أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان حسين أحمد - -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)















المزيد.....

-فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 11:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دراسة للمسائل الخلافية بين الفرقتين القرّائية والتلمودية
يعكِف الدكتور جعفر هادي حسن منذ ثلاثة عقود أو يزيد على دراسة الفكر اليهودي. وقد أصدر حتى الآن أربعة كتب مهمة وهي "فرقةُ الدونمة بين اليهودية والإسلام"، و "اليهود الحسيديم" و "قضايا وشخصيات يهودية" و "فرقةُ القرّائين اليهود" الذي سنتناوله بالنقد والدراسة والتحليل.
أشار الباحث جعفر هادي في مقدمته المركّزة إلى أنّ الديانة اليهودية قد انشقّت إلى فرق وجماعات مختلفة مثلما انشقت المسيحيّة والإسلام إلى فِرَقٍ وجماعات لم تتوقف عند حدود الاختلاف في الرأي، وإنما ذهبت أبعدَ من ذلك كثيراً حينما همّشت الآخر وأقصتهُ، ولم تجد حرجاً في الإجهازِ عليه وقتله في محاولة يائسة لمحوهِ من الوجود بطريقة منافية للأخلاق والأعراف والقوانين السماوية والأرضية. وفرقةُ القرّائين التي نحن بصددها انشقّت عن اليهودية في القرن الثامن الميلادي وذلك لأن أتباعها يعتمدون على التوراة فقط كمصدر للتشريع، ويرفضون التلمود الذي يُعّده التلموديون جزءاً مكملاً للتوراة. فالتوراة هي "الشريعة المكتوبة" التي يعترفون بها، أما التلمود فهو "الشريعة الشفوية" التي تحتمل الزيادة والنقصان، والخطأ والصواب.
أشار الباحث جعفر هادي إلى أن الجذر العبري لـ "القرّائين" هو "قرأ"، أي الذي يقرأ "المقرا"، كما يعني أيضاً "دعا"، أي الذي يدعو إلى فرقته. فالقرّاؤون إذن، هم الذين يؤمنون بالتوراة، ويقرأونها كثيراً، ويستنبطون منها أحكامهم الشرعية. يعيش غالبية القرّائين في فلسطين "قرب الرملة وتل أبيب" ويُقدّر عددهم بنحو عشرة آلاف شخص، ولهم عدد من رجال الدين "حزّانيم" يديرون شؤون حياتهم الدينية.
لم يكتفِ الباحث جعفر هادي بالمقدمة التي استهل بها كتابة الفكري القيّم، وإنما عزّزها بتوطئة مكثّفة نستشف منها بأن ظهور الإسلام هو الذي شجّع بعض اليهود على انتقاد الديانة اليهودية، كما حفّزهم لاحقاً على الاجتهاد وعدم الخشية من التفكير بصوتٍ عال. وقد ذكر الباحث في توطئته أربع شخصيات رئيسة وهم سيرانوس الذي ظهر في الربع الأول من القرن الثامن الميلادي وادعى بأنه المخلّص لليهود، كما رفض التلمود والتلموديين واعتبرهم غير ممثلين لليهودية. أما الشخص الثاني فهو أبو عيسى الأصفهاني الذي ادعى النبوة وجاهر بآراء تخالف آراء التلموديين، لكنه اعترف برسالة النبي عيسى "ع" ورسالة محمد "ص" وأمر بقراءة الإنجيل والقرآن، وحضَّ على معرفة تفسيرهما. فيما نادى دوغان، تلميذ أبو عيسى الأصفهاني، بالثورة على التلموديين، وله آراء تخالف عامة اليهود فيما يتعلق بالسبت والأعياد والأنبذة واللحوم. يعتقد الباحث جعفر هادي بأن دوغان كان متأثراً بالفكر المعتزلي، وكان يقول بحرية الإرادة للإنسان، ويرفض صفات التشبيه للخالق التي وردت في التوراة. أما الشخص الرابع والأخير فهو "موشكا"، وكان من تلاميذ دوغان، ولم يخرج عما نادى به أستاذه.

عنان بن داود. . . مؤسس فرقة القرّائين اليهود
يستهل الباحث جعفر هادي الفصل الأول من الكتاب بالحديث عن عنان بن داود الذي وُلِد وعاش في القرن الثامن الميلادي، غير أن المصادر المتوفرة لم تسعفه على تحديد ميلاد ووفاة هذا الشخص المثير للجدل. فقد كان زعيماً لفرقة القرّائين اليهودية في أيام الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. وقد ذكر أكثر من مؤرخ من بينهم إبراهام بن داود والبيروني بأن نسب عنان ينحدر من نسل النبي داود. بدأ عنان دراسته لليهودية منذ الصغر، وتتلمذ على أيدي علماء مشهورين مثل الجاءون يهوداي، رئيس مدرسة سورا اليهودية. وصل عنان إلى مرتبة علمية متقدمة أقرّ بها العدو قبل الصديق. وحينما أصبح عالماً متفرداً مُعترَفاً به من قبل الجميع بدأ ينتقد المؤسسة الدينية الرسمية ويعترض على الكثير من آرائها التي يعتقد أنها تخالف اليهودية الحقّة. كان عنان مُرشحاً لأن يكون رئيساً للطائفة اليهودية غير أن انتقاداته الحادة للتلموديين حرمته من تحقيق هذا المنصب الرفيع فرُشِّح بدله أخوه حنانيا. ومن بين المسائل التي رفضها عنان مسألة التقويم السنوي، وتحديد رأس الشهر، كما رفض التلمود وأعتبره بدعة لفّقها الحاخامون، وأوهموا الناس بأنه "الشريعة الشفوية" ومصدرها الإله ويجب أن تقدّس، فيما يعتقد عنان أن هذا الكتاب لا قدسية لأنه من وضع أناس معرّضين للخطأ والصواب. ومضى عنان أبعد من ذلك حينما انتقد هيمنة الحاخامين واستكثر عليهم الصفات الجليلة التي أغدقوها على أنفسهم.
لم يحتمل الحاخامون خروج عنان وانشقاقه عن المؤسسة اليهودية الرسمية وتوجيه انتقاداته اللاذعة لها لذلك أصدروا قراراً بطرده من اليهودية وحرمانه منها. وحينما لم يتعظ شكَته المؤسسة الدينية إلى الحكومة موجهة إليه تهمة المروق على الدين وعدم احترام المؤسسة الرسمية فقُبض عليه وأودعوه السجن، لكن أُعفي عنه لاحقاً حينما اقترح عليه عالِم مسلم " يُعتقَد أنه أبو حنيفة النعمان" أن يقابل الخليفة أبا جعفر المنصور ويوضِّح له رأيه ومعتقده في اليهودية لأنه لم يرفضها أو يرتّد عليها، وإنما هو صاحب مذهب ورؤية فكرية ناضجة تتحرّك على وفق آلية الاجتهاد التي اجترحها أبرز علماء الإسلام ومفكريهم. وبالفعل التقى بالخليفة وتحقق له ما أراد، إذ أُخلي سبيله، ونجا من المكائد التي حيكت له.
يشير الدكتور جعفر هادي حسن إلى أن عنان بن داود ألّف "كتاب الفرائض" فقط باللغة الآرامية، وهو مختصر في أحكام الفقه اليهودي. ولم يتوصل الباحث إلى السبب الذي دفع عنان للكتابة باللغة الآرامية، وليس العربية أو العبرية التي كان يعرفها الكثير من اليهود في تلك الحقبة تحديداً. يعتقد الباحث أن عنان ربما أراد لهذا الكتاب أن يكون مثل التلمود لذلك كتبه بالآرامية.
شجّع عنان على فتح باب الاجتهاد. وكان يقول: "ابحثوا في التوراة باجتهاد ولا تعتمدوا على رأيي". لذلك لم يعتمد عنان في تأليف كتابه الوحيد على أي حاخام أو أي عالم يهودي من التلموديين، وإنما جعل التوراة مصدره الوحيد الذي استقى منه أحكامه الفقهية. وأكثر من ذلك فقد كان عنان يعتمد على كتاب "العهد القديم" كله، وليس التوراة، أي الكتب الخمسة فقط. وعلى الرغم من أن عنان لم يضفِ صفة القدسية على نفسه لأنه كائن بشري يصيب ويخطيء مثل الآخرين إلاّ أن أتباعه أغدقوا عليه لقب "الأمير" وسمّوه بـ "إمام المرشدين". كانت لعنان آراء جريئة من بينها أن التوراة يجب أن تُقرأ كما هي مكتوبة. وأجاز لليهودي أن يأكل الطعام الذي يصنعه غير اليهودي. كما أجاز لليهودي أن يعمل سبعة أيام في الأسبوع، أي حتى يوم السبت شرط أن يتصدّق بما يحصل عليه في اليوم السابع.
توقف الباحث جعفر هادي عند خمس من الشخصيات المهمة التي ظهرت بعد وفاة عنان بن داود وهي ميشويه العكبري الذي كان يعتمد التقويم الشمسي، ولم يُجِز أن يقرب أي قربان يوم السبت، وقال إن عيد الأسابيع يجب أن يكون في يوم الأحد، وأن عيد الفصح يجب أن يكون يوم الخميس دائماً، وذلك بغية أن يكون يوم الغفران في يوم السبت، وحجته في ذلك أن التوراة أشارت إلى "يوم الكبور" على أنه "سبت السبوت" وغيرها من الآراء الجريئة، فلا غرابة أن يُتهم ميشويه بأنه صاحب بدعة ويُهاجَم هجوماً عنيفاً من قبل التلموديين.
تتبّع أبو عمران موسى الزعفراني آراء الكعبري، كما اتفق مع آراء عنان في أمور أخرى مثل أحكام الطعام كتحريم أكل إلية الشاة. أما مالك الرملي فقد خالف آراء عنان الفقهية فيما يتعلق بأحكام الطعام. ربما يكون بنيامين النهاوندي هو الشخص الأكثر شهرة بعد عنان بن داود. فهو أول من أطلق اسم القرائين على هذه الفرقة. ويعتبر بعض العلماء التلموديين البارزين كلاً من عنان والنهاوندي مؤسسي فرقة القرّائين. ألّف النهاوندي كتابين مهمين بالعبرية وهما "كتاب الفرائض" و "كتاب الأحكام" عن شريعة اليهود. كان النهاوندي يحرّم الزواج بالأخت من الرضاعة، "ولا يعتبر المولود نجساً إذا وُلد ميتاً، لأن النجس من وجهة نظره هو ما يموت خارج البطن". كما نفى فكرة تجسيم الخالق، وقال: "إن العقاب بعد الموت لا يقع على الجسم والروح معاً، وإنما يقع على الجسم فقط"، إضافة إلى آراء أخرى لا يتسع المجال للإشارة إليها كلها. أما الشخص الخامس والأخير فهو دانيال بن موسى القومسي الذي حرّم دم السمك، وأعتبر الإنسان مكلفاً شرعاً عند بلوغه العشرين. أنكر القومسي وجود الملائكة وقال إن كلمة الملائكة التي وردت في العهد القديم تعني قوّة طبيعية مثلها مثل الرياح والأعاصير والبراكين والغمام وما إلى ذلك وهي تُرسَل لخدمة الإله. كما أجاز شهادة المسلمين في إثبات رؤية الهلال.
خلص الباحث في نهاية هذا الفصل إلى أن الإختلاف الذي كانت تشهده فرقة القرّئين سواء بين ظهرانيها أو مع التلموديين إنما كان بسبب وجودها في بيئة إسلامية منفتحة على مبدأ الاجتهاد وإعمال الذهن، فلا غرابة أن يتأثروا بتلك البيئة المتطورة التي تمجّد الذهن البشري الذي يستطيع أن يفرّق بين الحقائق والأباطيل، ويميّز التبر من التراب.
يرى الباحث جعفر هادي أن فرقة القرّائين قد تطورت كثيراً، وأصبحت أكثر الفرق اليهودية عدداً وحجماً، وأنتشر أتباعها في العراق وإيران وفلسطين وسوريا ومصر وغيرها من البلدان، لكن الأذى الذي لحق بأتباعها كان كبيراً جداً لذلك اضطروا إلى إخفاء دينهم والتستر عليه خشية من فتك التلموديين الذين ظلوا يضغطون على المؤسسة الرسمية حتى تحقق لهم ما أرادوا حيث حُرِم القرّاؤون من اليهودية وأعتبروهم زنادقة لأنهم يسْخرون من العلماء التلموديين ويدحضون آراءهم. وقد تمكنوا، كما يذهب الباحث، في خاتمة المطاف من منعهم من الدخول إلى معابد اليهود المؤمنين إلى أن يغيّروا طريقهم، ويتبعوا التوراة التي يطبقها التلموديون. ويختم الباحث بالقول إن هذا القرار لم يؤثر على القرّائين لأنهم انفصلوا عن اليهودية عن قناعة تامة وإيمان كامل بأفكار فرقتهم، فلا غروَ إن لم يعترفوا بقرارات المؤسسة اليهودية الرسمية.

هجوم سعاديا الفيّومي على القرّائين وردِّهم عليه
إثر الانتقادات الحادّة التي وجهّها عنان بن داود وبعض العلماء القرّائين للتلموديين قام الجاءون سعاديا بن يوسف الفيّومي بحملة قويّة ضدّ أفكار فرقة القرائين ومؤسسها عنان حيث أصدر "كتاب الرد" باللغة العربية مُفنِّداً فيه آراء عنان وداحضاً إيّاها، إذ تناول أكثر المسائل الخلافية التي كانت قائمة بين الفرقتين القرّائية والتلمودية. وقد بذل جهوداً كبيرة في الرد على حجج القرّائين وأسباب رفضهم للتلمود. ويرى الباحث جعفر هادي أن السبب وراء تأليف هذا الكتاب باللغة العربية لأن القرّائين كانوا يحسنون القراءة والكتابة بها. يؤكد الباحث جعفر هادي أن سعاديا لم يكتفِ بالنقاش العلمي والجدل الموضوعي، وإنما ذهب أبعد من ذلك إلى الثلب والطعن والتجريح الشخصي حيث سمّى عنان "خارجياً وجاهلاً" كما نسبَ إليه "قلَّة العقل"، ووصف فرقته بـ "الخارجة والمارقة عن اليهودية" واتهمها بالانجرار وراء الثقافة الإسلامية التي كانت مزدهرة آنذاك. ومن بين الأدلة التي يسوقها سعاديا على تأثر القرّائين بالثقافة الإسلامية هو تعيين اليوم الأول من الشهر بواسطة رؤية الهلال، وهذه طريقة إسلامية خالصة ومعروفة لدى الجميع تقريباً. ألّف سعاديا عدداً من الكتب المهمة ذكر منها الباحث "كتاب التمييز" و "القياس على الشرائع السمعية". وهناك كتب أخرى متعددة الأغراض من بينها "تفسير السبعين لفظة" و "كتاب الأمانات والاعتقادات" و "كتاب الأعياد" وغيرها من الكتب والأبحاث الرصينة.
لم تقتصر الحملة التي شنّها التلموديون على القرّائين على سعاديا فقط، إذ اشترك عدد كبير من العلماء والمثقفين التلموديين في الرد على عنان وفرقته. وقد أورد الباحث جعفر هادي أسماء عشر شخصيات أخذت على عاتقها دحض آراء عنان وتفنيد أفكار فرقته، بعضهم كان ردّه شفيهاً وغير مدوّن كوثيقة مثل أبي السريّ بن زوطا الذي عاش في مصر في القرن العاشر الميلادي. فيما تصدّى البعض الآخر بردود رصينة مكتوبة مثل ابن ساقويه الذي ألّف "كتاب الفضائح" وردّ فيه على التلموديين بشكل عام وعلى سعاديا بشكل خاص حيث تناول في هذا الرد بعض المسائل الخلافية بين الفرقتين من بينها الهلال والأبيب والعنصرة والإلية والتقليد كما أشار ابن الهيتي. يذكر الباحث أن سعاديا لم يسكت على الهجوم، إذ ألّف كتاباً أسماه "الردّ على ابن ساقويه" وقال إن عنوان الكتاب يناسب مضمونه التي هي فضائح جليّة على المؤلف وأصحابه. كما وصف ابن ساقويه بـ "الجاهل" في محاولة للطعن به والتقليل من شأنه بين محبّيه ومريديه.
يشكو الباحث من ندرة المعلومات والمصادر لبعض العلماء والمثقفين الذين انهمكوا في الرّد على سعاديا من بينهم سولومون بن يروحام الذي كان كثير التنقل والأسفار، وقد ردّ على التلموديين وسعاديا في "كتاب حروب الرب" الذي ألّفه في العبرية ووعد بترجمته إلى العربية، لكنه لم يفِ بوعده. وقد تناول في كتابه عدداً من المسائل الخلافية المهمة مثل صفات التجسيم وبعض العبارات غير اللائقة التي أطلقها التلموديين على الخالق من قبيل أنه يصلّي ويقي نفسه بالأدعية والتمائم وما إلى ذلك. لا تخلو بعض الردود من تشابه فقد ناقش حسن "أو حسين" بن مشيح في ردّه على سعاديا موضوع الحسابات الفلكية في تحديد اليوم الأول من الشهر كما فعل علماء آخرون. ثمة علماء بارزون لهم شهرة واسعة، ليس بين القرّائين حسب، وإنما بين التلموديين أنفسهم مثل يافث بن علي هاليفي "أبو علي الحسن بن علي البصري" الذي ترجم العهد القديم إلى العربية وكتب تفسيراً له في عشرين جزءاً حاجج من خلالها التلموديين وصاحب الرفعة سعاديا. كما كتب يافث بن علي شعراً بأسلوب الرباعيات. وله كتب عديدة أخرى أبرزها "اللغة الواضحة" في نحو اللغة العبرية.
ردَ سهل بن مصلياح هاكوهن "أبو السريّ" على كلٍ من يعقوب بن صموئيل وسعاديا. كما هاجم التلموديين ووصف مدارسهم بـ "أوكار الشرّ والفساد". يعتبر سهل من أشهر الدعاة القرّائين وخطبائهم، وقد ذهب إلى العراق ومصر بهدف الدعوة إلى فرقته. كما ألّف كتباً عديدة في الفقه اليهودي والتفسير ونحو اللغة العبرية.
تميّز بعض العلماء بردودهم العلمية الهادئة مثل القرقساني الذي خاض نقاشاً طويلاً مع سعاديا، خصوصاً في الفصول الأخيرة من مؤلَفه القيّم "كتاب الأنوار والمراقب" حيث تناول العديد من المسائل الإشكالية وردّ على حجج سعاديا من دون أن يمس شخصه أو يجرّح فيه. كان القرقساني متبحراً في الفلسفة والفقه وعلم الكلام. ومن بين مؤلفاته الأخرى "كتاب التوحيد" و "كتاب الرياض والحدائق".
لم تتوقف ردود القرّائين على التلموديين حتى بعد وفاة سعاديا، إذ كتب القرّائي الروسي إبراهام فرقوفتش رداً مُفحماً على سعاديا مُفنِّداً آراءه التي اجترحها بحق القرّائين.
يتوصل الباحث جعفر هادي في نهاية هذا الفصل إلى خلاصة مهمة مفادها أن هجوم سعاديا، بمنزلته الدينية والعلمية الرفيعة، كان أحد الأسباب التي حدّت من توسع فرقة القرّائين وانتشارها، وبالمقابل كان لهجومه المتواصل جانباً ايجابياً جعل القرّائين يتوحدون، ويتفقون في الرأي، وينهون حالة التمزّق والتعدد التي كانت سائدة بين ممثلي هذه الفرقة وعلمائها.

أدلّة القرّائين على رفضهم للتلمود
يقول التلموديون، وعلى رأسهم المؤسسة الدينية الرسميّة طبعاً، أن التوراة كتاب مغلق، وأنه لا يقبل التطبيق من دون الشريعة الشفويّة، أي التلمود والمشناة، خصوصاً وأن الكثير من فرائضها صعبة على الفهم، عصيّة على الإدراك، ولا يمكن إزالة غموضها بواسطة الطرق المعروفة في البحث والنظر والقياس، لذلك فإن التلمود هو الذي يوضّح هذا الغامض، ويفكّ أسرار المُبهَم، ويشرح الصعب العسير من الأمور الشائكة التي يواجهها اليهودي في أثناء قراءة التوراة. فالشريعة الشفوية هي مكملة للشريعة المكتوبة ومُتمِّمة لها. وهذا الأمر ينطبق تماماً على السنّة النبويّة الشريفة التي يعتبرها رجال الدين الشريعة الشفوية المكملة للقرآن الكريم ومن دونها لا يمكن توضيح التباس القصد في المواقف العويصة التي تحتاج إلى تفسير يؤّول الصعب ويزيل غموضه.
أما القرّائون فيقولون إن التوراة، أي الشريعة المكتوبة، كاملة والدليل الذي يعتمدون عليه هو ما جاء في المزمور "19/8" الذي يقول إن "توراة الإله كاملة" وأنها تفسّر نفسها بنفسها. وربما لا يبتعد هذا الكلام كثيراً عن أن القرآن الكريم أيضاً يفسر نفسه بنفسه، وأن المسلمين بصورة عامة لا يحتاجون إلى واسطة أخرى تُعينهم في تأويل الشائك، وتفسير المعقّد.
يذهب التلموديون إلى أن النبي موسى"ع" جمع حكماء بني إسرائيل وأوضح لهم المعاني الشائكة التي وردت بصيغة الرمز الذي يحتاج إلى تأويل للغامض وفكّ للرموز المُبهمة. ويقولون بأن الذي شرحه موسى "ع" هو التلمود والمشناة.
يردّ القرّاؤون على هذا الزعم بان التلمود والمشناة فيهما آراء متناقضة كثيرة تكشف عن تنازع في الرأي، واختلاف في الحجة والدليل، ولا مكان للنقل هنا، ولو كانت كذلك لاستُغنيَ عن المنازعة. يؤكد الباحث جعفر هادي بأن التلمود والمشناة ليسا من الكتب المنزّلة، ولم يأتِ بهما أنبياء، وإنما هما كتابان موضوعان ومنسوبان إلى أناس بعضهم معروف، أي أنهما مكتوبان، وغير منقولين، هذا إضافة إلى احتوائهما على أقاويل باطلة وبعضها مستحيل لا يقبل به عقل أو منطق.
يستنتج الباحث جعفر هادي أن نقد القرّائين للتلموديين ورفضهم لمسألة التجسيم التي تتعلّق بالخالق وصفاته التي وردت في التوراة إنما هي استعمالات في حدود اللغة البشرية، وفي حدود قدرات العقل البشري الذي لا يستطيع تجاوزها. فالخالق، كما يقول القرّاؤون، ليس بجسم ولا شبيه به، ولا يمكن أن يُوصَف كما يُوصَف البشر، كما ردّوا على كل المقولات التي تؤكد على أن الله يصلي ويبكي ويرقص وما إلى ذلك من تهويمات وخزعبلات.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي يحتج على سجن المُخرجَين بناه ...


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان حسين أحمد - -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)