسا لوزراء العراق لولا الاحتلال الأميركي لبلده، ولا إلى اعتباره "ذروة النضال الحقيقي دفاعا عن تراب العراق الغالي" كما أعتقد مثقفون سوريون، أغلبهم اكراد، في بيان عنونوه "أهلا وسهلا إياد علاوي"، ورأوا فيه أن "كل من يقف في وجه مناضلي مجلس الحكم العراقي (كذا) حزانى على ولي نعمتهم الذي لن يعود هو ونمط تفكيره القذر".



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق
- حوار حول بعض قضايا الحاضر السوري
- شكوى من فخري كريم وتوضيح من ياسين الحاج صالح
- سنوات الأسد الثاني الأربعة وتحدي -الاستقلال الثاني- لسوريا
- عرب وأميركيون وديمقراطية
- إعادة هيكلة الوعي القومي الكردي
- حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري
- المسألة الأميركية في النقاش السوري
- عن الحياة والزمن في السجن - إلى روح الصديق المرحوم هيثم الخو ...
- ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟
- المثقفون وقضية امتهان الإنسان
- حول مفهوم اليسار الديمقراطي وسياسته
- غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا