أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي(2)















المزيد.....

ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي(2)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3291 - 2011 / 2 / 28 - 12:03
المحور: الادب والفن
    


أكدنا في حوارٍ سابق أن الشاعرة ورود الموسوي تسعى لخلق عالمٍ شعري يُحيلنا الى مُبدعة النص ومُنتِجتهُ، ولا يذكِّرنا بالأنماط الشعرية السائدة التي تعتاش على بعضها البعض. إن التأكيد على فرادة عالمها الشعري المصغّر لا ينفي إعجابها وتأثرها ببعض الأسماء الشعرية الكبيرة التي هزّت وجدانها ولامست أعمق نقطة في عاطفتها الإنسانية المرهفة مثل السيّاب و ت. س. إليوت و فروغ فُرُّخزاد وآخرين لا مجال لذكرهم الآن. أصدرت ورود حتى الآن ديوانين شعريين وهما "وشمُ عقارب" و "هل أتى..؟" كما أنجزت ديواناً ثالثاً ومجموعة قصصية. لا يقتصر إهتمام ورود على الشعر والقصة القصيرة حسب، وإنما يمتد الى النقد الأدبي أيضاً. ويمكننا الإشارة في هذا الصدد الى أطروحتها القيّمة التي نالت عنها درجة الماجستير من جامعة سواس وكانت بعنوان "رمزية الألوان والحواس في شعر بدر شاكر السياب" التي برهنت من خلالها أن علاقة الألوان بالحواس هي واحدة من أهم الأعمدة التي يرتكز عليها أي نص شعري. سنحاول في هذا الحوار إستجلاء بعض ملامح تجربتها الشعرية العميقة التي أخذت بعض حقها من النقد والدراسة والتحليل.
الاختباء وراء الشهوات
* هل أن النبرة الاحتجاجية في قصيدة "وطن" مردّها إحساسك العالي بالغبن واليأس المطلق. وهل إنتبهتِ الى الجانب المنظوري "Perspective" في "كاميرا الله" وهي تصوّر بشاعة ما يحدث في هذا الوطن المُستباح على مرّ العصور؟ أين تقف ورود منظورياً، وهل إستعرتِ "عين الطائر" في هذا النص الغاضب على وجه التحديد؟
- هذه القصيدة أعتبرها صرخة في وجه كل مَا تعاقب على العراق من ظلم, لكنها على وجه التحديد ناظرة الى الوضع الحالي الذي تسيّد به اُناسٌ لا ناقة لهم في هذا البلد ولا جمل فراحوا يعوثون ويعوقون فيه. وكي لا أبخس أحداً حقه سأستثني الشرفاء إن وجدوا!
القصيدة ناظرة وبخاصة لأولئك الذين أطالوا لحاهم إيهاماً لنا بأنّ الجنانَ معلّقةٌ بأطراف ثيابهم, اولئك الذين يرمون كل من يخالفهم باللادين والالحاد والكفر!
ناظر هذا النص لكل القهر الذي رأته النساء والاطفال, ناظرٌ لـ اللحى التي تتشهى الفاحشة أولئك الذين تمترسوا خلف واجهاتهم الدينية الشكلية كي يختبئوا وراء شهواتهم ظانين انْ لا أحد يرقب نزقهم وعهرهم (يختبئون خلف غرف زجاجيةٍ خوف أن تفضحهمُ اللذة) علماً أنّ هذا النص هو الوحيد الذي ينفتح بإشاراته على مفردات أتجنّبها بالعادة و لا أتعاطى وإياها كما يفعل غيري غير منكرة على الاخرين أسلوبهم ووضع انفسهم في اطار هم يرونه, لكن الوضع لا يحتمل أية مواربة أو مجاملة فجاءت قصيدة "وطن" صرخة احتجاج عالية النبرة بأن الوطن الآن سِجّادةٌ للعُهر. . .!
