أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسانية














المزيد.....

فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسانية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3361 - 2011 / 5 / 10 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


تميّز فيلم (كولا) للمخرج يحيى العلاق من بين عشرين فيلماً وثائقياً اشترك في مسابقة الأفلام الوثائقية الخليجية للدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي ونال الجائزة الثانية عن استحقاق وجدارة تامتين على الرغم من وجود أفلام مهمة في المسابقة مثل (ريتشارد الثالث_ شخصية عربية مهمة جداً) للمُخرجَين شاكر أبل وتيم لانغفورد، و (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) للمُخرجَين فلاح حسن ومناف شاكر، و (ليلة عمر) لفهمي فاروق فرحات، و (موت معلن) لرعد مشتّت وغيرها من الأفلام التي تبقى في ذاكرة المُشاهد ولا تغادرها بسهولة. يا تُرى ما الذي لفت انتباه أعضاء لجنة التحكيم في هذا الفيلم الوثائقي القصير الذي يبلغ طوله تسع عشرة دقيقة لا غير كي تُسنَد له هذه الجائزة المُعتبرة في مهرجان مثل مهرجان الخليج؟ ولكي نجيب على هذا السؤال لابد من تتبّع القصة السينمائية التي جاءت ضمن سيناريو الفيلم. فالسيناريو الدقيق والمتقن والمحبوك حبكة جيدة هو الذي يمهّد لأي فيلم يريد أن يحقق أعلى مستويات النجاح. ويبدو واضحاً من سياق القصة السينمائية المدروسة أنها تتوفر على معظم معطيات النجاح الفني. فالسيناريو لا يروي قصة مترهلة، وإنما هو يقوم بالأساس على قصة مركزّة، محبوكة، شديدة الدلالة، قوية التعبير في زمنٍ مخزٍ وصفه كاتب النص وهو مخرج الفيلم نفسه أنه فاصل بين زمنين، زمن شمولي ولّى بقمعه واستبداده ودكتاتوريته، وزمن جديد يقال عنه زوراً وبهتانا بأنه زمن ديمقراطي وليبرالي متحرر، بينما هو غارق حتى أذنيه في التخلّف والظلامية وسرقة المال العام جهاراً نهارا. في هذا الزمن الرديء تجد الصبية (جنان) نفسها في مواجهة محنة قد لا يشعر بها إلا صاحبها الحقيقي، فأبوها مريض، طريح الفراش، لا يقوى على شيء، وأمها منهمكة في تربية إخوتها الصغار الستة، وهم جميعاً بحاجة ماسة إلى الطعام والشراب والدواء الذي يحتاج إليه الأب على وجه التحديد. ما الذي ستفعله (جنان) ذات الاثني عشر خريفاً؟ هل تخرج وتبحث عن العمل في شوارع بغداد الملغومة بالموت المؤجل الذي قد يفاجؤها في أية لحظة؟ هل تجازف وتندّس في غابة الوحوش المفترسة من دون أن تحسب أي حساب للاعتداء عليها أو اغتصابها، لا سمح الله؟ وإذا خرجت إلى الشارع فما الذي تستطيع فعله وهي الطفلة التي لم يشتّد عودها بعد؟ حينما تكون الفكرة عبقرية وامضة فلابد أن تنطوي على لعبة فنية تنسف المسارات التي قد يتوقعها المُشاهد. وهذا ما حصل بالفعل، إذ قررت (جنان) في لحظة تجلٍ أن تتنكر بزي ولد، وأن تبدّل اسمها من (جنان) إلى حمودي رغماً عنها، فهي لا تحبذ أن تكون ولداً، ولكن للضرورة أحكام. عقصت شعرها وخبأته تحت غطاء الرأس، ونزلت أول الأمر إلى المزابل ومكبات النفايات القريبة كي تجمع علب الكولا والبيبسي والميراند الفارغة والمواد البلاستيكية التي تلتقطها طوال النهار ثم تبيعها في خاتمة المطاف بثمن زهيد كي تؤمّن الطعام والدواء لعائلتها الكبيرة التي تنتظر عودتها في آخر النهار على أحرّ من الجمر.
تطورت الفكرة في رأس (جنان) فاشترت عربة خشبية يجرها حمار عجوز تجوب به شوارع بغداد ومكبّات النفايات المزدهرة في بلد لا يضع النظافة في سلّم اهتماماته. تنغمس (جنان) كل يوم في التنقيب عن العلب المعدنية الفارغة والموالد البلاستيكية من دون أن يتسرّب إليها الملل، وفي نهاية النهار تتجه إلى رجل طاعن في السن يطلب منها أن تفرد العلب على حدة حسب أنواعها، وتضعها على الميزان كأي تأخذ ثمنها الزهيد جداً، لكنه يؤمّن لها في الأقل هاجس الطعام، ويوفر الدواء للأب الراقد على فراش المرض.
حينما تصادف (جنان) التلاميذ وهم يتجهون إلى المدرسة أو يغادرونها تنظر إلى ظفائر البنات التي تطير في الهواء، بينما هي تحجب ظفائرها كي لا يكتشفها ذئاب الشوارع المبثوثين في كل مكان من هذه المدينة المتربصة بأبنائها، ثمة نظرة غامضة لا يستغورها أحد تنعكس في عينيها كلما لمحت صبية جميلة غارقة في ترفها ونعمتها. تقول (جنان) بأنها تتمنى أن تكون مثل قريناتها الأخريات سعيدة، جميلة، تسكن في بيت يتوفر على معظم اشتراطات الحياة المعاصرة. وحينما تعود مساءً إلى البيت تقف (جنان) أمام المرآة، وتحل شعرها المعقوص الذي خبأته تحت قبعة أو يشماغ مغبّر، وتشعر بأنها بنت اضطرتها قساوة الحياة وفظاظتها لأن تكون (صبياً) محروماً من نِعَم الطفولة وسحرها الأخاذ.
هذا النمط من الأفلام التسجيلة القصيرة يشبه إلى حد كبير قصيدة الومضة التي تعتمد في بنائها الفني على مفارقة ما. فكيف فكرّت هذه الصبية الصغيرة في أن تتنكر بزي صبي كي تكون في منأى عن الذئاب في الأقل؟ إن ادهاش المتلقي في نهاية الفيلم ومفاجئته بأن حمودي إنما هو جنان في حقيقة الأمر، وأنها أكثر من ذلك صبية مسؤولة عن إعالة أسرة كبيرة فيها أب طريح الفراش. فهذه الصبية لم تفكر بالانحراف أو السرقة أو ممارسة أي شيء مخالف للقانون أو للأعراف الاجتماعية المتعارف عليها لذلك سلبت ألباب المشاهدين وسحرتهم ونالت اعجابهم مثلما نالت، من قبل ومن بعد، اعجاب لجنة التحكيم الذين أسندوا الجائزة الثانية لمبدع هذا الفيلم، المخرج الواعد يحيى حسن العلاق الذي سبق له أن أخرج فيلماً قصيراً بعنوان (آني اسمي أحمد) كما ساعد المخرج محمد الدراجي في فيلم (ابن بابل). جدير ذكره أن يحيى العلاق حاصل على دبلوم فنون مسرحية، وبكالوريوس سينما من كلية الفنون الجميلة، جامعة بغداد عام 2005. حاز فيلمه الروائي القصير الأول (آني اسمي محمد) على الجائزة الذهبية في مهرجان بيروت السينمائي الدولي التاسع عام 2009، كما حاز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان روتردام عن أفضل فيلم إنساني يتناول قضية اللاجئين العراقيين، والجائزة الثانية في مهرجان عيد السينما العراقية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية
- تعدد الأصوات والأبنية السردية في رواية -قفلُ قلبي- لتحسين كر ...
- تقنية فن التحرّيك في النص الشعري
- تقنية السهل المُمتنع في رواية (الزهير) لباولو كويلو
- قضايا وشخصيات يهودية للباحث جعفر هادي حسن
- أقول الحرف وأعني أصابعي. . . مَنْجمٌ للموضوعات الشعرية
- علاقة الحرب بالثقافة البصرية. . أمسية ثقافية تجمع بين القراء ...
- التعصّب القومي في فيلم -أكثرية- للمخرج التركي سيرين يوج
- الأبعاد الدرامية في تجربة ورود الموسوي الشعرية
- ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي ...
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي يحتج على سجن المُخرجَين بناه ...
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (2-2)


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسانية