أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدونمه بين اليهوديّة والإسلام (1-3)















المزيد.....

الدونمه بين اليهوديّة والإسلام (1-3)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


شبتاي صبي وأتباعه يُظهِرون الإسلام ويُبطنِون اليهودية

إنَّ ما يميّز كتاب "الدونمه بين اليهوديّة والإسلام" للباحث د. جعفر هادي حسن وكتبه الأخرى أيضاً هو اعتماده على المصادر الأساسيّة العبريّة والإنكليزيّة من دون الرجوع إلى الترجمات أو المصادر الثانوية التي تفتقر إلى الدقّة وتعوزها الموضوعيّة.
يتألف الكتاب أصلاً من تصدير ومدخل للفكرة المسيحانية في اليهودية، وسبع عشرة شخصية إدعت أنها المسيح المخلِّص قبل شبتاي صبي، إضافة إلى البابين الرئيسين اللذين يشكلان جوهر الكتاب ومادته الأساسية. وقد خصص الباحث جعفر هادي حسن الباب الأول لشبتاي صبي منذ ولادته وحتى وفاته، أما الباب الثاني والأخير فهو مُخصّص لفرقة الدونمه وفروعها وأصولها وتعاليمها وأعيادها ودورها وتأثيرها على المجتمع التركي منذ القرن السابع عشر وحتى الوقت الحاضر.
يركِّز مؤلف هذا الكتاب على مُؤسس فرقة الدونمه الحاخام اليهودي شبتاي صَبّي الذي إدَّعى بأنه المسيح المُخلِّص، ثم تظاهَر بالإسلام فيما بعد وتبعه آلاف من أشياعه والمؤمنين بآرائه وأطاريحة الفكرية التي لا تخلو من "فنتزة" جليّة ونَفَس غرائبي واضح يمكن أن يتلّمسه أي قاريء حصيف لهذا الكتاب الشيّق والمثير في آنٍ معا. والدونمه، كما هو معروف، فرقة باطنيّة أنشأها قبل ثلاثة قرون الحاخام شبتاي صَبّي، الشخصية المثيرة للجدل التي لعبت دوراً أساسياً في الصراع العلماني _ الديني في تركيا وما نجمَ عنه من تقويض للسلطة الإسلامية وهيمنة الشخصيات العلمانية المتحررة التي اجترحت مواقف جديدة تعزّز قيام دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وتمنحهم الحق في إنشاء وطن قومي لليهود الذين توزعوا في الشتات أو ضاعوا في مشارق الأرض ومغاربها. وبما أن أتباع الدونمه يؤمنون بفكرة المسيح المخلِّص فقد إرتأى الباحث جعفر هادي أن يتخذ من "الفكرة المسيحانية" مدخلاً لكتابه بغية توضيح طبيعة هذا الأمل المسيحاني المنتظر الذي يتطلع إليه الملايين من اليهود وبضمنهم فرقة الدونمه التي أثارت جدلاً واسعاً منذ نشأتها وحتى الوقت الحاضر.
يشير الباحث جعفر هادي إلى أن المسيح المخلِّص لم يرد ذِكره في التوراة بشكل صريح، ولكن ثمة إشارات له ولعصره في بعض الأسفار، هذا إضافة إلى بعض الاشتراطات التي يجب أن تتوفر فيه من بينها: أنه يجب أن يكون من نسل النبي داوود، وأن يكون قاضياً ومعلِّماً للتوراة، وأن يكون نبيّاً، وأن يكون من أفضل الأنبياء بعد موسى، وأن ولادته يجب أن تكون في التاسع من آب طبقاً للتقويم العبري لأن الهيكل اليهودي بحسب التقاليد اليهودية قد دُمِّر في هذا اليوم!
ثمة موطئات وعلامات مبكرة تدلِّل على ظهوره أبرزها: لابد من ظهور النبي إلياهو بمدة قصيرة قبل ظهور المخلِّص، ولابد أن يظهر قبله مسيح آخر اسمه المسيح بن يوسف من قبيلة أفرايم حيث يخوض حروباً عديدة ثم يسقط صريعاً على أبواب أورشليم، ثم يقود المخلِّص اليهود ويأخذهم إلى فلسطين ليحكم العالم برمته. لقد استعمل أتباع الدونمه طرقاً عديدة للتعجيل في ظهور المسيح المخلِّص كالسحر، وتعذيب النفس، والإغراق في الذنوب، أو اللجوء إلى "القبلاه" العمليّة "وهو علم، بحسب الباحث جعفر هادي، موضوعه القضايا الصوفية والتأويلات الباطنية المُعتمدة على المعتقدات اليهودية"، ولكن المخلِّص لم يظهر، ومع ذلك فهناك منْ يدّعي بين أوانٍ وآخر، بأنه المسيح المخلِّص، أو أحد الموطئين أو الممهدين لظهوره، ويبدو أن الأزمات أو النكبات الكبيرة التي تصيب اليهود في مختلف أنحاء العالم تدفع بهؤلاء الدجّالين إلى تعزيز إدعاءاتهم الكاذبة ولعل أبرزهم في هذا المضمار هو الحاخام شبتاي صبي.
أوردَ الباحث جعفر هادي سبع عشرة شخصية إدعّت بأنها المسيح المخلِّص أو أحد الممهدين لظهوره وهم ثيودوس، شمعون باركوخبا، سفيروس أو سيرنوس، عوبادياه، يودغان أو يهودا، سلومون الكاهن، موسى الدرعي، سلومون والد داوود الرُئي، الحاخام أبراهام أبو العافية، أشر لاملن، داوود الراؤوبيني، أبراهام أليعازر هاليفي، ودياغوس بيرس، كما ذكر أربعة مدّعين آخرين مُجرّدين من الأسماء أحدهم من مصر، والثاني من جزيرة كريت، والثالث من مصر، والرابع لا نعرف عنه شيئاً سوى أنه يهودي وأنه أعلن عن ظهور المسيح في عام 645 م وجمع أربعمائة رجل من الحاكة والقصّارين وهجموا على أديرة المسيحين وأحرقوا ثلاثة منها ثم انتهى به المطاف إلى الصلب فيما قُتل أتباعه. لم يتوفر أي من الأدعياء الثمانية عشر على كرامة أو معجزة ويكفي أن نشير هنا إلى الشخص الذي كان يقيم في جزيرة كريت في حدود 448 م وإدَّعى بأنه موسى الذي أُرسل لكي يخلٍّص اليهود ويأخذهم عن طريق البحر إلى فلسطين من دون مراكب حيث سيفلق البحر كما فلقه موسى "ع" من قبل، وحينما نادى على البحر لم ينفلق، ومع ذلك فقد أمرهم أن يقفزوا في البحر، فغرق منْ غرق، ونجا منْ نجا، أما هو فقد اختفى وتلاشى عن الأنظار! وعلى الرغم من الأكاذيب الصريحة البيّنة لهؤلاء الأدعياء المزيّفين إلا أن ظهورهم كان يتواصل، وهناك على الدوام من يتبعهم ويصدّق بهم، وليس أدل على ذلك من تصديق اليهود لشبتاي صبي الذي إدَّعى بأنه المسيح المخلّص، والملك، والأيّل السماوي وما إلى ذلك من ألقاب باذخة.

مؤسس فرقة الدونمه
لعلي لا أبالغ إذا قلت بأن فرقة الدونمه قد لا تعني شيئاً من دون مؤسسها شبتاي صبي، هذه الشخصية الإشكالية، المتناقضة، المضطربة، وغير السوّية، لكنها بالمقابل حادّة الذكاء، وميّالة إلى الدراسة والبحث والتأمل. ولد شبتاي في التاسع من آب عام 1626 م في مدينة إزمير التركيّة من أبوين يهوديّين. كان أبوه مردخاي صبي قد هاجر من اليونان إلى تركيا في حدود 1630، وكان يتمنى أن يصبح أحد أولاده الثلاثة حاخاماً، وقد حقق شبتاي له هذه الأمنية بذكائه ومثابرته المتواصلة وهو لما يبلغ العشرين من عمره. درس شبتاي القبلاه "Kabbalah" وتعمّق فيه، خاصة كتاب الزهر، وظل يعمل بدأب ونشاط واضحين على تحقيق أحلامه التي كانت سرّية أول الأمر قبل أن يعلنها ناثان المتنبيء. ثمة أشياء كثيرة في سلوكه وطريقة حياته كانت تشي بأنه شخص غير طبيعي. فقبل أن يبلغ سن العشرين من عمره عقد على امرأة، لكنه لم يقربها فطلّقها، ثم عقد على أخرى ولم يقربها فطلّقها أيضاً. كان طلابه والمقربون منه يفسِّرون هذا السلوك على أنه نوع من الطهارة والتبتّل. أما هو فقد كان يقول كلاماً غريباً مفاده أنَّ الروح القدس قد أوحى له بأنَّ زواجه من المرأة المناسبة لم يحن بعد! من الناحية النفسيّة كان شبتاي يعاني من مرض الـ " Cyclothymia" أو المزاج الدوري، وهو شكل من أشكال الاضطراب الذهني يتراوح بين النشاط والغبطة والاكتئاب والقنوط. وقد أطلق أتباعه على الحالة الأولى "الاستنارة" والثانية "استتار الوجه" والمقصود هنا "وجه الإله". وهذا التراوح بين الحالتين لابد أن يفرز نوعاً من السلوك الإشكالي وغير الطبيعي كما أسلفنا. ولعل أبرز مثال يؤكد صحة ما نذهب إليه أنه ذهب ذات مرّة إلى البحر لكي يغتسل مع عدد من الطلاب وبدأ "يصرخ نحو الشمس يطلب منها أن تتوقف، وكان تلاميذه يصرخون معه، ولكن الشمس لم تتوقف!" ص47. ومن بين أوهامه الأخرى التي ربما كان يعتبرها يقيناً أنه قال لأحد الحاخامين "أنه في أحد الليالي من عام 1648 م هبط عليه الروح القدس عندما كان يتمشى في الليل على بُعد ساعتين من المدينة حيث سمع صوت الله يقول له: أنت مُخلِّص إسرائيل، أنت المسيح بن داوود المختار من قبل رب يعقوب، وأنت المقدر لك إنقاذ بني إسرائيل وجمعهم من أركان الأرض الأربعة إلى أورشليم" ص48.
الملاحظ أن شبتاي الذي درس التوراة بشكل جيد، وتعمّق في كتاب الزهر، وألمَّ بالديانة اليهودية بشكل عام، فعندما يقول إنه وُلد في التاسع من آب فإنه يعرف جيداً أن الهيكل العبري قد دمِّر في هذا اليوم، وحينما يذكر العام 1648 م فإنه يُدرك جيداً أن كتاب الزهر قد وردت فيه الإشارة إلى أن هذا العام هو الذي يبدأ فيه خلاص اليهود. ونتيجة لهذا السلوك الاستفزازي الذي أغضب الحاخامين فقد اتفقوا على أن يطردوه من اليهودية، وهناك منْ دعا إلى قتله مثل أستاذه جوزيف إسكافا، لذلك قرر أن يغادر إلى سالونيك في بداية الخمسينات لأن فيها جالية يهودية كبيرة، وهناك سكن في بيت الحاخام جوزيف فلورنتين ولم يكف عن القيام بأفعاله الغريبة حيث أقام مراسم عقد زواج بينه وبين التوراة فغضب جميع الحاخامين الذين دعاهم للوليمة فاستصدروا أمراً بإخراجه من سالونيك، ثم ذهب إلى أثينا، ومن هناك رجع إلى تركيا عام 1658، واستقر في القسطنطينية وتعرّف على أبراهام يخيني وكان شاعراً وعالماً بعلم القبلاه. ومن جمله أفعاله المستفزة الأخرى أنه احتفل بثلاثة أعياد يهودية في الأسبوع وهذا غير جائز في اليهودية، كما ألغى بعض أحكام التوراة، وتناول الطعام المحرّم، وعندها أصدر الحاخامون حكماً آخر بالطرد من اليهودية وجلده أربعين جلدة، وحرّموا على اليهود الاتصال به فغادر إلى مسقط رأسه إزمير. وبسبب أعماله الغريبة وحديث الناس عنه اقترح عليه أخواه أن يسافر إلى فلسطين فحزم أمتعته ورحل من دون تردد.
رحلة شبتاي إلى الشرق
غادر شبتاي إزمير عام 1662 م مُتجهاً إلى جزيرة رودس في البحر المتوسط، ثم انطلق من هناك إلى مدينة طرابلس السوريّة ومنها إلى مصر حيث تعرّف على زعيم الجالية اليهوديّة ومسؤول الخِزانة في الدولة روفائيل يوسف جلبي. ومن مصر توجّه إلى فلسطين ووصل إلى أورشليم ودخل إحدى المدارس الدينية. في تلك الفترة كان يبقى وحيداً معتكفاً في غرفته يدرس القبلاه العملية مع نفسه. لقد عمّق هذا الاعتكاف إحساسه بالكآبة التي كانت تتفاقم يوماً بعد يوم وتترك تأثيرها السلبي على معظم القرارات والمواقف التي كان يتخذها طوال حياته اللافتة للانتباه. حينما أصابت الجالية اليهودية في أورشليم ضائقة مالية عام 1663 ذهب شبتاي إلى مصر لعلاقته القوية بروفائيل يوسف جلبي، ثم تزوج هناك من سارة التي عُثر عليها بعد مذبحة جميلينكي عام 1648، وإدعّت بأن روح أبيها الذي قُتل في المذبحة المذكورة قد حلّت فيها، ثم ذهبت سارة إلى هولندا ومنها إلى إيطاليا حيث تزوجها شبتاي على الرغم من أنها كانت مُتهمة بعلاقات غير شرعيّة مع الرجال. تُسلِّط هذه الزيجة بعض الضوء على شخصية شبتاي الغريبة والمضطربة في آنٍ معاً، فهو لم يلتفت أبداً إلى سلوكها الغريب مع الرجال، ولم يُعِر الأقاويل الجارحة أي اهتمام ومع ذلك فقد تزوجها ربما لأنها كانت أخّاذة الجمال من جانب، وأنه كان يقلِّد النبي هوشع الذي قال له الرب "اذهب وخذ لنفسك امرأة زنا وأولاد زنا لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب" ص54. احتفل شبتاي بزواجه من سارة في قصر روفائيل جلبي عام 1664 وكان الاحتفال باذخاً جدا. إذا كان زواج شبتاي من سارة علامة فارقة في حياته فإن تعرّفه على ناثان المتنبيء هو نقطة تحوّل جوهريّة في حياته الدينية والفكرية والاجتماعية لما سيلعبه هذا المتنبيء من دور دراماتيكي سوف يقلب حياة شبتاي رأساً على عقب. فمن جهة أصبح ناثان المتنبيء نبي الحركة الشبتائية وكان عمره آنذاك "22" سنة لا غير، كما أخبر شبتاي بأنه هو المسيح اعتمادا على رؤية رآها في المنام! وقد صدّق شبتاي هذا الخبر، وحينما أسرّ له بميله إلى العزلة والاعتكاف وإصابته بالكآبة والقنوط أقنعه المتنبيء بأنها ذات الكآبة التي كان يعاني منها المسيح الأمر الذي خفّف عن شبتاي تداعيات أوضاعة النفسية المضطربة التي أشرنا إليها سلفا.

شبتاي ملكاً ومسيحاً مُخلِّصاً
في ليلة عيد الشفعوت اليهودي من ربيع 1665 م نام ناثان نوماً عميقاً ثم نهض وبدأ يقفز ويرقص إلى أن سقط على الأرض وتوقّع الحاضرون أنه قد مات، لكن بعد مدة من الزمن خرج صوت خافت من ناثان وقال: "اعتنوا بابني المحبوب ومسيحي شبتاي صبي واعتنوا بابني ناثان النبي" ص58، وعندما سأله الحاضرون عن ذلك أخبرهم بأن شبتاي هو الملك والمسيح المخلِّص. ولكي يؤكد صحة ما يدّعيه أعلن ناثان أنه عثر على ورقة في جرّة، وهي جزء من رؤية رآها الحاخام أبراهام في القرن الثاني عشر، مفادها: "أنَّ ابناً سيولد لمردخاي صبي في عام 5387 بالتقويم العبري، 1626 م ويسمّى شبتاي صبي وسيكون المسيح الحق وسيجلس على عرشي" ثم يختم قوله "وتكون مملكته أبدية، وخلاص بني إسرائيل على يديه" ص58. أما شبتاي فقد أعلن رسمياً في 28_31 مايو / مايس 1665 م أنه المسيح المخلِّص. وحينما تناهى الأمر إلى سمع الحاخامين في أورشليم أصدروا قراراً بطرده وأحاطوا القسطنطينية علماً بذلك، بل وحرّضوا على قتله لأنه نشر الكثير من البِدع التي أضرّت باليهودية وشوّهت سمعتها الدينية من جهة، كما عززت الخرافات والأساطير التي تفتقر إلى أي أساس من الصحة. ومن بين هذه الخرافات أن الناس الذين رافقوا شبتاي في أثناء عودته إلى إزمير ومروره بمدينة حلب قالوا بأنهم رأوا أشياءً عجيبة في الطريق، "حيث كان ينضّم إليهم أعداد كبيرة من الناس يظهرون ثم يختفون عند الفجر" ص65.
شبتاي ملكاً
حينما يسقط الناس في الوهم تكبر الأكاذيب مثل كرة الثلج لتعزز الخرافة التي زرعها ناثان المتنبيء وكرّسها شبتاي، فها هو شبتاي ليس نبياً حسب، وإنما هو مسيح مخلِّص وملك أيضاً. وحينما وصل إلى إزمير نُفخ في البوق وخرج الناس إلى الشوارع ينادون بأعلى أصواتهم: "عاش ملكنا، عاش مسيحنا" وفي رسالة ناثان قال: "إلى الملك، ملكنا سيد السادة الذي سيجمع شتات إسرائيل والذي سينقدنا من أسرنا" إلى أن يقول: "مسيح رب يعقوب، المسيح الحق، الأسد السماوي شبتاي صبي . ." ص66-67. وفي رسالة أخرى بعثها ناثان المتنبيء إلى روفائيل يوسف جلبي قال فيها: (أنه سمع صوتاً من الأعلى يعلن أن المسيح بن داوود "شبتاي" سيتسلّم الملك من حاكم الأتراك خلال سنة وبضعة أشهر ومن دون حرب، . . . وبعد أن يُخضع شبتاي كل ملوك الأرض سينزل الهيكل من السماء على أورشليم" ص67-68. وعلى وفق هذا التصوّر الوهمي قسّم شبتاي أقطار الأرض إلى ممالك وعيّن لها ملوكاً من اليهود المقرّبين له حتى أنه عيَّن زوجته سارة ملكة على فلسطين! وأكثر من ذلك فقد كان شبتاي صبي يوقِّع رسائله بألقاب عظيمة مبجّلة مثل "ابن الله البكر" و "أبوكم إسرائيل" و "أنا الرب إلهكم شبتاي صبي"، كما كان أتباعه يشيرون إليه بعبارة "سيدنا وملكنا جلّ جلاله"! فهل هناك مبالغة أكبر من هذا الوصف الذي أغدقوه عليه وهم الواهمون الذين لا يعرفون كم هو ثلث الثلاثة؟

الثأر لليهود
كان شبتاي يعرف كيف يسيطر على مشاعر العامة من اليهود ويهيمن على تفكيرهم. وأول الوعود التي قطعها على نفسه هو السيطرة على العالم برمته، ومنح هذه السلطة لليهود، كما وعدهم بالثأر من أعدائهم الذي ساموهم سوء العذاب في بعض الدول. وقد جاء في رسالة كتبها إلى يهود بولندا ما يلي: "قريباً سأثأر لكم وأسلّيكم كما تسلّي الأم ابنها، وسأعوّضكم مائة ضعف عن العذابات التي قاسيتموها وأن يوم الثأر قريب وقد قربت سنة الخلاص"ص 72. ونتيجة لهذه الروح الثأرية الانتقامية فقد بدأ أصحاب شبتاي ينظرون إلى المسيحيين وغيرهم من الديانات بعين الاحتقار وكانوا يقولون لهم: "عن قريب سنكون أحراراً في وطننا، وسوف نكون لكم سادة" ص73. وتعزيزاً للخرافات التي رسخّوها في حينه كانوا يتكلمون عن الأحداث الجسام التي وقعت بأمر من "النبي" ناثان وهي سقوط الصواعق من السماء على بيوت عبادة الكفّار، بينما لا يصيب اليهود وبيوتهم أي أذىً أو اضطراب، بل بالعكس فإن تلك الصواعق ستتحول إلى أنوار تضيء بيوت اليهود!
لابد من الإشارة إلى شيوع ظاهرة المتنبئين في الحقبة الزمنية التي عاشها شبتاي، وقد ذكر هذه الظاهرة معاصرون وشهود عيان كثيرون، وهذا الأمر ليس بغريب، لكن الشيء الغريب أن المتنبئين كان يغمى عليهم، ويسقطون على الأرض وكأنهم مصابون بالصرع، ثم ينامون نوماُ عميقاً وكأنهم موتى ومن الصعوبة بمكان سماع صوت تنفّسهم، ثم يستفيقوا بعد نصف ساعة ويبدأون بالتنفس من دون أن تتحرّك شفاههم، ثم يقرأون نصوصاً من التوراة ويقولون إن شبتاي صبي هو مسيح رب يعقوب، ثم يقفزون واقفين وكأنهم لم يفعلوا شيئاً! يا ترى، هل هذا تواصل روحي مع وحي ما، أم أنه مرض عصابي لا يستبعد أن يكون الصرع نفسه أو مرض عصابي قريب منه ومن أعراضه؟



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي
- مهرجان بغداد السينمائي الدولي مُلتقى لشاشات العالم
- قبل رحيل الذكريات إلى الأبد (3-3)
- السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مخت ...
- (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) لفلاح حسن ومناف شاكر (1-3)
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني ...
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدونمه بين اليهوديّة والإسلام (1-3)