لكَ أن تعتبرها عين طائر مثخن بالألم ومثقل بالوجع, يبحثُ في كومة الرماد عن وردة عالقة، لكن لا ورد هناك (لا شيء, لا شيء في بلادٍ تُرقّعُ سود أيامها بالشعارات, وترفعُ نخب انكساراتها كل طلقة) هذي البلاد التي أضاعوها لحظة ظنٍّ منا أنهم سيحموها وسيكونون عين خلاصنا من الجحيم الذي كنّاه, إذا بهم يرمونها في أتّون أخر فتحولت الارض الى (أرملةٍ تحجُّ الى جوعها كل يوم بالعويل) . . .!
ثمة اشارة أخرى في هذا النص الى التكرار المتعمد في القصيدة والتأكيد على انتهاء كل شيء في هذا الوطن (فارغٌ هو الوطن, غائبٌ هو الوطن, منسحقٌ هو الوطن . . .الخ) ليس تكراراً لا معنى له، بل هو نقطة التحوّل في كل سطر والتأكيد على ما سبقه وما يعقبه ثم الاحالات الى (مثل الزجاجات وعلب السجائر الفارغة) هي اشارة الى مهانة حقيقية وصلنا لها من التهميش الانساني الذي وصل بالنفوس لدرجة الانسحاق التام, بسبب الحروب والتغيرات المناخية والفقر والعوز والقهر اليومي الذي شهده الفرد العراقي كل هذا وأكثر ساوى بنفسيّته الارض –مهما كابرنا- الانسان العراقي أصبح غائباً بفعل كل ما مرّ . . . وما نحنُ الا هوامش لمتنٍ لم نعرفه بعد اسمهُ الانسان, ولهذا تجدني أبحثُ عن هذا المتن فيّ وفي كل ما يصادفني علّ هامشي يتعرف الى متنه فيهدأ هذا اللا استقرار والبحث عن الهوية, المكان, الانتماء, العراق, الغربة والاوضاع بكل ما خلفته وستخلفه.
قصيدة "وطن" هي هديةٌ بسيطةٌ لكل العاملين في الحكومة العراقية اليوم ابتداء من رئيس وزرائها والمحيطين به من أصحاب العمائم التي شوّهت العمامة الحقيقية التي كانت ترمز للنبل والشهامة والكرامة, أصبحت اليوم مسخرة القرن الحادي والعشرين, قصيدة "وطن" هدية بسيطة لهؤلاء الذين يلبسون الدين زيّاً لا أخلاقياً والذين يستغلون وضع الأرامل والمعوزات ليستمتعوا بهنّ تحت أسماء عدّة, نكايةً بفقرهن, هؤلاء الذين مُسِخوا فلم يبقَ منهم غير عفن العقول الصدئة هؤلاء الذين زعموا يوماً أنهم أصحاب دين وعقيدة فإذا بهم يلبسون جلد أفعى وجلد حرباء, هؤلاء الذين قال عنهم الحسين عليه السلام يوماً( الناس عبيدُ الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم, يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون) هؤلاء هم الذين نسوا أن كاميرا الله ترصدُ أغطيتهم, وأن العالم العلوي مطّلعٌ على ما يفعلون. . . وهؤلاء الذين عاثوا بالبلاد فساداً اليوم بعد أن لعق الجبن أرواحهم ونسوا أيضاً أن الزجاجَ منكسرٌ فوق رأس الشعب!
من أجل هذا وأكثر كانت قصيدة "وطن" صرخة حيّة بوجه كل مَن يحاول تدليس الدين وتسيسه بنهب حق الفقراء الذين ماتوا مليون مرة على مدى عقود . . .!
الحاسة واللون
* تتجسّد حاسة الشمّ بقوة في قصيدتي "رائحة الكمُّون" و "خريفُ العمر". هل أن إستعمال هذه الحاسة قد جاء بشكل عابر، أم أنه تمخّض عن رؤية مُسبّقة مدروسة. وهل تنوينَ توظيف الحواس الخمس، أو بعضها في الأقل، في نصوصك الشعرية القادمة؟

-دعني أشكرك أولاً على هذا السؤال لأني تمنيتُ كثيراً أن اُسأَلَه, رغم تأكيدي على أن لا شيء متعمَّد في النصوص وإن اللحظة الشعرية هي التي تمنح مفرداتها وموضوعها ومضمونها لكني اؤكد أيضاً أن الشاعر الجاد هو الذي يُشذّبُ قصيدته لحظة كتابتها ويكتبها بوعي عالٍ يعتمد الذائقة السليمة التي تربى عليها وأيضاً لعمقه المعرفي بما يكتب وعمقه اللغوي والأدبي.
ليس من شيء أكتبه بلا قصد أو بلا رؤية مسبّقة. أردّد كثيراً (أنا بـ سبع حواس) وهذا كافٍ ليجعل الحواس أحد أهم أعمدة النص لديّ . . . فلم يكن هذا الموضوع بعيداً عني حيثُ كانت أطروحتي للماجستير تحمل عنوان (رمزية الألوان والحواس في شعر بدر شاكر السياب) وهنا أعود مرة أخرى للسياب العظيم, في هذه الاطروحة تقصيت علاقة الحاسة باللون عند السياب لأكتشف من خلاله أن الشعر بأكمله وفي كل اللغات قائم على ترابطٍ مذهل بين الحاسة واللون وهذا يعني أنْ كان لي شرف إدخال منهج جديد في قراءة الشعر عربياً وعالميا.
لذا فالحواس تملأ الديوان لكن برمزيات تتراوح بين التجلي والخفاء وما رائحة الكمون ورائحة الليمون في قصيدة خريف العمر إلاّ كشفاً للمرموز في نصوص أخرى, اعتمدتُ ادخال الألوان جنباً الى جنب مع الحواس حتى ترابطت كل حاسة بلون معين. رغم أن اللون الأسود قد يكون المتسيّد على النصوص لكن ألواناً أخرى عكست رموزاً كثيرة كانت حية, فاللون الأحمر رمز الثورة والدم ترابط مع حاسة البصر والسمع في آن واحد ( يا أنتَ, يا أحد العابرين, يا حرّ الرصاص والموت الأحمر) هذا النداء الذي يجعل المنادى يلتفت ليرى الموت الأحمر ويسمعه في صوت الرصاص, في حين ترابط اللون الأسوّد بالموت والظلمة المطبقة هذا لو عرفنا أن الأسوّد يتلاصق في الكثير من الأحيان مع حاسة السمع ففي الظلمة تُفتقد الحواس إلا حاسة السمع تكون حاضرة بقوة. ( أسودُ دمنا, حج قُبيل الفجر لله, ولله حجٌّ علينا) هذا الظلام المطبِقُ يجعلنا نطوف في الظلمة ولا نبصر الا من خلال سمعنا لنداءات الحجيج.
إذن اعتمادي الحواس والألوان أراه أحد أعمدة أي نصّ شعري فمن الأجدر بي معرفة مواطن انتقالاتهما والترميز الهادف, لأنه موضوعي الذي لم يُتطرق إليه سابقاً –على حدّ علمي – أو على الأقل في الجامعات البريطانية.
المرأة المعذبة
*تزدان قصيدة "متاجر العزلة" بالأنسنة أو الـ "Personification" أي إضفاء الصفات الإنسانية على الجماد مثل "المتاجر، الباب، أرضية المحلات" وغيرها من المعطيات التي يزخر بها النص. ما أهمية التشخيص في هذا النص الشعري تحديداً، وهل هو محاولة لكسر النمط المضموني الذي قد يسقط في دائرة الرتابة؟
- لكل شيء روح ولا جماد في الجماد, هكذا كل الاشياء أراها تئن وتتألم وتتوجع وتشعر . . . ويحضرني الآن أبي العلاء المعري وهو يؤكدُ هذه الحقيقة بقوله: (خفف الوطء ما أظنّ اديم الارض إلا من هذه الاجسادِ).الإنسان في كل شيء في هذا الوجود, يكفي أن تُنصت لهبوب الريح لتسمع نواحها وكم يشعرني هذا النواح بالحزن إذ لا شيء في الكون لا يتوجع, انصت لقرقعة الغيم لتدركَ غضب السماء, وأحياناً أسمعُ صوت الله ألسنا نسمعهُ في الغيم حين كنا صغاراً . . .؟؟ الانسان يلبس روح الشجر والشوارع والأزقة وحتى المباني, فهل ثمة فرقٌ بينَ من أوقفه الفراقُ رهناً للغياب والحرمان عن بيتٍ أوقفه الهجر على انقاضه فتحوّل لبيت مهجور . . .؟ كلاهما مهجور يحمل روح الخواء, وما أنين ضلع المدينة الذي طقّ والذي أشرتُ له في ديواني الاول وشمُ عقارب إلاَ استعارة تشبيهيه رمزية لكل امرأةٍ طقّ ضلعها تحت ظرف محكوم بالموت, هكذا أرى أن المدنَ نساء والنساءُ مدنٌ تسكن الآخر حيناً وحيناً آخر تُسكَن . . . وما الاشجار العارية التي تطالعني كل شتاء إلاّ نساء عارياتٍ يضجّنّ بالصراخ الى خالقهن.
المرأة المعذّبة, المهمّشة المنبوذة هي جل اهتمامي، لكن الرمزية التي أشير إليهن من خلالها قد تكون عالية بعض الشيء في الوقت الحالي لكني على يقين أن بمرور الزمن سيجد القارئ الجاد هذه الثنائيات ويضع يده عليها.
وعوداً الى أنسنة الاشياء . . . نعم الباب أغمض مصباحه ونام . . . أرضيَّة المحلات مازالت تئن بأحذية العابرين . . . تماماً مثل أضلاعك ما زالت تئن بالبرد, هي محاولة للتقريب بين ما قد يعتبره الاخرون جامداً وبين الذات . . . أن تشعر بالجوامد – واؤكد ان لا جوامد لديّ فكل شيء أراه يتحرك حولي ويتنفس- هذا يعني أن عملية ولوجك لذاتك تكون أسهل وأقرب, أن تشعر بأن للباب روح يعني أن هذا الباب جسدك وما المصباح الذي سيُغمضُ عينه وينام إلا اشتعال الافكار بفلسفاتها برأسك الذي لابد أن تطفيء مصباحه وتنام.
وليست أرضية المحلات إلا ظهرك الذي يدوسه النهار بكل أعبائه ليترك أضلاعك تئن ببرد الوحدة, وكما أن ارضية المحلات رغم أنينها من أحذية العابرين تشعر بذات الوحدة فتجدها تحنُّ لتلك الاحذية . . . هي أضلاعك رغم بردها لكنها مازالت تحنُّ لوجع النهارات وخبثها ايضاً.
يباب عراقية
*مَنْ يقرأ ديوانك الثاني يشعر أنه أمام "أرضٍ يبابٍ" عراقية خالصة. ما السبب الذي دفعك لإستحضار بعض أجواء ت. س. إليوت. وكيف تقيّمينَ هذا التلاقح الخلاق الذي أسفر نصٍ مغاير لا علاقة له بمعطيات النص الأول؟
- قد يكون نعتاً كبيراً هذا الذي يقاربني من شاعرٍ قرأتهُ بنهم, ت . س. اليوت هذا الذي خلق ملحمته على صوت الرصاص والمدافع وهو يسمع عويل الامهات عند (الشرنغ كروس) . . . أوعز هذا التلاقح الى أني انتمي لأرض يباب عراقية كما وصفتها, وإن كانت أرض ت. س. اليوت كانت ناظرة لمرحلة زمنية معينة رغم امتداد التجربة والافادة منها عالمياً إلا أن أرض العراق يبابٌ على مر العصور وحتى في أوج زحاماتنا العولمية في العصر العباسي وحتى منذ الخليقة ونقش الكتابات السومرية وحتى قبلها من عهد كلكامش وأرضنا يباب مهما اخضرّتْ, ليست سوداوية مني، بل هذ واقع البلدان العظيمة دائماً تكون ملحمية لتصنع تاريخها وناسها.
فالهمّ اذن واحد . . . هو كتب الانسان معالجاً روحه من خلال ما يرى, فاستعار عين الطائر وراح يكتب ويلطم لو صح التعبير ولم يكن السياب عن اليوت ببعيد فقد تأثر به الاخير وأفاد من روحه، لكنه كتب الروح العراقية فتميّزت لغته, هكذا أراني وقد أعود لما ذكرته أعلاه حول مسألة التأثير والتأثر وسأضيف هنا أن ثلاثة من الشعراء حين اقرأهم يلبسني حزن يثقل الروح ولا أخرج منه إلا بكتابة نصّ هم: ت. س. اليوت, بدر شاكر السياب والشاعرة الايرانية فروغ فُرُّخزاد, وهذي الأخيرة تُرهقني أكثر حين أسمعها.
هؤلاء هم الذين يحفزوني على كتابة نص مليء بالتراجيديا التي لا تتعمد التراجيدي بقدر ما تحاول اكتشاف ما حولها من خلاله . . . تكون المفردة فيه هي الأصدق وهذا ما أكرره دائماً المفردة التي تُستخدم هي التي تحكي ولا حاجة لايراد مصطلحات كي تكون القصيدة قصيدة!
هؤلاء الثلاثة لبسوا روح الكون فأرهقهم الوجود فراحوا يبحثون عنه في ابتسام الطفولة, في صورة فورية منسية بالصندوق الأسوّد كما تقول فرّوغ . . . أو ربما بتحيّة صباحية بلا ابتسام وبلا معنى من عابر لعابر آخر, كل ما نحاول الوصول اليه هي الروح اليباب التي نلبسها ويكفي أن نقرأ الرجال المنخورون أو المجوّفون لـ اليوت لنعرف عن أي روحٍ يتحدث وأي تعي يعشش في هذي الأرواح, ويكفي أيضاً أن نعود الى فروغ فرخزاد في ديوانها (تولدي ديكَر, ولادة أخرى) لنكتشف أن الموت هو ما يحث الولادت كلها ولتختم وجعها النبيل بأن تكرر (نعم, هذا قدري) أو لتحتفل بالوجود فتراهُ طفلاً عائداً من مدرسته, أو ربما امرأةٌ تعبر كل يوم ذات الطريق بذات السلّة الفارغة, لكنها تؤكد أن عالماً ما يختلف عمّا صوّرته هنا لتكون الغابة أو الحديقة أو المرآة أو لمعة الماء وصدف الاسماك الصغيرة هي العالم وما فيه!
قد يكون اختلاف السياب عن اليوت وفروغ بالصبغة العراقية المعتّقة بالحزن وبهذا يكون كلاً منهم كتب روح انسانه فــ حلّ بروح كل من قرأه: (متُّ كي يؤكل الخبز باسمي)
بهؤلاء تكون الكتابة فعل إنساني مليء بالتأمل والعمق وبهذا تكون الروح التي أنطلق منها واحدة لكنها وبكل صدق لا تمتّ للنص الأول الذي أحببتهُ بصلة, وهذا هو معنى التأثر والافادة من الادب العالمي أو المحلي من خلال شاعر تحبه.
رائحة الجدّات
*نسفتْ ورود مفهوم الكلمة اللاشعرية، فها هي تستعمل العديد من الكلمات المحكيّة أو "العامية" مثل "ناطرة"، "بقجة" "مُبَسمرة" وغيرها من الكلمات التي إنتظمت ضمن سياقات لغوية وشعرية شديدة الجمال والدلالة. هل هي محاولة لضخ دماء جديدة في اللهجة المحكية وتثوير طاقتها الشعرية الكامنة، أم أنه تحدٍ صارم لترويض الكلمات العويصة المنغلقة على نفسها؟

- بعض الكلمات تفرض نفسها على النص فتجد أنه لا يستقيم إن تخليت عنها أو استبدلتها بكلمة أخرى مثل كلمة (ناطرة) وكما تعرف أن هذه الكلمة لها دلالات عديدة باللهجة العراقية وأعتقد العربية أيضاً فهي كلمة مشتركة، لكن ما يزيدها توهجاً بالمعنى العراقي ليس معنى الانتظار وحده، بل بعودة بسيطة لقانون العشائر والثارات التي كانت ومازالت تسيطر على الارياف في كل البلدان العربية وعلى رأسها العراق كلمة (ناطر) تعني التحرك ببطء لاتمام الدسيسة وتعني خطة مبيّتة تم اعدادها ليلاً وما الضباعُ هنا إلا رمزاً للنفوس التي تبيع الارواح وتنطرُ موتها الاخير لتنقضّ عليها. وبهذا كلمة ناطرة لم تكن ناظرة لمعنى الانتظار فقط، بل كانت تنظر معنى الدسائس والخداع والجبن الذي ينطر الليل كي ينفذ دسائسه.
وكذلك الكلمات الاخرى التي تعكس دلالات مهمة في تراثنا الشعبي والمحكي على وجه الخصوص, لم أتعمّد ايراد هذه الالفاظ التي قد يعتبرها البعض إخلالاً بنسق البلاغة الشعرية مادمنا قادرين على استبعادها, لكن الشعر حياة وحياتنا مليئة بالعبارات التي تُجبرنا على التعاطي معها لتبيان معنى حين ترى أن أي كلمة اخرى مهما رنّت وعلت لا تعطي المعنى الذي تراهُ أنتَ وتبغي ايصاله. وهذا اختبار حقيقي يقف أمامه الشاعر الجاد الذي يحاول خلق لغة خاصة به أحياناً أو تطويع بعض ما استعصى لصبغ صوته به, وبلا شك لستُ الوحيدة في ايراد الكلمات المحكية رغم أني لا أستسيغها إن تكررت كثيراً داخل النص الواحد . . . بمعنى إن حوى النص الواحد كلمة واحدة فلا بأس، لكن أن يشتمل النص الواحد على أكثر من معنى محكي هنا أرى أن النص بحاجة لإعادة النظر. لأنه ارهاقٌ لوجه النص الذي ستفلتُ شعريته.
أطمح أن أكون على قدرٍ كافٍ بفهم النص واحتياجاته وأعرف أنه متعبٌ جداً لكنها اللغة التي تُترجمنا مرة بلغة فصيحة صافية وأخرى دارجة محكيّة قد يكون لوقع الكلمة –غير المتوَّقع- رائحة الجدات وكل شيء معتّق.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورود الموسوي: أحمل روح السيّاب، لكني لا أحمل صبغته الشعرية(1 ...
- المخرج جمال أمين يلج دائرة العتمة الأبدية
- مسابقة (أمير الشعراء) في دورتها الرابعة
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي يحتج على سجن المُخرجَين بناه ...
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (2-2)
- ثنائية العاشق والمعشوق في قصائد جلال زنكابادي (1-2)
- علاقة اليهود العراقيين بالموسيقى العراقية
- التعريّة والتأليب في القصيدة المُضادة لجلال زنكابادي
- مُخرجون مُستقلون يُعيدون للسينما التركية هيبتها المفقودة
- تجاور الأجناس الإبداعية في رواية (الحزن الوسيم) لتحسين كرميا ...
- حلاوة اللغة المموسقة وطلاوة الأسلوب الشعري في (تقاسيم على ال ...
- بابِك أميني: السينما الكردية غير معروفة للعالم
- قصّة رومانسيّة تميط اللثام عن الصراع الطبقي في الهند
- حينما يقع الامام في حب فتاة كاثوليكية: المسبحة الخطأ... محاو ...
- ضمن فعاليات مهرجان لندن الأدبي بانيبال تحتفي بالشعر الإمارات ...
- ستة منعطفات أساسية في فيلم (الأخضر بن يوسف) لجودي الكناني
- الثيمات المُستفِزَّة في فيلم (بصرة) لأحمد رشوان
- ( كتاب الصيف) لسيفي تيومان. . قصة غير درامية، وايقاع بطئ، وك ...
- محمد توفيق وتقنية البنية الرباعية في فيلم (نورا)
- مقاومة الرؤية النازية عبر الخطاب السينمائي . . (عازف البيانو ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ورود الموسوي: أنا بسبع حوّاس، والمرأة المعذّبة هي جل اهتمامي(2)