أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان حسين أحمد - -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني)















المزيد.....

-فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3364 - 2011 / 5 / 13 - 13:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دراسة للمسائل الخلافية بين الفرقتين القرّائية والتلمودية

من تاريخ النشاط العلمي والأدبي للفرقة
يؤكد الباحث جعفر هادي بأن فلسطين أصبحت مركزاً للنشاط الثقافي للقرّائين في القرن العاشر الميلادي. وقد بنوا كنيساً خاصاً بهم، كما أسسوا معهداً لأبناء فرقتهم رأسه دانيال بن موسى القومسي، وقد درس فيه أولاد عنان وأحفاده. أشار الباحث بشيء من التفصيل إلى عدد من الكُتاب والمفكرين الذين برزوا في تلك الحقبة من بينهم داود بن إبراهيم الفارسي، ويهودا بن علوان الطبري، وأبو يعقوب يوسف بن إبراهيم البصير وأبو الفرج فرقان بن أسد كما ذكر عدداً من مؤلفاتهم الفكرية والفلسفية واللغوية. وجدير ذكره أن أبا الفرج فرقان قد ناقش سعاديا ودافع عن عنان بن داود، وكانت له مكانة كبيرة سواء بين القرّائين والتلموديين، إذ جعلوه في منزلة عنان والنهاوندي.
لم يعمّر هذا المعهد المهم طويلاً، فبعد الحملة الصليبية على القدس قُضي على القرّائين ونُهبت ممتلكاتهم، كما نُهبت ممتلكات المسلمين أيضاً. ومنذ ذلك الحين لم تقم للقرّائين قائمة في فلسطين إذ قلّ عددهم وهاجروا إلى مصر وبيزنطة وغيرها من البلدان الإسلامية التي أحسنت معاملتهم ومنحتهم قدراً كبيراً من الحرية.
أشار الباحث إلى أنّ القرّائين تمتعوا بالحرية في مصر وبقية البلدان الإسلامية، إذ نشطوا في الدعوة إلى فرقتهم ونجحوا في ضمّ بعض التلموديين إليهم. كما حظي العديد منهم بمناصب ووظائف كبيرة في الدولة وسوف نكتفي بالإشارة إلى بعضهم مثل الحسن بن سعيد التستري الذي أصبح وزيراً للمستنصر الفاطمي، فيما أصبح السديد أبو البيان بن المدوّر طبيباً لصلاح الدين الأيوبي بعد أن حقّق شهرة واسعة في علوم الطب. وبرز في تلك الحقبة شعراء مهمون جداً مثل موسى الدرعي الذي دبّج العديد من القصائد والمقطوعات الشعرية باللغة العبرية وقد هجا فيها التلموديين طبعاً، وقلّل من شأنهم ودورهم في الحياة الفكرية والثقافية. ويختم الباحث حديثه عن القرّائين الذين بقوا في مصر حتى العصر الحديث إلى أن غادر أكثرهم أو كلهم عام 1957م.
شهدت بيزنطة نشاطاً علمياً وثقافياً واسعاً في القرن الحادي عشر الميلادي وذلك إثر ظهور زعيم القرّائين في هذا القرن طوبيا بن موسى الذي درس على يد أبي الفرج فرقان ولقّبه القرّائون بالمترجم لأنه ترجم مجموعة من الكتب العربية المهمة إلى العبرية. ومن مؤلفاته القيّمة "الكنز الثمين" الذي ناقش فيه التلموديين بصورة عامة وسعاديا بصورة خاصة، وقد تركّز النقاش على المسائل الخلافية بين الفرقتين. ولكي لا نسهب في هذا المضمار سنكتفي بالإشارة إلى بعض الشخصيات المهمة التي برزت في بيزنطة منها يهودا بن إلياهو هدّاسي، صاحب كتاب "اشكول هاكفر" الذي ضمّ موضوعات مختلفة تجمع بين الفقه والتفسير والفلسفة والفلك وعلم الحيوان. وهارون بن يوسف الذي اطلع على فكر التلموديين، واشتهر في حقول عدّة كالعقائد والفقه والتفسير. تجدر الإشارة إلى رفضه لرأي القرّائين والتلموديين الذي يقول بأن الملائكة لها أشكال معينة، وأنها خُلقت قبل العالم، وأن الله تشاور معها في خلق البشر بدليل الجملة التي وردت في سفر التكوين "1/26" والتي تقول: "لنخلق بشراً مثلنا" وهو يرى أن الملائكة عقول أفاضها الخالق منه.
لهارون آراء جريئة بصدد فكرة الوحي للأنبياء، فهو يرى أن الوحي إما أن كان بتصوِّر أو بحلم، إلاّ في حالة النبي موسى "ع" فإنه رأى وسمع حقيقة، وكلاهما خلق خصيصاً له. ومن بين مؤلفاته الأخرى كتاب "الجمال الكامل" في نحو اللغة العبرية، كما دبّج قصائد كثيرة تفصح عن موهبته الإبداعية في هذا المضمار. توقف الباحث عند أسماء أخرى لامعة مثل هارون بن الياهو النيقوميادي الذي أصبح رئيساً للقرّائين بعد وفاة هارون الأكبر، ومناحيم بتشاجي، والياهو بتشاجي وموسى بتشاجي وغيرهم الكثير، إلاّ أن هذا النشاط العلمي والثقافي للفرقة قد بدأ يتدهور إلى أن زال إثر صدور فرمان عام 1831 حيث اعتبرهم فرقة منفصلة عن اليهودية ومستقلة عنها.
لم يقتصر وجود القرّائين على العالم العربي تحديداً، بل تحولت زعامة هذه الفرقة منذ القرن السابع عشر إلى بولندا، ثم إلى روسيا. يشدّد الباحث جعفر هادي على أن القرّائين كانوا متواجدين في شبه جزيرة القرم "جنوب أوكرايينا" منذ القرن الثاني عشر الميلادي. ويعتقد الباحثون أن أول مجموعة قرّائية كانت قد جاءت من العراق إلى القوقاز حيث أنشأوا مدارس ودور عبادة خاصة بهم. وقد انتشر هؤلاء القرّاؤون من شبه جزيرة القرم إلى ليثوانيا وبولندا.
لعل من المفيد هنا أن نذكر بعض علمائهم الذين برزوا خلال القرون الخمسة الأخيرة مثل إسحق بن إبراهام التروكي، وجوزيف مردخاي مالينوسكي، ومردخاي بن نيسان كوكيزوف، وسلومون بن هارون تروكي، وإبراهام بن يشوع، وجوزف صموئيل الذي كان رائداً للنهضة الروحية وكان له الفضل الأكبر في ظهور كُتّاب لاحقين. يخلص الباحث جعفر هادي في نهاية هذا الفصل إلى القول بأن الحكومة البولندية قد اعترفت بالقرّائين كطائفة مستقلة عام 1936. وحينما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم في نهاية القرن الثامن عشر فرّقت بين القرّائين والتلموديين. وفي عام 1840 أُعتبر القرّاؤون في روسيا طائفة مستقلة منفصلة عن اليهود وأصبح لهم مراكز دينية وحزّانين، وكان من أشهر علمائهم في العصر الحديث إبراهام فرقوفيتش الذي ترك بصماته الواضحة على فرقة القرّائين.

تأثير الثقافية الإسلامية على القرّائين
يركّز الباحث جعفر هادي في هذا الفصل على تأثير الثقافة الإسلامية على فرقة القرّائين التي أفادت كثيراً من المنجزات العلمية والفكرية والأدبية الإسلامية وكيّفتها لمصلحتها الذاتية. فكما هو معروف أن العلماء المسلمين قاموا بضبط النصوص القرآنية في القرن السابع الميلادي، وبعد مرور قرن من الزمان بدأت عملية ضبط النص التوراتي في مدينة بابل العراقية وطبريّة الفلسطينية على أيدي مجموعة من العلماء اليهود. كما ألّف اليهود معاجم وقواميس على غرار المعاجم والقواميس العربية، بل ذهبوا أبعد من ذلك حينما ألّفوا كتباً دينية فكرية على غرار الكتب الدينية والفكرية العربية كما فعل سعاديا حينما ألّف كتاباً في غريب لغة التوراة وكان عنوان كتابه "تفسير السبعين لفظة الفريدة". وكما يشير الباحث أن العلماء والمفكرين العرب قد أنجزوا قبل سعاديا كتباً عديدة تتمحور حول الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم نذكر منهم أبو عبيدة والأصمعي وابن سلاّم وابن قتيبة. ورب سائل يسأل عن السبب الذي دفع القرّائين إلى الاقتداء بالفكر الإسلامي فيجيب الباحث جعفر هادي "إلى أنهم كانوا بحاجة إلى مدرسة كلامية وفلسفية يعتمدون عليها ويركنون إليها في الردّ على هجوم التلموديين" المتواصل "فوجدوا مبتغاهم في الفكر الإسلامي ومدارسه". ولكي نحيط القاريء الكريم علماً ببعض جوانب هذا الموضوع سنكتفي بالإشارة إلى بعض المحاور الرئيسة التي شغلت العلماء والمفكرين اليهود.
يشير الباحث إلى ردّ القرقساني على سعاديا الفيّومي في موضوعين أساسيّين وهما الأفعال والصفات التي تُوهِم التشبيه والتجسيم التي وردت في التوراة وموضوع كلام الله. ويرى الباحث جعفر هادي أن العلماء اليهود كانوا قريبين جداً في موضوع التشبيه والتجسيم من آراء المعتزلة الذين نفوا رؤية الله بالإبصار، كما نفوا التشبيه من كل وجه.
يؤكد الباحث أن هناك موضوعات أُخَرْ أُخذت سواء من المعتزلة أو فرق إسلاميّة أخرى مثل خلق القرآن الكريم، وهل كان قديماً أم أنه خُلق أيام الإيحاء به إلى الرسول محمد "ص". يقول أبو يوسف يعقوب القرقساني أن كلام الله مخلوق، وليس قديماً. كما خاض القرقساني في مسائل فلسفية عويصة مثل الفرق بين الفعل والحلول فهو يعتبر الموت واللون والحركة حلولاً، وأن المخاطبة والكلام والأمر والنهي فعل، وهناك فرق واضح بين الاثنين. ثم يختم الباحث جعفر هادي حديثه عن تأثر أبي يعقوب يوسف البصير بالثقافة الإسلامية حيث ألّف هذا الأخير كتاب "المحتوى" الذي ناقش فيه موضوع الثواب والعقاب، وتناول فكرة أن الله واحد لا ثاني له، كما تطرّق إلى موضوع اللطف الإلهي وغيرها من المحاور التي كانت رائجة في تلك الحقبة الزمنية التي اتصفت بالانفتاح الفكري والاجتهاد وإعمال الذهن.
يختم الباحث حديثه في هذا الفصل عن أصول الفقه الخمسة عند القرّائين وهي الكتاب "التوراة" والرواية "النقل" والاجتهاد والقياس والإجماع. لابد من الإشارة إلى أن الكتاب عند القرّائين يعني العهد القديم كله، وليس التوراة بالمعنى الخاص "أي الكتب الخمسة الأولى"، بينما يعتبر التلموديون التوراة بمعناها الخاص. يؤكد الباحث بأن الكتاب بالنسبة للقرّائين هو المصدر الأول لمعرفة الحكم الشرعي في مسائل الفقه، وعلى القرّائي أن يعرف لغة الكتاب ويفهمها ويفهم تفسيره، لذلك اعتنى القرّاؤون بضبط رسم الكتاب وتنبّيره وتقسّيمه إلى فصول وعبارات ومقاطع. ويحيلنا الباحث إلى ما قاله القرّائي يهودا هداسي في هذا الصدد: "إنّ الكتاب المقدّس يجب أن يشكّل وينبّر لأن الإله لم ينزله بدون هذين"، أي على العكس مما يراه التلموديون الذين لا يعتبرون التشكيل مقدّساً كما قال الحاخام التلمودي نطروناي "إنّ الحركات لم تنزل في سيناء، وإنما العلماء هم الذين وضعوها". قبل أن نختم حديثنا عن هذا الفصل لابد من التنويه إلى رأي الباحث جعفر هادي بصدد معنى "الرواية أو النقل"، فهي تعني عند القرّائين النقل المكتوب، أما عند التلموديين فهي تعني ما تناقله الرواة شفوياً من حاخاماتهم وعلمائهم الذين عاشوا أيام وجود المعبد اليهودي في القدس وبعد تهديمه.

من تاريخ النزاع بين القرّائين والتلموديين
لاشكّ في أن النزاعات بين القرّائين والتلموديين كثيرة ومتواصلة إلاّ أن الباحث جعفر هادي انتقى أبرز هذه النزاعات التي دارت في ست دول أقامت فيها الفرق اليهودية وهي العراق وفلسطين والأندلس وتركيا وبولندا وروسيا ونحن نعرف أن هاتين الفرقتين اليهوديتين قد سكنتا في بلدان أُخَرْ مثل إيران ليثوانيا وشبه جزيرة القرم وغيرها من البلدان التي تتجاور فيها الأديان والمذاهب.
يرى الباحث جعفر هادي أن النزاع بين الفرقتين القرّائية والتلمودية قد بدأ عندما اختلف عنان مع التلموديين وانفصل عنهم، وظل هذا النزاع مستمراً إلى بداية القرن العشرين. وكما هو معروف فإن عنان بن داود حضّ القرّائين على عدم السكن في المناطق التي يقيم فيها التلموديون. وقال هداسي في هذا الصدد: "إنّ مَنْ يسكن مع التلموديين ويعيش معهم ويسمع قولهم ويسكت عليه فإنه كافر مثلهم ومصيره مصيرهم"، ويستدل على ذلك بما جاء في سفر العدد "16/26" "فكلّم موسى الجماعة قائلاً اعتزلوا عن خيام هؤلاء القوم الطغاة، ولا تسمعوا شيئاً مما لهم لئلا تهلكوا بجميع خطاياهم".
أشار الباحث إلى أنّ أولى النزاعات قد بدأت في بغداد، موطن الفرقة الأصلي، عندما أعلن حفيد عنان داود بن شاؤول بن عنان عام 825م أنه يعتبر نفسه رأس الطائفة اليهودية بفرقتيها القرّائية والتلمودية. كما أعلن أنه أحق بذلك من غيره، لكن الخليفة العباسي المأمون سارع إلى الفصل بين الفرقتين.
كما حدثت نزاعات متواصلة بين الفرقتين خلال حقبة الحكم الطولوني في فلسطين عام 905م، وكانت أسباب النزاعات هي عدم اتفاق أعياد القرّائين ومناسباتهم الدينية بسبب اختلاف التقويم السنوي بين الفرقتين. وحينما كان التلموديون يحتفلون بأعيادهم ومناسباتهم الدينية كانوا يلعنون القرّائين ويطردونهم، ولأن عدد القرّائين كان قليلاً فكانوا يسكتون، لكن ما إن ازداد عددهم حتى بدأوا يردّون على التلموديين ويعترضون عليهم. ومن أسباب النزاع الأخرى، كما يشير الباحث، أن القرّائين كانوا لا يقرّون ببعض أنواع الذبح لدى التلموديين مثل ذبح الحيوانات الحوامل وطريقة فحص الحيوان وشروط الذبح الأمر الذي يجعلها محرّمة على فرقتهم. وحينما اشتكى القرّاؤون إلى الظاهر الفاطمي أصدر أمراً يقضي بعدم التعرّض لهم في كنيسهم وفي الحي الذين يقيمون فيه.
تجلّت الخلافات أيضاً في كل من قشتالة وبيزنطة وكالعادة فإن أسباب الخلافات تكاد تكون متقاربة، ففي بيزنطة اختلفوا على مسألة التقويم السنوي والأعياد وراس السنة اليهودية، كما كان التلموديون لا يقبلون أطفال القرّائين في مدارسهم الدينية، وحرّموا على نسائهم العمل في أي بيت قرّائي بحجة مروقهم وخروجهم عن الديانة اليهودية.
يتوقف الباحث في نهاية هذا الفصل عند النزاعات التي كانت تنشب بين الفرقتين في بولندا وروسيا. ففي بولندا كان التلموديون هم المسؤولون على جمع الضرائب، وكانوا يفرضون ضرائب عالية جداً على القرّائين بغية الانتقام منهم. أما في روسيا فقد كان التلموديون يشهّرون بزعيم القرّائين إبراهام فرقوفيتش لأنه كتب ضدهم، وفنّد مزاعمهم، ودحض حججهم الواهية. كما اقترح على الحكومة الروسية أن تبعد التلموديين من بعض الحدود الروسية بغية إيقافهم عن القيام بالتهريب والمتاجرة بالسوق السوداء، كما اقترح على الدولة أن تشغّلهم بالزراعة وتبعدهم عن التجارة والصناعة لأنهم كانوا ماهرين فيها ويتفنّنون في خداع الآخرين وغشّهم.

من مسائل الخلاف الفقهي بين الفرقتين
توقف الباحث جعفر هادي في الفصل السابع والأخير من كتابة القيّم عند جملة من مسائل الخلاف بين الفرقتين أبرزها التقويم السنوي والسبت والصلاة والصيام وبعض المحارم وما يجوز وما لايجوز أكله وغيرها من القضايا الخلافية التي شغلتهم على مدى قرون طويلة. وفيما يتعلّق بالتقويم السنوي كان القرّاؤون يعتمدون على رؤية الهلال في تحديد رأس الشهر وهي تختلف من شهر لآخر، أما التلموديون فكانوا يعتمدون على نظام الحسابات الفلكية بحيث يصبح رأس كل شهر معيّناً على وفق هذه الحسابات، وبالنسبة للتقويم السنوي فقد كانوا يأخذون بالنظامين الشمسي والقمري ولتعويض الفرق كانوا يلجأون إلى إقحام شهر زائد يسمّى آذار الثاني فتصبح السنة عندهم ثلاثة عشر شهرا.
تختلف الفرقتان على يوم السبت في عدد من الأمور من بينها أن القرّائين لا يجيزون القيام بأي عمل في يوم السبت ما لم يكن هذا العمل عبادة أو جزءاً من عبادة أو أشياء تحتّمها الضرورة لحياة الإنسان. فمثلاً لا يجوز السفر يوم السبت، ولكن إذا كان هذا السفر ضرورة تتوقف عليها حياة الإنسان فإنه جائز. أما التلموديون فقد أجازوا الخروج يوم السبت حتى لو لم يكن لعبادة أو ضرورة. كما لم يجز القرّاؤون إيقاد النار أو استعمال الضياء يوم السبت، فيما أجاز يشوع بن يهودا إبقاء الضياء واستمرار النار حتى لو دخل السبت.
اختلف القرّاؤون عن التلموديين في الصلاة، فهم يصلّون مرتين في اليوم وهما صلاة الصبح والمساء. أما التلموديون فيصلّون ثلاث مرات وهي الصبح والعصر والمساء. يشترط التلموديون الوقوف في جزئين وهما "شمونة عسره و "قدوشا"، أما القرّاؤون فيجلسون على الركبتين ويرفعون اليدين في جزء من الصلاة يسمّى التوحيد". ومن بين الاختلافات الأخرى في هذا المضمار أن القرّائين يعتبرون الطهارة شرطاً إذا كانت تؤدى في داخل الكنيس، ومستحَبة إذا كانت خارجه. كما لا يقول القرّاؤون بوجوب وضع التفلين على الجبهة والذراع في أثناء صلاة الصبح.
وفيما يتعلق بالمحارم في الزواج فقد أجاز التلموديون الزواج من بنت الأخ والأخت ويعتبرونه عملاً يُفرح الإله، أما القرّاؤون فلم يجيزوا هذا الزواج وأعتبروه محرّماً، فيما أعتبرته فرق يهودية أخرى مثل السامريّين والفلاشا زناً صريحا. لا يجيز القرّاؤون زواج الرجل من امرأة أخيه ويعتبرون نجاسة بدليل ما ورد في سفر اللاويين"20/21" "وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة قد كشف عورة أخيه يكونان عقيمين"، بينما قال آخرون أن العبارة تعني "أرملة الأخ المتوفي الذي ليس له أولاد". واختلف القرّاؤون مع التلموديين في مسألة الزواج بأسيرة الحرب، فهم يرون أن هذا الحكم يشمل غير المتزوجة فقط، أما التلموديون فيقولون أن هذا الحكم يشمل الأسيرة المتزوجة وغير المتزوجة.
اختلف القرّاؤون مع التلموديين في ما يجوز أكله من لحم الحيوان. ففي اليهودية عموماً لا يجوز ذبح الشاة أو البقرة في يوم واحد، غير أن القرّائين عمّموا هذا النهي وجعلوه يشمل أب الحيوان أيضاً، فقالوا بعدم جواز ذبح الحيوان وابنه في يوم واحد. كما لا يجيز القرّاؤون ذبح أنثى الحيوان الحامل، بينما يجيز التلموديون ذلك.
لم يتوقف الاختلاف بين الفرقتين عند المسائل التي أشرنا إليها سلفاً، وإنما يمتد ليشمل عدداً من الفرائض والطقوس الدينية الأخرى كالصيام وبعض الأعياد مثل عيد الحنّوكة وبعض المناسبات الدينية والاجتماعية. لقد بذل الباحث جعفر هادي حسن جهداً تحليلياً كبيراً في دراسة نشأة فرقة القرّائين وعقائدها وتاريخها الذي تتبّعه بنَفَس علمي رصين وبأسلوب منهجي محايد لا أثر في للعواطف التي قد تخذل الباحث في دقته وأمانته العلميتين. وفي الختام لابد من الإقرار بأن هذا الكتاب هو إضافة نوعية إلى مكتبتنا العربية التي هي أحوج ما تكون إلى هذا النمط من الكتب التي تخوض في شؤون الفكر الديني اليهودي وتعقد بواسطته دراسات مقارنة مع الأديان السماوية الأخرى كالمسيحية والإسلام حتى وإن اقتصرت هذه الدراسة على تعالق الإسلام مع اليهودية وتأثيره الواضح في عدد كبير من المسائل التي عالجها الباحث بين ثنايا هذا الكتاب اللافت للنظر.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان حسين أحمد - -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني)